فصل: 51- كَلَّا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن ***


51- كَلَّا

اسْتِعْمَالَاتُهَا فِي الْقُرْآنِ‏:‏

قَالَ سِيبَوَيْهِ‏:‏ حَرْفُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ‏.‏ قَالَ الصَّفَّارُ‏:‏ إِنَّهَا تَكُونُ اسْمًا لِلرَّدِّ، إِمَّا لِرَدِّ مَا قَبْلَهَا، وَإِمَّا لِرَدِّ مَا بَعْدَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏(‏التَّكَاثُرِ‏:‏ 3- 4‏)‏ هِيَ رَدٌّ لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ‏:‏ ‏{‏أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ‏}‏ ‏(‏التَّكَاثُرِ‏:‏ 1- 2‏)‏ كَانَ إِخْبَارًا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْآخِرَةَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏ فَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا هُنَا إِلَّا لِتَبْيِينِ مَا بَعْدَهَا، وَلَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ لِمَا بَعْدَهَا لَجَازَ الْوَقْفُ‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا‏}‏ ‏(‏الْهُمَزَةِ‏:‏ 3- 4‏)‏ هِيَ رَدٌّ لِمَا قَبْلَهَا فَالْوَقْفُ عَلَيْهَا حَسَنٌ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ‏:‏ شَرْطُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَا يُرَدُّ بِهَا ‏"‏ مَا ‏"‏ فِي غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ أَوِ الْإِنْكَارِ، أَوْ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ‏.‏

كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ كَلَّا ‏(‏الْقِيَامَةِ‏:‏ 11‏)‏ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ‏}‏ ‏(‏الْقِيَامَةِ‏:‏ 10‏)‏‏.‏

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا‏}‏ ‏(‏الشُّعَرَاءِ‏:‏ 61- 62‏)‏‏.‏ لِأَنَّ قَوْلَهُ ‏"‏ قَالَ ‏"‏ حِكَايَةُ مَا يُقَالُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْأَوَّلِ عَنِ الْغَيْرِ‏.‏

وَكَقَوْلِكَ‏:‏ أَنَا أُهِينُ الْعَالَمَ كَلَّا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَهِيَ نَقِيضُ ‏"‏ إِي ‏"‏ فِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا لَا تُطِعْهُ‏}‏ ‏(‏الْعَلَقِ‏:‏ 19‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 78- 79‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 81- 82‏)‏‏.‏

وَتَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا صِلَةً لِلْيَمِينِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ كَلَّا وَالْقَمَرِ ‏(‏الْمُدَّثِّرِ‏:‏ 32‏)‏‏.‏ ‏{‏كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا‏}‏ ‏(‏الْفَجْرِ‏:‏ 21‏)‏‏.‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ‏}‏ ‏(‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 15‏)‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏ ‏(‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 7‏)‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏ ‏(‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 18‏)‏‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا‏}‏ ‏(‏الْهُمَزَةِ‏:‏ 3- 4‏)‏ فَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا‏.‏ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ عَلَيْهَا أَيْنَمَا وَقَعَتْ، وَغَلَّبَ عَلَيْهَا مَعْنَى الزَّجْرِ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ دُونَهَا أَيْنَمَا وَقَعَتْ، وَيَبْتَدِئُ بِهَا وَغَلَّبَ عَلَيْهَا مَعْنَى الزَّجْرِ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ دُونَهَا أَيْنَمَا وَقَعَتْ وَيَبْتَدِئُ بِهَا وَغَلَّبَ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ لِتَحْقِيقِ مَا بَعْدَهَا‏.‏

وَمِنْهُمْ مَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَيَيْنِ، فَيَقِفُ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الرَّدْعِ، وَيَبْتَدِئُ بِهَا إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ أَوْلَى‏.‏

وَنَقَلَ ابْنُ فَارِسٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ وَهَذَا نَقِيضَانِ لِكَلَّا، وَأَنَّ كَذَلِكَ نَقِيضٌ لِكَلَّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ‏}‏ ‏(‏مُحَمَّدٍ‏:‏ 4‏)‏ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا وَكَمَا فَعَلْنَا‏.‏ وَمِثْلُهُ‏:‏ ‏{‏هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 55‏)‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى دُخُولُ الْوَاوِ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْوَاوِ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ مُضْمَرًا، وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً‏}‏ ‏(‏الْفُرْقَانِ‏:‏ 32‏)‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ كَذَلِكَ أَيْ كَذَلِكَ فَعَلْنَا وَنَفْعَلُهُ مِنَ التَّنْزِيلِ وَهُوَ كَثِيرٌ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى لَا فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، فِيهَا نَفْيٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَالتَّقْدِيرُ‏:‏ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَهِيَ عَلَى هَذَا حَرْفٌ دَالٌّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا مَوَاضِعَ لَهَا، وَلَا تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ خِلَافِ النَّحْوِيِّينَ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ زَجْرًا وَرَدًّا أَوْ إِنْكَارًا لِمَا قَبْلَهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشِ وَالْمُبَرِّدِ وَالزَّجَّاجِ وَغَيْرِهِمْ، لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي سُورَةٍ مَكِّيَّةٍ، لِأَنَّ التَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ أَكْثَرُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ، لِأَنَّ أَكْثَرَ عُتُوِّ الْمُشْرِكِينَ وَتَجَبُّرِهِمْ بِمَكَّةَ، فَإِذَا رَأَيْتَ سُورَةً فِيهَا كَلَّا فَاعْلَمْ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ‏.‏

وَتَكُونُ كَلَّا بِمَعْنَى حَقًّا عِنْدَ الْكِسَائِيِّ، فَيُبْتَدَأُ بِهَا لِتَأْكِيدِ مَا بَعْدَهَا، فَتَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ، وَيَكُونُ مَوْضِعُهَا نَصْبًا عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالْعَامِلُ مَحْذُوفٌ، أَيْ أَحَقَّ ذَلِكَ حَقًّا‏.‏

وَلَا تُسْتَعْمَلُ بِهَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ إِلَّا إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا لِتَأْكِيدِ مَا بَعْدَهَا‏.‏

وَتَكُونُ بِمَعْنَى ‏"‏ أَلَا ‏"‏ فَيُسْتَفْتَحُ بِهَا الْكَلَامُ وَهِيَ عَلَى هَذَا حَرْفٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لِلِاسْتِفْتَاحِ أَنَّهُ رَوَى أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْعَلَقِ، وَلَمَّا قَالَ‏:‏ ‏{‏عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏}‏ ‏(‏الْآيَةَ‏:‏ 5‏)‏ طَوَى النَّمَطَ، فَهُوَ وَقْفٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ لَمَّا نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى‏}‏ ‏(‏الْعَلَقِ‏:‏ 6‏)‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِكَلَّا مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ، فَهِيَ فِي الِابْتِدَاءِ بِمَعْنَى أَلَا عِنْدَهُ‏.‏

فَقَدْ حَصَلَ لِكَلَّا مَعَانِي النَّفْيِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا، وَحَقًّا وَ أَلَا فِي الِابْتِدَاءِ بِهَا‏.‏

وَجَمِيعُ كَلَّا فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مَوْضِعًا، فِي خَمْسَ عَشْرَةَ سُورَةً، لَيْسَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ‏.‏

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا‏}‏ ‏(‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 100‏)‏ عَلَى مَعْنَى ‏"‏ أَلَا ‏"‏، وَاخْتَارَ قَوْمٌ جَعْلَهَا بِمَعْنَى حَقًّا، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فَتْحُ إِنَّ بَعْدَهَا، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ‏.‏

52- كُلُّ

اسْتِعْمَالَاتُهَا فِي الْقُرْآنِ‏:‏

اسْمٌ وُضِعَ لِضَمِّ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ عَلَى جِهَةِ الْإِحَاطَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ لَفْظُهُ مَأْخُوذًا مِنْ لَفْظِ الْإِكْلِيلِ، وَالْكِلَّةِ وَالْكَلَالَةِ، مِمَّا هُوَ لِلْإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ انْضِمَامٌ لِذَاتِ الشَّيْءِ وَأَحْوَالِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ، وَتُفِيدُ مَعْنَى التَّمَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 29‏)‏ أَيْ بَسْطًا تَامًّا‏.‏ ‏{‏فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 129‏)‏ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ انْضِمَامُ الذَّوَاتِ وَهُوَ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ‏.‏

ثُمَّ إِنْ دَخَلَ عَلَى مُنَكَّرٍ أَوْجَبَ عُمُومَ أَفْرَادِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَوْ عَلَى مُعَرَّفٍ أَوْجَبَ عُمُومَ أَجْزَاءِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ‏.‏ وَهُوَ مُلَازِمٌ لِلْأَسْمَاءِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏(‏النَّمْلِ‏:‏ 87‏)‏ فَالتَّنْوِينُ بَدَلٌ مِنَ الْمُضَافِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ‏.‏ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ مَعْنًى، وَلَا يَلْزَمُ إِضَافَتُهُ لَفْظًا إِلَّا إِذَا وَقَعَ تَأْكِيدًا أَوْ نَعْتًا، وَإِضَافَتُهُ مَنْوِيَّةٌ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ مِنْهَا‏.‏

وَيُضَافُ تَارَةً إِلَى الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ نَحْوُ‏:‏ كُلُّ الْقَوْمِ، وَمِثْلُهُ اسْمُ الْجِنْسِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 93‏)‏ وَتَارَةً إِلَى ضَمِيرِهِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 95‏)‏ ‏{‏فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ‏}‏ ‏(‏الْحِجْرِ‏:‏ 30‏)‏ ‏{‏لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ‏}‏ ‏(‏الْفَتْحِ‏:‏ 28‏)‏‏.‏ وَإِلَى نَكِرَةٍ مُفْرَدَةٍ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 13‏)‏ ‏{‏وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 176‏)‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ‏}‏ ‏(‏الْمُدَّثِّرِ‏:‏ 38‏)‏‏.‏

