فصل: (فرع: التحالف على كل بالنفي والإثبات)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: التحالف على كل بالنفي والإثبات]

وإذا أرادا التحالف.. فإنّ كلّ واحدٍ منهما يحلف على النفي والإثبات؛ لأن كل واحدٍ منهما مدّع ومنكرٌ لما ادّعي عليه، وهل يحلف كل واحد منهما يمينين، أو يمينًا واحدةً؟ ظاهر ما قال الشافعي هاهنا: أنه يحلف يمينًا واحدةً يجمع فيها بين النفي والإثبات، وقال في (التداعي): (إذا كانت دارًا في أيديهما، فادّعى كل واحد منهما جميع الدار لنفسه.. فإن كل واحد منهما يحلف على النفي، فيحلف أحدهما: أنك لا تستحق شيئًا من نصيبي، ثم يحلف الآخر كذلك، فإذا حلفا جميعًا على النفي.. حلف كل واحدٍ منهما على الإثبات).
فمن أصحابنا من نقل هذا الجواب إلى البيع، فجعل في البيع قولين:
أحدهما: يحتاج أن يحلف كل واحد منهما يمينين؛ لأن كل واحد منهما يدّعي عقدًا وينكرُ عقدًا، فافتقر إلى يمينين، ولأنهما إذا حلف كل واحدٍ منهما يمينًا.. حلف البائع على الإثبات، قبل نكول المشتري، فلم يجز.
والثاني: يكفي أن يحلف كل واحد منهما يمينًا؛ لأنه أقرب إلى فصل الحكم قال الشيخ أبو حامد: ولم يختلفوا أن مسألة التداعي في الدار على قول واحد، فإن كل واحدٍ منهما يحلف يمينين.
وقال ابن الصباغ: على هذا الطريق فيها قولان.
ومن أصحابنا من أجراهما على ظاهرهما، وقال: يحلف كل واحد منهما في التداعي بملك الدار يمينين؛ لأن يد كل واحد منهما ثابتة على نصف الدار، فلو قلنا: إن أحدهما يحلف يمينًا واحدةً: أنّ صاحبه لا يستحق شيئًا من نصيبه.. فإنه يستحق نصيب صاحبه، لكُنَّا قد حلّفناه على إثبات ما بيد غيره قبل نكول صاحب اليد، وهذا لا يجوز. وفي البيع يكفي كل واحد منهما أن يحلف يمينًا واحدةً؛ لأن كل واحد منهما لا يحلف على إثبات ما بيد غيره، وإنما يحلف على صفة عقد تضمّن نفيًا وإثباتًا، وجاز أن يحلف على الإثبات قبل نكول الآخر؛ لأن النفي تابع للإثبات، ولأن الحادثة واحدة وهي البيع، فإثبات قول أحد الخصمين نفيٌ لقول الآخر، فجاز الجمع بينهما، وهل يقدم الإثبات على النفي في اليمين أو اليمينين؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو سعيد الإصطخري: يبدأ بالإثبات قبل النفي، كما يبدأ في اللعان بالإثبات قبل النفي.
والثاني: قال عامّة أصحابنا: يبدأ بيمين النفي قبل الإثبات، وهو الصحيح؛ لأن الأصل في الأيمان إنما هو البداية بالنفي، وهو يمين المدّعى عليه، ولا تكون اليمين على الإثبات إلا عند نكول المدَّعى عليه، أو على سبيل التبع للنفي، بخلاف اللِّعان، فإنه لا نفي فيه، وإنما هو إثبات.
إذا ثبت هذا: فإن قلنا: يحلف كل واحد منهما يمينًا واحدة.. فإن البائع يحلف يمينًا: ما بعتكها بألف، ولقد بعتكها بألفين، فإذا حلف البائع.. قيل للمشتري: أنت بالخيار: بين أن تأخذ السلعة بألفين، أو تحلف، فإن اختار أن يأخذها بألفين.. أُقرّ العقد، وإن اختار أن يحلف.. حلف: أنه ما اشتراها بألفين، ولقد اشتراها بألف، فإذا حلف فقد تحالفا، وهذا معنى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلف البيِّعان.. فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار».
وإن قلنا: يحلف كل واحدٍ منهما يمينًا.. فإن البائع يحلف يمينًا: أنه ما باعها بألفٍ، فإذا حلف.. قيل للمشتري: أتختار أن تأخذ السلعة بألفين، أو تحلف؟ فإن لم يحلف، واختار أخذها بألفين.. لزمه البيع بألفين، وإن اختار أن يحلف.. حلف: أنه ما اشتراها بألفين، ثم يحلف البائع: لقد باعها منه بألفين، ثم يحلف المشتري: لقد اشتراها منه بألفٍ، ويصيران متحالفين، فإن نكل المشتري عن يمين النفي.. حلف البائع: على الإثبات، ولزم المشتري ما حلف عليه البائع، وإن نكل المشتري عن يمين الإثبات.. لزمه ما حلف عليه البائع.

