فصل: كتاب الْوكَالَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.كتاب الشّركَة:

كتاب الشّركَة:
ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَقُول الله تَعَالَى: أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه؛ فَإِذا خانه خرجتُ من بَينهمَا».
هَذَا الحَدِيث جيد الْإِسْنَاد.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن الزبْرِقَان عَن أبي حَيَّان يَحْيَى بن سعيد بن حَيَّان التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن الله تَعَالَى يَقُول...» فَذكره، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَخَالف ابْن الْقطَّان فأعله بوالد أبي حَيَّان وَقَالَ: لَا يعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف رَوَى عَنهُ غير ابْنه. وَتَابعه عَلَى ذَلِكَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان فَقَالَ: لَا يكَاد يعرف.
قلت: قد عرفه ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته وَذكر أَنه رَوَى عَنهُ مَعَ وَلَده الْحَارِث بن سُوَيْد.
قلت: وَرَوَى عَنهُ القَاضِي شُرَيْح أَيْضا؛ فَزَالَ مَا ادعياه. نعم أعله الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله بِالْإِرْسَال حَيْثُ رَوَاهُ جرير عَن أبي حَيَّان عَن أَبِيه مُرْسلا، وَقَالَ: إِنَّه الصَّوَاب. وَأخرج هَذَا الْمُرْسل فِي سنَنه أَيْضا بِلَفْظ: «يَد الله عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه؛ فَإِذا خَان أَحدهمَا صَاحبه رَفعهَا عَنْهُمَا». وَأخرج قبل هَذَا الْمُتَّصِل كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: قَالَ لوين: لم يسْندهُ غير أبي همام وَحده. قلت: هُوَ مُحَمَّد بن الزبْرِقَان السالف، وَهُوَ ثِقَة، فَيَأْتِي فِيهِ مَا فِي تعَارض الْمُرْسل مَعَ الْمُتَّصِل، وَله شَاهد من حَدِيث حَكِيم بن حزَام، أخرجه الْأَصْبَهَانِيّ فِي ترغيبه وترهيبه من حَدِيث أبي الْخَلِيل عَنهُ مَرْفُوعا: «البيعان بِالْخِيَارِ، وَيَد الله عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه؛ فَإِن صدقا وَبينا وَجَبت الْبركَة بَينهمَا، وَإِن كتما وكذبا محقت الْبركَة من بيعهمَا».
فَائِدَة: مَعْنَى «أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ»: أَنا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالرِّعَايَة؛
فأمدها بالمعونة فِي أموالهما وَأنزل الْبركَة فِي تجارتهما، فَإِذا وَقعت بَينهمَا الْخِيَانَة رفعت الْبركَة والإعانة عَنْهُمَا فَهُوَ مَعْنَى خرجت من بَينهمَا وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ آخر الحَدِيث: يَعْنِي أَن الْبركَة تنْزع من بَينهمَا. وَزَاد رُزين فِي آخِره: «وَجَاء الشَّيْطَان» وَهُوَ كِنَايَة أَيْضا فِي انتزاع الْبركَة من مَالهمَا.

.الحديث الثَّانِي:

«أَن السَّائِب بن يزِيد كَانَ شريك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن السَّائِب بن أبي السَّائِب «أَنه كَانَ يُشَارك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْإِسْلَام فِي التِّجَارَة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح جَاءَهُ فَقَالَ: مرْحَبًا بأخي وشريكي، كَانَ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه أَيْضا عَن مُجَاهِد، عَن قَائِد السَّائِب، عَن السَّائِب بن أبي السَّائِب قَالَ: «أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلُوا يثنون عليَّ ويذكروني، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أعلمكُم بِهِ. فَقلت: صدقت بِأبي وَأمي كنت شَرِيكي فَنعم الشَّرِيك؛ كنت لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه أَيْضا عَن السَّائِب «أَنه قَالَ للنَّبِي: كنت شَرِيكي فِي الْجَاهِلِيَّة؛ فَكنت خير شريك كنت لَا تداريني ولَا تماريني» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَيْضا، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه أَيْضا عَن مُجَاهِد، عَن السَّائِب بن أبي السَّائِب «أَنه كَانَ شريك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أول الْإِسْلَام فِي التِّجَارَة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح قَالَ: مرْحَبًا بأخي وشريكي لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد أبي دَاوُد وَالْحَاكِم وَلَفْظهمَا.
فَائِدَة: قد عرفت أَن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة السَّائِب بن أبي السَّائِب، وَاسم أبي السَّائِب صَيْفِي بن عَابِد، لَا السَّائِب بن يزِيد، ذَاك آخر ولد فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله عَن أَبِيه: رُوِيَ «أَن قيس بن السَّائِب كَانَ شريك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن عبد الله أَيْضا كَانَ شَرِيكه» قَالَ: وَعبد الله لَيْسَ بالقديم، وَكَانَ عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثا وَالشَّرِكَة بِأَبِيهِ أشبه وَقَالَ أَبُو عمر فِي الِاسْتِيعَاب: اخْتلف فِيمَن كَانَ شَرِيكه؛ فَمنهمْ من يَقُول: السَّائِب بن أبي السَّائِب، وَمِنْهُم من يَقُول: لأبي السَّائِب، وَمِنْهُم من يَقُول لقيس بن السَّائِب، وَقيل: لعبد الله بن السَّائِب، وَهَذَا اضْطِرَاب لَا يثبت بِهِ شَيْء وَلَا تقوم بِهِ حجَّة، والسائب بن أبي السَّائِب من الْمُؤَلّفَة، وَمِمَّنْ حسن إِسْلَامه مِنْهُم.
فَائِدَة ثَانِيَة: يدارئ مَهْمُوز وَمَعْنَاهُ يشاغب وَيُخَالف صَاحبه، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد وَقَالَ الْمُحب فِي أَحْكَامه: الرِّوَايَة يُدَارِي بِغَيْر همزَة ليزواج يُمَارِي. وَعبارَة ابْن الْأَثِير: المماراة المجادلة والملاحاة. قَالَ: وَوَقع فِي رِوَايَة رزين «كنت لَا تشاري». وَقَالَ: وَهِي الملاحاة. قَالَ: والمداراة المدافعة. وَهَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة قيس بن السَّائِب قَالَ: وَهُوَ شريك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة. وأخرجها أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك، وَهَذَا لَفظه: «وَكَانَ شَرِيكا فِي الْجَاهِلِيَّة لخير شريك لَا يُمَارِي وَلَا يشاري».

.الحديث الثَّالِث:

يَنْبَغِي أَن يعد أثرا، وَهُوَ «أَن الْبَراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم كَانَا شَرِيكَيْنِ».
وَهَذَا صَحِيح رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن يَحْيَى بن أبي بكير، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن نَافِع قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن دِينَار يذكر عَن أبي الْمنْهَال «أَن زيد بن أَرقم والبراء بن عَازِب كَانَا شَرِيكَيْنِ، فاشتريا فضَّة بِنَقْد ونسيئة، فَبلغ ذَلِكَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَمرهمَا أَن مَا كَانَ بِنَقْد فأجيزوه، وَمَا كَانَ بنسيئة فَردُّوهُ».
وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَلَيْسَ هُوَ بمرسل كَمَا يَبْدُو لَك من ظَاهره، لَا جرم أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عَمْرو بن عَلّي، أبنا أَبُو عَاصِم، عَن عُثْمَان- يَعْنِي: ابْن الْأسود- قَالَ: أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن أبي مُسلم قَالَ: سَأَلت أَبَا الْمنْهَال عَن الصّرْف يدا بيدٍ فَقَالَ: اشْتريت أَنا وَشريك لي شَيْئا يدا بيد ونسيئة، فجاءنا الْبَراء بن عَازِب فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: فعلت أَنا وشريكي زيد بن أَرقم وَسَأَلنَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِكَ قَالَ: «مَا كَانَ يدا بيدٍ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَة فَردُّوهُ».
وَهَذَا الحَدِيث أحسن مَا يسْتَدلّ بِهِ أَيْضا عَلَى الرَّاجِح عِنْد الْمُتَأَخِّرين فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة.

.كتاب الْوكَالَة:

كتاب الْوكَالَة:
ذكر فِيهِ عشرَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه وكل السعاة لأخذ الصَّدقَات».
هُوَ كَمَا قَالَ ثَبت، وَهَذَا قد أسلفناه وَاضحا فِي كتاب الزَّكَاة فَليُرَاجع مِنْهُ.