وَرُبَّمَا خَلَا مِنَ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَيُنْوَى فِيهِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 33‏)‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏(‏النَّمْلِ‏:‏ 87‏)‏ ‏{‏وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 95‏)‏ كُلًّا هَدَيْنَا ‏(‏الْأَنْعَامِ‏:‏ 84‏)‏ ‏{‏كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 85‏)‏ ‏{‏وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ‏}‏ ‏(‏الْفُرْقَانِ‏:‏ 37‏)‏‏.‏

وَهَلْ تَنْوِينُهُ حِينَئِذٍ عِوَضٌ أَوْ تَنْوِينُ صَرْفٍ‏؟‏ قَوْلَانِ‏.‏

قَالَ أَبُو الْفَتْحِ‏:‏ وَتَقْدِيمُهَا أَحْسَنُ مِنْ تَأْخِيرِهَا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ‏:‏ ‏"‏ كُلُّهُمْ ‏"‏، فَلَوْ أُخِّرَتْ لَبَاشَرَتِ الْعَوَامِلَ، مَعَ أَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ مَا لَا يُبَاشِرُهُ، فَلَمَّا تَقَدَّمَتْ أَشْبَهَتِ الْمُرْتَفِعَةَ بِالِابْتِدَاءِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَلِ عَامِلًا فِي اللَّفْظِ، وَأَمَّا ‏"‏ كُلٌّ ‏"‏ الْمُؤَكَّدُ بِهَا فَلَازِمَةٌ لِلْإِضَافَةِ‏.‏

وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ تَبَعًا لِلْفَرَّاءِ قَطْعَهَا عَنِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا نَحْوُ‏:‏ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ‏(‏غَافِرٍ‏:‏ 48‏)‏ وَخَرَّجَهَا ابْنُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ ‏"‏ كُلًّا ‏"‏ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الظَّرْفِ، وَتَحَصَّلَ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ‏:‏ مُؤَكِّدَةً، وَمُبْتَدَأً بِهَا مُضَافَةً، وَمَقْطُوعَةً عَنِ الْإِضَافَةِ‏.‏

فَأَمَّا الْمُؤَكَّدَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ تَوْكِيدًا لِلْجُمْلَةِ، أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ مِمَّا يَتَبَعَّضُ، لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا الْإِحَاطَةُ كَمَا سَبَقَ‏.‏

وَأَمَّا الْمُضَافَةُ غَيْرُ الْمُؤَكِّدَةِ، فَالْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تُضَافَ إِلَى النَّكِرَةِ الشَّائِعَةِ فِي الْجِنْسِ لِأَجْلِ مَعْنَى الْإِحَاطَةِ، وَهُوَ إِنَّمَا مَا يُطْلَبُ جِنْسًا يُحِيطُ بِهِ فَإِنْ أَضَفْتَهُ إِلَى جُمْلَةٍ مُعَرَّفَةٍ نَحْوُ‏:‏ كُلُّ إِخْوَتِكَ ذَاهِبٌ، قَبُحَ إِلَّا فِي الِابْتِدَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُبْتَدَأً وَكَانَ خَبَرُهُ مُفْرَدًا، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ الْإِضَافَةُ لِلنَّكِرَةِ لِشُيُوعِهَا‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْتَدَأً وَأَضَفْتَهُ إِلَى جُمْلَةٍ مُعَرَّفَةٍ، نَحْوُ‏:‏ ضَرَبْتُ كُلَّ إِخْوَتِكَ، وَضَرَبْتُ كُلَّ الْقَوْمِ لَمْ يَكُنْ فِي الْحُسْنِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّكَ لَمْ تُضِفْهُ إِلَى جِنْسٍ، وَلَا مَعَكَ فِي الْكَلَامِ خَبَرٌ مُفْرَدٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى إِضَافَتِهِ إِلَى جِنْسٍ، فَإِنْ أَضَفْتَهُ إِلَى جِنْسٍ مُعَرَّفٍ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ حَسُنَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 57‏)‏ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْعَهْدِ لَمْ يَحْسُنْ لِمُنَافَاتِهَا مَعْنَى الْإِحَاطَةِ‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى بِالْكَلَامِ عَلَى أَصْلِهِ فَتُؤَكِّدُ الْكَلَامَ بِـ ‏"‏ كُلٍّ ‏"‏ فَتَقُولُ‏:‏ خُذْ مِنَ الثَّمَرَاتِ كُلِّهَا‏.‏

فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَإِذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ كُلْ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، وَكُلْ مِنَ الثَّمَرَاتِ كُلِّهَا، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ دُونَ الْآخَرِ‏؟‏

قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي النَّتَائِجِ‏:‏ لَهُ حِكْمَةٌ وَهُوَ أَنَّ ‏"‏ مِنْ ‏"‏ فِي الْآيَةِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، وَالْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ لَا فِي مَوْضِعِ الظَّرْفِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الثَّمَرَاتِ أَنْفُسَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَدْخَلَ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ كُلِّهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَخْرَجْنَا بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ كُلِّهَا، لَقِيلَ‏:‏ أَيُّ شَيْءٍ أَخْرَجَ مِنْهَا‏؟‏ وَذَهَبَ التَّوَهُّمُ إِلَى أَنَّ الْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ ظَرْفٍ، وَأَنَّ مَفْعُولَ ‏"‏ أَخْرَجْنَا ‏"‏ فِيمَا بَعْدُ، وَهَذَا يُتَوَهَّمُ مَعَ تَقَدُّمِ كُلٍّ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ أَنَّ كُلًّا إِذَا تَقَدَّمَتِ اقْتَضَتِ الْإِحَاطَةَ بِالْجِنْسِ، وَإِذَا تَأَخَّرَتِ اقْتَضَتِ الْإِحَاطَةَ بِالْمُؤَكَّدِ بِتَمَامِهِ، جِنْسًا شَائِعًا كَانَ أَوْ مَعْهُودًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ‏}‏ ‏(‏النَّحْلِ‏:‏ 69‏)‏ وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الثَّمَرَاتِ كُلِّهَا، فَفِيهِ الْحِكْمَةُ السَّابِقَةُ، وَتَزِيدُ فَائِدَةً، وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهَا فِي النَّظْمِ ‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ‏}‏ ‏(‏النَّحْلِ‏:‏ 67‏)‏ الْآيَةَ‏.‏

فَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا‏:‏ ثُمَّ كُلِي مِنَ الثَّمَرَاتِ كُلِّهَا، لَأَوْهَمَ أَنَّهَا لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، فَكَانَ الِابْتِدَاءُ بِكُلٍّ أَحْضَرَ لِلْمَعْنَى، وَأَجْمَعَ لِلْجِنْسِ، وَأَرْفَعَ لِلَّبْسِ‏.‏

وَأَمَّا الْمَقْطُوعُ عَنِ الْإِضَافَةِ، فَقَالَ السُّهَيْلِيُّ‏:‏ حَقُّهَا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً مُخْبَرًا عَنْهَا، أَوْ مُبْتَدَأَةً مَنْصُوبَةً بِفِعْلٍ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، أَوْ مَجْرُورَةً يَتَعَلَّقُ خَافِضُهَا بِمَا بَعْدَهَا، كَقَوْلِكَ‏:‏ كُلًّا ضَرَبْتُ وَبِكُلٍّ مَرَرْتُ‏.‏ فَلَا بُدَّ مِنْ مَذْكُورِينَ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهَا جُمْلَةٌ، وَلَا أُضِيفَتْ إِلَى جُمْلَةٍ بَطُلَ مَعْنَى الْإِحَاطَةِ فِيهَا، وَلَمْ يُعْقَلْ لَهَا مَعْنًى‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لِأَفْرَادِ التَّذْكِيرِ، وَمَعْنَاهُ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، وَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ‏:‏

‏(‏الْأَوَّلُ‏)‏‏:‏ أَنْ يُضَافَ إِلَى نَكِرَةٍ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا، فَلِذَلِكَ جَاءَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ‏}‏ ‏(‏الْقَمَرِ‏:‏ 52‏)‏، ‏{‏وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 13‏)‏ وَمُفْرَدًا مُؤَنَّثًا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ‏}‏ ‏(‏الْمُدَّثِّرِ‏:‏ 38‏)‏، ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 185‏)‏‏.‏ وَمَجْمُوعًا مُذَكَّرًا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏}‏ ‏(‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 53‏)‏ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ‏.‏

وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى مَعَ النَّكِرَةِ دُونَ لَفْظِ كُلٍّ، قَدْ أَوْرَدُوا عَلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ‏}‏ ‏(‏غَافِرٍ‏:‏ 5‏)‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‏}‏ ‏(‏الْحَجِّ‏:‏ 27‏)‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى‏}‏ ‏(‏الصَّافَّاتِ‏:‏ 7- 8‏)‏‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْأُولَى بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الضَّامِرَ اسْمُ جَمْعٍ كَالْجَامِلِ وَالْبَاقِرِ‏.‏

وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ إِنَّمَا عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى الْجَمْعِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْكَلَامِ، فَلَا يَلْزَمُ عَوْدُهُ إِلَى كُلٍّ‏.‏

وَزَعَمَ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ‏}‏ ‏(‏الْجَاثِيَةِ‏:‏ 7- 8‏)‏، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ‏}‏ ‏(‏الْجَاثِيَةِ‏:‏ 9‏)‏ أَنَّهُ مِمَّا رُوعِيَ فِيهِ الْمَعْنَى بِهَذَا اللَّفْظِ‏.‏

وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ لَمْ يَعُدْ إِلَى كُلٍّ بَلْ عَلَى الْأَفَّاكِينَ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ‏{‏كُلِّ أَفَّاكٍ‏}‏ وَأَيْضًا فَهَاتَانِ جُمْلَتَانِ وَالْكَلَامُ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ‏.‏

‏(‏الثَّانِي‏)‏‏:‏ أَنْ تُضَافَ إِلَى مَعْرِفَةٍ، فَيَجُوزُ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا وَمُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا، سَوَاءٌ كَانَتِ الْإِضَافَةُ لَفْظًا، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 95‏)‏ فَرَاعَى لَفْظَ كُلٍّ‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏:‏ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَلَمْ يَقُلْ رَاعُونَ وَلَا مَسْئُولُونَ‏.‏

أَوْ مَعْنًى، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ‏}‏ ‏(‏الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 40‏)‏، فَرَاعَى لَفْظَهَا، وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏(‏النَّمْلِ‏:‏ 87‏)‏ فَرَاعَى الْمَعْنَى‏.‏

