فصل: (فرع: خيار الغبن)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: خيار الغبن]

إذا تبايع رجلان، فغبن أحدهما صاحبه.. فليس للمغبون خيار، سواء غبن بقليل أو بكثير، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك، وأبو يوسف: (إن كان الغبن بثلث قيمة المبيع، أو دون ذلك.. فلا خيار له، وإن كان الغبن بأكثر من ذلك.. ثبت له الخيار).
وقال أحمد: (إن كان المغبون مسترسلاً غير عارف بالمبيع، ولا هو ممن لو توقف لعرفه، فغبن.. ثبت له الخيار).
وقال أبو ثور: (إذا غبنه بما لا يتغابن الناس بمثله.. فالبيع باطل).
دليلنا: ما روي: أن «حبان بن منقذ أصابته آمَّةٌ في رأسه، فثقل لسانه، فكان لا يزال يُخْدَعُ في البيع، فأتى أهلُهُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: إنه يبتاع ويُغبَن، فاحجُر عليه، فدعاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنهاه عن البيع، فقال: لا أصبر عنه. فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن كنت غير تاركه، فمن بايعته.. فقل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثًا». فلو كان الغبن يُثبِتُ الخيارَ.. لأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالفسخ من غير خيار، بل أمره بشرط الثلاث.
ولأن نقصان قيمة السلعة مع سلامة عينها ومنفعتها، لا يمنع لزوم العقد، كما لو غُبِن بالثلث، وكما لو لم يكن مسترسلاً.

.[فرع: الرقيق المأذون له بالتجارة]

وإن اشترى عبدًا، فوجده مأذونًا له في التجارة، وقد ركبته الديون.. لم يثبت له الخيار.
وقال مالك: (يثبت له الخيار).
وقال أبو حنيفة: (يبطل البيع).
دليلنا: أن ثبوت الدين في ذمة العبد لا ينقص على المشتري فيه، فلم يثبت له الخيار، ولم يبطل البيع لأجله.

.[مسألة: رد المبيع المعيب]

إذا وجد المشتري بالمبيع عيبًا كان موجودًا به في يد البائع، فإن كان المبيعُ باقيًّا على جهته.. فله أن يرده. هذا مذهبنا، وبه قال عامة أهل العلم.
وقال أحمد: (له أن يمسكه ويطالب بالأرش).
دليلنا: حديث المصراة، ولما روي عن عائشة: «أن رجلاً اشترى من رجل غلامًا، فاستغله، ثم وجد به عيبًا، فخاصمه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برده، فقال: إنه قد استغل غلامي، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الخراج بالضمان».
ولأن المبتاع دخل في العقد على أن يكون المبيع سليمًا، فإذا كان معيبًا.. لم يسلم له ما أراد، فكان له فسخ العقد.
فإن علم بالعيب، فصرح بالرضا به، أو تصرف فيه بالبيع، أو بالهبة، أو ما أشبه ذلك، أعرضه لذلك، أو ركب الدابة لغير الرد، أو استخدم العبد، أو ترك الرد مع إمكانه.. سقط حقه من الرد؛ لأن التصرف بالمبيع، أو تعريضه لذلك يدل على الرضا به؛ ولأن الرد على الفور، وقد أمكنه ذلك، فسقط حقه.
قال أبو العباس ابن سريج: فإن ركب الدابة ليردها، أو علفها، أو سقاها في الطريق.. لم يسقط حقه من الرد؛ لأن ذلك لا يدل على الرضا بالمبيع.
قال الشيخ أبو حامد: وكذلك إن كانت بهيمة وبها لبن، فحلبها في طريق الرد.. لم يسقط حقه من الرد؛ لأن ذلك حق له إلى أن يرده.
فإن كان على الدابة إكاف، ولم ينزع الإكاف عندما علم بالعيب.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\238بطل خياره؛ لأن ذلك استدامة للاستعمال.
فلو لم ينزع العذار والنعل عن الدابة.. لم يسقط حقه من الرد؛ لأن الدابة لا يمكنه سوقها إلا بالعذار، وقلع النعل عن الدابة يحدث بها عيبًا. فإن أنعل الدابة وعلم بالعيب، وقلع النعل.. قال الصيدلاني: يسقط حقه من الرد؛ لأنه يضر بها.

