فصل: الحديث الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.باب اسْتِحْبَاب الْخطْبَة فِي النِّكَاح وَمَا يُدعَى بِهِ للمتزوج:

ذكر فِيهِ سِتَّة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أَجْذم».
هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة، وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ وَأَبُو عوَانَة الإِسْفِرَايِينِيّ فِي أول صَحِيحه الْمخْرج عَلَى مُسلم وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صحيحيه وَرُوِيَ مُرْسلا وموصولاً، وَرِوَايَة الْمَوْصُول إسنادها جيد عَلَى شَرط مُسلم، وَادَّعَى النَّسَائِيّ أَن رِوَايَة الْإِرْسَال أولَى بِالصَّوَابِ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ، فَقَالَ: يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ عبيد الله بن مُوسَى وَابْن أبي الْعشْرين والوليد بن مُسلم، وَابْن الْمُبَارك، وَأَبُو الْمُغيرَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة عَن أَبَى هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك لم يذكر قُرَّة، وَرَوَاهُ وَكِيع عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سعيد فَقَالَ لَهُ الوصيف، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه. قَالَ: وَالصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا.
قلت: وَلمن رجح الْوَصْل أَن يَقُول: هِيَ زِيَادَة من ثِقَة قبلت، وقرة من رجال مُسلم وَإِن تكلم فِيهِ، وَقد توبع عَلَيْهِ، فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الْوَلِيد، عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن الزُّهْرِيّ مَوْصُولا كَرِوَايَة قُرَّة، وَهِي مُتَابعَة جَيِّدَة، وَله شَاهد أَيْضا من حَدِيث كَعْب مَرْفُوعا: «كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد أقطع» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه لَا جرم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: رجال هَذَا الحَدِيث رجال الصَّحِيحَيْنِ جَمِيعًا سُوَى قُرَّة؛ فَإِنَّهُ مِمَّن انْفَرد مُسلم عَن البُخَارِيّ بالتخريج لَهُ، ثمَّ حكم عَلَى الحَدِيث بالحُسن وَلَا يلْتَفت إِلَى تَضْعِيف صَاحب الشَّامِل لَهُ حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الْوَلِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ضَعِيف. وَقد قيل: أَنه مَوْقُوف عَلَى أبيِ هُرَيْرَة، هَذَا كَلَامه وَلم يبد علته، وَلَعَلَّه أعله بِتَضْعِيف قُرَّةَ أَو بِاْلَوقْفِ، وقَد عَلمت أَن الصَّوَاب حسنه، وَأَن أَبَا عوَانَة وَابْن حبَان صَحَّحَاهُ، ثمَّ هَذَا الحَدِيث ورد بِأَلْفَاظ ذكر الرَّافِعِيّ مِنْهَا مَا سلف ثمَّ قَالَ وَيروَى: «كل أمرٍ ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أَجْذم» وَلَفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: «كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أَجْذم» وَلَفظ ابْن مَاجَه: «كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أقطع» وَهُوَ لفظ ابْن حبَان، وَفِي لفظ: «كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِذكر الله فَهُوَ أَبتر» وَفِي لفظ: «كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم» وَفِي لفظ: «لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع» رَوَى هَذِه الْأَلْفَاظ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه.
فَائِدَة: مَعْنَى «ذِي بَال»: حَالَ يهتم بِهِ، و«أقطع» و«أَجْذم»: قَلِيل الْبركَة.