وَقَدِ اجْتَمَعَ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنَ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 93إِلَى95‏)‏ هَذَا إِذَا جَعَلْنَا ‏"‏ مَنْ ‏"‏ مَوْصُولَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً خَرَجَتْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ إِلَى الْأَوَّلِ‏.‏

‏(‏الثَّالِثُ‏)‏‏:‏ أَنْ تُقْطَعَ عَنِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا، فَيَجُوزُ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا وَمُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا أَيْضًا‏.‏

فَمِنَ الْأَوَّلِ‏:‏ ‏{‏كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 285‏)‏ ‏{‏قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 84‏)‏ ‏{‏إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 14‏)‏ وَلَمْ يَقُلْ كَذَّبُوا ‏{‏فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ‏}‏ ‏(‏الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 40‏)‏‏.‏

وَمِنَ الثَّانِي‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْفَالِ‏:‏ 54‏)‏ ‏{‏كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 33‏)‏ ‏{‏كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ‏}‏ ‏(‏الرُّومِ‏:‏ 26‏)‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏(‏النَّمْلِ‏:‏ 87‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو الْفَتْحِ‏:‏ وَعِلَّتُهُ أَنَّ أَحَدَ الْجَمْعَيْنِ عِنْدَهُمْ كَافٍ عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِنَّ لَفْظَ كَلٍّ لِلْأَفْرَادِ وَمَعْنَاهَا الْجَمْعُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدَّرُوا الْمُضَافَ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمْعًا فَتَارَةً رُوعِيَ كَمَا إِذَا صَرَّحَ بِهِ، وَتَارَةً رُوعِيَ لَفْظُ كُلٍّ، وَتَكُونُ حَالَةُ الْحَذْفِ مُخَالِفَةً لِحَالِ الْإِثْبَاتِ‏.‏

قِيلَ‏:‏ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ حَيْثُ أُفْرِدَ يُقَدَّرُ الْحَذْفُ مُفْرَدًا، وَحَيْثُ جُمِعَ يُقَدَّرُ جَمْعًا، فَيُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ‏}‏ ‏(‏الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 40‏)‏ كُلُّ وَاحِدٍ، وَيُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏(‏النَّمْلِ‏:‏ 87‏)‏ كُلُّ نَوْعٍ مِمَّا سَبَقَ لَكَانَ مُوَافِقًا إِذَا أُضِيفَ لَفْظًا إِلَى نَكِرَةٍ‏.‏

وَمَا ذَكَرُوهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَقْدِيرَهُ‏:‏ وَكُلُّهُمْ أَتَوْهُ وَكِلَا التَّقْدِيرَيْنِ سَائِغٌ، وَالْمُرَادُ الْجَمْعُ‏.‏

وَيَتَعَيَّنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 33‏)‏ أَنَّ كُلًّا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْجَمْعِ، وَقَدْ قَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ‏:‏ ‏{‏كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 84‏)‏ كُلُّ أَحَدٍ، وَهُوَ يُسَاعِدُ مَا ذَكَرْنَاهُ‏.‏ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ‏.‏

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي نِتَاجِ الْفِكْرِ‏:‏ إِذَا قُطِعَتْ ‏"‏ كُلٌّ ‏"‏ عَنِ الْإِضَافَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهَا جَمْعًا، لِأَنَّهَا اسْمٌ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، تَقُولُ‏:‏ كَلٌّ ذَاهِبُونَ، إِذَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ قَوْمٍ، وَأَجَابَ عَنْ إِفْرَادِ الْخَبَرِ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، بِأَنَّ فِيهَا قَرِينَةً تَقْتَضِي تَحْسِينَ الْمَعْنَى بِهَذَا اللَّفْظِ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

أَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 84‏)‏ فَلِأَنَّ قَبْلَهَا ذِكْرَ فَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، مُؤْمِنِينَ وَظَالِمِينَ، فَلَوْ جَمَعَهُمْ فِي الْأَخْبَارِ وَقَالَ‏:‏ كَلٌّ يَعْمَلُونَ، لَبَطُلَ مَعْنَى الِاخْتِلَافِ، وَكَانَ لَفْظُ الْإِفْرَادِ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ، وَالْمَعْنَى كُلُّ فَرِيقٍ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 14‏)‏ فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ قُرُونًا وَأُمَمًا، وَخَتَمَ ذِكْرَهُمْ بِقَوْمِ تُبَّعٍ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ كَلٌّ كَذَّبُوا، لَعَادَ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، فَكَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ قَوْمِ تُبَّعٍ خَاصَّةً، فَلَمَّا قَالَ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ‏}‏ عُلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ كَذَّبَ، لِأَنَّ إِفْرَادَ الْخَبَرِ عَنْ ‏"‏ كُلٍّ ‏"‏ حَيْثُ وَقَعَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏

وَتَتَّصِلُ مَا بِكُلٍّ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 25‏)‏ وَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ لَكِنَّهَا نَائِبَةٌ بِصِلَتِهَا عَنْ ظَرْفِ زَمَانٍ، كَمَا يَنُوبُ عَنْهُ الْمَصْدَرُ الصَّرِيحُ، وَالْمَعْنَى كُلُّ وَقْتٍ‏.‏

وَهَذِهِ تُسَمَّى مَا الْمَصْدَرِيَّةَ الظَّرْفِيَّةَ أَيِ النَّائِبَةَ عَنِ الظَّرْفِ، لَا أَنَّهَا ظَرْفٌ فِي نَفْسِهَا، فَـ ‏"‏ كُلٌّ ‏"‏ مِنْ ‏"‏ كُلَّمَا ‏"‏ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى شَيْءٍ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الظَّرْفِ‏.‏

ثُمَّ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ أَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ‏.‏ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ‏:‏ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ ‏"‏ مَا ‏"‏ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ مُرَادٌ بِهَا الْعُمُومُ، فَإِذَا قُلْتَ‏:‏ أَصْحَبُكَ مَا ذَرَّ لِلَّهِ شَارِقٌ، فَإِنَّمَا تُرِيدُ الْعُمُومَ، فَكَلٌّ أَكَّدَتِ الْعُمُومَ الَّذِي أَفَادَتْهُ مَا الظَّرْفِيَّةُ، لَا أَنَّ لَفْظَ كُلَّمَا وُضِعَ لِلتَّكْرَارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ ‏"‏ كُلٌّ ‏"‏ تَوْكِيدًا لِلْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ‏"‏ مَا ‏"‏ الظَّرْفِيَّةِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ إِنَّ التَّكْرَارَ مِنْ عُمُومِ ‏"‏ مَا ‏"‏ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَا الْمَصْدَرِيَّةَ لَا عُمُومَ لَهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نِيَابَتِهَا عَنِ الظَّرْفِ دَلَالَتُهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنِ اسْتُفِيدَ عُمُومٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فَلَيْسَ مِنْ ‏"‏ مَا ‏"‏، إِنَّمَا هُوَ مِنَ التَّرْكِيبِ نَفْسِهِ‏.‏

وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهَا إِذَا وُصِلَتْ ‏"‏ بِمَا ‏"‏ صَارَتْ أَدَاةً لِتَكْرَارِ الْأَفْعَالِ وَعُمُومِهَا قَصْدِيٌّ وَفِي الْأَسْمَاءِ ضِمْنِيٌّ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 56‏)‏ وَإِذَا جُرِّدَتْ مِنْ لَفْظِ ‏(‏مَا‏)‏، انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَصَارَتْ عَامَّةً فِي الْأَسْمَاءِ قَصْدًا، وَفِي الْأَفْعَالِ ضِمْنًا‏.‏

وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ‏:‏ تُطَلَّقُ كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، وَتَكُونُ عَامَّةً فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ لِدُخُولِهَا عَلَى الِاسْمِ وَهُوَ قَصْدِيٌّ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى لَمْ تُطَلَّقْ فِي الثَّانِيَةِ، لِعَدَمِ عُمُومِهَا قَصْدًا فِي الْأَسْمَاءِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِرَارًا طُلِّقَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ قَصْدًا، وَهُوَ التَّزَوُّجُ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏‏:‏ وَيَأْتِي كُلٌّ صِفَةً، ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ النَّعْتِ قَالَ‏:‏ وَمِنَ الصِّفَةِ أَنْتَ الرَّجُلُ كُلُّ الرَّجُلِ، وَمَرَرْتُ بِالرَّجُلِ كُلِّ الرَّجُلِ‏.‏

قَالَ الصَّفَّارُ‏:‏ هَذَا يَكُونُ عِنْدَ قَصْدِ التَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ قَوْلَكَ‏:‏ الرَّجُلُ مَعْنَاهُ الْكَامِلُ، وَمَعْنَى كُلِّ الرَّجُلِ أَيْ هُوَ الرَّجُلُ، لِعَظَمَتِهِ قَدْ قَامَ مَقَامَ الْجِنْسِ، كَمَا تَقُولُ‏:‏ أَكَلْتُ شَاةً كُلَّ شَاةٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا أَيْ أَنَّ مَنْ صَادَهُ فَقَدْ صَادَ جَمِيعَ الصَّيْدِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ لِعَظَمَتِهِ، قَالَ‏:‏ وَهَذَا إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا سَبَقَهَا مَا فِيهِ رَائِحَةُ الصِّفَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ كَانَ جَامِدًا لَمْ يَجُزْ، نَحْوُ‏:‏ مَرَرْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ، كُلِّ الرَّجُلِ، لَا يُفْهَمُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْءٌ‏.‏

53- كِلَا وَكِلْتَا

اسْتِعْمَالَاتُهَا فِي الْقُرْآنِ‏:‏

هُمَا تَوْكِيدُ الِاثْنَيْنِ، وَفِيهِمَا مَعْنَى الْإِحَاطَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ الرَّاغِبُ‏:‏ هِيَ فِي التَّثْنِيَةِ كَكُلٍّ فِي الْجَمْعِ، وَمُفْرَدُ اللَّفْظِ مُثْنَى الْمَعْنَى، عَبَّرَ عَنْهُ مَرَّةً بِلَفْظِهِ، وَمَرَّةً بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ اعْتِبَارًا بِمَعْنَاهُ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 23‏)‏‏.‏

