فصل: كتاب ضَمَان الْوُلَاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «ضرب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنعال وأطراف الثِّيَاب، وَضرب أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَعمر ثَمَانِينَ، وَالْكل سنة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة حضين بن المندُر- وَهُوَ أَبُو ساسان- قَالَ: «شهِدت عُثْمَان بن عَفَّان أُتي بالوليد قد صَلَّى الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: أَزِيدكُم؟ فَشهد عَلَيْهِ رجلَانِ- أَحدهمَا حمْرَان- أَنه شرب الْخمر، وَشهد آخر أَنه رَآهُ يتقيأه، فَقَالَ عُثْمَان: إِنَّه لم يتقيأ حَتَّى شربهَا. فَقَالَ: يَا عَلّي، قُم فاجلده. فَقَالَ عَلّي: قُم يَا حسن فاجلده. فَقَالَ الْحسن: ولِّ حارَّها من تولَّى قارَّها.
فَكَأَنَّهُ وجد عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا عبد الله بن جَعْفَر، قُم فاجلده. فجلده وَعلي يعد حَتَّى بلغ أَرْبَعِينَ فَقَالَ: أمسك. ثمَّ قَالَ: جلد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ وَعمر ثَمَانِينَ، وكلُ سنة، وَهَذَا أحب إليَّ»
.
فَائِدَة: حُضين الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة فَتنبه لذَلِك.
فَائِدَة ثَانِيَة: إِن قلت: كَيفَ يجمع بَين هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث الْآتِي فِي بَاب ضَمَان الْوُلَاة «مَا كنت لأقيم عَلَى أحدٍ حدًّا فَيَمُوت فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا إِلَّا صَاحب الْخمر فَإِنَّهُ لَو مَاتَ وديته، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسنه، قَالَ: وكلٌ سنة»؟ فَالْجَوَاب: أَن الضَّرْب سنة، وَالْعدَد مُجْتَهد فِيهِ.

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يجلد رجلا فَأتي بِسَوْط خَلِق، فَقَالَ: فَوق هَذَا. فَأتي بِسَوْط جَدِيد، فَقَالَ: بَين هذَيْن».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب حد الزِّنَا فَرَاجعه مِنْهُ، وَلَفظ الحَدِيث فِيمَا مَضَى: «فَأتي بِسَوْط جَدِيد لم تقطع ثَمَرَته». قَالَ ابْن الصّلاح: ثَمَرَته طرفه. قَالَ: واشتبه هَذَا عَلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَغير أَلْفَاظ الحَدِيث، وَقَالَ فَأتي ثجر وبسرة الثَّمَرَة بعقدها الَّتِي هِيَ منابت الغصون الدقيقة وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك الْغَزالِيّ فِي بسيطه ونسأل الله الْعِصْمَة والتوفيق.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا ضرب أحدكُم فليتق الْوَجْه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِأَلْفَاظ، أَحدهَا: «إِذا ضرب أحدكُم أَخَاهُ فليجتنب الْوَجْه، فَإِن الله عَزَّ وَجَلَّ خلق آدم عَلَى صورته» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «إِذا ضرب أحدكُم فليجتنب الْوَجْه» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعتْق من صَحِيحه عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن ابْن وهب، عَن مَالك وَابْن فلَان، كِلَاهُمَا عَن سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قَالَ: وحَدثني عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر أَنبأَنَا همام، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. «إِذا قَاتل أحدكُم فليجتنب الْوَجْه». قَالَ الْمزي فِي أَطْرَافه ابْن فلَان هَذَا قيل: إِنَّه عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان أحد الضُّعَفَاء، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث سَالم، عَن ابْن عمر «أَنه كره أَن تعلم الصُّورَة» وَقَالَ ابْن عمر: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تضرب» وَفِي رِوَايَة «أَن يُضرب- الْوَجْه» ذكره فِي آخر الطِّبّ فِي بَاب الوسم.
قَوْله: يَعْنِي الْوَجْه وَكَذَا أَن تعلم أَي يَبْقَى بعلامة. وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ضرب الْوَجْه وَعَن وسم الْوَجْه» وَاعْلَم أَن فِي إِسْنَاد أبي دَاوُد عمر بن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَضَعفه ابْن معِين، وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق لَا يحْتَج. وَوَثَّقَهُ غَيرهم، وَفِي إِسْنَاد النَّسَائِيّ مُحَمَّد بن عجلَان، وَهُوَ صَدُوق. قَالَ الْحَاكِم وَغَيره: هُوَ سيئ الْحِفْظ. وَخرج لَهُ مُسلم فِي الشواهد ثَلَاثَة عشر حَدِيثا:

.الحديث السَّادِس عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَفِي إِسْنَاده: سعيد بن بشير، وَأعله ابْن حزم بِهِ وبإسماعيل بن مُسلم، وَقَالَ: هما ضعيفان. وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح وَرَوَى من غير حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَابْن السكن من حَدِيث حَكِيم بن حزَام، وَفِي إِسْنَاده زفر بن وثيمة، وَمُحَمّد بن عبد الله الشعيثي، وَقد جهل الأول ابْن الْقطَّان، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، ثمَّ ادَّعَى- أَعنِي ابْن الْقطَّان- أمرا آخر فَقَالَ: وَقد تفرد عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الله الشعيثي. وَلَيْسَ كَمَا ذكر فقد رَوَى عَنهُ ابْن عجلَان أَيْضا حَدِيث «إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه...» الحَدِيث.
وَأما الثَّانِي فقد وَثَّقَهُ غير وَاحِد مِنْهُم: دُحَيْم، وَأَبُو حَاتِم وَالْفَلَّاس. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيّ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَفِيه شَيْء آخر، وَهُوَ الْخلف فِي سَمَاعه من حَكِيم فقد قيل: إِنَّه لم يلقه. حَكَاهُ صَاحب التذهيب مُخْتَصر التَّهْذِيب. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بإسقاطه فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الشعيثي، عَن الْعَبَّاس بن عبد الرَّحْمَن الْمدنِي، عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد، وَلَا يستقاد فِيهَا» وَذكره ابْن حزم بِهِ وَمُحَمّد بن عبد الله الشعيثي، وَقَالَ: هما مَجْهُولَانِ.
وَقد علمت حَال الشعيثي، فدعواه جهالته عَجِيب، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من طَرِيق آخر عَن حَكِيم بن حزَام ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح فِيهِ مُحَمَّد بن سهل، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ مرّة: كَانَ يضع الحَدِيث وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يجلد الْحَد فِي الْمَسْجِد» وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة، وحالته علمت غير مرّة. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه.

.وَأما آثاره:

فإحدى عشر أثرا:

.الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث:

عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم قَالُوا للجلاد: «لَا ترفع يَديك حَتَّى يرَى بَيَاض إبطك». أما الأول فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَاصِم الْأَحول، عَن أبي عُثْمَان قَالَ: «أُتِي بِرَجُل عمر بن الْخطاب فِي حد، فَأتي بِسَوْط فِيهِ شدَّة فَقَالَ: أُرِيد أَلين من هَذَا. ثمَّ أُتِي بِسَوْط فِيهِ لين فَقَالَ: أُرِيد أَشد من هَذَا. فَأتي بِسَوْط بَين السوطين فَقَالَ: اضْرِب وَلَا يرَى إبطك، وَأعْطِ كل عُضْو حَقه».
وَأما الثَّانِي فَغَرِيب لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَأما الْأَثر الثَّالِث: فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي ماجد قَالَ: «جَاءَ رجل من الْمُسلمين بِابْن أَخ لَهُ وَهُوَ سَكرَان فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، إِن ابْن أخي سَكرَان. فَقَالَ: ترتروه ومزمزوه واستنكهوه. فَفَعَلُوا، فرفعه إِلَى السجْن، وَجَاء بِهِ من الْغَد ودعا بِسَوْط، ثمَّ أَمر بثمرته فدقت بَين حجرين حَتَّى صَارَت درة، ثمَّ قَالَ للجلاد: اجلد وارجع يدك، وَأعْطِ كل عُضْو حَقه. قلت: مَا أرجع؟ قَالَ: لَا يرَى بَيَاض إبطه. فَضَربهُ ضربا غير مبرح قَالَ: لَيْسَ بالشديد وَلَا بالهين. وضربه فِي قَمِيص وَإِزَار أَو قَمِيص أَو سَرَاوِيل».

.الْأَثر الرَّابِع:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «سَوط الْحَد بَين سوطين، وَضرب بَين ضربتين».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، وَابْن الصّباغ ذكره مَرْفُوعا.

.الْأَثر الْخَامِس:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ للجلاد: أعْط كل عُضْو حَقه، وَاتَّقِ الْوَجْه والمذاكير».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه.

