فصل: الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع عشر:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَصَابَنَا مطر فِي يَوْم عيد فَصَلى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْعِيد فِي الْمَسْجِد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: عَن هِشَام بن عمار، نَا الْوَلِيد. قَالَ أَبُو دَاوُد: ونا الرّبيع بن سُلَيْمَان، نَا عبد الله بن يُوسُف، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا رجل من الفَرْويين- وَسَماهُ الرّبيع فِي حَدِيثه عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة- سمع أَبَا يَحْيَى عبيد الله التَّيْمِيّ يحدث، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنهم أَصَابَهُم مطر فِي يَوْم عيد فَصَلى بهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْعِيد فِي الْمَسْجِد».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن الْعَبَّاس بن عُثْمَان الدِّمَشْقِي، نَا الْوَلِيد، نَا عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة، قَالَ: سَمِعت أَبَا يَحْيَى فَذكر مثله وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن الْأَصَم، نَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، نَا عبد الله بن يُوسُف، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، حَدثنِي عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة، أَنه سمع أَبَا يَحْيَى عبيد الله التَّيْمِيّ يحدث، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنهم أَصَابَهُم مطر فِي يَوْم عيد فَصَلى بهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعِيد فِي الْمَسْجِد». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَأَبُو يَحْيَى التَّيْمِيّ صَدُوق، إِنَّمَا الْمَجْرُوح يَحْيَى بن عبيد الله ابْنه. وَقَالَ عبد الْحق: وَقع فِي بعض النّسخ من كتابي فِي آخر هَذَا الحَدِيث عبيد الله ضَعِيف عِنْدهم، وَكَانَ ذَلِك وهما مني، وَإِنَّمَا الْمُتَكَلّم فِيهِ ابْن أَخِيه عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن- قلت: وَمَا قَالَه هُوَ وَالْحَاكِم صَحِيح وهما ضعيفان، يَحْيَى بن عبيد الله قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَنَاكِير، لَا يعرف هُوَ وَلَا أَبوهُ. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِثِقَة. وَضَعفه أَيْضا النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان. وعبيد الله- قَالَ يَحْيَى: ضَعِيف. وَوَثَّقَهُ مرّة أُخْرَى، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث. عَلَى أَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَيْسَ فِي إِسْنَاده وَاحِد من هذَيْن الرجلَيْن، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا الْكَلَام من عبد الْحق يُعْطي إِعْطَاء بَينا صِحَة الحَدِيث عِنْده، وَمَا مثله يَصح للْجَهَالَة بِحَال عبيد الله بن عبد الله بن موهب وَالِد يَحْيَى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب المكنى بِهِ، وللجهل بِحَال عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى الْفَروِي رِوَايَة عَنهُ فِي كتاب أبي دَاوُد، بل لَا أعلمهُ مَذْكُورا فِي شَيْء من كتب الرِّجَال وَلَا فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَلما رَوَى الْوَلِيد بن مُسلم هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: ثَنَا رجل من الفرويين- وسَمَّاهُ الرّبيع بن سُلَيْمَان، عَن عبد الله بن يُوسُف عَنهُ فَقَالَ: «عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة»- وَلَا يعلم رَوَى عَن عبيد الله الْمَذْكُور- سُوَى ابْنه يَحْيَى- غير هَذَا الْفَروِي- الَّذِي هُوَ فِي حكم الْمَعْدُوم- وَغير ابْن أَخِيه عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن، فَالْحَدِيث لَا يَصح.
هَذَا آخر كَلَامه، وَفِيه نظر من وُجُوه:
أَحدهَا: تجهيله عبيد الله بن عبد الله بن موهب، فقد رَوَى عَن جمَاعَة، وعَنهُ ابْنه يَحْيَى، قَالَ التِّرْمِذِيّ: ضَعِيف تكلم فِيهِ شُعْبَة، كَذَا رَأَيْته بِخَط الصريفيني فِي كِتَابه، وَقد تبع الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه الْمُغنِي ابْن الْقطَّان فِي تجهيله.
ثَانِيهَا: تجهيله عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى، فقد قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن: عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة الْفَروِي هَذَا لَا يحْتَج بِهِ، هَذَا لَفظه، نعم لم أر ذَلِك لغيره، وَلم يذكر الْمزي والذهبي فِي تَرْجَمته فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا فِي حَقه، وَيبعد أَن يكون الْتبس عَلَيْهِ بِعِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن فَرْوَة الْمَتْرُوك.
