فصل: (فرع: إدخال إحدى الرجلين بالخف أو كليهما إلى الساق)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: إدخال إحدى الرجلين بالخف أو كليهما إلى الساق]

ذكر الصيمري إذا أدخل الرجلين إلى ساق الخفين، أو أدخل إحدى الرجلين إلى قرار الخف دون الأخرى.. فلا فدية عليه؛ لأنه ليس بلابس الخفين.

.[مسألة:إحرام المرأة]

وإذا أحرمت المرأة.. فإنه لا يجب عليها كشف رأسها، ولكن لا يجوز لها تغطية وجهها، ولسنا نريد بذلك أنها تبرزه للناس، وإنما نريد أنها لا تغطيه؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إحرام المرأة في وجهها» فدل: على أن حكمه لا يتعلق بالرأس.
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى المرأة المحرمة عن النقاب». ولأن رأسها عورة وكشف العورة لا يجوز.
إذا ثبت هذا: فلها أن تستر من وجهها ما لا يمكنها ستر الرأس إلا به، كما نقول في المتوضئ: إنه يغسل جزءا من رأسه؛ لاستيفاء غسل الوجه.
فإن أرادت المرأة أن تستر وجهها عن الناس.. عقدت الثوب على رأسها، وسدلته على وجهها، وجافته عن الوجه بعود حتى لا يقع على وجهها؛ لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن محرمات، فكان إذا مر بنا الركبان وحاذوا بنا.. سدلت إحدانا جلبابها من فوق رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا.. رفعته». فإن وقع الثوب على وجهها بغير اختيارها، فإن رفعته في الحال.. فلا شيء عليها. وإن أقرته مع القدرة على رفعه، وهي ذاكرة عالمة بالتحريم.. وجبت عليها الفدية.
ويجوز لها لبس القميص والسراويل والخفين؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى النساء في إحرامهن عن النقاب والقفازين وما مسه الورس والزعفران، وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف».
وهل يجوز لها لبس القفازين، وهو مخيط يلبس على الكفين بمنزلة الخفين على الرجلين؟ فيه قولان:
أحدهما: يجوز - وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وحكي عن سعد بن أبي وقاص - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حرم المرأة في وجهها»، ولأنه عضو يجوز لها ستره بغير المخيط، فجاز لها ستره بالمخيط كرجلها.
والثاني: لا يجوز، وبه قال علي، وعمر، وعائشة، وهو الصحيح؛ لحديث ابن عمر، ولأن يدها ليست بعورة منها فيتعلق بها حكم الإحرام، كالوجه.

.[فرع: تغطية رأس ووجه الخنثى وما يلبسه]

قال القاضي أبو الفتوح: وإن كان المحرم خنثى مشكلا، فإن غطى رأسه.. لم تجب عليه الفدية؛ لجواز أن تكون امرأة. وإن غطى وجهه.. لم تجب عليه الفدية؛
لجواز أن يكون رجلا. وإن غطاهما جميعا.. وجبت عليه الفدية؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون امرأة أو رجلا. فإن قال: أنا أكشف رأسي ووجهي.. قلنا: في إخلال بالواجب.
قال القاضي أبو الفتوح: ولو قيل: يؤمر بكشف الوجه.. كان صحيحا؛ لأنه إن كان رجلا، فكشف الوجه لا يؤثر، ولا هو ممنوع من كشفه. وإن كان امرأة فهو الواجب عليه.
قلت: وعلى قياس ما قاله القاضي أبو الفتوح: إذا لبس الخنثى قميصا أو سراويل أو خفا.. لم يجب عليه الفدية: لجواز أن يكون امرأة، ويستحب له أن لا يستر بالقميص والسراويل والخفين: لجواز أن يكون رجلا، ويمكنه أن يستر ذلك من بدنه بغير المخيط.