.الحديث الثَّانِي:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل عُرْوَة الْبَارِقي ليَشْتَرِي لَهُ أضْحِية».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب البيع فَرَاجعه من ثمَّ، وكرره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فِي قبُول نِكَاح أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان».
هَذَا الحَدِيث ذكره الْفُقَهَاء كلهم هَكَذَا وَذكره كَذَلِك الْمُحدثين: الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته فِي أَوَائِل كتاب النِّكَاح فِي أثْنَاء مَسْأَلَة النِّكَاح لَا تقف عَلَى الْإِجَازَة، وَأَنه قَالَ: إِن قيل: كَانَ صِحَة نِكَاح أم حَبِيبَة مَوْقُوفا عَلَى قبُول النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَا: بل كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عَمْرو بن أُميَّة وَكيلا لقبُول العقد، ثمَّ اسْتشْهد عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَة أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عَمْرو إِلَى النَّجَاشِيّ فَزَوجهُ أم حَبِيبَة». وَقَالَ فِي الْمعرفَة فِي النِّكَاح أَيْضا: «إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ وكل عَمْرو بن أُميَّة ليزوجه أم حَبِيبَة». روينَا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي أَنه حَكَاهُ. واسْتشْهد فِي السّنَن «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي إِلَى النَّجَاشِيّ فَزَوجهُ أم حَبِيبَة» وَهُوَ مُحْتَمل لِأَن يكون هُوَ الْوَكِيل فِي الْقبُول أَو النَّجَاشِيّ، وَقد قيل: إِن النَّجَاشِيّ عقد عَلَيْهَا عَنْهَا وَعَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ كَانَ أَمِير الْموضع وسلطانه وَهُوَ ظَاهر مَا فِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقيل: إِن الَّذِي زَوجهَا عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة ابْن ابْن عَم أَبِيهَا. وَقيل: خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة وَهُوَ ابْن ابْن عَم أَبِيهَا؛ لِأَنَّهَا أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة، وَالْعَاص هُوَ ابْن أُميَّة وَكَانَ أَبوهَا كَافِرًا إِذْ ذَاك لَا ولَايَة لَهُ مَعَ غيبته وَهُوَ الْمَذْكُور فِي السِّيرَة وَغَيرهَا، والْأُم للشَّافِعِيّ أَيْضا. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون النَّجَاشِيّ هُوَ الْخَاطِب عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والعاقد هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان، وَأصْدقهَا النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة دِينَار- وَقيل: مِائَتي دِينَار، وَقيل: أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم. وَرَأَيْت فِي الصِّحَاح لِابْنِ السكن أَرْبَعمِائَة دِرْهَم- وَهَذَا لَفظه: عَن أم حَبِيبَة قَالَت: «تزَوجنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا بِأَرْض الْحَبَشَة، فَزَوجهُ إِيَّاهَا النَّجَاشِيّ ومهرها من عِنْده أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَلم يُعْطهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا، وَبعث بهَا مَعَ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة» كَذَا هُوَ فِيهِ «أَرْبَعمِائَة دِرْهَم» وصَوَابه: أَرْبَعَة آلَاف. كَذَا هُوَ فِي مُسْند أَحْمد من هَذَا الْوَجْه. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن أَبَا سُفْيَان طلب من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا؛ مِنْهَا أَن يُزَوجهُ أم حَبِيبَة» هَذَا من الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة بالإشكال الْمَعْرُوفَة بالإعضال، وَوجه الْإِشْكَال: أَن أَبَا سُفْيَان إِنَّمَا أسلم يَوْم الْفَتْح، وَالْفَتْح سنة ثَمَان، وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد تزَوجهَا قبل ذَلِكَ بِزَمن طَوِيل. قَالَ خَليفَة بن خياط: وَالْمَشْهُور عَلَى أَنه تزَوجهَا سنة سِتّ، وَدخل بهَا سنة سبع. وَقيل: تزَوجهَا سنة سبع، وَقيل: سنة خمس، وَقد أوضحت الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال فِي شرح العُمْدة فِي كتاب النِّكَاح فَليُرَاجع مِنْهُ.