.الْأَثر السَّادِس:

عَن عمر أَنه قَالَ: «سَوط الْحَد بَين سوطين».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَيْضا.

.الْأَثر السَّابِع:

عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للجلاد: «اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِيهِ».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه من أهل هَذَا الْفَنّ، وَذكره أَيْضا أَبُو بكر الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن فَقَالَ: «أُتِي أَبُو بكر بِرَجُل انْتَفَى من أَبِيه، فَقَالَ أَبُو بكر: اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِي الرَّأْس».

.الْأَثر الثَّامِن وَالتَّاسِع:

عَن عمر، وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «لَا يجلد إِلَّا بِالسَّوْطِ» وَاسْتقر الْأَمر عَلَيْهِ.

.الْأَثر الْعَاشِر:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَجَعَ عَن رَأْيه فِي الْجلد ثَمَانِينَ، وَكَانَ يجلد فِي خِلَافَته أَرْبَعِينَ».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ.

.الْأَثر الْحَادِي عشر:

أثر عمر الْمُتَقَدّم فِي أثْنَاء الحَدِيث الْعَاشِر.

.باب التَّعْزِير:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فخمسة:

.الحديث الأول:

حَدِيث «سَرقَة التَّمْر إِذا آواه الجرين، وَبلغ قِيمَته ثمن الْمِجَن فَفِيهِ الْقطع، وَإِن كَانَ دون ذَلِك فَفِيهِ غرم مثله وجلدات نكال».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي كتاب السّرقَة وَاضحا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ التَّعْزِير من فعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي سنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث معمر، عَن بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حبس رجلا فِي تُهْمَة». قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. ثمَّ سَاق من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حبس رجلا فِي تُهْمَة يَوْمًا وَلَيْلَة استظهارًا أَو احْتِيَاطًا». قَالَ ابْن حبَان فِي ضُعَفَائِهِ: لَا يحفظ هَذَا الْمَتْن إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق وَطَرِيق أبي هُرَيْرَة، وَالْأول مِمَّا ينْفَرد بِهِ معمر.
قلت: لَا، فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد رَوَى إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هَذَا الحَدِيث عَن بهز بن حَكِيم أتم من هَذَا وأطول. فَذكره. وَفِي هَذَا نظر، وَالظَّاهِر أَنه يرويهِ عَن معمر فَسقط معمر، لَا جرم أخرجه الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن بهز بِهِ، وَابْن حزم قَالَ: هَذَا خبر واهٍ. وَذكره من حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حبس فِي تُهْمَة» وَمن حَدِيث عبد الرَّزَّاق السَّابِق، وَمن حَدِيث غَيرهمَا، ثمَّ قَالَ: كُله بَاطِل، فِي حَدِيث أنس أَبُو بكر بن عَيَّاش وَهُوَ ضَعِيف، وَانْفَرَدَ بِهِ إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا الوَاسِطِيّ وَلَا يُدْرَى من هُوَ، وَحَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده ضَعِيف. وَقد عرفت جودة حَدِيث حَكِيم، لَا كَمَا قَالَه من ضعفه، وَسَيَأْتِي فِي آخر كتاب السّير حَدِيث تَحْرِيمه عَلَيْهِ السَّلَام مَتَاع الغال وَهُوَ تَعْزِير، وَسلف فِي بَاب حد الزِّنَا نفي المخنثين، قَالَ الرَّافِعِيّ فِيهِ أَثَره: وَهُوَ تعزيره.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أبي بردة بن ينار رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يجلد فَوق عشرَة أسواط إِلَّا فِي حد من حُدُود الله عَزَّ وَجَلَّ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَغلط صَاحب المُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا النَّسَائِيّ. وَهُوَ فِيهِ فِي بَاب الرَّجْم من طرق، وَقد عزاهُ إِلَيْهِ ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه، وَقد تكلم فِي إِسْنَاده ابْن الْمُنْذر والأصيلي، وَقد أوضحت ذَلِك مَعَ جَوَابه فِي شرح العُمْدة فَرَاجعه مِنْهُ، وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ أورد الحَدِيث بِلَفْظ: «لَا يجلد فَوق الْعشْرَة إِلَّا فِي حد» بِإِطْلَاق النَّهْي عَن الزِّيَادَة مُطلقًا، والْحَدِيث إِنَّمَا ورد بتقييد النَّهْي عَن الزِّيَادَة بالأسواط لَا مُطلقًا، وَقد صرح الْإِصْطَخْرِي بذلك فِي تصنيفه فِي أدب الْقَضَاء فِي الْكَلَام عَلَى تَعْزِير من أَسَاءَ أدبه فَقَالَ: أحب أَن يضْرب بِالدرةِ، فَإِن ضرب بِالسَّوْطِ فَأحب أَن لَا يُزَاد عَلَى الْعشْرَة، فَإِن ضرب بِالدرةِ فَلَا يُزَاد عَلَى سَبْعَة وَثَلَاثِينَ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن الصَّحَابَة فِي مِقْدَار التَّعْزِير آثَار مُخْتَلفَة، وَأحسن مَا يُصَار إِلَيْهِ فِي هَذَا مَا ثَبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ ذكر الحَدِيث من طرق.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَصحح صَاحب التَّقْرِيب هَذَا الحَدِيث.