ثَالِثهَا: قَوْله: وَلَا يعلم رَوَى عَن يَحْيَى هَذَا غير الْفَروِي، وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن، قد رَوَى عَنهُ أَيْضا ابْن الْمُبَارك ويعلى بن عبيد.

.الحديث الثَّامِن عشر:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يركب فِي عيد وَلَا جَنَازَة».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْجُمُعَة فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث التَّاسِع عشر:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى عَمْرو بن حزم حِين ولاه الْبَحْرين أَن عجل الْأَضْحَى، وَأخر الْفطر، وَذكر النَّاس».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن أبي الْحُوَيْرِث: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى عَمْرو بن حزم وَهُوَ بِنَجْرَان أَن أخر الْفطر وَعجل الْأَضْحَى وَذكر النَّاس».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، قَالَ: وَقد طلبته فِي سَائِر الرِّوَايَات بكتابه إِلَى عَمْرو بن حزم فَلم أَجِدهُ.
قلت: وَإِبْرَاهِيم قد عرفت حَاله فِي الطَّهَارَة وَغَيرهَا فأغنى عَن إِعَادَته.

.الحديث العشْرُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج فِي الْعِيد إِلَى الْمُصَلى وَلَا يَبْتَدِئ إِلَّا بِالصَّلَاةِ».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يتَنَفَّل قبل الْعِيد وَلَا بعْدهَا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى يَوْم الْفطر رَكْعَتَيْنِ لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا» الحَدِيث.
لَكِن فِي سنَن ابْن مَاجَه، من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ «رَسُول الله لَا يُصَلِّي قبل الْعِيد شَيْئا، فَإِذا رَجَعَ إِلَى منزله صَلَّى رَكْعَتَيْنِ». وَإِسْنَاده جيد، لَا جرم ذكره الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: هَذِه سنة غَرِيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ: «كَانَ رَسُول الله يفْطر قبل أَن يخرج إِلَى الْفطر، وَلَا يُصَلِّي قبل الصَّلَاة، فَإِذا قَضَى صلَاته صَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى قبل الْخطْبَة فِي يَوْم عيد». ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَغْدُو يَوْم الْفطر حَتَّى يَأْكُل تمرات ويأكلهن وترا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ مُسْندًا إِلَّا قَوْله: «ويأكلهن وترا» فَإِنَّهُ أخرجهَا تَعْلِيقا، وأسندها الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي صَحِيحه.
وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ إِذا كَانَ يَوْم الْفطر لم يخرج حَتَّى يَأْكُل تمرات يأكلهن وترا».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ: «كَانَ يفْطر يَوْم الْفطر عَلَى تمرات قبل أَن يَغْدُو». قَالَ: وَهُوَ عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَله شَاهد صَحِيح عَلَى شَرطه. فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى أنس أَيْضا قَالَ: «مَا خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفطر حَتَّى يَأْكُل تمرات ثَلَاثًا أَو سبعا أَو خمْسا، أَو أقل من ذَلِك، أَو أَكثر من ذَلِك وترا». وَرَوَاهَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى يطعم، وَلَا يطعم يَوْم الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّي».
هَذَا الحَدِيث حسن صَحِيح.
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَالتِّرْمِذِيّ فِي جامعه، وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمَا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بأسانيد صَحِيحَة من رِوَايَة ثوّاب- بتَشْديد الْوَاو- ابْن عتبَة الْمهرِي، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لفظ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه.
وَلَفظ أَحْمد: «كَانَ إِذا كَانَ يَوْم الْفطر لم يخرج حَتَّى يَأْكُل، وَإِذا كَانَ يَوْم النَّحْر لم يَأْكُل حَتَّى يذبح».
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «لَا يَأْكُل يَوْم النَّحْر حَتَّى يرجع فيأكل من أضحيته».
وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ لَا يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى يفْطر وَلَا يطعم يَوْم النَّحْر حَتَّى ينْحَر» وَلَفظ الْحَاكِم «حَتَّى يرجع» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «كَانَ إِذا رَجَعَ أكل من كبد أضحيته».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَلّي وَأنس. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد- يَعْنِي البُخَارِيّ-: لَا أعرف لثوّاب بن عتبَة غير هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وثوّاب هَذَا قَلِيل الحَدِيث وَلم يجرح بِنَوْع يسْقط بِهِ حَدِيثه، وَهَذِه سنة عزيزة من طَرِيق الرِّوَايَة مستفيضة فِي بِلَاد الْمُسلمين.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي صَحِيح؛ لِأَن ثوّابًا هَذَا بَصرِي ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن معِين رَوَاهُ عَنهُ عَبَّاس وَإِسْحَاق بن مَنْصُور. قَالَ: وَزِيَادَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا صَحِيحَة إِلَى ثوّاب الْمَذْكُور وَيَرْوِيه عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه.