.الحديث الرَّابِع:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ وكل أَبَا رَافع فِي قبُول نِكَاح مَيْمُونَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا رَافع مَوْلَاهُ ورجلا من الْأَنْصَار، فزوجاه مَيْمُونَة بنت الْحَارِث وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قبل أَن يخرج» وَهَذَا مُرْسل، وَرَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، عَن مطر، عَن ربيعَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي رَافع «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة حَلَالا، وَبَنَى بهَا حَلَالا وَكنت أَنا الرَّسُول بَينهمَا» وحسنه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: وَلَا نعلم أحدا أسْندهُ غير حَمَّاد عَن مطر. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَاهُ مطر الْوراق، عَن ربيعَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي رَافع قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي غلط من مطر؛ لِأَن سُلَيْمَان بن يسَار ولد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ، وَقيل: سنة سبع وَعشْرين، وَمَات أَبُو رَافع بِالْمَدِينَةِ إِثْر قتل عُثْمَان، وَكَانَ قَتله فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ، فَغير مُمكن سَمَاعه وممكن أَن يسمع من مَيْمُونَة؛ لِأَنَّهَا توفيت سنة سِتّ وَسِتِّينَ بسرف وهِيَ مولاته ومولاة إخْوَته، أعتقتهم وولاؤهم لَهَا، ويستحيل أَن يخْفَى عَلَيْهِ أمرهَا.
قلت: وَأما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: أَنا أَظن أَن الحَدِيث الْمَذْكُور مُتَّصِل بِاعْتِبَار أَن يكون الصَّحِيح فِي مولد سُلَيْمَان قَول من قَالَ: سنة سبع وَعشْرين؛ فَيكون سنة نَحْو ثَمَانِيَة أَعْوَام يَوْم مَاتَ أَبُو رَافع، وَقد يَصح سَماع من هَذِه سنه.
وَقد ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة حَدِيث نزُول الأبطح، وَفِيه: عَن صَالح بن كيسَان أَنه سمع سُلَيْمَان بن يسَار يَقُول: أَخْبرنِي أَبُو رَافع... فَذكر الحَدِيث، فَفِي هَذَا ذكر سَمَاعه مِنْهُ.
قلت: وَرُوِيَ من غير حَدِيث أبي رَافع قَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدَّثَني إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُوسَى عَن الْمفضل بن أبي عبد الله، عَن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «لما أَرَادَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخُرُوج إِلَى مَكَّة بعث أَوْس بن خولي وَأَبا رَافع إِلَى الْعَبَّاس فَزَوجهُ مَيْمُونَة».
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَت مَيْمُونَة عِنْد أبي رهم، وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي وَكَانَ خرج مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقعدَة، فَلَمَّا بلغ مَوضِع كَذَا بعث جَعْفَر بن أبي طَالب فَخَطب مَيْمُونَة، فَجعلت أمرهَا إِلَى الْعَبَّاس، فَزَوجهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَرِوَايَة أبي رَافع السالفة أَنه تزَوجهَا حَلَالا تعارضه رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَنه تزَوجهَا محرما. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ فِي كتاب النِّكَاح حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ- إِن شَاءَ الله ذَلِكَ.

.الحديث الخَامِس:

عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر فَذَكرته لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِذا لقِيت وَكيلِي فَخذ مِنْهُ خَمْسَة عشر وسْقا؛ فَإِن ابْتَغَى مِنْك آيَة فضع يدك عَلَى ترقوته».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بَاب الْوكَالَة فِي آخر كتاب الْقَضَاء من سنَنه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن أبي نعيم وهب بن كيسَان، عَن جَابر أَنه سَمعه يحدث قَالَ: «أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر فَأتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلمت عَلَيْهِ، وَقلت لَهُ: إِنِّي أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر. فَقَالَ: إِذا أتيت وَكيلِي فَخذ مِنْهُ» إِلَى آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا بِزِيَادَة: «فَلَمَّا وليت دَعَاني فَقَالَ: خُذ مِنْهُ ثَلَاثِينَ وسْقا، فوَاللَّه مَا لآل مُحَمَّد بِخَيْبَر تَمْرَة غَيرهَا، فَإِن ابْتَغَى...» إِلَى آخِره.
فَائِدَة: الترقوة: الْعظم الَّذِي بَين ثغرة النَّحْر والمنكبين.
تَنْبِيه: هَذِه الْأَحَادِيث ذكرهَا الرَّافِعِيّ لإِثْبَات جَوَاز الْوكَالَة، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة شهيرة فِيهِ مِنْهَا مَا ذكره بعد فِي استنابته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي ذبح الْهَدْي، وَمِنْهَا قَوْله: «اذْهَبُوا بِهِ فارجموه»
وَمِنْهَا قَوْله: «واغد يَا أنيس...» إِلَى آخِره، وَمِنْهَا قَول أبي هُرَيْرَة: «وكلني النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حفظ زَكَاة رَمَضَان» وَغير ذَلِكَ من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الشهيرة.