.[فرع: يفسخ عقد البيع بالعيب]

وللمشتري أن يفسخ العقد بالعيب من غير حكم الحاكم، ولا رضا البائع، ولا حضوره، سواءٌ كان ذلك قبل القبض أو بعده.
وقال أبو حنيفة: (إن كان قبل القبض.. افتقر الفسخ إلى حضور البائع، ولا يفتقر إلى رضاه. وإن كان بعد القبض.. لم يصح الفسخ إلا بحكم الحاكم، أو برضا البائع).
دليلنا: أنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا شخص، فلم يفتقر إلى حضوره، كالطلاق، وفيه احترازٌ من الإقالة. وعلى الفصل الثاني؛ لأنه فسخ بيع بعيب، فلم
يفتقر إلى الحاكم، ولا إلى رضا البائع، كما لو كان قبل القبض. فقولنا: (فسخ بيع) احترازٌ من فسخ النكاح بالعيب.
وقولنا: (بعيب) احترازٌ من الإقالة، فإنها تفتقر إلى رضاهما.
وإن اشترى ثوبًا بجارية، فوجد بالثوب عيبًا، فوطئ الجارية.. ففيه وجهان:
أحدُهما: ينفسخ البيع، كما لو وطئها في مدة الخيار.
والثاني: لا ينفسخ؛ لأن الملك قد استقر للمشتري، فلا يجوز فسخه إلا بالقبول، فإن زال العيب قبل أن يرد.. ففيه وجهان، بناء على القولين في الأمة إذا أعتقت تحت عبد، فأعتق العبد قبل أن يفسخ النكاح، وقد مضى ذكرهما في المصراة.

.[فرع: طلب البائع أن يمسك المشتري المعيب بأرش]

فإن قال البائع للمشتري: أمسك المبيع، وأنا أعطيك أرش العيب.. لم يجبر المشتري على ذلك؛ لأنه لم يبذل الثمن إلا ليسلم له مبيع سليم. وإن طلب المشتري الأرش من البائع ليمسك المبيع.. لم يجبر البائع على دفعه؛ لأنه لم يرض بتسليم المبيع إلا بجميع الثمن. وإن تراضيا على ذلك.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أبي العباس، وأبي حنيفة، ومالك ـ: (إن ذلك يصح)؛ لأنه خيار سقط إلى المال، وهو إذا حدث عند المشتري عيبٌ آخر، أو كان عبدًا، فأعتقه.. فجاز إسقاطه إلى المال بالتراضي، كخيار القصاص.
فقولنا: (خيار سقط إلى المال) احتراز من خيار المجلس، وخيار الثلاث.
والثاني ـ وهو المنصوص ـ: (أنه لا يصح)؛ لأنه خيار فسخ، فلم يسقط إلى المال، كخيار المجلس، وخيار الشرط.
فقولنا: (خيار فسخ) احتراز من خيار القصاص.
فإذا قلنا بقول أبي العباس.. سقط الرد، ولزم البائع تسليم الأرش.
وإن قلنا بالمنصوص.. فهل يسقط خيار المشتري من الرد؟ فيه وجهان:
أحدهما: يسقط؛ لأن رضاه بأخذ العوض.. رضًا منه بإمساك المبيع مع العيب.
والثاني: لا يسقط، وهو الصحيح؛ لأنه إنما رضي بإسقاط حقه بعوض، ولم يسلم له العوض، فلم يسقط حقه.

.[مسألة: بيع أرض فيها أحجار]