.[مسألة: أيفسخ العقد بالتحالف]

وإذا تحالفا لم يبق إلاَّ الفسخ للعقد؛ لأنه لا يمكن إمضاؤه بعد التحالف، وهل ينفسخ بنفس التحالف، أو يفتقر على الفسخ؟ فيه وجهان:
أحدهما من أصحابنا من قال: ينفسخ بنفس التحالف، كما ينفسخ النكاح باللعان؛ ولأن بالتحالف صار الثمن مجهولاً، والبيع لا يثبت مع جهالة الثمن.
والثاني ـ وهو المنصوص ـ: (أنه لا ينفسخ إلاَّ بالفسخ)؛ لأن العقد وقع صحيحًا في الباطن، فتداعيهما وتعارضهما باليمين لا يوجب فسخه، كما لو أقام كل واحد منهما بيِّنةً.. فإن البيع لا ينفسخ، وإن كانت التهمة منتفية عن البينة.. فلأن لا ينفسخ بأيمانهما والتهمة غير منتفية عنهما أولى.
فإذا قلنا: إن البيع ينفسخ بالتحالف.. فإن المبيع يرد إلى البائع، فلو أراد المشتري أن يمسكه بما حلف عليه البائع أو رضي البائع بتسليمه بما حلف عليه المشتري.. لم يصح ذلك إلا بعقد جديد.
وإن قلنا بالمنصوص، وأنه لا ينفسخ بالتحالف.. فإنه يقال للمشتري: أترضى أن تمسك المبيع بما حلف عليه البائع، فإن رضي بذلك.. أجبر البائع على تسليمه بذلك؛ لأنه أقر أنه باعه بذلك، وإن لم يرض المشتري بإمساكه بما حلف عليه البائع.. قيل للبائع: أترضى أن تسلِّمَهُ بما حلف عليه المشتري، فإن رضي بذلك.. أُجبر المشتري على ذلك؛ لأنه أقر أنه ابتاعه بذلك، وإن لم يرض واحدٌ منهما.. فُسخَ العقد، وفيمن يفسخه وجهان:
أحدهما: لا يفسخه إلا الحاكم؛ لأنه فسخ مجتهد فيه، فافتقر إلى فسخ الحاكم، كفسخ النكاح بالعنة والإعسار بالنفقة، وفيه احترازٌ من الرد بالعيب.
والثاني: يفسخه من شاء منهما؛ لأن النقص قد دخل على كل واحد منهما؛ لأن البائع يقول: بعته بألفين، ولم يسلم إليّ إلاَّ ألفٌ، والمشتري يقول: أنا أستحق المبيع بألفٍ، والبائع يطلب منِّي ألفين، فكان لكلِّ واحدٍ منهما أن ينفرد بالفسخ، كما لو اشترى عبدًا بثوب، ووجد كل واحد منهما بما اشتراه عيبًا، فإذا فسخ البيع بينهما بعد التحالف أو انفسخ.. فهل ينفسخ طاهرًا وباطنًا، أو ينفسخ في الظاهر دون الباطن؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ينفسخ ظاهرًا وباطنًا، كما ينفسخ النكاح باللِّعان ظاهرًا وباطنًا، وكما ينفسخ البيع بالرد بالعيب.