قُلْتُ‏:‏ لَا خِلَافَ أَنَّ مَعْنَاهَا التَّثْنِيَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظِهَا فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ‏:‏ مُفْرَدَةٌ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ‏:‏ تَثْنِيَةٌ‏.‏

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، بِدَلِيلِ عَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَيْهَا مُفْرَدًا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 33‏)‏ فَالْإِخْبَارُ عَنْ كِلْتَا بِالْمُفْرَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مُفْرَدٌ، إِذْ لَوْ كَانَ مُثَنًّى لَقَالَ‏:‏ آتَتَا، وَدَلِيلُ إِضَافَتِهَا إِلَى الْمُثَنَّى فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 23‏)‏ وَلَوْ كَانَ مُثَنًّى لَمْ يَجُزْ إِضَافَتُهُ إِلَى التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْفَصِيحُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَيُقَالُ‏:‏ كِلَا الرَّجُلَيْنِ خَرَجَ، وَكِلْتَا الْمَرْأَتَيْنِ حَضَرَتْ‏.‏

وَقَدْ نَازَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ‏:‏ لَيْسَ مَعْنَاهُ التَّثْنِيَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ النُّحَاةُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَثُرَتْ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى، كَمَا كَثُرَتْ مُرَاعَاتُهُ فِي ‏"‏ مَنْ ‏"‏ وَ ‏"‏ مَا ‏"‏ الْمَوْصُولَتَيْنِ، لَكِنَّ أَكْثَرَ مَا جَاءَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَوْدُ الضَّمِيرِ مُفْرَدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 33‏)‏ وَمَا جَاءَ فِيهِ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهَا مُفْرَدٌ صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِمَا، وَأَمَّا مُرَاعَاةُ التَّثْنِيَةِ فِيهِ فَعَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ، وَوَجْهُ التَّوَسُّعِ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ فِي جَانِبِ الثُّبُوتِ مَعَهُ غَيْرُهُ‏.‏ فَجَاءَتِ التَّثْنِيَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَالْإِفْرَادُ فِيهِ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ، وَالتَّثْنِيَةُ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ

‏(‏فَائِدَةٌ‏)‏‏.‏ وَقَعَ فِي شِعْرِ أَبِي تَمَّامٍ كِلَا الْآفَاقِ، وَخَطَّأَهُ الْمَعَرِّيُّ، لِأَنَّ كِلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الِاثْنَيْنِ لَا الْجَمْعِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْمَسْمُوعِ كِلَا الْقَوْمِ، وَلَا كِلَا الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ كِلَا الرَّجُلَيْنِ وَنَحْوَهُ، فَإِنْ أُخِذَ مِنَ الْكَلَأِ مِنْ قَوْلِكَ‏:‏ كَلَأْتُ الشَّيْءَ إِذَا رَعَيْتَهُ وَحَفِظْتَهُ، فَالْمَعْنَى يَصِحُّ إِلَّا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُقْصِرُ، وَهِيَ مَمْدُودَةٌ‏.‏

54- كَمْ

اسْتِعْمَالَاتُهَا فِي الْقُرْآنِ

نَكِرَةٌ لَا تَتَعَرَّفُ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ فِي الْعَدَدِ كَأَيْنَ فِي الْأَمْكِنَةِ، وَمَتَى فِي الْأَزْمِنَةِ، وَكَيْفَ فِي الْأَحْوَالِ‏.‏

وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ‏:‏ كَمْ أَرْضُكَ جَرِيبًا‏؟‏ كَمْ مُبْتَدَأٌ، وَأَرْضُكَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، مَجَازٌ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ، وَإِنَّمَا أَرْضُكَ مُبْتَدَأٌ، وَ كَمِ الْخَبَرُ مِثْلُ كَيْفَ زَيْدٌ‏؟‏‏.‏

وَهِيَ قِسْمَانِ‏:‏

اسْتِفْهَامِيَّةٌ تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، بِمَعْنَى أَيِّ عَدَدٍ‏؟‏ فَيُنْصَبُ مَا بَعْدَهَا نَحْوُ‏:‏ كَمْ رَجُلًا ضَرَبْتَ‏؟‏ وَخَبَرِيَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، بِمَعْنَى عَدَدٍ كَثِيرٍ فَيُجَرُّ مَا بَعْدَهَا، نَحْوُ‏:‏ كَمْ عَبْدٍ مَلَكْتُ‏.‏

وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَيْهَا ‏"‏ مِنْ ‏"‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 4‏)‏ ‏{‏وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ‏}‏ ‏(‏الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 11‏)‏‏.‏

وَلَيْسَتِ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ أَصْلًا لِلْخَبَرِيَّةِ خِلَافًا لِلزَّمَخْشَرِيِّ حَيْثُ ادَّعَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ ‏(‏يس‏)‏ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى ‏{‏أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا‏}‏ ‏(‏الْآيَةَ‏:‏ 31‏)‏‏.‏

وَلَمْ تُسْتَعْمَلِ الْخَبَرِيَّةُ غَالِبًا إِلَّا فِي مَقَامِ الِافْتِخَارِ وَالْمُبَاهَاةِ لِأَنَّ مَعْنَاهَا التَّكْثِيرُ، وَلِهَذَا مُيِّزَتْ بِمَا يُمَيَّزُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ، وَهُوَ مِائَةٌ وَأَلْفٌ، فَكَمَا أَنَّ مِائَةً تُمَيَّزُ بِوَاحِدٍ مَجْرُورٍ، فَكَذَلِكَ كَمْ‏.‏

وَاعْلَمُ أَنَّ كَمْ مُفْرَدَةُ اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهَا الْجَمْعُ، فَيَجُوزُ فِي ضَمِيرِهَا الْأَمْرَانِ بِالِاعْتِبَارَيْنِ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ‏}‏ ‏(‏النَّجْمِ‏:‏ 26‏)‏، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ‏}‏ ‏(‏النَّجْمِ‏:‏ 26‏)‏ فَأَتَى بِهِ جَمْعًا، وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 4‏)‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَوْ هُمْ قَائِلُونَ‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 4‏)‏‏.‏

55- كَيْفَ

اسْتِعْمَالَاتُهَا فِي الْقُرْآنِ

اسْتِفْهَامٌ عَنْ حَالِ الشَّيْءِ لَا عَنْ ذَاتِهِ، كَمَا أَنَّ ‏"‏ مَا ‏"‏ سُؤَالٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَ ‏"‏ مَنْ ‏"‏ عَنْ مُشَخِّصَاتِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي ‏"‏ اللَّهِ ‏"‏ كَيْفَ‏.‏

وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الظَّرْفِ، فَإِذَا قُلْتَ‏:‏ كَيْفَ زَيْدٌ‏؟‏ كَانَ زَيْدٌ مُبْتَدَأً، وَ كَيْفَ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ‏:‏ عَلَى أَيِّ حَالٍ زَيْدٌ‏.‏

هَذَا أَصْلُهَا فِي الْوَضْعِ، لَكِنْ قَدْ تَعْرِضُ لَهَا مَعَانٍ تُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ، أَوْ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ، مِثْلُ مَعْنَى التَّنْبِيهِ وَالِاعْتِبَارِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ‏.‏

أَحَدُهَا‏:‏ سُؤَالٌ مَحْضٌ عَنْ حَالٍ نَحْوُ‏:‏ كَيْفَ زَيْدٌ‏؟‏

وَثَانِيهَا‏:‏ حَالٌ لَا سُؤَالَ مَعَهُ كَقَوْلِكَ‏:‏ لَأُكْرِمَنَّكَ كَيْفَ أَنْتَ، أَيْ عَلَى أَيِّ حَالٍ كُنْتَ‏.‏

ثَالِثُهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ الْمَرْدُودِ لِلْخَلْقِ‏.‏

وَعَلَى هَذَيْنِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 28‏)‏ قَالَ الرَّاغِبُ فِي تَفْسِيرِهِ‏:‏ كَيْفَ هُنَا اسْتِخْبَارٌ لَا اسْتِفْهَامٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِخْبَارَ قَدْ يَكُونُ تَنْبِيهًا لِلْمُخَاطَبِ وَتَوْبِيخًا، وَلَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُسْتَخْبَرِ، وَالِاسْتِفْهَامُ بِخِلَافِ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ‏:‏ كُلُّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِلَفْظِ كَيْفَ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَلَى طَرِيقِ التَّنْبِيهِ لِلْمُخَاطَبِ أَوْ تَوْبِيخٌ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 28‏)‏‏.‏ ‏{‏كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 86‏)‏‏.‏ ‏{‏كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ‏}‏ ‏(‏التَّوْبَةِ‏:‏ 7‏}‏‏.‏ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 48‏)‏، ‏(‏الْفُرْقَانِ‏:‏ 9‏)‏ ‏{‏فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ‏}‏ ‏(‏الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 20‏)‏‏.‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ‏}‏ ‏(‏الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 19‏)‏‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ قَدْ تَأْتِي لِلنَّفْيِ وَالْإِنْكَارِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ‏}‏ ‏(‏التَّوْبَةِ‏:‏ 7‏)‏ ‏{‏كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 86‏)‏‏.‏

وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْجَحْدِ شَاعَ أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا إِلَّا، كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ‏}‏ ‏(‏التَّوْبَةِ‏:‏ 7‏)‏‏.‏ ‏{‏

وَلِلتَّوْبِيخِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 101‏)‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 28‏)‏‏.‏

وَلِلتَّحْذِيرِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ‏}‏ ‏(‏النَّمْلِ‏:‏ 51‏)‏‏.‏

وَلِلتَّنْبِيهِ وَالِاعْتِبَارِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 21‏)‏‏.‏

وَلِلتَّأْكِيدِ وَتَحْقِيقِ مَا قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 259‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 41‏)‏ فَإِنَّهُ تَوْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ خَبَرٍ وَتَحْقِيقٍ لِمَا بَعْدَهُ، عَلَى تَأْوِيلِ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ فِي الْآخِرَةِ‏!‏