قلت: قد وثق، وَقد اعْترض الرَّافِعِيّ فِي تذنيبه عَلَى الْغَزالِيّ فِي قَوْله: إِن بعض الْأَئِمَّة صَححهُ. فَقَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَزَاد بقوله: بعض الْأَئِمَّة صَاحب التَّقْرِيب. قَالَ: والْحَدِيث أظهر من أَن يُضَاف تَصْحِيحه إِلَى فَرد من الْأَئِمَّة. قَالَ: وَقد اشْتهر عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: مذهبي مَا صَحَّ بِهِ الحَدِيث. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْأَظْهَر أَنه يجوز الزِّيَادَة عَلَى الْعشْر، وَإِنَّمَا المراعى النُّقْصَان عَن الْحَد، والْحَدِيث الْمَذْكُور مَنْسُوخ عَلَى مَا ذكره بَعضهم، وَاحْتج بِعَمَل الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم بِخِلَافِهِ من غير إِنْكَار، وَعَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كتب إِلَى أبي مُوسَى الأشعرى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه لَا يبلغ بنكال أَكثر من عشْرين سَوْطًا» وَيروَى «ثَلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ». وَهَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ حَيْثُ قَالَ: بعد أَن رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُغيرَة: «كتب عمر بن عبد الْعَزِيز أَن لَا يبلغ فِي التَّعْزِير أدنَى الْحُدُود أَرْبَعِينَ سَوْطًا»: قد رُوِيَ عَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي مِقْدَار التَّعْزِير آثَار مُخْتَلفَة... إِلَى آخر مَا أسلفناه عَنهُ.
تَنْبِيه: من الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا تَعْزِير فَوق عشْرين سَوْطًا» قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته: قَالَ أَبُو حَاتِم: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ يضع الحَدِيث، ويروي مَا لَا أصل لَهُ من كَلَام رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا اعْتِبَارا.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا فِي الْحُدُود».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَو دَاوُد من حَدِيث عبد الْملك بن زيد، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عطاف بن خَالِد، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، لَكِن زَاد بعد مُحَمَّد بن أبي بكر: عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد فِي مُسْنده، وَأعله عبد الْحق بِعَبْد الْملك وعطاف، وَقَالَ: هما ضعيفان.
فَأَما الأول: فَقَالَ فِيهِ ابْن الْجُنَيْد والأزدي: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَأما الثَّانِي: فوثقه أَحْمد وَابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَتكلم فِيهِ مَالك وَلم يحمده، وَقَالَ الرَّازِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيثهمْ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا وَافق الثِّقَات.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالزِّيَادَة الثَّانِيَة الَّتِي فِي النَّسَائِيّ تبين انْقِطَاع حَدِيث أبي دَاوُد فِيمَا بَين مُحَمَّد بن أبي بكر وَعمرَة وَقَالَ ابْن عدي: لم يرو هَذَا الحَدِيث غير عبد الْملك، وَهُوَ مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي تَخْرِيجه أَحَادِيث الشهَاب بعد ذكر مقَالَة ابْن عدي: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو حرَّة وَاصل بن عبد الرَّحْمَن الرقاشِي، عَن مُحَمَّد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، وَأَبُو حرَّة ضَعِيف، وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن نَافِع، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن عمْرَة.
قلت: وَأَبُو بكر هَذَا ضَعِيف أَيْضا، قَالَ أَبُو عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان البرذعي: سَمِعت أَبَا زرْعَة الرَّازِيّ يَقُول: أَبُو بكر بن نَافِع رجل جليل، وَأَبُو بكر بن نَافِع صَاحب حَدِيث عَائِشَة: «أقيلوا ذَوي الهيئات» ضَعِيف.
قَالَ ابْن طَاهِر: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا عبد الله بن هَارُون بن مُوسَى الْفَروِي أَبُو عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مُسلم القعْنبِي، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس، وَهَذَا بَاطِل، وَالْحمل فِيهِ عَلَى الْفَروِي؛ لِأَن من بعده ثِقَات، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِي السّنَن بعد أَن ذكر حَدِيث أبي دَاوُد السالف، وَتكلم عَلَيْهِ: قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من أوجه أخر لَيْسَ مِنْهَا شَيْء يثبت. وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْعقيلِيّ الْحَافِظ، وَقد صَحَّ الحَدِيث الْمَذْكُور بِدُونِ الِاسْتِثْنَاء، أخرجه الشَّافِعِي، وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهما من حَدِيث عَائِشَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أقيلوا ذَوي الهيئات زلاتهم» وَلَفظ الشَّافِعِي «تجافوا لِذَوي الهيئات عَن عثراتهم». قَالَ الشَّافِعِي: وَسمعت من أهل الْعلم من يعرف هَذَا الحَدِيث وَيَقُول: «يتجافى للرجل ذِي الْهَيْئَة عَن عثرته مَا لم يكن حدًّا». قَالَ عبد الْحق: ذكره ابْن عدي فِي بَاب وَاصل بن عبد الرَّحْمَن الرقاشِي وَلم يذكر لَهُ عِلّة.
قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن الْحسن بن سُفْيَان، ثَنَا سعيد بن عبد الْجَبَّار، وَمُحَمّد بن الصَّباح، وقتيبة بن سعيد، قَالُوا: ثَنَا أَبُو بكر بن نَافِع العُمَري، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَمْرو، بن حزم، عَن عمْرَة عَنْهَا، بِلَفْظ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ.
فَائِدَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: ذُو الهيئات الَّذين يقالون عثراتهم الَّذين لَيْسُوا يعْرفُونَ بِالشَّرِّ فيزل أحدهم الزلة. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: فيهم وَجْهَان، أَحدهمَا: أَصْحَاب الصَّغَائِر دون الْكَبَائِر.
وَثَانِيهمَا: من إِذا أذْنب تَابَ. قَالَ: وَفِي عثراتهم وَجْهَان: أَحدهمَا: الصَّغَائِر. وَثَانِيهمَا: أول مَعْصِيّة زل فِيهَا مُطِيع.