والثاني: ينفسخ في الظاهر دون الباطن؛ لأن سبب الفسخ الجهالة بالثمن، والثمن إنما هو مجهول في الظاهر دون الباطن، فكذلك الفسخ.
والثالث: إن كان البائع ظالمًا.. فإن الفسخ يقع في الظاهر دون الباطن؛ لأنه يمكنه تسليم المبيع واستيفاء ما وقع به العقد، فإذا امتنع من ذلك.. كان عاصيًا، فلم يقع الفسخ لذلك، وإن كان البائع مظلومًا.. انفسخ البيع ظاهرًا وباطنًا؛ لأنه لا يمكنه الوصول إلى حقّه، فانفسخ البيع ظاهرًا وباطنًا، كما لو باع من رجل عينًا، وأفلس المشتري بالثمن، وحجر عليه قبل أن يقبض البائع ثمنه، واختار الرجوع إلى عين ماله.
فإذا قلنا بالوجه الأول، وأن البيع ينفسخ ظاهرًا وباطنًا، أو كان البائع مظلومًا على الوجه الثالث.. فإن المبيع يعود إلى ملك البائع، كما لو ملكه بعقد وتصرف فيه بجميع وجوه التصرفات، وإن كان المبيع جارية.. ملك وطأها.
وإن قلنا بالوجه الثاني، وأن البيع ينفسخ في الظاهر دون الباطن، أو كان البائع ظالمًا على الوجه الثالث.. فإن البائع إذا أخذ المبيع.. لم يملكه في الباطن، وإن كانت جارية لم يملك وطأها؛ لأنها ملك غيره.
والوجه الثالث: يتصرف بين الأولين في التفريع، فكلُّ موضع قلنا: ينفسخ البيع في الظاهر دون الباطن.. نظر فيه:
فإن كان البائع ظالمًا.. لزمه ردُّ المبيع على المشتري.
وإن كان مظلومًا.. حل له أخذه، ويكون كمن له على غيره دين، وامتنع من أدائه، ووجد له شيئًا من ماله من غير جنس حقِّه.. فله أخذه، ولا يملكه بالأخذ، ولكن يباع منه بقدر حقِّه، وهل يملك بيعه بنفسه، أو لا يصح بيعه إلا بالحاكم؟ فيه وجهان: يأتي بيانهما، الصحيح: أنه يملك بيعه بنفسه، فإن باعه بنفسه، أو باعه الحاكم، فإن كان ثمنه فوق حقِّه.. أخذه، وإن كان أنقص من حقِّه.. فله أن يستوفي حقّه من مال المشتري، وإن كان أكثر من حقِّه.. ردّ الفضل على المشتري.