.الحديث الثَّانِي:

عَن عبد الله بن مَسْعُود مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا قَالَ: «إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يخْطب لحَاجَة من النِّكَاح أَو غَيره فَلْيقل: الْحَمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور؟ أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَات: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ، وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبًا، يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدًا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزًا عَظِيما».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مَرْفُوعا أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لِابْنِ مَاجَه وَالْحَاكِم إِلَّا أَن ابْن مَاجَه قَالَ: «وَمن سيئات أَعمالنَا» بِإِثْبَات «من» وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحَاكِم «سيئات أَعمالنَا» وَفِي أول رِوَايَة ابْن مَاجَه: «إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أُوتي جَوامع الْخَيْر وخواتيمه- أَو قَالَ: فواتح الْخَيْر- فَعلمنَا خطْبَة الصَّلَاة وخطبة الْحَاجة. فَذكر خطْبَة الصَّلَاة، ثمَّ خطْبَة الْحَاجة» وَفِي أول رِوَايَة الْحَاكِم: «علمنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة الْحَاجة...» فَذكره، وَلَفظ أبي دَاوُد كالحاكم إِلَّا أَنه لم يذكر «نحمد» وَلَفظ النَّسَائِيّ: «علمنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّشَهُّد فِي الْحَاجة: إِن الْحَمد لله، نستعينه...» إِلَى آخِره، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ مثله، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ ثَنَا شُعْبَة ثَنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة بن عبد الله يحدث عَن أَبِيه، قَالَ: علمنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة الْحَاجة: «الْحَمد لله- أَو إِن الْحَمد لله- نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. ثمَّ يقْرَأ الثَّلَاث آيَات: {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نَفْس واحدةَ وخلقَ مِنْهَا زَوجهَا}، {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته} الْآيَة، ثمَّ يقْرَأ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدًا} إِلَى آخر الْآيَة. ثمَّ تَتَكَلَّم بحاجتك». قَالَ شُعْبَة: قلت لأبي إِسْحَاق: هَذِه فِي خطْبَة النِّكَاح أَو فِي غَيرهَا؟ قَالَ: فِي كل حَاجَة وَهُوَ حَدِيث صَحِيح لَوْلَا الِانْقِطَاع الذي فِيهِ بِسَبَب عدم سَماع أبي عُبَيْدَة من أَبِيه.
وَقد رَوَاهُ شُعْبَة مرّة، عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: وَأرَاهُ عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله مَرْفُوعا، رَوَاهُ الْحَاكِم كَذَلِك، وَرَوَاهُ إِسْرَائِيل بن يُونُس، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص وَأبي عُبَيْدَة أَن أَبَا عبد الله قَالَ: «علمنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكره وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه مَرْفُوعا وَرَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق لَيْسَ فِيهِ أَبَا عُبَيْدَة أصلا؛ رَوَاهُ من حَدِيث قَتَادَة، عَن عبد ربه، عَن أبي عِيَاض، عَن ابْن مَسْعُود «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا تشهد قَالَ: الْحَمد لله، نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، من يهد الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، أرْسلهُ بِالْحَقِّ بشيرًا وَنَذِيرا بَين يَدي السَّاعَة، من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن يعصهما؛ فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا نَفسه وَلَا يضر الله شَيْئا» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث وَاصل الأحدب عَن شَقِيق، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّد وَالْخطْبَة كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن. فَذكر التَّشَهُّد وَالْخطْبَة: الْحَمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. {وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام}» فَذكره إِلَى قَوْله {رقيبًا} «يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدًا فَذكره إِلَى قَوْله {فوزًا عَظِيما}».
قَالَ التِّرْمِذِيّ- بعد أَن رَوَاهُ كَمَا- مر هَذَا حَدِيث حسن، رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله مَرْفُوعا وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي عبيدةٍ، عَن عبد الله مَرْفُوعا وكلا الْحَدِيثين صَحِيح؛ لِأَن إِسْرَائِيل جَمعهمَا فَقَالَ: عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص وَأبي عُبَيْدَة عَن عبد الله مَرْفُوعا، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بعد قَوْله: «وَرَسُوله، أرْسلهُ بِالْحَقِّ بشيرًا وَنَذِيرا بَين يَدي السَّاعَة، من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن يعصهما فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا نَفسه ولَا يضر الله شَيْئا» وَفِي إسنادهما اثْنَان:
أَحدهمَا: عمرَان بن دَاوُد- بالراء فِي آخِره- الْقطَّان، وَفِيه مقَال، تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَوَثَّقَهُ عَفَّان بن مُسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ خَ وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ يَحْيَى الْقطَّان.
ثَانِيهمَا: عبد ربه بن يزِيد قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا يعرف رَوَى عَنهُ غير قَتَادَة.
وَأما رِوَايَة الْمَوْقُوف فأخرجها أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه، وَقد علمت مَا فِي ذَلِك.