قلت: وثواب أنكر أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة توثيقه كَمَا حَكَاهُ صَاحب التَّهْذِيب عَنْهُمَا، لَكِن قَالَ ابْن معِين: صَدُوق. قَالَ عَبَّاس الدوري: إِن كنت قد كتبت عَنهُ الضعْف فَهَذَا آخر قوليه. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث عَن ثوّاب أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، وَتَابعه أَبُو عُبَيْدَة الْحداد، وَرَوَاهُ عقبَة عَن ابْن بُرَيْدَة.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيسْتَحب فِي عيد الْفطر أَن يطعم شَيْئا قبل الْخُرُوج إِلَى الصَّلَاة، وَلَا يطعم فِي عيد الْأَضْحَى حَتَّى يرجع. رَوَاهُ أنس وَبُرَيْدَة وَغَيرهمَا من فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هُوَ كَمَا قَالَ، أما حَدِيث أنس وَبُرَيْدَة فقد فَرغْنَا مِنْهُمَا آنِفا، وَأما غَيرهمَا فقد قدمْنَاهُ عَن التِّرْمِذِيّ أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ فِي جامعه من حَدِيث أبي إِسْحَاق السبيعِي، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي «إِن من السّنة أَن تخرج إِلَى الْعِيد مَاشِيا وَأَن تَأْكُل قبل أَن تخرج» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن.
وَفِي تَارِيخ الْعقيلِيّ عَن عَلّي «رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى يطعم» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده غير مَحْفُوظ، وَمَتنه يرْوَى من وَجه أصلح من هَذَا.
وَرَوَاهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عمر أَيْضا رَوَاهُ الْعقيلِيّ من طَرِيقه بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَغْدُو يَوْم الْفطر حَتَّى يغدّي أَصْحَابه من صَدَقَة الْفطر».
وَفِي إِسْنَاده عمر بن صهْبَان خَال إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، قَالَ ابْن معِين: حَدِيثه لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. قَالَ الْعقيلِيّ: وَرَوَى مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِزَكَاة الْفطر أَن تُؤَدَّى قبل خُرُوج الإِمَام». وَهَذِه الرِّوَايَة أولَى.
وَرَوَاهُ أَيْضا جَابر بن سَمُرَة، رَوَاهُ أَبُو نعيم عَلَى مَا عزاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه إِلَيْهِ بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَغْدُو يَوْم الْفطر حَتَّى يَأْكُل سبع تمرات أَو سبع زبيبات».
وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده وَأَبُو يعْلى فِي مُعْجَمه من حَدِيث عبد الله بن عقيل، عَن عَطاء بن يسَار عَنهُ قَالَ: «كَانَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى يطعم».
وَرَوَاهُ أَيْضا صَفْوَان بن سليم، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي صَفْوَان بن سليم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يطعم قبل أَن يخرج إِلَى الجبان يَوْم الْفطر وَيَأْمُر بِهِ». قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب قَالَ: «كَانَ الْمُسلمُونَ يَأْكُلُون يَوْم الْفطر قبل الصَّلَاة وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِك يَوْم النَّحْر». قَالَ: وَأَنا مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ النَّاس يؤمرون بِالْأَكْلِ قبل الغدو يَوْم الْفطر» وَأَنا مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَنه كَانَ يَأْكُل قبل الغدو يَوْم الْفطر». وأَنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَنه كَانَ يَأْمر بِالْأَكْلِ قبل الْخُرُوج إِلَى الْمُصَلى يَوْم الْفطر».

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الْعِيدَيْنِ ثمَّ خطب بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَزِيَادَة: «وَأبي بكر وَعمر أَو عُثْمَان».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة وَبِدُون قَوْله: «ثمَّ خطب».
وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الْعِيد بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «شهِدت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعِيد وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم صَلَّى قبل الْخطْبَة بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة».
وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنهُ، وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَا: «لم يكن يُؤذن يَوْم الْفطر وَلَا يَوْم الْأَضْحَى».
وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة قَالَ: «صليت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعِيدَيْنِ غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة».