.[فرع: إذا تلفت السلعة في يد البائع فهي من ضمانه]

وإن تلفت العين في يدي البائع.. تلفت من ضمانه.. وإن تحالفا بعد هلاك السلعة في يد المشتري، وفسخ العقد، أو انفسخ.. وجب على المشتري ردُّ قيمة السلعة، ومتى تعتبر القيمة؟ فيه وجهان:
أحدهما: أكثر ما كانت من يوم قبضها المشتري إلى أن تلفت.
والثاني: تعتبر قيمتها يوم التلف، كالوجهين في قيمة المبيع المقبوض في البيع الفاسد، فإن زادت القيمة على قدر ما يدَّعيه البائع من الثمن.. ففيه وجهان:
الأول: قال أبو علي بن خيران: لا يجب تسليم الزيادة إليه؛ لأنه لا يدّعيها.
والثاني: قال عامّة أصحابنا: يجب تسليم ذلك، وهو المذهب؛ لأن بالفسخ سقط اعتبار الثمن.
وإن اختلفا في قيمة السلعة.. فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه غارم.
وإن اختلفا في قدر ما قبضه البائع من الثمن.. فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل عدم القبض إلا فيما أقرّ به.

.[فرع: اختلف المتبايعان بعد وطء الثيب]

إذا اشترى جاريةً ثيبًا، فوطئها، ثمّ اختلف المتبايعان في ثمنها.. تحالفا وترادًّا على ما تقدم بيانه، ولا يجب على المشتري مهرُها؛ لأنه وطئها وهي في ملكه، كما إذا وطئها ووجد بها عيبًا فردَّها، وإن كنت بكرًا، فافتضَّها، ثم اختلفا في الثمن، وتحالفا.. ردَّ الجارية وأرش النقص بالافتضاض دون المهر؛ لأن الافتضاض إتلاف جزء ينقص قيمتها، ولو كانت تالفةً.. لردّ قيمتها، فكذلك إذا تلف جزء منها.
قال ابن الحداد: وكذلك: إذا زوّج المشتري الجارية، ثم اختلف المتبايعان في الثمن وتحالفا.. فإن عقد البيع ينفسخ، ولكن لا ينفسخ عقد النكاح؛ لأنه عقدٌ لازمٌ، ولكن يرد الأمة المزوجة إلى البائع، وعلى المشتري ما بين قيمتها خاليةً من الزوج وبين قيمتها مزوجة.
وهكذا: إذا أعتقها المشتري، أو وقفها، أو باعها، أو وهبها من غيره.. فإنهما إذا تحالفا.. ردّ المشتري قيمتها، كما لو تلفت. وإن تحالفا بعد ما أجّرها.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\250] فإنه يردُّها وأرش ما نقصت بالإجارة، وإن كسب العبد المبيع، أو كانت بهيمة، فولدت ولدًا في يد المشتري، أو شجرة، فأثمرت، ثم اختلفا، وتحالفا.. فإنه يرد المبيع، ويمسك الزيادة المنفصلة، كما قلنا في المردود بالعيب.

.[فرع: الحلف من غير استحلاف]

وإن باعه عبدًا، فقال البائع: بعتكه بألفين، وقال المشتري: بل اشتريته بألف.. فحلف كل واحد منهما بحريته: إنه لصادق فيما قال.. فإنهما يتحالفان على ما مضى، فإذا تحالفا، وانفسخ البيع، أو فسخه الحاكم، أو أحدهما.. قال ابن الحدَّاد: فإن العبد يعتق على البائع؛ لأنه مقر: بأن المشتري حانث في يمينه، وأن العبد قد صار حرًّا؛ لأنه حنث والعبد في ملكه. وإن حلف البائع: أنه ما باعه بألف ولقد باعه بألفين، ورضي المشتري بأن يمسك العبد بالألفين.. لم يعتق عليه العبد؛ لأنه وإن أقر بحنث البائع في يمينه، إلا أنه حنث بها والعبد في ملك المشتري، وإن وجد المشتري بعد ذلك به عيبًا، فردّه على البائع.. عتق على البائع بإقراره السابق؛ لأنه متى رجع إليه زال حقّ الغير عنه، فلزمه حكم إقراره السابق، وكذلك لو رجع إليه بهبةٍ أو بيعٍ أو إرثٍ أو إقالةٍ.. لزمه حكم إقراره السابق.

.[مسألة: موت المتبايعين]

وإن مات المتبايعان، فاختلف ورثتهما.. تحالفوا.
وقال أبو حنيفة: (إن كان المبيع باقيًا في يد ورثة البائع.. تحالفوا، وإن كان المبيع في يد ورثة المبتاع.. لم يتحالفوا، وكان القول قول ورثة المبتاع).
دليلنا: أنها يمين في المال توجّهت على الموروث، فقام الوارث فيها مقامة، كما لو كان المبيع في يد ورثة البائع.
وإن كان المبيع بين وكيلين، واختلفا في قدر الثمن.. ففيه وجهان، حكاهما في "المهذب" [1/293]:
أحدهما: يتحالفان؛ لأنهما عاقدان، فتحالفا، كالمالكين.
والثاني: لا يتحالفان؛ لأن اليمين تعرض ليخاف الظالم منهما، فيرجع والوكيل إذا أقر، ثم رجع.. لم يقبل رجوعه، فلا تثبت اليمين في حقِّه؛ لأن التحالف بالإقرار، ولا يقبل إقرار الوكيل على موكِّله.