.الحَدِيث السَّادِس:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أناب فِي ذبح الْهَدَايَا والضحايا».
أما فِي الْهَدَايَا فَصَحِيح ثَابت، كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَلّي «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أقوم عَلَى بدنه...» الحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي فِي الضَّحَايَا، وناب فِيهِ أَيْضا عَن غَيره كَمَا مر فِي الحَدِيث الْحَادِي عشر من بَاب بَيَان وُجُوه الْإِحْرَام، وَأما فِي الضَّحَايَا فَلَا يحضرني.

.الحَدِيث السَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قصَّة مَاعِز: اذْهَبُوا بِهِ فارجموه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أَتَى رجل من أسلم إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت! فَأَعْرض عَنهُ فَتنَحَّى تِلْقَاء وَجهه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت. فَأَعْرض عَنهُ، حَتَّى ثنى ذَلِكَ أَربع مَرَّات، فَلَمَّا شهد عَلَى نَفسه أَربع شَهَادَات دَعَاهُ، فَقَالَ: أبك جُنُون؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل أحصنت؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اذْهَبُوا بِهِ فارجموه» قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي من سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «فرجمناه بالمصلى، فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة هرب، حَتَّى أدركناه بِالْحرَّةِ فرجمناه» وَهَذَا الرجل هُوَ مَاعِز بن مَالك، كَمَا جَاءَ فِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره.

.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «واغد يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا؛ فَإِن اعْترفت فارجمها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي اللّعان وَالْحَد، وسنذكره هُنَاكَ بِكَمَالِهِ- إِن شَاءَ الله- فَإِنَّهُ أليق بِهِ.

.الحديث التَّاسِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: عقد الْإِمَارَة يقبل التَّعْلِيق عَلَى مَا قَالَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ «فَإِن أُصِيب زيد فجعفر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن عمر قَالَ: «أمَّرَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة مُؤْتَة زيد بن حَارِثَة فَقَالَ: إِن قتل زيد فجعفر، وَإِن قتل جَعْفَر فعبد الله بن رَوَاحَة. قَالَ ابْن عمر: فَكنت مَعَهم فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، والتمسنا جَعْفَر فوجدناه فِي الْقَتْلَى، وَوجدنَا فِيمَا أقبل من جسده بضعًا وَتِسْعين مَا بَين طعنة ورمية». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن عبد الله بن عمر وقف عَلَى جَعْفَر يَوْمئِذٍ وَهُوَ قَتِيل فعددت بِهِ خمسين بَين طعنة وضربة لَيْسَ مِنْهَا شَيْء فِي دبره».
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «فَوَجَدنَا بِمَا أقبل من جِسْمه بضعًا وَتِسْعين مَا بَين طعنة ورمية». وَرَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي قَتَادَة مطولا. وَرَوَاهُ ابْن إِسْحَاق مُرْسلا، فَقَالَ: مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير، عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى مُؤْتَة فِي جُمَادَى الأولَى سنة ثَمَان، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة وَقَالَ: إِن أُصِيب زيد فجعفر بن أبي طَالب عَلَى النَّاس؛ فَإِن أُصِيب جَعْفَر فعبد الله بن رَوَاحَة عَلَى النَّاس. فتجهز النَّاس وتهيئوا لِلْخُرُوجِ وهم ثَلَاثَة آلَاف...» وَذكر الحَدِيث.
فَائِدَة: مُؤْتَة- بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه-: مَوضِع من أَرض الشَّام من عمل البلقاء، قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه وَهُوَ قريب من الكرك، وَفِيه مشْهد عَظِيم فِي مَوضِع الْوَقْعَة، فِيهِ قُبُور الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين.

.الحديث العَاشِر:

رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا: «لَا نِكَاح إِلَّا بأَرْبعَة: بخاطب، وَوَلَّى، وشاهدين».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أبي الخصيب بن نَافِع بن ميسرَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة- رفعته-: «لابد فِي النِّكَاح من أَرْبَعَة: الْوَلِيّ، وَالزَّوْج، والشاهدين» ثمَّ قَالَ: أَبُو الخصيب هَذَا مَجْهُول. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آخر بَاب الْأَوْلِيَاء وأحكامهم فِي ربع النِّكَاح؛ فَإِنَّهُ أليق- إِن شَاءَ الله وَقدره.