قال الشافعي: (وإن كان في الأرض حجارة مستودعة.. فعلى البائع نقلها، وتسوية الأرض على حالها، ولا يتركها حفرًا).
وجملة ذلك: أنه إذا باعه أرضًا، وفيها أحجارٌ:
فإن كانت الأحجار مخلوقة في الأرض.. دخلت في البيع؛ لأنها من أجزاء الأرض.
فإن كانت غير مضرة بالأرض بأن لا يصل إليها عروق الزرع والشجر.. لم يثبت للمشتري الخيار؛ لأن ذلك ليس بعيب. وإن كانت تضر بالأرض بأن تمنع عروق الزرع أو الشجر، فإن كان المشتري عالِمًا بالأحجار.. لم يكن له الخيار؛ لأنه دخل على بصيرة. وإن لم يعلم بها.. ثبت له الخيار؛ لأن ذلك عيب.
وإن كانت الأحجار مبنية في الأرض مثل طي الآبار، وأساس الحيطان.. فإنها تدخل في بيع الأرض، كأصول الشجر، وحكمها حكم المخلوقة في الخيار إذا كانت مبنية.
وإن كانت الأحجار مستودعة في الأرض.. فإنها لا تدخل في بيع الأرض، كما لو باعه أرضًا وله فيها كنز ذهب أو فضة، أو باعه دارًا وفيها قماش.
إذا ثبت: أنها لا تدخل في البيع.. فإن الأحجار للبائع.
فإن كانت الأرض بيضاء لا غراس فيها ولا زرع، فإن كان المشتري عالمًا بالأحجار.. فللبائع أن يقلع أحجاره، سواءٌ كان قلعها يضر بالمشتري أو لا يضر به، فلا خيار للمشتري بكل حال؛ لأنه رضي بذلك، وللمشتري أن يطالبه بقلعها إن كانت تضر بأرضه؛ لأنه لا عرف في تبقيتها، ولا حد له، بخلاف الزرع، ولا أجرة للمشتري لأرضه مدة نقل البائع لأحجاره؛ لأنه علم بذلك، فهو كما لو اشترى دارًا فيها قماش للبائع، فنقل البائع قماشه في زمان طويل. وإن كان المشتري غير عالمٍ بالأحجار، أو عالمًا بها غير عالم بضررها.. لم تخل الأحجار من ثلاثة أحوال:
إما أن يكون بقاؤها يضر بالأرض، وقلعها لا يضر بها.
أو يكون بقاؤها يضر الأرض، وقلعها يضر بها.
أو يكون بقاؤها لا يضر بالأرض، وقلعها يضر بها.
[الحالة الأولىفإن كان بقاؤها يضر بالأرض، بأن تمنع الأحجار عروق الزرع والشجر، ولكن لا يضر قلعها بالأرض، بأن يمكن قلع الأحجار في مدة لا تتعطل فيها منفعة الأرض، كساعة وما أشبهها، وقال البائع: أنا أقلعها.. لم يثبت للمشتري الخيار؛ لأن العيب يزول عن المشتري من غير ضرر عليه، كما لو اكترى دارًا، فانسدت بالوعتها، فقال المؤجر: أنا أفتحها الآن، وكما لو اشترى من رجل عبدًا، فغصب قبل القبض، والبائع يقدر على انتزاعه في الحال.. فإنه لا خيار للمشتري.
والحالة الثانية إن كان بقاء الأحجار يضر بالأرض وقلعها يضر بها؛ بأن كان لا يمكن قلعها إلا في مدة تتعطل فيها منفعة الأرض ـ وقدر الشيخ أبو حامد ذلك بيوم أو يومين، فأكثر ـ يثبت للمشتري الخيار في البيع، كما لو اشترى أرضًا، فوجدها مزروعة، ولم يعلم ذلك حال العقد، فإن اختار الفسخ.. فلا كلام. وإن اختار الإجازة.. فإنه يجبر بجميع الثمن، ويجبر البائع على نقل الحجارة؛ لأنها ملكه، فإذا نقلها.. لزمه تسوية الأرض؛ لأن ذلك حصل لتخليص ماله، وهل يستحق المشتري على البائع أجرة أرضه مدة نقله الأحجار ينظر فيه:
فإن نقلها البائع قبل أن يقبض المشتري الأرض.. فلا أجرة للمشتري على البائع؛ لأن منافعها تلفت قبل التسليم، ومنافع المبيع إذا تلفت في يد البائع قبل التسليم.. لم يكن عليه الضمان.
وإن قلعها البائع بعد أن قبضها المشتري.. ففيه وجهان:
الأول: قال أبو إسحاق: يستحق عليه الأجرة؛ لأن المشتري قد استقر ملكه على المبيع بالقبض، فإذا أتلف منفعته عليه.. وجب عليه بدله، كما لو أتلف البائع جزءًا من المبيع بعد القبض.