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: يكبر فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات سُوَى تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح والهَوِيّ إِلَى الرُّكُوع، وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات سُوَى تَكْبِيرَة الْقيام من السُّجُود والهوي إِلَى الرُّكُوع. لنا مَا رُوِيَ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر فِي الْفطر والأضحى فِي الأولَى سبعا وَفِي الثَّانِيَة خمْسا».
هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ مطابقًا لما اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- إِذْ يجوز أَن يكون دَلِيلا لِأَحْمَد فِيمَا ذهب إِلَيْهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ من أَن التَّكْبِير فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات بتكبيرة الِافْتِتَاح، نعم الحَدِيث الْآتِي نَص فِيمَا ذكره، وَكَذَا الطَّرِيق الثَّانِي من طرق هَذَا الحَدِيث الَّذِي نَحن فِيهِ كَمَا ستعلمه، وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا مَرْوِيّ من طرق أَحدهَا: عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولَى سبعا قبل الْقِرَاءَة، وَفِي الثَّانِيَة خمْسا قبل الْقِرَاءَة».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَهُوَ أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب. وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَغَيره أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ فِي علله: سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب شَيْء أصح مِنْهُ وَبِه أَقُول.
وَاعْلَم أَن فِي تَحْسِين التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث نظرا، وَقَول البُخَارِيّ أَنه لَيْسَ فِي الْبَاب أصح مِنْهُ. لَا يلْزم مِنْهُ تَصْحِيحه بل مُرَاده أَنه لَيْسَ فِي الْبَاب أصح مِنْهُ عَلَى علاته وَسبب ذَلِك ضعف كثير بن عبد الله رَاوِيه.
قَالَ الشَّافِعِي- كَمَا نَقله عَنهُ السَّاجِي وَابْن حبَان-: كثير ركن من أَرْكَان الْكَذِب.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ مرّة: مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَضرب عَلَى حَدِيثه فِي الْمسند وَلم يحدث بِهِ. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه. وَكَذَا قَالَ يَحْيَى، وَتَركه النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، ووهاه أَبُو زرْعَة، وَقَالَ ابْن حبَان: رَوَى عَن أَبِيه عَن جده نُسْخَة مَوْضُوعَة لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إلاّ عَلَى جِهَة التَّعَجُّب. وَقَالَ مطرف بن عبد الله: رَأَيْته وَكَانَ كثير الْخُصُومَة فَقَالَ لَهُ ابْن عمرَان: أَنْت رجل بطال تخاصم فِيمَا لَا تعرف وتدعي مَا لَيْسَ لَك بِلَا بَيِّنَة، فَلَا تقربني إلاّ أَن تراني قد تفرغت لأهل البطالة.
وَأورد لَهُ ابْن عدي أَحَادِيث مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ مِنْهَا هَذَا الحَدِيث ثمَّ قَالَ: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وجده عَمْرو بن عَوْف صَحَابِيّ يروي عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد أَحَادِيث، قَالَ ابْن السكن: فِيهَا نظر. وَقَالَ الْبَزَّار لم يرو عَنهُ إِلَّا ابْنه. وَقد أنكر جماعات عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه أَيْضا، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور: قَول التِّرْمِذِيّ إِن هَذَا الحَدِيث أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ أقبح حَدِيث فِي ذَلِك الْبَاب لِأَن كثير بن عبد الله الْمَذْكُور لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ بتخريج الْأَئِمَّة لَهُ وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: أَنا أتعجب من قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: فِي قَوْله هَذَا نظر؛ لِأَن كثيرا هَذَا ضَعِيف جدًّا فَلَعَلَّهُ اعتضد عِنْده بشواهد وَغَيرهَا.