.كتاب الْإِقْرَار:

كتاب الْإِقْرَار:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين:

.أَحدهمَا:

عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «قُولُوا الْحق وَلَو عَلَى أَنفسكُم».
وَهَذَا الحَدِيث تبع الرَّافِعِيّ فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ فِي وسيطه وَالْغَزالِيّ تبع فِيهِ إِمَامه فِي نهايته وَهُوَ حَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَلّي بن أبي طَالب قَالَ: «ضممت إليَّ سلَاح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدت فِي قَائِم سيف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رقْعَة فِيهَا: صل من قَطعك، وَأحسن إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْك، وَقل الْحق وَلَو عَلَى نَفسك».
عزاهُ صَاحب الْمطلب إِلَى جُزْء أبي عَلّي الْحسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن شَاذان الْبَزَّار، عَن أبي عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن السماك، ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد... فَذكره ثمَّ قَالَ: حَدِيث مُنْقَطع؛ لِأَن زين العابدين هُوَ عَلّي بن الْحُسَيْن جد جَعْفَر بن مُحَمَّد لم يدْرك عليًّا جده، وَقد أخرج هَذِه التَّرْجَمَة مَعَ انقطاعها ابْن مَاجَه، وَلَيْسَ فِي الْإِسْنَاد كَمَا قيل عِلّة تخرجه عَن أَن يحْتَج الْفُقَهَاء بِهِ إِلَّا الِانْقِطَاع، قَالَ: لكنه انجبر بِالْآيَةِ.
قلت: أما انْقِطَاعه فَلَا شكّ فِيهِ، قَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: لم يدْرك عَلّي بن الْحُسَيْن جده عليًّا. وَأما قَوْله: وَلَيْسَ فِي الْإِسْنَاد كَمَا قيل... إِلَى آخِره، فَهُوَ غلط من هَذَا الْقَائِل؛ فحسين بن زيد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ الْحُسَيْن بن زيد بن عَلّي بن الْحُسَيْن الْعلوِي. قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا نَعْرِف حَاله. وَغلط هَذَا أَيْضا فحالته قد عرفت.
قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هُوَ ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: تعرف وتنكر. وَقَالَ ابْن عدي: وجدت فِي حَدِيثه بعض النكرَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقد أسلفته لَك فِي بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر هُوَ الْحزَامِي الْحَافِظ أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ السَّاجِي: عِنْده مَنَاكِير. وَفِي صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان عَن الْحسن بن سُفْيَان، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن يَحْيَى الغساني، ثَنَا أبي، عَن جدي، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ذَر قَالَ: «دخلت الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس وَحده فَجَلَست إِلَيْهِ فَقلت...» وَذكر حَدِيثا مطولا، وَفِيه: «يَا رَسُول الله، زِدْنِي. قَالَ: قل الْحق وَإِن كَانَ مرًّا» وَإِبْرَاهِيم هَذَا، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: إِنَّه لم يطْلب الْعلم وَإنَّهُ كَذَّاب. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: صدق أَبُو حَاتِم؛ يَنْبَغِي أَن لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة- عَلَى مَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ-: كَذَّاب. وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته، وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيحه من طَرِيق آخر بِإِسْنَاد جيد، فَقَالَ: ثَنَا الْحسن بن إِسْحَاق الْأَصْبَهَانِيّ، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن يزِيد الْقطَّان، ثَنَا أَبُو دَاوُد، عَن الْأسود بن شَيبَان عَن مُحَمَّد بن وَاسع، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي بخصال من الْخَيْر: أَوْصَانِي بِأَن لَا أنظر إِلَى من هُوَ فَوقِي...» إِلَى أَن قَالَ: «وأوصاني أَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا».
وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلَفظه: «أَمرنِي بِسبع...» وَذكر مِنْهَا: «وَأَمرَنِي أَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا» وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن بديل بن ميسرَة، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر، وَلَفظه «أَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا».

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اغْدُ يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا؛ فَإِن اعْترفت فارجمها».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار «أَن عليًّا قطع عبدا بِإِقْرَارِهِ» وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.
نعم رَوَى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع «أَن ابْن عمر قطع عبدا سرق وَكَانَ آبق» وَقَالَ الشَّافِعِي كَمَا نَقله عَنهُ فِي الْمعرفَة: «وَقد أمرت عَائِشَة بِعَبْد أقرّ بِالسَّرقَةِ فَقطع» وَكَذَا أسْندهُ فِي السّرقَة من حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عمْرَة عَنْهَا.