والثاني: من أصحابنا من قال: لا تلزمه الأجرة؛ لأن المشتري لما اختار إجازة البيع.. رضي بتلف المنفعة في زمان النقل، ولأن هذا التعطيل كان بمعنى قارن عقد البيع، فلم يكن عليه أجرة، كما لو باع عبدًا، فوجده المشتري مستأجرًا، فاختارا المشتري الإجازة.. فإنه لا أجرة له.
والحالة الثالثة إن كان بقاء الأحجار لا يضر بالأرض، بأن تكون بعيدة عن وجه الأرض بحيث لا يضر بعروق الشجر والزرع، ولكن قلعها يضر بالأرض، بأن كان لا يمكن قلعها إلا في مدة تتعطل فيها منفعة الأرض.. فإنه يقال للبائع: أترضى بترك الأحجار، أو بقلعها؟ فإن اختارا القلع.. ثبت للمشتري الخيار؛ لأنه تعطل عليه منفعة أرضه، فإن فسخ البيع.. فلا كلام. وإن اختار الإجازة.. فإنه يجبر بجميعِ
الثمن، فإن قلعها البائع قبل أن يقبض المشتري الأرض.. فلا أجرة له على البائع في الأرض مدة نقل الأحجار. وإن قلعها بعد القبض.. فهل يستحق الأجرة على البائع؟ على الوجهين في المسألة قبلها.
وإن قال البائع: لا أقلع.. فهل يسقط حقه من الأحجار، ويملكها المشتري؟ فيه وجهان:
أحدهما: يسقط حق البائع منها، ويملكها المشتري؛ لأنه رضي بتركها ليلزم البيع، فهو كما لو رضي بترك الثمرة الحادثة إذا اختلطت بالأولى.
فعلى هذا: لا خيار للمشتري. وإن أراد البائع أن يطالب بأحجاره بعد ذلك.. لم يكن له.
والثاني: لا يسقط حق البائع منها، ولا يملكها المشتري؛ لأنها هبة في عين مجهولةٍ، فلم تصح.
فعلى هذا: ما دام البائع مقيما على العفو وترك المطالبة بالقلع.. فلا خيار للمشتري؛ لأنه لا ضرر عليه، ومتى طالب البائع بالقلع.. عاد حق المشتري من الخيار؛ لأن عليه ضررا بالقلع. ومثل هذين الوجهين: لو اشترى دابة، فنعلها ثم وجد بها عيبًا.. فله أن يردها قبل قلع النعل؛ لئلا يحدث بها بالقلع عيبًا، فإذا ردّها مع نعلها.. فهل يكون ذلك تمليكًا للبائع للنعل؟ فيه وجهان:
فـالأول: إن قلنا: يكون تمليكًا له، فإن سقطت النعل عن الدابة بعد الردّ.. كانت للبائع.
والثاني: إن قلنا: لا يكون تمليكًا له، فإذا سقطت.. كانت للمشتري.
وإن كانت في الأرض غراس، أو زرع.. نظرت: فإن اشتراها، وفيها الشجر أو الزرع، وشرط دخول الشجر والزرع في الشراء، وظهر في الأرض أحجارٌ مستودعة.. فإن الأحجار لا تدخل في البيع على ما ذكرنا. وإن كان المشتري عالمًا بالأحجار وبضررها.. فللبائع أن يقلع أحجاره، سواء أضر قلعها أو لم يضر، ولا خيار للمشتري؛ لأنه دخل على بصيرة. وإن لم يعلم المشتري بالأحجار، ثم علم بعد ذلك.. فلا تخلو الأحجار من أربعة أحوال:
إما أن يكون بقاؤها يضر بالأرض أو بالشجر، وقلعها يضر بهما أو بأحدهما.
أو يكون لا يضر بقاؤها، ولا يضر قلعها.
أو لا يضر بقاؤها، ويضر قلعها.
أو لا يضر قلعها، ويضر بقاؤها.
[الحالة الأولىفإن كان يضر بقاؤها، بأن كانت الأحجار، تصل عروق الشجر والزرع إليها، ويضر قلعها أيضًا.. فللمشتري الخيار؛ للضرر الذي يدخل عليه، فإن فسخ البيع.. فلا كلام، وإن أجاز البيع.. فللبائع أن يأخذ أحجاره؛ لأنها عين ماله، وللمشتري أيضا أن يطالبه بقلعها؛ لأنها تضر به، فإذا قلع أحجاره، بأن قلعها في مدة لا أجرة لمثلها، مثل الساعة.. فلا أجرة للمشتري لأرضه. وإن قلعها في مدة تتعطل منفعة الأرض فيها ـ قال الشيخ أبو حامد: مثل اليوم واليومين ـ فهل للمشتري أن يطالب بأجرة أرضه؟ ينظر فيه:
فإن كان قلعها البائع قبل أن يقبضها المشتري.. فلا أجرة عليه.
وإن قلعها بعد أن قبضها المشتري.. فعلى الوجهين في المسألة قبلها. وهل للمشتري أن يطالب بأرش النقص الذي يدخل على الشجر بالقلع؟ فيه ثلاث طرق، حكاها الشيخ أبو حامد:
الأول: من أصحابنا من قال: لا أرش له، سواء كان قبل القبض أو بعد القبض. وهذا قول من قال: لا أجرة له.
والثاني: قال أبو إسحاق: إن قلعها البائع قبل القبض.. فلا أرش عليه. وإن قلعها بعد القبض.. فعليه الأرش، كما قال في الأجرة والطريق.
الثالث: إن قلعها بعد القبض.. وجب الأرش، قولاً واحدًا. وإن قلعها قبل القبض.. ففيه قولان، مخرجان من القولين في جناية البائع على المبيع قبل القبض.
فإن قلنا: إنها كجناية الأجنبي.. وجب عليه الأرش. وإن قلنا إنها: كآفة سماوية.. فلا أرش عليه.
فإذا قلنا: يجب الأرش ـ وهو المنصوص ـ قوّم الشجر، فيقال: لو لم يكن هناك حجارة تقلع، كم كان يساوي؟ فإن قيل: عشرة.. قيل: فكم قيمته الآن؟ فإن قيل: تسعة.. فإن المشتري يرجع بعشر ثمن الشجر.
والحالة الثانية إن كان بقاء الأحجار لا يضر بالأرض ولا بالشجر، بأن تكون بعيدة عن وجه الأرض، وقلعها لا يضر بالأرض ولا بالشجر، بأن يمكن قلعها في ساعة.. فلا خيار للمشتري؛ لأنه لا ضرر عليه. فإن قلع البائع أحجاره.. فلا كلام. وإن اختار تركها.. فهل يزول ملكه عنها؟ على الوجهين في المسألة قبلها.
والحالة الثالثة إن كان بقاؤها لا يضر بالأرض، بأن تكون بعيدة عن وجه الأرض، وقلعها يضر بالأرض، بأن تتعطل منفعتها مدة القلع، أو بالشجر، بأن كانت الأحجار تحت الشجر.. قيل للبائع: أتسمح بترك الأحجار، أو لا تسمح؟ فإن سمح بها.. فلا خيار للمشتري، وهل يملكها المشتري بذلك؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما. فإن قلنا: يملكها المشتري.. لم يكن للبائع أن يطالب بقلعها بعد ذلك، وسقط خيار المشتري. وإن قلنا: لا يملكها المشتري.. فللبائع أن يأخذ أحجاره، فيعود خيار المشتري في فسخ البيع.
وإن قال البائع: لا أسمح بتركها.. ثبت للمشتري الخيار، فإن فسخ البيع.. فلا كلام، وإن لم يفسخ، وقلع البائع أحجاره.. فالكلام في الأجرة والأرش على ما مضى.
والحالة الرابعة إن كان بقاؤها يضر بالأرض، وقلعها لا يضر بالشجر ولا بالأرض.. فللمشتري الخيار في فسخ البيع؛ لما يدخل عليه من الضرر ببقاء الأحجار، فإن فسخ البيع.. فلا كلام، وإن اختار الإجازة.. فللبائع أن يقلع أحجاره؛ لأنها عين ماله، وللمشتري أن يطالبه بذلك؛ ليزول عنه الضرر ببقائها، فإذا قلع.. فلا أجرة عليها، ولا أرش لما نقص. وإن كان الغراس غرسه المشتري، ثم علم بالأحجار، فإن كان لا ضرر على الأرض بهذا الغرس ولا بقلعه.. فهو كما لو اشتراها ولم يغرس بها، على ما مضى من الكلام، فإن اختار الفسخ.. قلع غراسه، ولا كلام، وإن اختار الإجازة.. فالحكم على ما مضى. وإن كان الضرر يدخل على الأرض، إما بغرس المشتري، أو بقلعه لغراسه.. لم يكن له الخيار في فسخ البيع؛ لأنه قد أحدث في الأرض نقصًا. وهل له المطالبة بالأرش؟
إن كان بقاء الأحجار يضر بالأرض.. فله الأرش. وإن كان بقاؤها لا يضر بالأرض، ولكن يضر قلعها، فإن لم يقلع البائع.. فلا أرش له؛ لأنه لم يتحقق العيب. وإن قلع البائع.. فله الأرش؛ لأن العيب قد تحقق. والكلام في وجوب الأجرة، وفي أرش غرسه ما مضى.