.الحديث الثَّالِث وَالرَّابِع:

ذكر الرَّافِعِيّ أَنه يسْتَحبّ فِي آخر الْخطْبَة ذكر الْحَدِيثين السالفين فِي أول النِّكَاح، وهما حَدِيث «تناكحوا تكثروا» وَحَدِيث «النِّكَاح سنتي» وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِمَا هُنَاكَ.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول للْإنْسَان إِذا تزوج: بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك، وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير» هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَالنَّسَائِيّ فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفأ الْإِنْسَان- إِذا تزوج- قَالَ: بَارك الله...» الحَدِيث، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَجزم بِهَذِهِ الْمقَالة- أَعنِي: كَونه عَلَى شَرط مُسلم- صَاحب الاقتراح وَفِي مُسْند الدَّارمِيّ من حَدِيث يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن قَالَ: سمعته يَقُول: «قدم عقيل بن أَبَى طَالب الْبَصْرَة فَتزَوج امْرَأَة من بني جشم، فَقَالُوا لَهُ: بالرفاء والبنين، فَقَالَ: لَا تَقولُوا ذَلِك؛ إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا عَن ذَلِك وأمرنا أَن نقُول: بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك».
فَائِدَة: مَعْنَى رَفَأ- بِفَتْح الرَّاء وَالْفَاء-: دَعَاهُ وهنأه، والرفاء- بِالْمدِّ- هُوَ الدُّعَاء بِالْإِنْفَاقِ وَحسن الِاجْتِمَاع، يُقَال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وَأَصله من رف الثَّوْب، وَهُوَ إِصْلَاحه.

.الحديث السَّادِس:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: تزوجت؟ قلت: نعم، قَالَ: بَارك الله لَك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم.

.باب أَرْكَان النِّكَاح:

ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فثمانية:

.الحديث الأول:

«أَن الْأَعرَابِي الَّذِي خطب الواهبة قَالَ للنَّبِي: زوجنيها. فَقَالَ: زوجتكها. وَلم ينْقل أَنه قَالَ بعد ذَلِك: قبلت».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، جِئْت أهب لَك نَفسِي. قَالَ: فَنظر إِلَيْهَا رَسُول فَصَعدَ النّظر وَصَوَّبَهُ، ثمَّ طأطأ رَأسه، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَة أَنه لم يقْض فِيهَا شَيْئا جَلَست، فَقَامَ رجل من أَصْحَابه فَقَالَ: يَا رَسُول الله، زوجنيها إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة...» ثمَّ ساقا الحَدِيث إِلَى أَن قَالَا: «اذْهَبْ؛ فقد ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فقد زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن» وَلِلْحَدِيثِ أَلْفَاظ أوضحتها فِي شرحي للعمدة مَعَ حِكَايَة الْخلاف فِي اسْم هَذِه الواهبة، وَأشهر الْأَقْوَال فِيهَا أَنَّهَا أم شريك، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: مَا ملخصه أَن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ بِأَلْفَاظ: «زوجتكها» «أنكحتكها» «ملكتكها» «أملكتكها» وَقد تكلمنا عَلَى هَذِه الْأَلْفَاظ فِي الشَّرْح الْمَذْكُور بِمَا تقر بِهِ عَيْنك ويشرح بِهِ صدرك.