.[مسألة: اختلفا بالبيع أو الهبة]

إذا انتقل عبدٌ من يد رجل إلى آخر، ثم اختلفا، فقال من انتقل من يده العبد: بعتكه بمائة، وقال من بيده العبد: بل وهبتنيه.. ففيه وجهان:
الأول: قال المسعودي [في "الإبانة" ق\250] يتحالفان.
قال الطبري في "العدة": لم يرد: أنهم يتحالفان كتحالف المتبايعين على النفي والإثبات، بل يحلف كل واحدٍ منهما على نفي دعوى صاحبه دون إثبات دعواه.
والثاني: قال الشيخ أبو حامد: يحلف البائع: أنه باعه وما وهبه؛ لأنهما قد اتفقا على زوال الملك عن مالكه، فكان القول قوله في صفة الانتقال عنه؛ لأنه أعلم بذلك.
وإن اختلفا في عين المبيع، بأن قال البائع: بعتك هذا العبد بألف، وقال المشتري: بل اشتريت هذه الجارية بألف.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول الشيخ أبي حامد: أنهما لا يتحالفان على النفي والإثبات، بل يحلف البائع: أنه ما باعه الجارية، ويحلف المشتري: أنه ما اشترى العبد؛ لأن التحالف على النفي والإثبات إنما يكون إذا اختلفا في عقد، وهذان عقدان، ولأن التحالف يكون مع اتفاقهما على انتقال الملك إلى المشتري، وهاهنا لم يتفقا على أنه يملك أحدهما.
والثاني: قال القاضي أبو الطيب: ذكر ابن الحداد: إذا اختلفا في الصداق، فقالت: مهرتني أمّي، وقال الزوج: بل مهرتك أباك.. أنهما يتحالفان.. قال القاضي: ولا يختلف أصحابنا في مسألة الصداق، فكذلك في البيع؛ لأن كل واحد منهما مدّع ومدّعى عليه، فتحالفا، كما لو اختلفا في قدر المبيع. وأمّا انتقال الملك: فإنهما قد اعترفا بثبوت ملك الثمن للبائع أيضًا.
فإن قلنا بقول القاضي.. نظرت:
فإن حلفا على النفي والإثبات، وانفسخ العقد، أو فسخ.. أخذ البائع العبد أو الجارية، ورجع المشتري إلى الثمن إن كان قد دفعه.
وإن حلف البائع وحده ونكل المشتري، أو حلف المشتري ونكل البائع.. فهو كما لو أقام الحالف منهما البينة، على ما يأتي ذكره.
وإن قلنا بقول الشيخ أبي حامد.. فإن البائع إذا حلف: أنه ما باع الجارية، فإن كانت في يد المشتري.. أخذها البائع، وإن حلف المشتري: أنه ما اشترى العبد قال ابن الصباغ: فإن كان العبد.. في يد المشتري.. لم يأخذه البائع؛ لأنه يقرّ أنه له، وإن كان في يد البائع.. لم يلزم المشتري قبضه. قال ابن الصبّاغ: وله أخذه عندي ليستوفي منه الثمن الذي قبضه البائع منه.
وإن أقام كل واحد منهما بيِّنة بما ادّعاه.. فإن بينة المشتري يحكم بها، ويأخذ المشتري الجارية.
وأمّا البائع إذا أقام بينة بأنه باعه العبد.. نظرت:
فإن كان العبد في يد المشتري.. لم ينتزع من يده، كمن بيده دارٌ أقر بها لإنسان، ولم يصادقه المقر له.. فإن الدار لا تنزع من يد المقر.
وإن كان العبد في يد البائع.. ففيه وجهان:
أحدهما: يجبر المشتري على قبضه؛ لأن البينة قد شهدت له بملكه، بخلاف من أقر بدار لمن لا يدّعيها؛ لأن البينة هاهنا قد شهدت بحق له وحق عليه.
والثاني: لا يجبر على قبضه؛ لأنه لا يدّعي ملكه.
فعلى هذا: ينزع من يد البائع، ويسلم إلى الحاكم ليحفظه إلى أن يدّعيه المشتري أو ورثته. وإن رأى أن يؤاجره وينفق عليه من أجرته.. فعل. وإن رأى أن يبيعه ويمسك ثمنه إلى أن يدعيه المشتري.. فعل.