.[مسألة: رد بعض العين المعيبة]

إذا اشترى من رجل عينًا صفقة واحدة، ثم وجد بها عيبًا.. فله أن يردها بالعيب، كما تقدم، فإن أراد المشتري أن يرد بعضها دون بعض، فإن رضي البائع بذلك.. صح؛ لأن الحق لهما. وإن لم يرض البائع بذلك.. لم يجبر على ذلك؛ لأنه يدخل عليه ضرر في الشركة. وإن اشترى منه بعض السلعة في عقد، ثم اشترى باقيها في عقد آخر، ثم وجد بها عيبًا كان موجودًا قبل البيع الأول.. فللمشتري الخيار: بين أن يمسك جميع السلعة، وبين أن يرد جميعها بالعيب، وبين أن يرد إحدى الصفقتين، إما الأولى أوالثانية؛ لأنهما عقدان، فلا يتعلق أحدهما بالآخر. وإن أمكن حدوث العيب بعد البيع الأول، وقبل الثاني، وادّعى المشتري: أنه كان موجودًا قبل البيع الأول، وادّعى البائع: أنه حدث بعد الأول.. فالقول قول البائع مع يمينه؛ لأن الأصل سلامة البيع الأول من العيب. وإن علم المشتري بالعيب عند البيع الأول، ثم عقد البيع الثاني، ثم ظهر على عيب آخر كان موجودًا قبل البيع الأول لم يعلم به.. فهو بالخيار: بين أن يمسك جميع السلعة، وبين أن يرد جميعها، وبين أن يرد إحدى الصفقتين دون الأخرى؛ لأجل العيب الذي لم يعلمه.
وإن اشترى رجل من رجل عبدين بعقد، فوجد بأحدهما عيبًا، فإن اختار المشتري أن يردهما جميعًا.. أجبر البائع على قبولهما. وإن أراد المشتري أن يرد المعيب لا غير، فإن رضي البائع بذلك.. جاز؛ لأن الحق لهما. وإن امتنع البائع من قبول المعيب.. ففيه قولان، بناء على القولين في تفريق الصفقة:
فإن قلنا: إن الصفقة تفرق.. رد المعيب، وأمسك السليم، وأجبر البائع على ذلك.
وإن قلنا: لا تفرق الصفقة.. لم يكن للمشتري ذلك، وليس له أن يطالب بالأرش؛ لأنه يمكنه رد الجميع. هكذا ذكر عامة أصحابنا، من غير تفصيل.
وذكر الشيخ أبو حامد: إن كان ذلك قبل القبض.. لم يجز أن يرد المعيب وحده بلا خلاف. وإن كان بعد القبض.. لم يجز أيضا عندنا.
وقال أبو حنيفة: (له رد المعيب، وإمساك السليم، ولو أراد ردّه.. لم يجز، إلا أن يكون المبيع مكيلا، أو موزونًا مما تتساوى أجزاؤه، كالطعام والتمر، فله أن يرد الكل، أو يمسك الكل، فأما أن يرد المعيب دون السليم: فليس له).
دليلنا: أن في رد المعيب تفريقًا للصفقة على البائع، فلم يجبر على ذلك، كما لو كان قبل القبض.
قال الشيخ أبو حامد: وإنما مسألة القولين، إذا اشترى عبدين، فوجد بهما عيبًا، فمات أحدهما قبل الرد.. فهل له أن يرد الباقي؟ فإن قلنا: لا تفرق الصفقة.. لم يكن له ذلك إلا برضا البائع. وإن قلنا: إن الصفقة تفرق.. رد الباقي وإن كان بغير رضا البائع.
وحكى القاضي أبو الطيب، عن بعض أهل خراسان من أصحابنا: أنه قال: على هذا القول يفسخ العقد فيهما، ثم يرد الباقي وقيمة التالف، ويسترجع الثمن.
قال القاضي: وهذا هو السنة؛ لأن في حديث المصراة أمر برد الشاة وقيمة اللبن التالف.
قال ابن الصباغ: وهذا مخالف لنص الشافعي، فإنه قال في " اختلاف العراقيين ": (يرجع بحصته من الثمن). ولأن هذا تلف في يده بالثمن، فلا يرد بالعيب، ولا يضمن بالقيمة. وأما حديث المصراة: فإن ذلك كان لاستعلام العيب، فلم يمنع الرد، بخلاف مسألتنا.