.[مسألة:حكم استعمال الطيب للمحرم]

ويحرم على المحرم استعمال الطيب في ثيابه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس ولا زعفران»، فنص على الورس والزعفران؛ لينبه على غيرهما؛ لأن غيرهما من الطيب أعلى منهما.
ولا يجوز أن يلبس ثوبا مبخرا بالطيب، كالثوب المبخر بالند أو العود.
ولا يلبس ثوبا مصبوغا بماء الورد وغيره؛ لأن ذلك كله طيب.
ولا يجوز له الجلوس عليه، ولا الاضطجاع؛ لأن ذلك استعمال للطيب، فإن فرش فوقه ثوبا آخر غير مطيب وجلس عليه، فإن كان ذلك الثوب صفيقا.. فلا شيء عليه؛ لأن تلك الرائحة عن ثياب مجاورة.
وإن كان رقيقا بحيث لا يمنع من مس بشرته المطيب.. كان عليه الفدية؛ لأن وجود ما فوقه كعدمه.
وإن كان رقيقا إلا أنه يمنع من مس المطيب.. كره له ذلك، ولا فدية عليه؛ لأنه غير مباشر للطيب.

.[فرع: زوال رائحة الثوب المطيب]

وإن انقطعت رائحة الثوب المطيب؛ لطول مكثه بحيث لا تفوح رائحة الطيب، وإن أصابه الماء.. جاز له لبسه، ولا فدية عليه وإن كان لون الطيب ظاهرا؛ لأن الاعتبار في الطيب بالرائحة دون اللون، ألا ترى أن العصفر أشهر لونا من الطيب، ولا شيء فيه؟
وهكذا إن صبغ الثوب المطيب بصبغ غيره، فقطع رائحة الطيب.. جاز له لبسه لما ذكرناه.
ولا يجوز له استعمال الطيب في خفه؛ لأنه ملبوس، فأشبه الثوب.
فإن فعل شيئا من ذلك، عالما بالتحريم.. وجبت عليه الفدية؛ لأنه محرم في الإحرام، فتعلقت به الفدية، كالحلق.

.[فرع: استعمال الطيب في البدن أو في الأكل والشرب]

ولا يجوز له استعمال الطيب في بدنه؛ لأنه إذا لم يجز له لبس الثوب المطيب..
فلأن لا يجوز له تطييب بدنه أولى، وهكذا لا يجوز له أكل الطيب، ولا الاكتحال به، ولا الاستعاط به، ولا الاحتقان به؛ لأن ذلك أكثر من استعماله في ظاهر بدنه.
فإن فعل شيئًا من ذلك عالما بتحريمه.. وجبت به الفدية، قياسا على الحلق وإن جعل الطيب في مأكول أو مشروب.. نظرت: فإن لم يكن له طعم ولا لون، ولا رائحة.. جاز له أكله وشربه؛ لأنه قد صار كالمعدوم. وإن بقي له رائحة.. لم يجز له أكله ولا شربه، فإن فعل.. وجبت عليه الفدية.
وقال أبو حنيفة: (إن طبخ.. فلا فدية عليه؛ لأنه قد استحال بالطبخ، وإن لم يطبخ.. فلا كفارة عليه، ولكن يكره؛ لبقاء الرائحة).
دليلنا: أن الترفه به حاصل، فهو كما لو كان متميزًا.
وإن بقي لونه دون رائحته.. فذكر الشافعي في موضع من كتبه: (أن فيه الفدية) وذكر في موضع آخر: (أنه لا فدية عليه) واختلف أصحابنا فيه على طريقين:
فـالأول: قال أبو إسحاق: لا فدية عليه قولا واحدا؛ لأن المقصود هو الرائحة، وقد ذهبت، وحيث قال: (عليه الفدية).. أراد: إذا بقيت له رائحة؛ لأن اللون إذا بقي.. فالظاهر أن الرائحة تبقى.
و(الثاني): قال أبو العباس: فيه قولان:
أحدهما: يجب عليه الفدية؛ لأن بقاء اللون يدل على بقاء الرائحة.
والثاني: لا يجب عليه الفدية؛ لأن مجرد اللون ليس بطيب، كالعصفر.
وأما إذا بقي طعم الطيب لا غير.. فذكر ابن الصباغ فيها ثلاث طرق:
الأول: من أصحابنا من قال: لا فدية عليه قولا واحدا.
والثاني: منهم من قال: فيه قولان.
والثالث منهم من قال: تجب الفدية قولا واحدا؛ لأن الطعم لا يخلو من رائحة، بخلاف اللون.