.[مسألة: الخلاف في شرط يفسد البيع]

إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، بأن قال البائع: بعتكه بشرط خيار ثلاثة أيام، وقال المشتري: بل اشتريته بخيار أربعة أيام، أو قال: بعتكَه بدراهم، فقال: بل اشتريته بخمرٍ أو خنزيرٍ.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو اختيار الشيخ أبي حامد، وابن الصبّاغ ـ أن القول قول من يدّعي صحة العقد؛ لأن الأصل عدم ما يفسده، وقد نص الشافعي في " البويطي ": (فيمن أسلم إلى أجل في طعام، واختلفا، فقال المسلم إليه: إنه بشرط الخيار، وأنكر المسلم ذلك: أن القول قول المسلم مع يمينه). وهذا نص أن القول قول من ينفي الشرط المفسد.
والثاني: أن القول قول من يدعي فساد العقد، وهو اختيار صاحب " التقريب "؛ لأن الأصل عدم العقد.
وقال القاضي أبو الطيب: أصل هذين الوجهين مأخوذ من القولين فيمن أقر أنه تكفل ببدن رجل على أنه بالخيار، فأنكر المكفول له شرط الخيار.
وقال القفّال: أصلهما مأخوذ من القولين فيمن أقرّ لغيره بحق، ثم وصله بما يسقطه.
قلت: وهما أصلٌ واحدٌ.
قال الشيخ أبو حامد: فإن قال: بعتك هذه العين بشرط البراءة من العيوب، وأنكر المشتري هذا الشرط.. فإن قلنا: إن البيع صحيح والشرط صحيح.. فإنهما يتحالفان على النفي والإثبات على ما مضى. وإن قلنا: إن الشرط والبيع باطلان.. فالقول قول من ينكر الشرط؛ لأن الظاهر من العقد الصحة. وإن قلنا: لا يصح الشرط ويصح العقد.. ولم يفد هذا الاختلاف شيئًا، ولا يمين على أحدهما.

.[فرع: الاختلاف في الصرف بعد التفرق]

وإن اختلفا في الصرف بعد التفرق، فقال أحدهما: تفرقنا قبل القبض، وقال الآخر: تفرّقنا بعد القبض.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن القول قول من يدّعي التفرق قبل القبض مع يمينه؛ لأن الأصل عدم القبض وعدم صحة العقد.
والثاني: أن القول قول من يدّعي التفرق بعد القبض مع يمينه؛ لأن الظاهر صحة العقد، والأصل عدم ما يفسده.
وإن افترقا، فقال أحدهما: تفرّقنا عن تراض، وقال الآخر: تفرّقنا بعد الفسخ.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن القول قول من يدّعي التفرق عن التراضي؛ لأن الأصل صحة العقد.
والثاني: أن القول قول من يدّعي الفسخ؛ لأن الأصل عدم العقد.

.[مسألة: ادعاء عيب كان موجودًا]