.الحديث الرَّابِع وَالْخَامِس:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعرض عَن جمَاعَة استحقوا التَّعْزِير كَالَّذي غل فِي الْغَنِيمَة، وَكَذَا لوى شدقه حِين حكم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للزبير فِي شراج الْحرَّة وأساء الْأَدَب».
أما حَدِيث شراج الْحرَّة فَتقدم بَيَانه فِي بَاب إحْيَاء الْموَات وَأما حَدِيث الغال فَلَعَلَّهُ يُشِير إِلَى مَا فِي أبي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أصَاب غنيمَة أَمر بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاس، فيجيئون بغنائمهم فيخمَّسه ويقسمه، فجَاء رجل يَوْمًا بعد النداء بزمام من شعر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا كَانَ فِيمَا أصبناه من الْغَنِيمَة. فَقَالَ: سَمِعت بِلَالًا يُنَادي ثَلَاثًا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَمَا مَنعك أَن تَجِيء بِهِ؟! فَاعْتَذر. فَقَالَ: كلا أَن تَجِيء بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَلَنْ أقبله مِنْك» وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ:
هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. ذكر ذَلِك فِي موضِعين من كِتَابه وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَمثلهمْ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده.
فَائِدَة: مَعْنَى غل: سرق. والشدق- بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف- وليه هُوَ فعل المستهزئ بِالنَّاسِ. وشراج الْحرَّة تقدم فِي إحْيَاء الْموَات.

.وَإِمَّا آثاره:

فَثَلَاثَة:

.أَحدهمَا:

أثر عمر، وَقد سلف فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّانِي.

.ثَانِيهَا:

عَن عمر أَيْضا «أَنه عزّر من زوَّر كتابا».
وَهُوَ أثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.