وَلِلتَّعْظِيمِ وَالتَّهْوِيلِ‏:‏ ‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 41‏)‏ أَيْ فَكَيْفَ حَالُهُمْ إِذَا جِئْنَا، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو‏:‏ كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ‏.‏

وَقِيلَ وَتَجِيءُ مَصْدَرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ‏}‏ ‏(‏الْفُرْقَانِ‏:‏ 45‏)‏ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ‏(‏الرُّومِ‏:‏ 50‏)‏‏.‏

وَتَأْتِي ظَرْفًا فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وَهِيَ عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ كَيْفَ تَكْفُرُونَ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 28‏)‏ مَنْصُوبَةً عَلَى التَّشْبِيهِ بِالظَّرْفِ، أَيْ فِي حَالِ تَكْفُرُونَ، وَعَلَى الْحَالِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ، أَيْ عَلَى حَالِ تَكْفُرُونَ‏.‏

وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 41‏)‏ فَإِنْ شِئْتَ قَدَّرْتَ بَعْدَهَا اسْمًا، وَجَعَلْتَهَا خَبَرًا، أَيْ كَيْفَ صُنْعُكُمْ أَوْ حَالُكُمْ‏؟‏ وَإِنْ شِئْتَ قَدَّرْتَ بَعْدَهَا فِعْلًا تَقْدِيرُهُ‏:‏ كَيْفَ تَصْنَعُونَ‏؟‏

وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ لَهَا الشَّرْطَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ ‏(‏الْمَائِدَةِ‏:‏ 64‏)‏ يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 6‏)‏ ‏{‏فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ ‏(‏الرُّومِ‏:‏ 48‏)‏‏.‏ وَجَوَابُهُ فِي ذَلِكَ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا‏.‏

وَمُرَادُ هَذَا الْقَائِلِ الشَّرْطُ الْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ إِنَّمَا يُفِيدُ الرَّبْطَ فَقَطْ، أَيْ رَبْطَ جُمْلَةٍ بِأُخْرَى كَأَدَاةِ الشَّرْطِ، لَا اللَّفْظِيُّ، وَإِلَّا لَجُزِمَ الْفِعْلُ‏.‏

وَعَنِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا تَجْزِمُ، نَحْوُ‏:‏ كَيْفَ تَكُنْ أَكُنْ‏.‏ وَقَدْ يُحْذَفُ الْفِعْلُ بَعْدَهَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ‏"‏ أَيْ كَيْفَ تُوَالُونَهُمْ‏.‏

56- اللَّامُ

قِسْمَانِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَامِلَةً، أَوْ غَيْرَ عَامِلَةٍ‏.‏

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ غَيْرُ الْعَامِلَةِ اللَّامُ

وَتَجِيءُ لِعَشْرَةِ مَعَانٍ‏:‏ مُعَرِّفَةٍ، وَدَالَّةٍ عَلَى الْبُعْدِ، وَمُخَفَّفَةٍ، وَفَارِقَةٍ، وَمُحَقِّقَةٍ، وَمُوجِبَةٍ، وَمُؤَكِّدَةٍ، وَمُتَمِّمَةٍ، وَمُوَجِّهَةٍ، وَمَسْبُوقَةٍ، وَالْمُؤْذِنَةِ، وَالْمُوَطِّئَةِ‏.‏

فَالْمُعَرِّفَةُ الَّتِي مَعَهَا أَلِفُ الْوَصْلِ، عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الْمُعَرِّفَةَ اللَّامَ وَحْدَهَا، وَيُنْسَبُ لِسِيبَوَيْهِ‏.‏ وَذَهَبَ الْخَلِيلُ إِلَى أَنَّهُ ثُنَائِيٌّ، وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ، وُصِلَتْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ‏.‏

وَتَنْقَسِمُ الْمُعَرِّفَةُ إِلَى عَهْدِيَّةٍ وَاسْتِغْرَاقِيَّةٍ، وَقَدْ سَبَقَا فِي قَاعِدَةِ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ، وَزَادَ قَوْمٌ طَلَبَ الصِّلَةِ، وَجُعِلَ مِنْهُ‏:‏ ‏{‏رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 71‏)‏ ‏{‏فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ‏}‏ ‏(‏يُوسُفَ‏:‏ 17‏)‏‏.‏

وَلِلْإِضْمَارِ ‏{‏فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى‏}‏ ‏(‏النَّازِعَاتِ‏:‏ 39‏)‏، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِضْمَارَ بَعْدَهَا مُرَادٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ، فَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ هِيَ مَأْوَاهُ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ هِيَ الْمَأْوَى لَهُ‏.‏

وَاللَّامُ فِي التَّعْرِيفِ مُرَقَّقَةٌ إِلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ فَيَجِبُ تَفْخِيمُهَا إِذَا كَانَ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ، أَوْ فَتْحَةٌ، وَهِيَ فِي الْأَسْمَاءِ تَفْخِيمُ الْجَرْسِ، وَفِي الْمَعْنَى تَوْقِيرُ الْمُسَمَّى وَتَعْظِيمُهُ سُبْحَانَهُ‏.‏

وَالدَّالَّةُ عَلَى الْبُعْدِ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ، إِعْلَامًا بِالْبُعْدِ أَوْ تَوْكِيدًا لَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ‏.‏

وَالْمُخَفِّفَةُ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا تَخْفِيفُ إِنَّ الْمُشَدَّدَةِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ‏}‏ ‏(‏الطَّارِقِ‏:‏ 4‏)‏‏.‏ وَتُسَمَّى لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَالْفَارِقَةُ لِأَنَّهَا تُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ‏.‏

وَالْمُخَفِّفَةُ هِيَ الَّتِي تُحَقِّقُ الْخَبَرَ مَعَ الْمُبْتَدَأِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ‏}‏ ‏(‏الشُّورَى‏:‏ 43‏)‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏}‏ ‏(‏التَّوْبَةِ‏:‏ 128‏)‏‏.‏

وَالْمُوجِبَةُ بِمَعْنَى إِلَّا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 32‏)‏ ‏{‏وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏(‏الزُّخْرُفِ‏:‏ 35‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا كَلٌّ، فَجَعَلُوا‏:‏ إِنْ بِمَعْنَى مَا، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا فِي الْإِيجَابِ‏.‏

وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ‏}‏ ‏(‏إِبْرَاهِيمَ‏:‏ 46‏)‏ بِالرَّفْعِ وَالْمُرَادُ‏:‏ وَمَا كَانَ مَكْرُهُمْ إِلَّا لِتَزُولَ مِنْهُ‏.‏

وَالْمُؤَكِّدَةُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ أَوَّلَ الْكَلَامِ، اللَّامُ وَتَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ الْمُبْتَدَأُ وَتُسَمَّى لَامُ الِابْتِدَاءِ، فَيُؤْذَنُ بِأَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏}‏ ‏(‏التَّوْبَةِ‏:‏ 108‏)‏ ‏{‏لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ‏}‏ ‏(‏يُوسُفَ‏:‏ 8‏)‏ ‏{‏لَأَنْتَمْ أَشَدُّ رَهْبَةً‏}‏ ‏(‏الْحَشْرِ‏:‏ 13‏)‏‏.‏

ثَانِيهِمَا‏:‏ فِي بَابِ ‏"‏ إِنَّ ‏"‏ عَلَى اسْمِهَا إِذَا تَأَخَّرَ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً‏}‏ ‏(‏النَّازِعَاتِ‏:‏ 26‏)‏‏.‏

وَعَلَى خَبَرِهَا، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ‏}‏ ‏(‏الْفَجْرِ‏:‏ 14‏)‏ ‏{‏إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَاهٌ‏}‏ ‏(‏هُودٍ‏:‏ 75‏)‏ ‏{‏إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ‏}‏ ‏(‏الْبُرُوجِ‏:‏ 12‏)‏‏.‏

فَـ ‏"‏ إِنَّ ‏"‏ فِي هَذَا تَوْكِيدٌ لِمَا يَلِيهَا، وَاللَّامُ لِتَوْكِيدِ الْخَبَرِ، وَكَذَا فِي ‏"‏ أَنَّ ‏"‏ الْمَفْتُوحَةِ، كَقِرَاءَةِ سَعِيدٍ‏:‏ إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ‏(‏الْفُرْقَانِ‏:‏ 20‏)‏ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، فَإِنَّهُ أَلْغَى اللَّامَ، لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى ‏"‏ إِنَّ ‏"‏ الْمَكْسُورَةِ، أَوْ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِالْخَبَرِ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ‏}‏ ‏(‏الْحِجْرِ‏:‏ 72‏)‏ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ‏:‏ لَيَعْمَهُونَ فِي سَكْرَتِهِمْ‏.‏

وَاخْتُلِفَ فِي اللَّامِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَمَنْ ضَرُّهُ‏}‏ ‏(‏الْحَجِّ‏:‏ 13‏)‏ فَقِيلَ هِيَ مُؤَخَّرَةٌ، وَالْمَعْنَى يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ‏.‏

وَجَازَ تَقْدِيمُهَا وَإِيلَاؤُهَا الْمَفْعُولَ، لِأَنَّهَا لَامُ التَّوْكِيدِ وَالْيَمِينِ، فَحَقُّهَا أَنْ تَقَعَ صَدْرَ الْكَلَامِ‏.‏

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ اللَّامَ فِي صِلَةِ ‏"‏ مَنْ ‏"‏ فَتَقَدُّمُهَا عَلَى الْمَوْصُولِ مُمْتَنِعٌ، وَأَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّهَا حَرْفٌ لَا يُفِيدُ غَيْرَ التَّوْكِيدِ، وَلَيْسَتْ بِعَامِلَةٍ كَـ ‏"‏ مِنَ ‏"‏ الْمُؤَكِّدَةِ فِي نَحْوِ‏:‏ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، دُخُولُهَا وَخُرُوجُهَا سَوَاءٌ، وَلِهَذَا جَاءَ تَقْدِيمُهَا‏.‏

وَيَجُوزُ أَلَّا تَكُونَ هُنَا مَوْصُولَةً، بَلْ نَكِرَةً، وَلِهَذَا قَالَ الْكِسَائِيُّ‏:‏ اللَّامُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَ ‏"‏ مَنْ ‏"‏ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ ‏"‏ يَدْعُو ‏"‏، وَالتَّقْدِيرُ‏:‏ يَدْعُو مَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، أَيْ يَدْعُو إِلَهًا ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفَعِهِ‏.‏