.[مسألة:ما يحرم من النبات للمحرم]

النبات على ثلاثة أضرب:
ضرب: ينبت للطيب، ويتخذ منه الطيب، وهو الورس، والزعفران، والورد، والكاذي، والياسمين، والصندل، فهذا لا يجوز للمحرم شمه رطبا، ولا يابسا، ولا يلبس ما صبغ به. وفي معناه: الكافور والمسك والعنبر لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نص على الورس والزعفران، ونبه على ما في معناهما، وما هو أعلى منهما).
وقال الصيدلاني: و(العنبر): نبت ينبت في البحر يبلعه حوت، وأما (الكافور): فهو صمغ شجرة..
وضرب: لا ينبت للطيب! ولا يتخذ منه الطيب، مثل: الشيح، والقيصوم وشقائق النعمان، والإذخر. وكذلك ما يؤكل منه، كالتفاح، والسفرجل، والأترج، والزنجبيل، والدارصيني، والمصطكي، والفلفل، وما كان
في معناه، فهذا يجوز للمحرم شمه وأكله وصبغ الثوب به؛ لأنه لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب.
وضرب: ينبت للطيب، ولا يتخذ منه الطيب، كـ (الريحان الفارسي): وهو ما لا يبقى ريحه على الماء. والآس، والنرجس واللينوفر، والرياحين كلها، ففيها قولان:
أحدهما قال في القديم: (يجوز للمحرم شمها وصبغ الثوب بها)، وبه قال عثمان بن عفان، حيث قيل له: أيدخل المحرم البستان؟ قال: (نعم، ويشم الريحان)، ولأنه نبات لا يتخذ منه الطيب، فأشبه الشيح والقيصوم.
والثاني: قال في الجديد: (لا يجوز)، وبه قال ابن عمر، وهو الصحيح؛ لأنه ينبت للطيب، فأشبه الورد.
وأما البنفسج: فقد قال الشافعي: (لا شيء فيه؛ لأنه مربب للدواء)، واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق:
فـالأول: منهم من قال: بظاهر قوله، وأنه لا فدية فيه؛ لأنه لا يراد للطيب وإنما يراد لتربيب الدواء به.
والثاني: منهم من قال: هو طيب قولا واحدا، كالورد، وإنما أراد الشافعي: (لا شيء فيه) إذا جف وربب به الدواء؛ لأن معنى الطيب قد زال عنه.
والثالث منهم من قال: فيه قولان، كالريحان الفارسي.
واختلف أصحابنا في القرنفل:
فذكر الصيمري: أنه طيب كالزعفران.
وذكر الصيدلاني: أنه ليس بطيب، بل هو نبت ينبته الأدميون، كالأترج والدارصيني. والأول أظهر.

.[فرع: استعمال العصفر والحناء للمحرم]

فرع: [استعمال العصفر والحناء]:
والعصفر والحناء ليس واحد منهما بطيب عندنا.
وحكى المسعودي [في "الإبانة"، ق \ 190] أن الشافعي قال: (لو اختضبت امرأة بالحناء، ولفت بيدها خرقة.. فعليها الفدية).
فمنهم من قال: فيه قولان.
ومنهم من قال: ليس بطيب قولا واحدا، وإنما القولان في لف الخرقة كالقولين في القفازين. وهذه طريقة البغداديين من أصحابنا.
وقال أبو حنيفة: (العصفر والحناء طيبان، فإذا لبس المعصفر، فإذا نفض عليه الحمرة.. فعليه الفدية. وإن لم ينفض عليه الحمرة.. فلا فدية عليه).
دليلنا: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وليلبسن ما أحببن من معصفر» و «نهاهن عن لبس ما مسه ورس أو زعفران»، ولو كان المعصفر طيبا.. لما رخص لهن في لبسه وأما الحناء: فروي «أن عائشة وأزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كن يختضبن بالحناء وهن محرمات» ولأنه يقصد منه لونه، فأشبه (المشق) وهو المغرة.