.ثَالِثهَا:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئِلَ عَن قَول الرجل للرجل: يَا فَاسق يَا خَبِيث. فَقَالَ: هن فواحش فِيهِنَّ تَعْزِير وَلَيْسَ فِيهِنَّ حد».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيقين:
أَحدهمَا: من حَدِيث عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن أَصْحَابه، عَن عَلّي «فِي الرجل يَقُول للرجل: يَا خَبِيث يَا فَاسق. لَيْسَ عَلَيْهِ حد مَعْلُوم يُعَزّر الْوَالِي بِمَا يرَى».
ثَانِيهمَا: من حَدِيث عبد الْملك أَيْضا، عَن شيخ من أهل الْكُوفَة، قَالَ: سَمِعت عليا يَقُول: «إِنَّكُم سَأَلْتُمُونِي عَن الرجل يَقُول للرجل: يَا كَافِر يَا فَاسق يَا خَبِيث. وَلَيْسَ فِيهِ حد وَإِنَّمَا فِيهِ عُقُوبَة من السُّلْطَان، فَلَا تعودوا فتقولوا».

.كتاب ضَمَان الْوُلَاة:

كتاب ضَمَان الْوُلَاة:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيث: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حد الشَّارِب أَرْبَعِينَ».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح سلف بَيَانه وَاضحا فِي بَاب حد الشّرْب قَالَ الرَّافِعِيّ: وأجمعت الصَّحَابَة عَلَى ذَلِك.
وَذكر من الْآثَار أثر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَيْسَ أحد نُقِيم عَلَيْهِ حد فَيَمُوت، وَأَجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا إِن قَتله إِلَّا حد الْخمر، فَإِنَّهُ شَيْء رَأَيْنَاهُ بعد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمن مَاتَ مِنْهُ فديته- إِمَّا قَالَ: فِي بَيت المَال، وَإِمَّا قَالَ: عَلَى عَاقِلَة الإِمَام». شكّ فِيهِ الشَّافِعِي.
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عَلّي بن يَحْيَى، عَن الْحسن أَن عَلّي بن أبي طَالب قَالَ: «مَا أحد يَمُوت فِي حد من الْحُدُود فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا، إِلَّا الَّذِي يَمُوت فِي حد الْخمر، فَإِنَّهُ شَيْء أحدثناه بعد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن مَاتَ...» إِلَى آخِره، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عُمَيْر بن سعيد النَّخعِيّ قَالَ: سَمِعت عَلّي بن أبي طَالب يَقُول: «مَا كنت لأقيم عَلَى أحدٍ حدًّا فَيَمُوت فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا، إِلَّا صَاحب الْخمر، فَإِنَّهُ لَو مَاتَ وديته؛ وَذَلِكَ أَن رَسُول الله لم يسنه». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَقَالا فِيهِ: «لم يسن فِيهِ شَيْئا، إِنَّمَا قُلْنَاهُ نَحن» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ السكن فِي صحاحه: «إِنَّمَا هُوَ شَيْء صنعناه». قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته: أَرَادَ وَالله أعلم أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسنه بالسياط، وَقد سنه بالنعال، وأطراف الثِّيَاب بِمِقْدَار أَرْبَعِينَ. وَقَالَ: الْمجد فِي أَحْكَامه: مَعْنَاهُ لم يقدره ويوقته بِلَفْظِهِ ونطقه. وَكرر الرَّافِعِيّ هَذَا الْأَثر فِي مَوَاضِع أخر من الْبَاب، وَقَالَ: «إِنَّه شَيْء أحدثناه بعد رَسُول الله». وَقد أٍلفناه عَن رِوَايَة الشَّافِعِي خلاف مَا ذكره عَنهُ، وَذكر- أَعنِي الرَّافِعِيّ- فِي الْبَاب من الْآثَار «أَن الصَّحَابَة حكمُوا فِي الَّتِي بعث إِلَيْهَا عمر لريبة فأجهضت ذَا بَطنهَا بِوُجُوب دِيَة الْجَنِين» وَهَذَا الْأَثر سلف بَيَانه وَاضحا فِي كتاب الدِّيات فَرَاجعه من ثمَّ.