.[فرع: اشتريا عبدًا فوجداه معيبًا]

إذا اشترى رجلان من رجل عبدا صفقة واحدةً، فوجدا به عيبًا، فإن اتّفقا على رد الجميع، أو إمساك الجميع.. جاز ذلك بالإجماع. وإن أراد أحدهما أن يرد نصيبه، وأراد الآخر أن يمسك نصيبه.. جاز ذلك عندنا، وبه قال أبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز).
وحكى المسعودي في "الإبانة"أن ذلك قول لنا آخر، وليس مشهور.
دليلنا: أنه عقد في أحد طرفيه عاقدان، فكان حكمه حكم العقدين في الرد بالعيب، كما لو كان المشتري واحدًا والبائع اثنين، أو نقول: لأنه رد جميع ما لزمه ثمنه، فلم يفتقر إلى رد غيره، كما لو قال كل واحد منهما للبائع: بعني نصفه بخمسمائة. فقال البائع: بعتكما. وإن وكل رجلان رجلا يشتري لهما عبدًا من رجل، فاشتراه لهما صفقة واحدة، ثم وجدا به عيبًا، وأراد أحدهما أن يرد دون الآخر. أو كان عبد بين اثنين، فوكل أحدهما الآخر أن يبيع له نصيبه منه مع نصيبه، فباع جميع العبد من رجل صفقة واحدة، ثم وجد به عيبًا، فأراد أن يرد نصيب أحدهما دون الآخر.. ففي المسألتين ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا يجوز، وهو قول ابن الحدّاد؛ لأن الصفقة لم يحصل في أحد طرفيها عاقدان.
قال القاضي: ويدل على صحة هذا: أن عبدًا لو كان بين اثنين، فغصب غاصب نصيب أحدهما، ثم إن الغاصب والشريك الذي لم يغصب نصيبه باعا العبد من رجل بعقد، فإن قال لهما: بيعاني هذا العبد بألفٍ. فقالا: بعناك.. فإن بيع المالك يصح في نصيبه، قولاً واحدًا؛ لأن ذلك صفقتان.
ولو وكل الغاصب المالك، فباع المالك جميع العبد صفقة واحدة، أو وكل الغاصب الشريك الذي لم يغصب نصيبه، فباع جميع العبد صفقة واحدة.. لبطل بيع نصيب المغصوب، وفي نصيب المالك قولان.
وهذا يدل على: أن حكم العاقد غير حكم العاقدين، فكذلك في مسألتنا مثله.
والوجه الثاني ـ وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفراييني ـ: إن قال وكيل المشتريين في العقد: بعني لفلان وفلان، أو لم يقل ذلك، وصدقه البائع.. فلكل واحد منهما أن يرد عليه نصيبه دون الآخر، وكذلك وكيل البائعين إذا ذكر في العقد: أنه يبيع العبد لهما، أو لم يقل ذلك، ولكن صدقه المشتري.. فله أن يرد نصيب أحدهما دون الآخر؛ لأن الملك لاثنين، فصار كما لو باع لكل واحد منهما، أو اشترى له بعقد منفرد. فأمّا إذا لم يذكر الوكيل: أنه يشتري لاثنين، أو لم يصدقه البائع.. فليس لأحدهما الرد؛ لأن الظاهر أنه عقد الشراء لنفسه.
والوجه الثالث ـ حكاه الطبري في "العدة" ـ: إن كان الواحد وكيلا لاثنين في الشراء.. لم يجز لأحدهما أن يرد دون الآخر. وإن كان الواحد وكيلا لاثنين في البيع من واحد.. جاز للمشتري أن يرد نصيب أحدهما دون الآخر، والفرق: أن الوكيل في الشراء يلزمه الشراء عند المخالفة، فكان الاعتبار به، والوكيل في البيع لا يلزمه البيع عند المخالفة، فكان الاعتبار بالموكلين.