.[مسألة:الدهن للمحرم]

وأما الدهن: فعلى ضربين:
ضرب: فيه طيب.
وضرب: لا طيب فيه.
فأما ما فيه طيب: فهو كدهن الورد والزنبق، ودهن البان المنشوش فلا يجوز
للمحرم استعماله في شيء من بدنه ولا شعره؛ لأنه طيب.
وأما ما ليس بطيب: كالزيت، والشيرج، واللبان الذي ليس بمنشوش والبنفسج، والزبد، والسمن، فيجوز له استعماله في بدنه ظاهره وباطنه، ولا يجوز له استعماله في رأسه ولحيته.
وقال مالك: (إن دهن به ظاهر البدن.. فعليه الفدية، وإن دهن به باطنه.. فلا فدية عليه).
وقال الحسن بن صالح: إذا دهن رأسه ولحيته بما لا طيب فيه.. فلا شيء عليه.
وقال أبو حنيفة: (إذا استعمل الزيت أو الشيرج في شيء من رأسه أو بدنه أو لحيته.. فعليه الفدية، إلا أن يداوي به جرحه أو شقوق رجله).
دليلنا: ما روى ابن عمر، وابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دهن بدنه بزيت غير مقتت، وهو محرم» قال أبو عبيد: أي: غير مطيب. وهذا على مالك وأبي حنيفة.
وعلى الحسن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الحاج أشعث أغبر) والدهن في الرأس واللحية يزيلهما، فمنع منه.
فإن دهن رأسه ولحيته بما لا طيب فيه وهو أصلع، أو دهن الأمرد لحييه بذلك فلا شيء عليه؛ لأنه لا يوجد فيه ترجيل الشعر.
وإن كان رأسه محلوقا، فدهنه بما لا طيب فيه قبل أن ينبت الشعر ففيه وجهان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق \ 190]:
أحدهما: وهو قول الشيخ أبي حامد، والبغداديين من أصحابنا -: أن عليه الفدية؛ لأن الدهن يحسن نبات الشعر ويزينه، فهو كما لو دهن الشعر.
والثاني - وهو قول المزني، واختيار المسعودي [في "الإبانة" ق \ 190] أنه لا شيء عليه، إذ لا شعر عليه. فيزول به شعثه.
وإن كان في رأسه شجة، فجعل الدهن في داخلها.. قال الصباغ: فلا شيء عليه.

.[فرع: شم الريح الطيب للمحرم من غيره]

وللمحرم أن يجلس عند الكعبة وهي تجمر، وإن كان يشم ريح الطيب؛ لأن ذلك ليس مما يتطيب به الإنسان في العادة. ولا يكره له الجلوس عندها؛ لأن ذلك قربة وله أن يجلس عند العطار، وعند رجل مطيب، ولا شيء عليه في ذلك كله لما ذكرناه، وهل يكره له ذلك؟ ينظر فيه:
فإن جلس إليه لحاجة.. لم يكره.
وإن جلس ليشم الطيب.. فحكى الشيخ أبو حامد فيه قولين:
أحدهما: لا يكره، كما لا يكره الجلوس عند الكعبة وهي تجمر.
والثاني: يكره له ذلك، كما لو أخذ الطيب في صرة فشمه.

.[فرع: شراء المحرم الطيب]

ويجوز للمحرم أن يشتري الطيب، كما يجوز له أن يشتري المخيط والجارية.
قال الشافعي في "الأم" [2/129] (فإن عقد طيبا، فحمله في خرقة أو غيرها وريحه يظهر منها.. لم يكن عليه فدية، وكرهت له ذلك).
قال ابن الصباغ: ومن أصحابنا من قال: إذا جعل المسك في خرقة، وقصد شمه.. لزمته الفدية، وحمل كلام الشافعي إذا لم يقصد شمه.
وهكذا قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 191] التطيب يقع بإمساك الطيب معه وإن لم يستهلك عينه.
ومن قال بالأول.. قال: هذه رائحته عن مجاورة، فأشبه إذا جلس في العطارين.