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول نهَى عَن نِكَاح الشّغَار، والشغار: أَن يُزَوّج الرجل ابْنَته عَلَى أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته وَلَيْسَ بَينهمَا صدَاق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه، وَفِي رِوَايَة لَهما من حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الشّغَار، قلت لنافع: مَا الشّغَار؟ قَالَ: أَن ينْكح ابْنة الرجل وينكحه ابْنَته بِغَيْر صدَاق، وينكح أُخْت الرجل وينكحه أُخْته بِغَيْر صدَاق».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «وبضع كل وَاحِد مِنْهُمَا مهر الْأُخْرَى».
قلت: غَرِيبَة، قَالَ: وَورد فِي بعض الرِّوَايَات «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهَى عَن نِكَاح الشّغَار» وَهُوَ أَن يُزَوّج ابْنَته عَلَى أَن يُزَوجهُ صَاحبه ابْنَته أَي وَلم يذكر فِيهِ كَون بضع كل وَاحِدَة صَدَاقا لِلْأُخْرَى، وَهَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي الله عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الشّغَار، والشغار: أَن يَقُول الرجل للرجل زَوجنِي ابْنَتك وأزوجك ابْنَتي، وزوجني أختك وأزوجك أُخْتِي».
فَائِدَة: النَّهْي عَن الشّغَار أخرجه أَيْضا مُسلم من حَدِيث جَابر، وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أنس، وَرَوَاهُ غير ذَلِك من الصَّحَابَة أَيْضا.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: لما ذكر تَفْسِير الشّغَار فِي الحَدِيث، نقل عَن الْأَئِمَّة أَن هَذَا التَّفْسِير يجوز أَن يكون مَرْفُوعا، وَيجوز أَن يكون من عِنْد ابْن عمر.
قلت: قد أسلفناه من كَلَام نَافِع.
وَقَالَ الْخَطِيب فِي كِتَابه المدرج: تَفْسِير الشّغَار لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هُوَ قَول مَالك، وصل بِالْمَتْنِ الْمَرْفُوع، وَقد بَين ذَلِك القعْنبِي وَغَيره، ففصلوا كَلَامه من كَلَام رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذكر كَلَام عبيد الله السالف عَن نَافِع.
وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: التَّفْسِير فِي حَدِيث ابْن عمر لَا أَدْرِي هَل هُوَ من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من ابْن عمر، أَو من نَافِع، أَو من مَالك ثمَّ ذكر الْبَيْهَقِيّ مَا يَنْفِيه عَن مَالك ويثبته عَن نَافِع.

.الحديث الثَّالِث:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن نِكَاح الْمُتْعَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من هَذَا الْوَجْه، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث سَلمَة وسبرة بن معبد، وَأخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث عمر، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
فَائِدَة: وَقع فِي وَقت تَحْرِيمهَا اضْطِرَاب، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَحْرِيمهَا يَوْم خَيْبَر، وَفِي مُسلم تَحْرِيمهَا عَام الْفَتْح، وَفِي غَيرهمَا يَوْم تَبُوك وغلطوا هَذِه الرِّوَايَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: عَام الْعصبَة سنة سبع. وَقَالَ أَيْضا الْمَقْدِسِي: أَكثر الرِّوَايَات عَلَى أَنَّهَا عَام الْفَتْح. وَترْجم ابْن حبَان فِي صَحِيحه تَحْرِيمهَا يَوْم خَيْبَر بعد التَّرَخُّص، ثمَّ أَبَاحَهَا لَهُم ثَلَاثَة أَيَّام يَوْم الْفَتْح بعد نَهْيه عَنْهَا يَوْم خَيْبَر ثمَّ نهَى عَنْهَا مرّة ثَانِيَة، ثمَّ حرمهَا يَوْم الْفَتْح تَحْرِيم الْأَبَد، ثمَّ رَوَى بأسانيده كل ذَلِك، وَلَفظه فِي آخرهَا فِي حَدِيث الرّبيع بن سُبْرَة الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الْمُتْعَة وَقَالَ: إِنَّهَا حرَام من يومكم هَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ رَوَى من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع «رخص رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام أَوْطَاس فِي الْمُتْعَة ثَلَاثًا، ثمَّ نَهَانَا عَنْهَا» قَالَ ابْن حبَان: وعام أَوْطَاس وعام الْفَتْح وَاحِد؛ فَلَا مضادة بَينهمَا. والرافعي أجمل القَوْل فِي ذَلِك فَقَالَ: كَانَ ذَلِك جَائِزا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام ثمَّ نسخ.