قلت: وَالتِّرْمِذِيّ رَوَى لَهُ حَدِيثا فِي كتاب الْأَحْكَام من جامعه وَصَححهُ مَعَ الْحسن، وَالْإِنْكَار عَلَيْهِ أَشد، وسترى الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الصُّلْح إِن شَاءَ الله- تَعَالَى- وَلما ذكر عبد الْحق فِي أَحْكَامه هَذَا الحَدِيث قَالَ: صَححهُ البُخَارِيّ. فاعترضه ابْن الْقطَّان بِأَنَّهُ لم يُصَحِّحهُ إِنَّمَا قَالَ: لَيْسَ فِي الْبَاب أصح مِنْهُ. وَبِه أَقُول، وَلَيْسَ هَذَا بِنَصّ فِي تَصْحِيحه إِيَّاه إِذْ قد يَقُول هَذَا لأشبه مَا فِي الْبَاب وَإِن كَانَ كُله ضَعِيفا، فَإِن قيل: يُؤَكد مَفْهُوم عبد الْحق قَوْله: وَبِه أَقُول. فَالْجَوَاب إِن هَذِه اللَّفْظَة لَا أَدْرِي هَل هِيَ من كَلَام البُخَارِيّ أَو التِّرْمِذِيّ، وَهِي إِذا كَانَت من البُخَارِيّ كَانَ مَعْنَاهَا: وَبِه أَقُول وأفتي فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، وَإِلَيْهِ أذهب فِي عدد التَّكْبِير، وَإِن كَانَت من التِّرْمِذِيّ فمعناها: وَبِه أَقُول أَي إِن الحَدِيث الْمَذْكُور أشبه مَا فِي الْبَاب وأصحه. فَإِن قيل: وَهَذَا الْقَرار عَن ظَاهر الْكَلَام الْمَذْكُور مَا أوجبه؟ فَالْجَوَاب أَن تَقول: أوجبه أَن عبد الله بن عَمْرو وَالِد كثير هَذَا لَا يعرف حَاله، وَلَا يعلم رَوَى عَنهُ غير ابْنه كثير، وَكثير عِنْدهم مَتْرُوك الحَدِيث.
قلت: عبد الله هَذَا قد ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر فِي عيد ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة، سبعا فِي الأولَى وخمسًا فِي الْآخِرَة وَلم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي عَن عَمْرو بِهِ سَوَاء، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين: أَحدهمَا: «كبر فِي الْعِيدَيْنِ الْأَضْحَى وَالْفطر ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة، فِي الأولَى سبعا وَفِي الْآخِرَة خمْسا سُوَى تَكْبِيرَة الصَّلَاة» وَثَانِيهمَا «كبر فِي الْعِيد يَوْم الْفطر سبعا فِي الأولَى وَفِي الْآخِرَة خمْسا سُوَى تَكْبِيرَة الصَّلَاة».

.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر اثْنَتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة سُوَى تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وتَكْبِيرَة الرُّكُوع».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمَا، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة سُوَى تَكْبِير الِافْتِتَاح وَيقْرَأ ب {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} و{اقْتَرَبت السَّاعَة}». هَذَا لفظ الْحَاكِم وإِحْدَى رِوَايَات الدَّارَقُطْنِيّ: وَلَفظ أبي دَاوُد وَإِحْدَى رِوَايَات الدارقطني «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر فِي الْفطر والأضحى سبعا وخمسًا سُوَى تكبيرتي الرُّكُوع».
وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ سبعا فِي الأولَى، وخمسًا فِي الْآخِرَة سُوَى تكبيرتي الرُّكُوع».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِلَفْظ أبي دَاوُد ومداره عَلَى ابْن لَهِيعَة. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة، وَقد اسْتشْهد بِهِ مُسلم فِي موضِعين من صَحِيحه.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

قَالَ الرَّافِعِيّ لنا- أَي عَلَى أَن التَّكْبِير قبل الْقِرَاءَة- مَا رُوِيَ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر فِي الْفطر والأضحى: فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات قبل الْقِرَاءَة، وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات قبل الْقِرَاءَة».
هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا من حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْأَضْحَى وَالْفطر ب ق وَالْقُرْآن الْمجِيد واقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم، مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عبيد الله بن عبد الله «أَن عمر بن الْخطاب سَأَلَ أَبَا وَاقد اللَّيْثِيّ: مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَضْحَى وَالْفطر، قَالَ: كَانَ يقْرَأ ب ق وَالْقُرْآن الْمجِيد واقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر».
قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا ثَابت إِن كَانَ عبيد الله لَقِي أَبَا وَاقد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا لِأَن عبيد الله لم يدْرك أَيَّام عمر، ومسألته إِيَّاه، وبِهَذِهِ الْعلَّة ترك البُخَارِيّ إِخْرَاج هَذَا الحَدِيث، وَأخرجه مُسلم لِأَن فليحًا رَوَاهُ عَن ضَمرَة، عَن عبيد الله، عَن أبي وَاقد فَصَارَ الحَدِيث بذلك مَوْصُولا.