.[فرع: مس المحرم الطيب]

وإذا مس المحرم طيبا.. فلا يخلو: إما أن يكون رطبا أو يابسا.
فإن كان يابسا، كالمسك والكافور والذريرة، فإن علق بيده لونه وريحه.. كان عليه الفدية؛ لأن الطيب هكذا يستعمل، فهو كما لو تبخر بالعود.
فإن بقي في يده الرائحة، دون اللون.. ففيه قولان:
أحدهما: لا فدية عليه؛ لأن هذه الرائحة عن مجاورة، فهو كما لو جلس عند الكعبة وهي تجمر.
والثاني: عليه الفدية؛ لأن هذه رائحة عن مباشرة، فهو كما لو بقي معه اللون.
وإن كان الطيب رطبا، فإن علم أنه رطب، وقصد إلى مسه، فعلق بيده منه.. لزمته الفدية. وإن مسه، وعنده أنه يابس، فكان رطبا، فعلق بيده منه.. ففيه قولان:
أحدهما: أن عليه الفدية؛ لأنه مس الطيب عن قصد منه وعلق به، فكان عليه الفدية، كما لو مسه مع العلم برطوبته.
والثاني: لا فدية عليه؛ لأن تعلق الطيب بيده كان بغير اختياره، فلم يكن عليه الفدية، كما لو رش عليه ماء ورد بغير اختياره.
ولو كان أخشم، فتطيب.. وجبت عليه الفدية؛ لأنه قد وجد منه استعمال الطيب مع العلم بتحريمه وإن لم ينتفع به، فوجبت عليه الفدية، كما لو حلق رأسه ولم يرتفق به.

.[فرع: وجوب إزالة الطيب عن المحرم]

وإذا تطيب المحرم.. وجب عليه إزالة الطيب، والمستحب له: أن يأمر محلا بإزالته عنه، حتى لا يباشره بنفسه. فإن أزاله بنفسه ومسه عند الإزالة.. جاز؛ لأن ذلك ليس بتطيب، وإنما هو إزالة.
فإن كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب والطهارة به، فإن لم يمكنه إزالة الطيب بغير الماء.. فإنه يغسل الطيب بالماء، ويتيمم لأن للوضوء بدلا. وإن أمكنه إزالة الطيب بغير ماء.. أزاله به وتوضأ بالماء؛ لأن المقصود إزالة رائحة الطيب، وذلك قد يحصل بغير الماء.
وإن كان معه ماء يحتاج إليه لغسل نجاسة عليه، وعليه طيب.. أزال النجاسة بالماء؛ لأن النجاسة تمنع صحة الصلاة، والطيب لا يمنع صحة الحج.

.[مسألة:عقد النكاح للمحرم]

ولا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا يزوج غيره بالولاية الخاصة، كتزوجه ابنته أو أخته، ولا أن يتوكل للزوج ولا للولي، ولا يزوج المرأة المحرمة. وبه قال من الصحابة: عمر، وعلي، وابن عمر، وزيد بن ثابت. وفي التابعين: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والزهري. وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (يجوز أن يتزوج ويزوج غيره)، وبه قال الحكم.
دليلنا: ما روى عثمان بن عفان: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ينكح المحرم ولا ينكح، ولا يخطب».
ولأنها عبادة تحرم الطيب، فتمنع النكاح، كالعدة، وفيه احتراز من الصوم والاعتكاف.
إذا ثبت هذا: فإن عقد المحرم النكاح، أو عقد على المرأة المحرمة النكاح.. كان باطلا ويفرق بينهما بغير طلاق.
وقال مالك: (يفرق بينهما بطلقة).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح»، والنهي يقتضي: فساد المنهي عنه، ولأن الطلاق من خصائص أحكام النكاح، فلم يتعلق بالفاسد، كالإيلاء والظهار.

.[فرع: تزويج الإمام المحرم]

وهل يجوز للإمام والحاكم المحرمين أن يزوجا بالولاية العامة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لعموم الخبر.
والثاني: يجوز؛ لأن الولاية العامة أوسع، بدليل: أن له أن يزوج الكافرة، ولا يملك الرجل المسلم تزويج ابنته الكافرة. ولأن بالناس إلى النكاح حاجة، وفي منع النكاح من الإمام والحاكم إذا كانا محرمين مشقة.