.الحديث الرَّابِع:

عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والْمعرفَة من حَدِيث عبد الله بن مُحَرر- وَهُوَ مَتْرُوك- عَن قَتَادَة، عَن الْحسن عَنهُ مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء إِلَى قَوْله: «وشاهدي عدل» فِي الْمعرفَة من طَرِيق بَقِيَّة عَن عبد الله بن مُحَرر قَالَ: وَهُوَ ثَابت عَن ابْن عَبَّاس وعدة من الصَّحَابَة.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَكَذَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي بِإِسْقَاط عمرَان، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا- فَإِن أَكثر أهل الْعلم يَقُولُونَ بِهِ.
قلت: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عمرَان عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَيْسَ بِشَيْء. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر هَذَا الحَدِيث دَلِيلا عَلَى اعْتِبَار الشُّهُود فِي النِّكَاح، ويغني عَنهُ حَدِيث عَائِشَة السالف فِي أثْنَاء الخصائص.

.الحديث الخَامِس:

عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَحَدِيث أبي مُوسَى فِيهِ اخْتِلَاف رَوَاهُ إِسْرَائِيل وَشريك بن عبد الله وَأَبُو عوَانَة وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَقيس بن الرّبيع، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَسْبَاط بن مُحَمَّد وَزيد بن حباب، عَن يُونُس بن أبي أسْحَاق، عَن أبي إسحاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا وَرَوَاهُ أَبُو عبيد الْحداد، عَن يُونُس، عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا نَحوه. وَلم يذكر فِيهِ عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن يُونُس عَن أبي بردة مَرْفُوعا أَيْضا. قَالَ: وَرَوَى شُعْبَة، وَالثَّوْري، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة مَرْفُوعا «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي».
قلت: يجوز أَن يكون أرْسلهُ مرّة؛ لكَونه استفتاء، وأسنده أُخْرَى لكَونه تحديثًا. قَالَ: وَقد ذكر بعض أَصْحَاب سُفْيَان عَن سُفْيَان عَن أبي مُوسَى- وَلَا يَصح- قَالَ: وَرِوَايَة هَؤُلَاءِ الَّذين رَوَوْهُ عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» عِنْدِي أصح؛ لِأَن سماعهم من أبي إِسْحَاق فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة، وَإِن كَانَ شُعْبَة وَالثَّوْري أحفظ وَأثبت من جَمِيع هَؤُلَاءِ الَّذين رووا عَن أبي إسحاق؛ فَإِن رِوَايَة هَؤُلَاءِ عِنْدِي أشبه؛ لِأَن شُعْبَة وَالثَّوْري سمعا هَذَا الحَدِيث فِي مجْلِس وَاحِد من أبي إِسْحَاق. قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى ذَلِك: ثَنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا أَبُو دَاوُد، أبنا شُعْبَة قَالَ: سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ يسْأَل أَبَا إِسْحَاق: أسمعت أَبَا بردة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي»؟ قَالَ: نعم. فَدلَّ فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى أَن سَماع شُعْبَة وَالثَّوْري هَذَا الحَدِيث فِي وَقت وَاحِد، وَإِسْرَائِيل هُوَ أثبت فِي أبي إِسْحَاق سَمِعت مُحَمَّد بن الْمثنى يَقُول: سَمِعت ابْن مهْدي يَقُول: مَا فَاتَنِي من حَدِيث الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق الَّذِي فَاتَنِي إِلَّا لما اتكلت بِهِ عَلَى إِسْرَائِيل؛
لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِهِ أتم. قَالَ: وَالْعَمَل فِي هَذَا الْبَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن بعدهمْ، وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَعنِي حَدِيث أبي مُوسَى من طرق، ثمَّ قَالَ: سمع هَذَا الْخَبَر أَبُو بردة عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا فَمرَّة كَانَ يحدث بِهِ مُسْندًا، وَمرَّة يُرْسِلهُ، وسَمعه أَبُو إِسْحَاق من أبي بردة مُرْسلا وَمُسْندًا مَعًا فَمرَّة كَانَ يحدث بِهِ مُسْندًا وَتارَة مُرْسلا، قَالَ: فَالْخَبَر صَحِيح مُرْسل ومسند مَعًا لَا شكّ وَلَا ارتياب فِي صِحَّته. وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه من طرق كَثِيرَة، وبسطها أحسن بسط، أخرجه من حَدِيث النُّعْمَان بن عبد السَّلَام عَن شُعْبَة، وسُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: قد جمع النُّعْمَان هَذَا بَين شُعْبَة وَالثَّوْري فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَوَصله عَنْهُمَا، والنعمان ثِقَة مَأْمُون. قَالَ: وَقد رَوَاهُ جماعات من الثِّقَات عَن الثَّوْريّ عَلَى حِدة، وَعَن شُعْبَة عَلَى حِدة فوصلوه. قَالَ: فَأَما إِسْرَائِيل بن يُونُس بن إِسْحَاق الثِّقَة الْحجَّة فِي حَدِيث جده أبي إِسْحَاق فَلم يخْتَلف عَنهُ فِي وصل هَذَا الحَدِيث. ثمَّ سَاقه من طرق إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة. قَالَ: وَقد وَصله الْأَئِمَّة المتقدمون الَّذين ينزل فِي رواياتهم عَن إِسْرَائِيل، مثل: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ووكيع وَيَحْيَى بن آدم وَيَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة وَغَيرهم، وَقد حكمُوا لهَذَا الحَدِيث بِالصِّحَّةِ، قَالَ ابْن مهْدي: كَانَ إِسْرَائِيل يحفظ حَدِيث أبي إِسْحَاق كَمَا يحفظ الْحَمد. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: قَالَ أَبُو مُوسَى: كَانَ ابْن مهْدي يثبت حَدِيث إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق يَعْنِي: فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي وَقَالَ حَاتِم بن يُونُس الْجِرْجَانِيّ: قلت لأبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: مَا تَقول فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي؟ فَقَالَ: لَا يجوز. فَقلت: مَا الْحجَّة فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: ثَنَا قيس بن الرّبيع، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بُردة، عَن أَبِيه. قلت: فَإِن شُعْبَة وَالثَّوْري يرسلانه! قَالَ: فَإِن إِسْرَائِيل قد تَابع قيسا قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: حَدِيث إِسْرَائِيل صَحِيح فِي «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: سَأَلت مُحَمَّد بن يَحْيَى عَن هَذَا الْبَاب فَقَالَ: حَدِيث إِسْرَائِيل صَحِيح عِنْدِي. قلت لَهُ: رَوَاهُ شريك أَيْضا! فَقَالَ: من رَوَاهُ؛ فَقلت: ثَنَا بِهِ عَلّي بن حجر. وَذكرت لَهُ حَدِيث يُونُس عَن أبي إِسْحَاق وَقلت لَهُ: رَوَاهُ شُعْبَة وَالثَّوْري، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة مَرْفُوعا قَالَ: نعم هَكَذَا روياه، وَلَكنهُمْ كَانُوا يحدثُونَ بِالْحَدِيثِ فيرسلونه حَتَّى يُقَال لَهُم: عَمَّن؟ فيسندونه وَقَالَ الدَّارمِيّ: قلت ليحيى بن معِين: يُونُس بن أبي إِسْحَاق أحب إِلَيْك أَو ابْنه إِسْرَائِيل بن يُونُس؟ قَالَ: كلٌّ ثِقَة. قَالَ الْحَاكِم: وَقد وصل هَذَا الحَدِيث عَن أبي إِسْحَاق بعد هَؤُلَاءِ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ وَأَبُو عوَانَة الوضاح، وَقد أجمع أهل الْعلم عَلَى تقديمهما وحفظهما. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِمَا، ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: إِذا وجدت الحَدِيث من جِهَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة فَلَا تعدل إِلَى غَيره؛ فَإِنَّهُ من أثبت النَّاس. قَالَ الْحَاكِم: وَقد وصل هَذَا الحَدِيث أَيْضا عَن أبي إِسْحَاق جمَاعَة من أَئِمَّة الْمُسلمين غير من ذَكَرْنَاهُمْ، مِنْهُم: أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت، ورقبة بن مَسْقَلَة الْعَبْدي ومطرف بن طريف الْحَارِثِيّ، وَعبد الحميد الْهِلَالِي، وزَكَرِيا بن أبي زَائِدَة، وَغَيرهم. قَالَ: وَقد وَصله عَن أبي بردة جمَاعَة غير أبي إِسْحَاق، قَالَ مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر: قَالَ ابْن عقبَة: جَاءَنِي عَلّي بن الْمَدِينِيّ فَسَأَلَنِي عَن هَذَا الحَدِيث فَحدثت بِهِ عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا. فَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قد اسْتَرَحْنَا من الْخلاف عَلَى أبي إِسْحَاق، قَالَ الْحَاكِم: لست أعلم بَين أَئِمَّة هَذَا الْعلم خلافًا فِي عَدَالَة ابْن أبي إِسْحَاق، وَإِن سَمَاعه من أبي بردة مَعَ أَبِيه صَحِيح، وَلم يخْتَلف عَلَى يُونُس فِي وصل هَذَا الحَدِيث؛ فَفِيهِ الدَّلِيل الْوَاضِح أَن الْخلاف الَّذِي وَقع عَلَى أَبِيه فِيهِ من جِهَة أَصْحَابه لَا من جِهَة أبي إِسْحَاق. قَالَ: وَمِمَّنْ وصل هَذَا الحَدِيث عَن أبي بردة نَفسه: أَبُو حُصَيْن عُثْمَان بن عَاصِم الثَّقَفِيّ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ: قد استدللنا بالروايات الصَّحِيحَة وَمَا زَالَ أَئِمَّة هَذَا الْعلم عَلَى صِحَة هَذَا الحَدِيث بِمَا فِيهِ غنية لمن تَأمله. قَالَ: وَهُوَ أصل. قَالَ: وَلم يسع البُخَارِيّ وَمُسلم إخلاء الصَّحِيح مِنْهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه هَذَا الحَدِيث من الطّرق الْمَذْكُورَة، ثمَّ نقل عَن البُخَارِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» فَقَالَ: الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس ثِقَة، وَإِن كَانَ شُعْبَة وَالثَّوْري أَرْسلَاهُ فَإِن ذَلِك لَا يضر الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله: حَدِيث أبي بردة عَن أبي مُوسَى عِنْدِي- وَالله- أصح، وَإِن كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة لَا يذكران فِيهِ عَن أبي مُوسَى؛ لِأَنَّهُ قد ذكر فِي حَدِيث شُعْبَة أَن سماعهما جَمِيعًا فِي وَقت وَاحِد، وَهَؤُلَاء الَّذين رووا عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى سمعُوا فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة. قَالَ: وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق قد رَوَى هَذَا عَن أَبِيه، وَقد أدْرك يُونُس بعض مَشَايِخ أَبِيه؛ فَهُوَ قديم السماع، وَإِسْرَائِيل قد رَوَاهُ وَهُوَ أثبت أَصْحَاب أبي إِسْحَاق بعد شُعْبَة وَالثَّوْري.