قَالَ الْمُبَرِّدُ‏:‏ يَدْعُو فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ فِي حَالِ دُعَائِهِ إِيَّاهُ، وَقَوْلِهِ‏:‏ لَمَنْ مُسْتَأْنَفٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ‏}‏ ‏(‏الْحَجِّ‏:‏ 13‏)‏ فِي صِلَتِهِ، وَ‏{‏لَبِئْسَ الْمَوْلَى‏}‏ ‏(‏الْحَجِّ‏:‏ 13‏)‏ خَبَرُهُ‏.‏

وَهَذَا يَسْتَقِيمُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ ‏"‏ يَدْعُو ‏"‏ يُدْعَى، لَكِنَّ مَجِيئَهُ بِصِيغَةِ فِعْلِ الْفَاعِلِ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَمِيرُهُ يُبْعِدُهُ‏.‏

وَالْمُتَمِّمَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 42‏)‏ ‏{‏إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 75‏)‏ فَاللَّامُ هُنَا لِتَتْمِيمِ الْكَلَامِ‏.‏ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ‏:‏ ‏"‏ إِذَنْ ‏"‏ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا جَوَابٌ وَجَزَاءٌ‏.‏

وَالْمُوَجَّهَةُ فِي جَوَابِ ‏"‏ لَوْلَا ‏"‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 74‏)‏ فَاللَّامُ فِي ‏"‏ لَقَدْ ‏"‏ تُوَجَّهُ لِلتَّثْبِيتِ‏.‏

وَسَمَّاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ مُؤْذِنَةً ‏"‏ لِأَنْ ‏"‏ لِيُؤْذَنَ بِأَنَّ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ هُوَ اللَّازِمُ لِمَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ نَحْوُ‏:‏ إِنْ جِئْتَنِي لَأَكْرَمْتُكَ، فَاللَّامُ مُؤْذِنَةٌ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ اللَّازِمِ الْمَجِيءِ‏.‏ وَالْمَسْبُوقَةُ فِي جَوَابِ لَوْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا‏}‏ ‏(‏الْوَاقِعَةِ‏:‏ 65‏)‏ أَيْ تُفِيدُ تَأَخُّرُهُ لِأَشَدِّ الْعُقُوبَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ‏}‏ ‏(‏يُونُسَ‏:‏ 24‏)‏ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا‏}‏ ‏(‏الْوَاقِعَةِ‏:‏ 70‏)‏ بِغَيْرِ لَامٍ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ التَّعْجِيلَ، أَيْ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا لِوَقْتِهِ‏.‏

وَالْمُؤْذِنَةُ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْقَسَمِ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا، لِتُؤْذِنَ أَنَّ الْجَوَابَ لَهُ لَا لِلشَّرْطِ، أَوْ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ مَا بَعْدَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَسَمٍ قَبْلَهَا‏.‏ وَتُسَمَّى الْمُوَطِّئَةَ لِأَنَّهَا وَطَّأَتِ الْجَوَابَ لِلْقَسَمِ أَيْ مَهَّدَتْهُ‏.‏

وَقَوْلُ الْمُعْرِبِينَ‏:‏ إِنَّهَا مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُوَطِّئَةٌ لِجَوَابِهِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لِيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ‏}‏ ‏(‏الْحَشْرِ‏:‏ 12‏)‏ وَلَيْسَتْ جَوَابًا لِلْقَسَمِ، وَإِنَّمَا الْجَوَابُ مَا يَأْتِي بَعْدَ الشَّرْطِ، وَيَجْمَعُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ قَوْلُكَ‏:‏ لَامُ الْجَوَابِ‏.‏

وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا‏}‏ ‏(‏الْعَلَقِ‏:‏ 15‏)‏ فَاللَّامُ فِي لَئِنْ مُؤْذِنَةٌ بِالْقَسَمِ، وَقَوْلِهِ‏:‏ نَسْفَعًا جَوَابُ الْقَسَمِ الْمُقَدَّرِ، تَقْدِيرُهُ‏:‏ وَاللَّهِ لَنَسْفَعَنْ‏.‏

وَمِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 87 وَالْقَصَصِ‏:‏ 43‏)‏ وَزَعَمَ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهَا لَامُ التَّوْكِيدِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ‏:‏ إِنَّهَا لَامُ الْقَسَمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَامَ ابْتِدَاءٍ، لِأَنَّ لَامَ الِابْتِدَاءِ لَا تَلْحَقُ إِلَّا الْأَسْمَاءَ، وَمَا يَكُونُ بِمَنْزِلَتِهَا كَالْمُضَارِعِ‏.‏

الْقِسْمُ الثَّانِي‏:‏ الْعَامِلَةُ

وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ‏:‏ جَارَّةٌ، وَنَاصِبَةٌ، وَجَازِمَةٌ اللَّامُ‏.‏

الْأُولَى الْجَارَّةُ وَتَأْتِي لِمَعَانٍ اللَّامُ‏:‏ لِلْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 128‏)‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 107‏)‏، ‏{‏وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏(‏الْفَتْحِ‏:‏ 4‏)‏‏.‏

وَالتَّمْلِيكِ، نَحْوَ وَهَبْتُ لِزَيْدٍ دِينَارًا، وَمِنْهُ‏:‏ ‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 50‏)‏‏.‏

وَالِاخْتِصَاصِ، وَمَعْنَاهَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِسْبَةً بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقُهُ، نَحْوُ‏:‏ هَذَا صَدِيقٌ لِزَيْدٍ، وَأَخٌ لَهُ، وَنَحْوُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ لَهُ أَبًا‏}‏ ‏(‏يُوسُفَ‏:‏ 78‏)‏، كَانَ لَنَا مِنْهُ جِدَةٌ، وَمِنْهُ‏:‏ الْجَنَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏.‏

وَلِلتَّخْصِيصِ، وَمِنْهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ‏}‏ ‏(‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 50‏)‏‏.‏

وَلِلِاسْتِحْقَاقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏}‏ ‏(‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 1‏)‏، ‏{‏وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ‏}‏ ‏(‏الرَّعْدِ‏:‏ 25‏)‏‏.‏

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِلْكَ، أَنَّ الْمِلْكَ لِمَا قَدْ حَصَلَ وَثَبَتَ، وَهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، لَكِنْ هُوَ فِي حُكْمِ الْحَاصِلِ، مِنْ حَيْثُ مَا قَدِ اسْتُحِقَّ‏.‏ قَالَهُ الرَّاغِبُ‏.‏ وَلِلْوِلَايَةِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ‏}‏ ‏(‏الرُّومِ‏:‏ 4‏)‏‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ تُجْمَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ، كَقَوْلِكَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ، وَوَلِيُّهُ وَالْمَخْصُوصُ بِهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ الْحَمْدُ لِي وَإِلَيَّ‏.‏

وَلِلتَّعْلِيلِ، وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا ‏(‏مِنْ أَجْلِ‏)‏، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ‏}‏ ‏(‏الْعَادِيَاتِ‏:‏ 8‏)‏ أَيْ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْخَيْرِ‏.‏

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ‏}‏ ‏(‏قُرَيْشٍ‏:‏ 1‏)‏ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَعْبُدُوا‏}‏ ‏(‏قُرَيْشٍ‏:‏ 3‏)‏ أَوْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏}‏ ‏(‏الْفِيلِ‏:‏ 5‏)‏ وَلِهَذَا كَانَتَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سُورَةً وَاحِدَةً‏.‏ وَضُعِّفَ بِأَنْ جَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ، إِنَّمَا هُوَ لِكُفْرِهِمْ وَتَجَرُّئِهِمْ عَلَى الْبَيْتِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيِ اعْجَبُوا‏.‏

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 57‏)‏ أَيْ لِأَجْلِ بَلَدٍ مَيِّتٍ بِدَلِيلِ‏:‏ ‏{‏فَأَنْزَلَنَا بِهِ الْمَاءَ‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 57‏)‏، هَذَا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ إِنَّهَا بِمَعْنَى إِلَى وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 105‏)‏ أَيْ لَا تُخَاصِمِ النَّاسَ لِأَجْلِ الْخَائِنِينَ‏.‏

قَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 107‏)‏ وَلَيْسَتْ كَالَّتِي فِي قَوْلِكَ‏:‏ لَا تَكُنْ لِلَّهِ خَصِيمًا، لِدُخُولِهَا عَلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ لَا تَكُنْ خَصِيمَ اللَّهِ‏.‏

وَبِمَعْنَى ‏"‏ إِلَى ‏"‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ ‏(‏الرَّعْدِ‏:‏ 2‏)‏ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيُؤَخِّرُكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ ‏(‏إِبْرَاهِيمَ‏:‏ 10‏)‏‏.‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ‏}‏ ‏(‏الْأَنْعَامِ‏:‏ 28‏)‏‏.‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 43‏)‏‏.‏ ‏{‏رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 193‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏ ‏(‏الزَّلْزَلَةِ‏:‏ 5‏)‏، بِدَلِيلِ‏:‏ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏}‏ ‏(‏النَّحْلِ‏:‏ 68‏)‏ وَزَيَّفَهُ الرَّاغِبُ لِأَنَّ الْوَحْيَ لِلنَّحْلِ، جُعِلَ ذَلِكَ لَهُ بِالتَّسْخِيرِ وَالْإِلْهَامِ، وَلَيْسَ كَالْوَحْيِ الْمُوحَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَاللَّامُ عَلَى جَعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَهُ بِالتَّسْخِيرِ‏.‏

وَبِمَعْنَى عَلَى، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 109‏)‏‏.‏ ‏{‏فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ‏}‏ ‏(‏الصَّافَّاتِ‏:‏ 103‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 7‏)‏ أَيْ فَعَلَيْهَا، لِأَنَّ السَّيِّئَةَ عَلَى الْإِنْسَانِ لَا لَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَعَلَيَّ إِجْرَامِي‏}‏ ‏(‏هُودٍ‏:‏ 35‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا‏}‏ ‏(‏فُصِّلَتْ‏:‏ 46‏)‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 196‏)‏، أَيْ لَمْ يَكُنْ‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ‏}‏ ‏(‏الرَّعْدِ‏:‏ 25‏)‏‏.‏

وَبِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ ‏(‏الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 47‏)‏ ‏{‏يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي‏}‏ ‏(‏الْفَجْرِ‏:‏ 24‏)‏‏.‏ ‏{‏لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 187‏)‏‏.‏

وَبِمَعْنَى بَعْدَ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ‏}‏ ‏(‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 78‏)‏‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبَانَ‏:‏ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ‏.‏

وَبِمَعْنَى ‏"‏ عَنْ ‏"‏ مَعَ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا‏}‏ ‏(‏الْأَحْقَافِ‏:‏ 11‏)‏ أَيْ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى خِطَابَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا لَقِيلَ سَبَقْتُمُونَا‏.‏ وَقِيلَ لَامُ التَّعْلِيلِ، وَقِيلَ لِلتَّبْلِيغِ، وَالْتُفِتَ عَنِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ‏.‏

وَكَقَوْلِهِ‏:‏ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 38‏)‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ‏}‏ ‏(‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 39‏)‏ فَاللَّامُ لِلتَّبْلِيغِ، كَذَلِكَ قَسَّمَهَا ابْنُ مَالِكٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ أَقُلْ لَكَ‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 75‏)‏‏.‏

وَغَيْرُهُ يُسَمِّيهَا لَامَ التَّبْلِيغِ، فَإِنْ عُرِفَ مَنْ غَابَ عَنِ الْقَوْلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَلِلتَّعْلِيلِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 156‏)‏ ‏{‏وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينِ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ‏}‏ ‏(‏هُودٍ‏:‏ 31‏)‏‏.‏

وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ ضَابِطًا فِي اللَّامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ دَخَلَتْ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْقَائِلِ، فَهِيَ لِتَعْدِيَةِ الْقَوْلِ لِلْمَقُولِ لَهُ، نَحْوُ‏:‏ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 8‏)‏‏.‏ فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُخَاطَبِ الْقَائِلِ فَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 156‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 168‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ‏}‏ ‏(‏النَّحْلِ‏:‏ 116‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 23- 24‏)‏‏.‏ وَهُوَ كَثِيرٌ‏.‏

وَبِمَعْنَى ‏"‏ أَنِ ‏"‏ الْمَفْتُوحَةِ السَّاكِنَةِ‏.‏ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ، وَجَعَلَ مِنْهُ‏:‏ ‏{‏يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ‏}‏ ‏(‏الصَّفِّ‏:‏ 8‏)‏‏.‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 26‏)‏‏.‏ ‏{‏وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْعَامِ‏:‏ 71‏)‏‏.‏ وَهَذِهِ اللَّامُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرَدْتُ، وَأَمَرْتُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْمُسْتَقْبَلَ، وَلَا يَصْلُحَانِ فِي الْمَاضِي، فَلِهَذَا جُعِلَ مَعَهُمَا بِمَعْنَى ‏"‏ أَنْ ‏"‏ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الصَّفِّ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ‏}‏ ‏(‏الْآيَةِ‏:‏ 8‏)‏ كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ ‏"‏ بَرَاءَةٌ ‏"‏‏.‏

وَلِلتَّعْدِيَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُعَدِّي الْعَامِلَ إِذَا عَجَزَ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ‏}‏ ‏(‏يُوسُفَ‏:‏ 43‏)‏، فَاللَّامُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ يَضْعُفُ بِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَيْهِ‏.‏

وَسَمَّاهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ‏:‏ آلَةُ الْفِعْلِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبَصْرِيِّينَ يُسَمُّونَهَا لَامَ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ‏}‏ ‏(‏لُقْمَانَ‏:‏ 14‏)‏ ‏{‏أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ‏}‏ ‏(‏هُودٍ‏:‏ 34‏)‏‏.‏

وَقَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ التَّعْدِيَةُ ضَرْبَانِ‏:‏ تَارَةً لِتَقْوِيَةِ الْفِعْلِ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ‏}‏ ‏(‏الصَّافَّاتِ‏:‏ 103‏)‏ وَتَارَةً يُحْذَفُ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 36‏)‏ ‏{‏فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا‏}‏ ‏(‏الْأَنْعَامِ‏:‏ 125‏)‏ فَأُثْبِتَ فِي مَوْضِعٍ وَحُذِفَ فِي مَوْضِعٍ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَلِلتَّبْيِينِ أَيْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ اسْتَوْفَى لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ‏}‏ ‏(‏يُوسُفَ‏:‏ 23‏)‏ أَيْ أَقْبِلْ وَتَعَالَ أَقُولُ لَكَ‏.‏

وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ اللَّامَ الْمَكْسُورَةَ تَجِيءُ جَوَابًا لِلْقَسَمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ‏}‏ ‏(‏النَّجْمِ‏:‏ 31‏)‏ وَالْمَعْنَى لَيَجْزِيَنَّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالتَّوْكِيدِ بِالنُّونِ، فَلَمَّا حَذَفَ النُّونَ أَقَامَ الْمَكْسُورَةَ مَقَامَ الْمَفْتُوحَةِ‏.‏ وَهَذَا ضَعِيفٌ‏.‏ وَذُكِرَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ‏.‏ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا فِعْلٌ مُقَدَّرٌ أَيْ آمِنُوا لِيَجْزِيَ‏.‏

الثَّانِي النَّاصِبَةُ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏ لَامُ كَيْ، وَلَامُ الْجُحُودِ اللَّامُ وَاسْتِخْدَامَاتُهَا‏.‏

وَلَامُ الْجُحُودِ هِيَ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ الْجَحْدِ أَيِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 179‏)‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ‏}‏ ‏(‏الْأَنْفَالِ‏:‏ 33‏)‏ ‏{‏لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ‏}‏ ‏(‏النِّسَاءِ‏:‏ 168‏)‏‏.‏

وَضَابِطُهَا أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ تَمَّ الْكَلَامُ بِدُونِهَا، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ تَوْكِيدًا لِنَفْيِ الْكَوْنِ، بِخِلَافِ لَامِ كَيْ‏.‏

قَالَ الزَّجَّاجُ‏:‏ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى‏}‏ ‏(‏الزُّمَرِ‏:‏ 3‏)‏ لَامُ كَيْ، لِأَنَّ لَامَ الْجُحُودِ إِذَا سَقَطَتْ لَمْ يَخْتَلَّ الْكَلَامُ، وَلَوْ سَقَطَتِ اللَّامُ مِنَ الْآيَةِ بَطُلَ الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إِظْهَارُ أَنْ بَعْدَ لَامِ كَيْ، وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ لَامِ الْجُحُودِ، لِأَنَّهَا فِي كَلَامِهِمْ نَفْيٌ لِلْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَالسِّينُ بِإِزَائِهَا، فَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدَهَا مَا لَا يَكُونُ بَعْدَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ‏}‏ ‏(‏الْأَنْفَالِ‏:‏ 33‏)‏ فَجَاءَ بِلَامِ الْجَحْدِ حَيْثُ كَانَتْ نَفْيًا لِأَمْرٍ مُتَوَقَّعٍ مَخُوفٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْفَالِ‏:‏ 33‏)‏ فَجَاءَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، حَيْثُ أَرَادَ نَفْيَ وُقُوعِ الْعَذَابِ بِالْمُسْتَغْفِرِينَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ‏.‏

وَمِثْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى‏}‏ ‏(‏هُودٍ‏:‏ 117‏)‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى‏}‏ ‏(‏الْقَصَصِ‏:‏ 59‏)‏‏.‏

وَمِثَالُ لَامِ ‏"‏ كَيْ ‏"‏ وَ ‏"‏ كَيْ ‏"‏ مُضْمَرَةٌ مَعَهَا، قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيُنْذِرَ بَأْسًا‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 2‏)‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ‏}‏ ‏(‏الْفُرْقَانِ‏:‏ 32‏)‏ ‏{‏لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ‏}‏ ‏(‏يُوسُفَ‏:‏ 24‏)‏ ‏{‏لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ‏}‏ ‏(‏النَّحْلِ‏:‏ 39‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 143‏)‏ يُرِيدُ ‏"‏ كَيْ ‏"‏ تَكُونُوا‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً‏}‏ ‏(‏يُونُسَ‏:‏ 92‏)‏‏.‏

وَقَدْ تَجِيءُ مَعَهَا كَيْ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏لِكَيْلَا يَعْلَمَ بَعْدَ عَلَمٍ شَيْئًا‏}‏ ‏(‏النَّحْلِ‏:‏ 70‏)‏ ‏{‏لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ‏}‏ ‏(‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 37‏)‏ ‏{‏لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ‏}‏ ‏(‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 153‏)‏‏.‏

وَرُبَّمَا جَاءَتْ كَيْ بِلَا لَامٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ‏}‏ ‏(‏الْحَشْرِ‏:‏ 7‏)‏ وَفِي مَعْنَاهُ لَامُ الصَّيْرُورَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا‏}‏ ‏(‏الْقَصَصِ‏:‏ 8‏)‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏(‏الذَّارِيَاتِ‏:‏ 56‏)‏‏.‏

وَتُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ، بَلْ لِضِدِّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا‏}‏ ‏(‏الْقَصَصِ‏:‏ 9‏)‏‏.‏

وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ عَلَامَتَهَا جَوَازُ تَقْدِيرِ الْفَاءِ مَوْضِعَهَا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَامِ التَّعْلِيلِ الَّتِي فِي نَحْوِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا‏}‏ ‏(‏الْفُرْقَانِ‏:‏ 49‏)‏ أَنَّ لَامَ التَّعْلِيلِ تَدْخُلُ عَلَى مَا هُوَ غَرَضٌ لِفَاعِلِ الْفِعْلِ، وَيَكُونُ مُرَتَّبًا عَلَى الْفِعْلِ وَلَيْسَ فِي لَامِ الصَّيْرُورَةِ إِلَّا التَّرَتُّبُ فَقَطْ‏.‏

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ‏:‏ أَفَادَتِ اللَّامُ نَفْسَ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْعِلَّةِ أَنْ تَكُونَ غَرَضًا، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِكَ‏:‏ خَرَجْتُ مِنَ الْبَلَدِ مَخَافَةَ الشَّرِّ، فَقَدْ جَعَلْتَ الْمَخَافَةَ عِلَّةً لِخُرُوجِكَ، وَمَا هِيَ بِغَرَضِكَ‏.‏