.[فرع: الزواج في الإحرام الفاسد وتوكيل الحلال المحرم]

وإن فسد إحرامه.. لم يجز له أن يتزوج فيه، أو يزوج؛ لأن حكم الإحرام الفاسد - فيما يمنع منه - حكم الصحيح.
قال في "الإبانة" [ق \ 196] إذا وكل حلال محرما ليوكل له محلا، ليتزوج له.. جاز؛ لأنه مستعار بينهما.

.[فرع: توكيل المحل قبل إحرامه مثله ليتزوج له والعكس]

وإن وكل محل محلا ليتزوج له امرأة، فأحرم الموكل، وتزوج له الوكيل، فإن اتفق الزوجان أن العقد وقع بعد إحرام الموكل.. حكم بفساد النكاح. وإن اختلفا، فإن كان مع أحدهما بينة: أن العقد وقع بعد إحرام الموكل.. حكم بفساده أيضا.
وإن لم تكن بينة.. نظرت: فإن ادعت الزوجة: أن العقد وقع بعد الإحرام، وأنكر الزوج.. فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الظاهر سلامة العقد مما يفسده. وإن ادعت المرأة صحة العقد، وادعى الزوج فساده.. فالقول قولها مع يمينها؛ لما ذكرناه، ولكن يحكم بانفساخه في الحال؛ لأنه أقر بتحريمها عليه. فإن كان قبل الدخول.. كان لها نصف المهر. وإن كان بعد الدخول.. وجب لها جميعه.
وإن لم يدع الزوجان شيئا من ذلك، وشكا: هل كان العقد قبل الإحرام أو بعده؟ قال الشافعي: (فالنكاح صحيح في الظاهر)؛ لأن العقد قد وقع صحيحا في الظاهر.
والأصل أن لا إحرام. قال (غير أني أحب له في الورع أن ينزل عنها بطلقة؛ لجواز أن يكون قد وقع بعد الإحرام؛ لتحل لغيره بيقين).
فأما إذا وكل المحرم محلا ليتزوج له امرأة، فحل المحرم من إحرامه، وتزوج له الوكيل بالوكالة الأولى.. فالنكاح صحيح؛ لأن الاعتبار بحال العقد، وفساد الوكالة لا يوجب فساد العقد، كما لو وكل رجلا في بيع شيء وكالة فاسدة، فباعه.. فإن البيع صحيح. ولو وكل صبي وكيلا في بيع شيء، فلم يبع الوكيل حتى بلغ الصبي، ثم باع.. فالبيع باطل.
والفرق بينهما: أن قول الصبي لا حكم له، فلم يتعلق بإذنه جواز التصرف، وليس كذلك هاهنا، فإن الوكالة وإن كانت فاسدة، إلا أن الإذن قائم.

.[فرع: شهادة المحرم في النكاح وخطبة المحرم]

فإن كان الزوجان والولي محلين، والشاهدان محرمين.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: أنه لا يصح النكاح؛ لأنه قد روي في بعض الأخبار: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يشهد»، ولأن الشهادة أحد ما ينعقد به النكاح، فمنع منه الإحرام، كالزوجين والولي.
والثاني- وهو المنصوص، وبه قال عامه أصحابنا -: أنه يصح، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدين».
ولم يفرق في الشاهدين، بين أن يكونا محلين أو محرمين. ولأن الشاهد لا صنع له في النكاح. وأما ما احتجوا به من الخبر: فغير ثابت، وإن صح.. حمل على أنه لا يشهد في نكاح عقده الولي، وهو محرم.
قال الشافعي: (وأحب له أن لا يخطب)؛ لحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (ولا يخطب) فإن خطب.. لم يحرم عليه.
والفرق بين الإحرام والعدة، حيث حرمنا فيها الخطبة؛ لأنه ربما دعت الخطبة المرأة إلى أن تخبرنا بانقضاء عدتها قبل انقضائها، وهذا مأمون في مسألتنا.