.كتاب الْعَارِية:

كتاب الْعَارِية:
ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْعَارِية مَضْمُونَة والزعيم غَارِم».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الضَّمَان من رِوَايَة أبي أُمَامَة وَغَيره، لَكِن بِلَفْظ «مُؤَدَّاة» بدل «مَضْمُونَة» وَلَا يحضرني من خرجه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
نعم هُوَ فِي الحَدِيث الْآتِي عَلَى الإثر بعده، وَالْغَزالِيّ فِي وسيطه جمع بَين اللَّفْظَيْنِ تبعا لإمامه، وتبعا الشَّافِعِي؛ فَإِنَّهُ أورد فِي الْمُخْتَصر بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: «اسْتعَار عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ من صَفْوَان سِلَاحا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: عَارِية مَضْمُونَة مُؤَدَّاة» وَكَذَا ذكره الرّبيع عَن الشَّافِعِي كَذَلِك، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِنَّه مَرْوِيّ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ.
قلت: وَلَا يحضرني كَذَلِك فِي رِوَايَة، وَإِنَّمَا فِيهَا رِوَايَة «مُؤَدَّاة» وَفِي أُخْرَى «مَضْمُونَة» كَمَا ستعلمه فِي الحَدِيث الْآتِي عَلَى الإثر.