.كتاب الْخِتَان:

كتاب الْخِتَان:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث:

.أَولهَا:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر رجلا أسلم بالاختتان».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالطَّبَرَانِيّ، وَابْن عدي، وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن جريج قَالَ أخْبرت عَن عثيم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألق عَنْك شعر الْكفْر، واختتن».
هَذَا لَفظهمْ خلا الْأَوَّلين فَإِن لَفْظهمَا: «لما قَالَ: أسلمت. قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألق عَنْك شعر الْكفْر، يَقُول: احْلق. قَالَ: فَأَخْبرنِي آخر مَعَه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لآخر: ألق عَنْك شعر الْكفْر، واختتن» وَهَذَا الْإِسْنَاد رَمَاه عبد الْحق بالانقطاع فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد. وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ لم يردهُ عبد الْحق بِغَيْر ذَلِك فيظفر بِهِ من لَا يرد الْمُرْسل مُحْتَج بِهِ غير مُتَوَقف، وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده مَعَ الإنقطاع مَجْهُولُونَ. ثمَّ سَاقه من طَرِيق أبي دَاوُد الَّتِي ذَكرنَاهَا، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاده، وَهُوَ فِي غَايَة الضعْف مَعَ الِانْقِطَاع الَّذِي فِي قَول ابْن جريج «أخْبرت» وَذَلِكَ أَن عثيم بن كُلَيْب وأباه وجده مَجْهُولُونَ، وَمَعَ هَذَا فليته بَقِي هَكَذَا، بل فِيهِ زِيَادَة لَا أَقُول أَنَّهَا صَحِيحَة، وَلكنهَا مُحْتَملَة، وَهِي أَن من الْمُحدثين من قَالَ أَن قَول ابْن جريج «أُخبرتُ عَن عثيم بن كُلَيْب» إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، وَقد علم ضعفه، وَأُمُور أخر فِي دينه، وَقد كَانَ من النَّاس من كَانَ حسن الرَّأْي فِيهِ مِنْهُم الشَّافِعِي، وَابْن جريج، قد رَوَى ابْن جريج أَحَادِيث قَالُوا: إِنَّه إِنَّمَا أَخذهَا عَنهُ فأسقطه وأرسلها عَنهُ، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك فِيهِ أَبُو أَحْمد بن عدي، والخطيب الْبَغْدَادِيّ.
قلت: وَنَقله عَن ابْن عدي الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته، وَأقرهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعِنْدِي أَن هَذَا لَا يَصح عَن ابْن جريج فَإِنَّهُ من أهل الدَّين وَالْعلم، وَإِن كَانَ يُدَلس فَلَا يَنْتَهِي فِي التَّدْلِيس إِلَى مثل هَذَا الْفِعْل الْقَبِيح وَلَو قدرناه بِحسن الرَّأْي فِي إِبْرَاهِيم. هَذَا آخر كَلَامه. وَضَعفه أَيْضا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه الإِمام فَقَالَ: فِي إِسْنَاده مَجْهُول وَهُوَ الَّذِي أخبر ابْن جريج. وَأما النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب مَا يُوجب الْغسْل: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ؛ لِأَن عثيمًا وكليبًا ليسَا بمشهورين وَلَا وثقا، لَكِن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ وَلم يُضعفهُ، وَقد قَالَ: أَنه إِذا ذكر حَدِيثا وَلم يُضعفهُ فَهُوَ عِنْده صَالح أَي حسن أَو صَحِيح.
قلت: وَذكر ابْن حبَان فِي ثقاته عثيم بن كُلَيْب حَيْثُ قَالَ: عثيم بن كُلَيْب يروي عَن أَبِيه عَن جده، رَوَى ابْن جريج عَن رجل عَنهُ. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه من طَرِيق أَحْمد مستدلاً بهَا.
فَائِدَة: عثيم بِضَم الْعين الْمُهْملَة، وَفتح الْمُثَلَّثَة تَصْغِير عُثْمَان، كَذَا قَيده النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَصَاحب الإِمام وَقد ورد مكبرًا فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من جِهَة عبد الرَّزَّاق، وَفِي إِسْنَاده مثل مَا فِي المصغر. قَالَ ابْن عَبْدَانِ: هُوَ عثيم بن كثير بن كُلَيْب الْجُهَنِيّ، والصحابي رَاوِيه هُوَ كُلَيْب. قَالَ: وَلَا أَقف عَلَى اسْم أَبِيه. وَظن ابْن أبي حَاتِم أَن كليبًا وَالِد عثيم، وَأَن عثيمًا رَوَى عَن كُلَيْب مُرْسلا، وَهُوَ وهم؛ فَإِن كليبًا جد عثيم، وعثيم رَوَى عَن أَبِيه كثير عَن جده كُلَيْب.