وَنَقَلَ ابْنُ فَوْرَكٍ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ كُلَّ لَامٍ نَسَبَهَا اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهِيَ لِلْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ دُونَ التَّعْلِيلِ، لِاسْتِحَالَةِ الْغَرَضِ‏.‏

وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً‏}‏ ‏(‏الْحَشْرِ‏:‏ 7‏)‏، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ‏}‏ ‏(‏الْفَتْحِ‏:‏ 1- 2‏)‏ فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّعْلِيلِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ‏.‏

وَأَقُولُ‏:‏ مَا جَعَلُوهُ لِلْعَاقِبَةِ هُوَ رَاجِعٌ لِلتَّعْلِيلِ، فَإِنَّ الْتِقَاطَهُمْ أَفْضَى إِلَى عَدَاوَتِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ صِدْقَ الْإِخْبَارِ بِكَوْنِ الِالْتِقَاطِ لِلْعَدَاوَةِ، لِأَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الشَّيْءِ يَكُونُ عِلَّةً، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ الْعِلَّةِ صَادِرًا عَمَّنْ نُسِبَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ لَفْظًا، بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى مَنْ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إِلَيْهِ خَلْقًا، كَمَا تَقُولُ‏:‏ جَاءَ الْغَيْثُ لِإِخْرَاجِ الْأَزْهَارِ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ لِإِنْضَاجِ الثِّمَارِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يُضَافُ إِلَى الشَّمْسِ وَالْغَيْثِ‏.‏ وَجَاعِلُهَا عِلَّتَيْ مَعْلُولِهَا خَالِقُهَا وَخَالِقُ الْفِعْلِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهَا

كَذَلِكَ الْتِقَاطُ آلِ فِرْعَوْنَ مُوسَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ لِحِكْمَتِهِ وَجَعَلَهُ عِلَّةً لِعَدَاوَتِهِ، لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ بِوَاسِطَةِ حِفْظِهِ وَصِيَانَتِهِ، كَمَا فِي مَجِيءِ الْغَيْثِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِخْرَاجِ الْأَزْهَارِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْضًا‏:‏ التَّحْقِيقُ أَنَّهَا لَامُ الْعِلَّةِ، وَأَنَّ التَّعْلِيلَ بِهَا وَارِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَاعِيهِمْ إِلَى الِالْتِقَاطِ كَوْنَهُ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا، بَلِ الْمَحَبَّةُ وَالتَّبَنِّي، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ نَتِيجَةَ الْتِقَاطِهِمْ لَهُ وَثَمَرَتَهُ، شُبِّهَ بِالدَّاعِي الَّذِي يَفْعَلُ الْفَاعِلُ الْفِعْلَ لِأَجْلِهِ، فَاللَّامُ مُسْتَعَارَةٌ لِمَا يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ الْمُبْتَدَأِ فِي النَّحْوِ‏:‏ فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ‏}‏ ‏(‏الْقَصَصِ‏:‏ 8‏)‏ فَهِيَ لَامُ ‏"‏ كَيْ ‏"‏ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، وَلَامُ الصَّيْرُورَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَالتَّقْدِيرُ‏:‏ فَصَارَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِكَيْ يَكُونَ عَدُوًّا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَجَوَّزَ ابْنُ الدَّهَّانِ فِي الْآيَةِ وَجْهًا غَرِيبًا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ فَالْتَقَطَ آلُ فِرْعَوْنَ وَ‏{‏عَدُوًّا وَحَزَنًا‏}‏ حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي ‏{‏لِيَكُونَ لَهُمْ‏}‏ أَيْ لِيَتَمَلَّكُوهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ‏:‏ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِكَرَاهَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا، أَيْ يَرَوْهُ غَيْرَ مُسْتَفِيدٍ لَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ‏}‏ ‏(‏الْفَتْحِ‏:‏ 2‏)‏ فَحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ اللَّامَ جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالْمَعْنَى‏:‏ لَيَغْفِرَنَّ اللَّهُ لَكَ، فَلَمَّا حُذِفَتِ النُّونُ كُسِرَتِ اللَّامُ، وَإِعْمَالُهَا إِعْمَالُ كَيْ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى فَتَحْنَا لَكَ لِكَيْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكَ، فَلَمْ يَكُنِ الْفَتْحُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَنْكَرَهُ ثَعْلَبٌ، وَقَالَ‏:‏ هِيَ لَامُ ‏"‏ كَيْ ‏"‏، وَمَعْنَاهُ لِكَيْ يَجْتَمِعَ لَكَ مَعَ الْمَغْفِرَةِ تَمَامُ النِّعْمَةِ، فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى الْمَغْفِرَةِ شَيْءٌ حَادِثٌ وَاقِعٌ، حَسُنَ مَعَهُ ‏"‏ كَيْ ‏"‏‏.‏

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏(‏التَّوْبَةِ‏:‏ 121‏)‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ‏}‏ ‏(‏يُونُسَ‏:‏ 88‏)‏ فَقَالَ الْفَرَّاءُ‏:‏ لَامُ كَيْ‏.‏

وَقَالَ قُطْرُبٌ وَالْأَخْفَشُ‏:‏ لَمْ يُؤْتَوُا الْمَالَ لِيُضِلُّوا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمُ الضَّلَالَ كَانُوا كَأَنَّهُمْ أُوتُوهَا لِذَلِكَ فَهِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ‏.‏

هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَالنَّصْبُ عِنْدَهُمْ بِإِضْمَارِ أَنْ وَهُمَا جَارَّتَانِ لِلْمَصْدَرِ، وَاللَّامُ الْجَارَةُ هِيَ لَامُ الْإِضَافَةِ‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ تَجِيءُ لِأَسْبَابٍ اللَّامُ وَاسْتِخْدَامَاتُهَا وَأَنْوَاعِهَا‏:‏

مِنْهَا الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ إِمَّا فِي الْإِثْبَاتِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا‏}‏ ‏(‏الْأَنْعَامِ‏:‏ 92‏)‏ أَوِ النَّفْيِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 143‏)‏ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ لِنَعْلَمَ مَلَائِكَتَنَا وَأَوْلِيَاءَنَا‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى خَاطَبَ الْخَلْقَ بِمَا يُشَاكِلُ طَرِيقَتَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الْبَوَاطِنِ وَالظَّوَاهِرِ عَلَى قَدْرِ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ‏.‏

وَقَدْ تَقَعُ مَوْقِعَ ‏"‏ أَنْ ‏"‏ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُولَةٍ لَهَا فِي الْمَعْنَى، وَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا لِمَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏(‏الْأَنْعَامِ‏:‏ 71‏)‏‏.‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا‏}‏ ‏(‏التَّوْبَةِ‏:‏ 55‏)‏‏.‏ وَمِنْهَا الْعَاقِبَةُ عَلَى مَا سَبَقَ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ الْجَازِمَةُ، وَهِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِلطَّلَبِ، وَتُسَمَّى لَامَ الْأَمْرِ، اللَّامُ وَاسْتِخْدَامَاتُهَا وَأَنْوَاعُهَا وَتَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ لِتُؤْذِنَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ الْمُخَاطَبِ، نَحْوُ‏:‏ لِيَضْرِبْ عَمْرٌو وَلِنَضْرِبْ، وَلِأَضْرِبْ أَنَا إِلَّا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ يُدْخِلُونَهَا عَلَى الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ الْمُخَاطَبَ، فَيَقُولُونَ‏:‏ لِتَضْرِبْ أَنْتَ، وَمِنْهُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ‏:‏ ‏{‏فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا‏}‏ ‏(‏يُونُسَ‏:‏ 58‏)‏‏.‏

وَوَصْفُهَا أَنْ تَكُونَ مَكْسُورَةً إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ‏}‏ ‏(‏الطَّلَاقِ‏:‏ 7‏)‏ ‏{‏لِيَسْتَأْذِنْكُمُ‏}‏ ‏(‏النُّورِ‏:‏ 58‏)‏‏.‏

وَتُسَكَّنُ بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي‏}‏ ‏(‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 186‏)‏‏.‏ ‏{‏فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 29‏)‏‏.‏

وَيَجُوزُ الْوَجْهَانِ بَعْدَ ثُمَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ ‏(‏الْحَجِّ‏:‏ 29‏)‏ قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِتَسْكِينِ ‏{‏لِيَقْضُوا‏}‏ وَبِتَحْرِيكِهِ‏.‏ وَتَجِيءُ لَمَعَانٍ مِنْهَا‏:‏ التَّكْلِيفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ‏}‏ ‏(‏الطَّلَاقِ‏:‏ 7‏)‏‏.‏

وَالتَّكَلُّفُ وَمِنْهَا أَمْرُ الْمُكَلَّفِ نَفْسَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكَمْ‏}‏ ‏(‏الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 12‏)‏‏.‏ وَالِابْتِهَالُ وَهُوَ الدُّعَاءُ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ‏}‏ ‏(‏الزُّخْرُفِ‏:‏ 77‏)‏‏.‏

وَالتَّهْدِيدُ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏ ‏(‏الْكَهْفِ‏:‏ 29‏)‏‏.‏ وَالْخَبَرُ، نَحْوُ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا‏}‏ ‏(‏مَرْيَمَ‏:‏ 75‏)‏ أَيْ يَمُدُّ‏.‏ وَيَحْتَمِلُهُ ‏{‏وَلْنَحْمِلْ‏}‏ ‏(‏الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 12‏)‏ أَيْ وَنَحْمِلُ‏.‏

وَيَجُوزُ حَذْفُهَا وَرَفْعُ الْفِعْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏(‏الصَّفِّ‏:‏ 11‏)‏ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلطَّلَبِ، قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدُ‏:‏ ‏{‏نَغْفِرْ لَكُمْ‏}‏ ‏(‏الصَّفِّ‏:‏ 12‏)‏ مَجْزُومًا فَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبٌ لَمْ يَصِحَّ الْجَزْمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ وَجْهٌ سِوَاهُ‏.‏