.الحديث الثَّانِي:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعَار أدرعًا من صَفْوَان يَوْم حنين فَقَالَ: أغصبًا يَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: بل عَارِية مَضْمُونَة».
هَذَا الحَدِيث مَوْجُود فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ وَله طرق:
إِحْدَاهَا: من حَدِيث صَفْوَان بن أُميَّة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعَار مِنْهُ أدرعًا يَوْم حنين. فَقلت: أغصب يَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: لَا؛ بل عَارِية مَضْمُونَة».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شريك، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أُميَّة بن صَفْوَان، عَن أَبِيه بِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا فِي سنَنه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَذكر لَهُ شَاهدا من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَسَيَأْتِي، زَاد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ: «فَضَاعَ بَعْضهَا، فَعرض عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يضمنهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنا الْيَوْم يَا رَسُول الله فِي الْإِسْلَام أَرغب» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ قيس بن الرّبيع عَن عبد الْعَزِيز عَن ابْن أبي مليكَة عَن أُميَّة بن صَفْوَان عَن أَبِيه.
قلت: ورده ابْن حزم فَإِنَّهُ ذكره فِي محلاه من طَرِيق النَّسَائِيّ وَقَالَ: لَا يَصح قَالَ: وَشريك مُدَلّس للمنكرات، وَقد رَوَى البلايا وَالْكذب الَّذِي لَا شكّ فِيهِ عَن الثِّقَات.
وَتَبعهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: إِنَّه من رِوَايَة شريك عَن عبد الْعَزِيز، وَلم يقل: ثَنَا وَهُوَ مُدَلّس. وَتوقف الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام فِي تَصْحِيحه من وَجه آخر، وَهُوَ معرفَة حَال أُميَّة بن صَفْوَان، فَقَالَ- بعد أَن عزاهُ إِلَى الْمُسْتَدْرك-: لَعَلَّه علم حَال أُميَّة.
قلت: وحالته مَعْلُومَة، أخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ: هَذَا الحَدِيث مَحْفُوظ عَن صَفْوَان بن أُميَّة، وَيروَى عَن أُميَّة بن صَفْوَان أَيْضا عَن أَبِيه. قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو زَكَرِيَّا من حَدِيث أُميَّة الْقرشِي.
قلت: وَرُوِيَ مُرْسلا من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه «أَن صَفْوَان بن أُميَّة أعَار رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سِلَاحا هِيَ ثَمَانُون درعًا، فَقَالَ لَهُ: أعارية مَضْمُونَة أم غصبا؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل عَارِية مَضْمُونَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أنس بن عِيَاض اللَّيْثِيّ عَن جَعْفَر بِهِ، ثمَّ قَالَ: وَبَعض هَذِه الْأَخْبَار وَإِن كَانَ مُرْسلا؛ فَإِنَّهُ يقوى بشواهد مَعَ مَا تقدم من الْمَوْصُول.
قلت: وَرَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة، عَن يَحْيَى بن أبي بكير، ثَنَا نَافِع، عَن صَفْوَان بن أُميَّة «أَنه اسْتعَار مِنْهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سِلَاحا قَالَ: مَضْمُونَة؟ فَقَالَ: مَضْمُونَة» رده ابْن حزم بِأَن قَالَ: الْحَارِث مَتْرُوك- وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ- وَيَحْيَى هَذَا لم يدْرك نَافِعًا، وَأَعْلَى من عِنْده شُعْبَة، وَلَا نعلم لنافع سَمَاعا من صَفْوَان أصلا، وَالَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَن صَفْوَان مَاتَ أَيَّام عُثْمَان قبل الْفِتْنَة.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث جرير، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أنَاس من آل عبد الله بن صَفْوَان أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَا صَفْوَان، هَل عنْدك من سلَاح؟ قَالَ: عَارِية أم غصبا؟ قَالَ: لَا؛ بل عَارِية. فأعاره مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين درعًا، وغزا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حنينًا، فَلَمَّا هزم الْمُشْركين جُمعت دروع صَفْوَان، ففقد مِنْهَا أدراعًا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا قد فَقدنَا من أدرعك أدراعًا، فَهَل نغرمها لَك؟ قَالَ: لَا يَا رَسُول الله؛ لِأَن فِي قلبِي الْيَوْم مَا لم يكن يَوْمئِذٍ».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي الْأَحْوَص، عَن ابْن رفيع، عَن عَطاء، عَن نَاس من أهل صَفْوَان... فَذكره بِمَعْنَاهُ.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعَار من صَفْوَان بن أُميَّة أدرعًا وسِلَاحا فِي غَزْوَة حنين، قَالَ: يَا رَسُول الله، أعارية مُؤَدَّاة؟ قَالَ: عَارِية مُؤَدَّاة» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك شَاهدا لحَدِيث صَفْوَان السالف أَولا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضي اللهُ عَنهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَار إِلَى حنين...» فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: «ثمَّ بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَفْوَان بن أُميَّة فَسَأَلَهُ أدراعًا عِنْده مائَة درع وَمَا يصلحها من عدتهَا، فَقَالَ: أغصبًا يَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: بل عَارِية مَضْمُونَة حَتَّى نؤديها إِلَيْك».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَقَبله شَيْخه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي أول مَنَاقِب سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان بن أُميَّة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعَار من صَفْوَان بن أُميَّة دروعًا فَهَلَك بَعْضهَا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شِئْت غرمناها لَك».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث إِسْرَائِيل عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة عَن عبد الرَّحْمَن بِهِ. وَعبد الرَّحْمَن هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي طبقَة التَّابِعين، وَذكره غَيره فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ لَهُ رِوَايَة. فَهَذِهِ طرق هَذَا الحَدِيث، وَبَعضهَا يقوى بِبَعْض، وَلما ذكر عبد الْحق فِي أَحْكَامه الطَّرِيق الأول من جِهَة النَّسَائِيّ قَالَ: حَدِيث يعْلى أصح مِنْهُ. وَحَدِيث يعْلى ذكره قبله من عِنْد أبي دَاوُد قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أتتك رُسُلِي فادفع إِلَيْهِم ثَلَاثِينَ درعًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا. فَقلت: يَا رَسُول الله، أعارية مَضْمُونَة أم عَارِية مُؤَدَّاة؟ قَالَ: بل مُؤَدَّاة» قَالَ ابْن الْقطَّان لماذا رجح عَلَيْهِ؟ ثمَّ بَينه بتدليس شريك كَمَا أسلفناه.
قلت: وَصحح حَدِيث يعْلى هَذَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه. وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه حَدِيث حسن لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا رُوِيَ فِي الْعَارِية خبر يَصح غَيره وَأما مَا سواهُ فَلَيْسَ يُسَاوِي الِاشْتِغَال بِهِ.
فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لِصَفْوَان فِيمَا مَضَى: «هَل نغرمها لَك» فِيهِ دلَالَة عَلَى أَنه لَا يجب عَلَى الْمُسْتَعِير البدار إِلَى مَا ضمنه بالعارية. قَالَ صَاحب الْمطلب: وَمِنْه يُؤْخَذ أَن الدَّين الْحَال إِذا لم يكن بِسَبَب مَعْصِيّة لَا يجب أَدَاؤُهُ قبل الطّلب. قَالَ: وَيحْتَمل أَنه قَالَ لَهُ ذَلِكَ لإِظْهَار حَاله للصحابة وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ عرف أَنه لَا يطْلب ذَلِكَ، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: «عَارِية مُؤَدَّاة».