قلت: فقد اتَّضَح بِكَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة صِحَة هَذَا الحَدِيث من طرقه، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
قَالَ الإِمَام أَحْمد أَحَادِيث: «أفطر الحاجم والمحجوم» و«لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» أَحَادِيث يسند بَعْضهَا بَعْضًا، وَأَنا أذهب إِلَيْهِمَا.
قلت: فَلَا يضر أَيْضا إرْسَال من أرْسلهُ كَمَا سلف.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم لما ذكر من أعله بِالْإِرْسَال فَكَانَ مَا إِذا صَحَّ إِسْنَاده قَالَ: وَمن رَوَاهُ من طَرِيق ضَعِيفَة كَأَنَّهُ لم يكن؛ فَإِن قلت: لَعَلَّ المُرَاد لَا نِكَاح فَاضل.
قلت: خلاف الْحَقِيقَة، وَالِاحْتِيَاط لَا يخْفَى، وَالنِّكَاح جدير بِهِ؛ فَإِن قلت: الْمُخَالف يَقُول: نوجبه؛ فَإِن الْمَرْأَة ولي.
قلت: خلاف الظَّاهِر، والمتبادر من اللَّفْظ، وَأَيْضًا فَالنِّكَاح لَا يَخْلُو من ولي أبدا، فَالَّذِي نَفَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام حَال الْوُقُوع، وَأَيْضًا لَو أَرَادَ ذَلِك لقَالَ إِلَّا بوليه؛ فَإِن قلت هَذَا كَقَوْلِهِم: أَرض خصبت، قلت: لَا؛ لِأَن فعيلاً بِمَعْنى مفعول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، أما فعيل بِمَعْنى فَاعل فَلَا؛ ككريم وكريمة وسخي وسخية، وَولي فعيل بِمَعْنى فَاعل؛ أَي: وَال.
فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث وَهُوَ «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» قد رَوَاهُ أَيْضا جماعات من الصَّحَابَة غير أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
رَوَاهُ: عَائِشَة، وَابْن عَبَّاس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعمْرَان بن حُصَيْن، وَأنس، ذكرهم التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَائِشَة... إِلَى آخِره، وَعلي بن أبي طَالب، وَابْن عَبَّاس، ومعاذ بن جبل، وَابْن عمر، وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، والمقداد بن الْأسود، وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَعبد الله بن عَمْرو، والمسور بن مخرمَة، ذكرهم الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَفَى الْبَاب عَن عَلّي... إِلَى آخِره.
وَوَافَقَ التِّرْمِذِيّ فِي أبي هُرَيْرَة، وَعمْرَان، وَأنس، وأبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَسمرَة بن جُنْدُب، وَمُحَمّد بن سَلمَة، وَعبادَة بن الصَّامِت، وَعُثْمَان بن عَفَّان، وواثلة بن الْأَسْقَع، وأبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ، وَمَعْقِل بن يسَار، وضمرة وأبي عبد الله بن ضَمرَة، والبراء بن عَازِب، وَابْن الزبير. ذكرهم ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه.
قَالَ الْحَاكِم: وَقد صحت الرِّوَايَة فِيهِ عَن أَزوَاج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَائِشَة، وَأم سَلمَة، وَزَيْنَب بنت جحش- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَجْمَعِينَ.
قلت: فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثُونَ صحابيًّا رووا هَذَا الحَدِيث؛ فَلَا يعدل عَنهُ، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.
وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيّ أَن أثبت الرِّوَايَات رِوَايَة أبي مُوسَى، وللحافظ شرف الدَّين الدمياطي فِيهَا.