إذا اشترى عبدًا، ووجد فيه عيبًا، فادّعى المشتري أنه كان موجودًا بالعبد في يد البائع، وقال البائع: بل حدث عندك.. ففيه ثلاث مسائل:
إحداهن: إذا كان لا يمكن حدوثه في يد المشتري، مثل: أن يوجد للعبد أصبع زائدة تضر بالعبد، أو شجة مندملة وللشراء وقتٌ لا يندمل مثل تلك الجراحة فيه.. فالقول قول المشتري هاهنا بغير يمين.
الثانية: إذا كان العيب مما لا يمكن حدوثه في يد البائع، مثل: أن يقيم العبد في يد المشتري سنة أو شهرًا، فيأتي وبه شجّة طريّة.. فالقول قول البائع هاهنا بغير يمين.
الثالثة: إذا كان العيب مما يمكن حدوثه في يد كلِّ واحد منهما، مثل: أن يشتري منه ثوبًا، فقبضه، فأقام، فوجد فيه خرقًا أو مرفوءًا.. فإن البائع إذا أنكر ذلك.. فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل سلامة المبيع حال العقد، وعدم العيب فيه.
إذا ثبت هذا: فكيف يحلف؟ ينظر في البائع:
فإن أجاب: بأنك لا تستحق عليّ ردّه بالعيب.. فإنه يحلف كذا، ولا يكلَّف أن يحلف: لقد باعه بريئًا من العيب؛ لأن المشتري قد يشتري المعيب مع علمه به أو يرضى به.. فيسقط حقه من الرد، وقد لا يكون للبائع على ذلك بينةٌ، فلم يكلف اليمين إلا على ما أجاب به.
وإن قال البائع: بعته بريئًا من العيب.. فهل يكلف أن يحلف على ذلك، أو يجوز أن يحلف: أنه لا يستحق عليه ردّه بالعيب؟ فيه وجهان:
أحدهما: يكفيه أن يحلف: أنه ما يستحق عليه ردّه بالعيب؛ لأن ذلك أعمّ.
والثاني: يلزمه أن يحلف على ما أجاب؛ ليكون موافقًا لجوابه.
إذا ثبت هذا: فإن الشافعي قال: (يحلف البائع: لقد باعه إيّاه بريئًا من العيب).
وقال المزني: ينبغي أن يحلف: أنه أقبضه إياه بريئًا من العيب، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأن المشتري يستحق الرد بما يحدث من العيب في يد البائع قبل القبض.
قال أصحابنا: أراد الشافعي: إذا ادّعى المشتري أنه باعه إيّاه وبه هذا العيب، فإنّه يحلف على حسب دعوى المشتري، فأمّا إذا قال المشتري: أقبضتنيه وبه هذا العيب، وكان حدوثه قبل القبض، أو قال: سلمته إليَّ معيبًا، ولا أدري متى حدث.. فإنه يجب على البائع أن يحلف: أنه أقبضه إياه بريئًا من العيب، ويحلف على البت والقطع؛ لأنه يحلف على فعل نفسه.

.[فرع: الاختلاف في ردّ المبيع بالعيب]

وإن اختلفا في المردود بالعيب أنه المبيع أو غيره.. نظرت:
فإن تعلق العقد بعينه مثل: أن يشتري منه عبدًا بعينه بدراهم بأعيانها، فجاء مشتري العبد بعبد، وقال: هذا العبد هو الذي اشتريته منك وهو معيب، وقال البائع: العبد الذي بعتك غير هذا.. فالقول قول البائع مع يمينه.
وهكذا: إذا ردّ البائع الدراهم التي وقع البيع على عينها، وقال: هي معيبة، فقال المشتري: الدراهم التي اشتريت بها منك غير هذه.. فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأن الأصل صحة العقد وسلامة المبيع من العيب.
وإن كان المبيع في الذمة مثل: أن يسلم رجل إلى رجل على عبدٍ، فقبض المُسلِمُ من المسلم إليه عبدًا، ثم جاءه بعبد، فقال: هذا العبد الذي سلّمت إليّ وهو معيبٌ، بخلاف ما وقع عليه عقد السلم، وقال المسلم إليه: العبد الذي سلّمت إليك غير هذا العبد، ولا عيب به.. فالقول قول المسلم مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء العبد في ذمة المسلم إليه حتى يثبت تسليم عبدٍ على الصفات المذكورة في السلم.
وهكذا: إذا باعه عينًا بدراهم في ذمته، فقبضها البائع، ثم ردّ البائع دراهم، وقال: هي التي سلّمت إليّ وهي معيبة، وقال المشتري: بل التي سلّمت إليك غير هذه الدراهم وهي سليمة.. فالقول قول البائع مع يمينه؛ لأن المشتري يدّعي أنه قد أقبض البائع ما وجب عليه، والبائع منكرٌ، والأصل بقاؤها في ذمّته، وهكذا ذكر القاضي أبو الطيب في " شرح المولَّدات "، وذكر الشيخ أبو إسحاق في " التنبيه " في العبد المسلم فيه: أن القول قول المسلم إليه مع يمينه.