قلت: عبيد الله سمع أَبَا وَاقد بِلَا خلاف، فَالْحَدِيث ثَابت وَقد حسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي أَطْرَافه فِي مُسْند أبي وَاقد، وَسَمَاع عبيد الله من أبي وَاقد كافٍ فِي اتِّصَال الحَدِيث، ودع لَا يدْرك أَيَّام عمر؛ لِأَن الْجُمْهُور عَلَى أَن الشَّخْص إِذا لم يكن مدلسًا وَرَوَى عَن شخص لقِيه أَو أمكن لقاؤه لَهُ عَلَى هَذَا الْخلاف الْمَعْرُوف فَحَدِيثه مُتَّصِل كَيْفَمَا كَانَ اللَّفْظ، وَلَا نسلم أَن البُخَارِيّ تَركه لهَذِهِ الْعلَّة كَمَا ادَّعَاهُ الْبَيْهَقِيّ؛
لِأَن هَذِه عِلّة مفقودة فِي رِوَايَة فليح، نعم الْعلَّة عِنْده فِي ترك ضَمرَة بن سعيد فَإِنَّهُ لم يخرج لَهُ شَيْئا.
فَائِدَة: اسْم أبي وَاقد: الْحَارِث بن عَوْف وَقيل عَكسه، وَوهم من قَالَ أَنه بَدْرِي، نعم شهد الْفَتْح وَنزل فِي الآخر بِمَكَّة، وَمَات سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَلَعَلَّ الَّذِي شهد بَدْرًا سمي لَهُ، وَفِي الصَّحَابَة اثْنَان أَيْضا أَبُو وَاقد مولَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو وَاقد النميري وَلَا رَابِع لَهُم.
فَائِدَة ثَانِيَة: ثَبت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و{هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية}» وَهُوَ من أَفْرَاده، لَا كَمَا زعم ابْن الْجَوْزِيّ أَنه من الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي أحد طريقيه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ بَين الْحَدِيثين اخْتِلَاف فَإِنَّهُمَا محمولان عَلَى أَنَّهُمَا واقعين فَحَكَى كل مِنْهُمَا مَا رَأَى.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب عَلَى رَاحِلَته يَوْم الْعِيد».
هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب الْمُهَذّب، وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ، وَهُوَ حَدِيث ثَابت فِي سنَن النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، والسياق لَهُ من حَدِيث دَاوُد بن قيس، عَن عِيَاض بن عبد الله، أَخْبرنِي أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج يَوْم الْعِيد فَيصَلي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسلم فيقف عَلَى رَاحِلَته فيستقبل النَّاس وهم جُلُوس، فَيَقُول: تصدقوا تصدقوا. فَأكْثر من يتَصَدَّق النِّسَاء بالقرط والخاتم وَالشَّيْء، فَإِن كَانَت حَاجَة يُرِيد أَن يبْعَث بعثًا ذكره لَهُم وَإِلَّا انْصَرف». وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقد أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب يَوْم الْعِيد عَلَى رَاحِلَته». وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن وَكِيع، عَن دَاوُد بِهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب قَائِما عَلَى رَاحِلَته».
وَله طَرِيق ثَان، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «خرجت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفطر فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، ثمَّ ركب رَاحِلَته فَخَطب عَلَيْهَا، ثمَّ أَتَى النِّسَاء فخطبهن وحضهن عَلَى الصَّدَقَة، فَقَالَ: تصدقن يَا معشر النِّسَاء...» الحَدِيث.
وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي كَاهِل الأحمسي قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب النَّاس يَوْم عيد عَلَى نَاقَة خرماء، وَحبشِي مُمْسك بخطامها».
رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبَيْهَقِيّ كَذَلِك، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «رَأَيْته يخْطب عَلَى نَاقَة وَحبشِي آخذ بِخِطَام النَّاقة». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا، وَأَبُو كَاهِل هَذَا لَهُ رُؤْيَة وَمَات زمن الْحجَّاج، وَهُوَ قيس بن عَائِذ ذكره ابْن مَنْدَه وَفِي الصَّحَابَة أَيْضا أَبُو كَاهِل لَهُ حَدِيث طَوِيل مَوْضُوع، سَاقه أَبُو أَحْمد الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، وَلم أر فِي الصَّحَابَة من يكنى بِهَذِهِ الكنية غَيرهمَا.
وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث عَاصِم بن عَلّي: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار، عَن الهرماس بن زِيَاد قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب عَلَى رَاحِلَته العضباء يَوْم الْأَضْحَى وَأَنا مرتدف خلف أبي».
رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة زِيَاد الْبَاهِلِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته أَيْضا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي بكرَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب عَلَى رَاحِلَته يَوْم النَّحْر».