فصل: (فرع: يضمن العدل ثمن الرهن للراهن)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: يضمن العدل ثمن الرهن للراهن]

إذا وكل العدل في بيع الرهن، فباعه، وقبض الثمن.. فإن الثمن يكون في يده من ضمان الراهن إلى أن يسلمه إلى المرتهن، وبه قال أحمد رحمة الله عليه.
وقال مالك، وأبو حنيفة رحمة الله عليهما: (هو من ضمان المرتهن).
دليلنا: أن العدل وكيل للراهن في البيع، والثمن ملكه، فكان من ضمانه، كالموكل في غير الرهن.
فإن تلف الثمن في يده، وخرج المبيع مستحقا، فعلى من يرجع المشتري؟ ينظر في العدل:
فإن أطلق البيع، ولم يذكر: أنه يبيع على الراهن.. رجع المشتري على العدل؛ لأن الظاهر أنه باع مال نفسه، فلزمه الضمان بحكم الظاهر.
وإن ذكر حال البيع: أنه يبيع على الراهن، أو صدقه المشتري على ذلك فإن المشتري يرجع بالعهدة على الراهن دون العدل؛ لأن العقد له.
وإن قبض العدل الثمن، وسلمه إلى المرتهن، ثم وجد المشتري بالرهن عيبا، فإن أقام البينة على العيب، بأن لم يذكر العدل: أنه يبيع للراهن.. فإن المشتري يرجع بالثمن على العدل، ويرجع العدل على الراهن؛ لأنه وكيله، ولا يسترجع الثمن من المرتهن؛ لأن الرهن لما بيع.. حصل ثمنه للراهن وملكه، فإذا دفع إلى المرتهن.. فقد قضى دينه بملكه، فزال ملك الراهن عنه. فإن لم يكن للعدل ولا للراهن مال غير الرهن.. بيع، وقضي حق المشتري من ثمنه، وما بقي.. كان للمشتري دينا على العدل، وللعدل على الراهن.
فإن لم يكن مع المشتري بينة بالعيب، فإن كان العيب مما لا يمكن حدوثه عند المشتري.. فهو كما لو قامت البينة أنه كان موجودا به وقت البيع. وإن كان مما يمكن حدوثه عند المشتري، فإن صدقه العدل والراهن أنه كان موجودا به وقت البيع.. فهو كما لو قامت البينة أنه كان موجودا وقت البيع، فالحكم فيه كما ذكرناه. وإن كذباه.. حلف له العدل: لقد باعه إياه بريئا من هذا العيب، فإن لم يحلف، ونكل، فحلف المشتري.. رجع على العدل بالثمن، ولا يرجع العدل بالثمن على الراهن؛ لأنه كان يمكنه أن يحلف. وإن كان العدل قد قال وقت البيع: إنه يبيع للراهن.. رجع المشتري على الراهن دون العدل.

.[مسألة: لا يبيع المرتهن الرهن إلا بحضور الراهن]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولو شرط المرتهن إذا حل الحق: أن يبيعه لنفسه.. لم يجز أن يبيع إلا أن يحضر رب الرهن، فإن امتنع.. أمر الحاكم ببيعه).
وجملة ذلك: أنه إذا رهنه رهنا، وشرطا في عقد الرهن: أن المرتهن يبيع الراهن.. فهذا شرط فاسد، وهل يبطل الرهن؟ فيه قولان؛ لأنه زيادة في حق المرتهن، وقد مضى ذكر مثل ذلك.
فأما إذا رهنه رهنا صحيحا، وأقبضه إياه، فلما حل الحق.. وكل الراهن المرتهن ببيع الرهن.. لم تصح الوكالة. وإذا باع المرتهن.. كان البيع باطلا، وبه قال أحمد رحمة الله عليه.
وقال مالك، وأبو حنيفة رحمة الله عليهما: (يصح التوكيل، والبيع).
دليلنا: أنه توكيل يجتمع فيه غرضان متضادان، وذلك: أن الراهن يريد التأني في البيع للاستقصاء في الثمن، والمرتهن يريد الاستعجال في البيع ليستوفي دينه، فلم يجز، كما لو وكله ببيع الشيء من نفسه. فإن كان الراهن حاضرا.. فهل يصح بيع المرتهن بإذنه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح البيع، وهو ظاهر النص، فإن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قال: (إلا أن يحضر رب الرهن)، ولأنه إذا كان حاضرا، فسمع تقدير الثمن.. انتفت التهمة من المرتهن، فصح بيعه.
الثاني ـ وهو اختيار الطبري في "العدة" ـ: أنه لا يصح البيع؛ لأنه توكيل فيما يتعلق به حقه فلم يصح، كما لو كان غائبا، وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلا أن يحضر رب الرهن) معناه: فيبيعه بنفسه، ألا ترى أنه قال: (فإن امتنع.. أمره الحاكم ببيعه)؟
فإن قيل: هلا قلتم: يصح البيع وإن كانت الوكالة فاسدة، كما قلتم في سائر الوكالات الفاسدة؟
فالجواب: أن الوكالة الفاسدة إنما يصح البيع فيها؛ لأن الفساد غير راجع إلى الإذن، وإنما هو راجع إلى معنى في العوض، وهاهنا الفساد راجع إلى الإذن نفسه، فهو كما لو وكله أن يبيع من نفسه.. فباع.
وبالله التوفيق

.[باب ما يدخل في الرهن وما لا يدخل وما يملكه الراهن وما لا يملكه]

وما يملكه الراهن وما لا يملكه إذا رهنه أرضا وفيها بناء أو شجر، فإن شرط دخول ذلك في الرهن، أو قال: رهنتكها بحقوقها.. دخل البناء والشجر في الرهن مع الأرض، وهكذا: إن قال: رهنتك هذا البستان أو هذه الدار.. دخل الشجر والبناء في الرهن. فإن قال: رهنتك هذه الأرض، وأطلق.. فهل يدخل البناء والشجر في الرهن؟ فيه ثلاث طرق، ذكرناها في البيع.
وإن باعه شجرة، أو رهنها منه.. صح البيع والرهن في الشجرة، وهل يدخل قرارها في البيع والرهن؟ ذكر الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ: أن قرارها لا يدخل في الرهن، وجها واحدا، وهل يدخل في البيع؟ فيه وجهان.
وذكر الطبري في "العدة": أن البيع والرهن على وجهين:
أحدهما: لا يدخل؛ لأن المسمى في العقد هو الشجر، وهذا ليس بشجر.
فعلى هذا: إذا انقطعت الشجرة.. لم يكن للمشتري أن يغرس مكانها غيرها.
والثاني: يدخل قرار الشجرة؛ لأن قوام الشجرة به، فهو كعروق الشجرة تحت الأرض.
فعلى هذا: إذا انقطعت هذه الشجرة.. كان للمشتري أن يغرس مكانها.
وأما البياض الذي بين الشجر: فلا يدخل في البيع والرهن، وجها واحدا؛ لأن العقد إنما يتناول الشجر.

.[مسألة: زيادة الرهن]

وأما نماء الرهن: فضربان: موجود حال الرهن، وحادث بعد الرهن.
فأما الموجود حال الرهن: فإن كان ثمرة.. فقد مضى ذكرها. واختلف أصحابنا
في ورق التوت وأغصان الخلاف والآس:
فمنهم من قال: هو كالورق والأغصان من سائر الأشجار، فيدخل في الرهن.
ومنهم من قال: هو كالثمار من سائر الأشجار. وقد مضى ذكرها.
وإن رهنه ماشية، وفيها لبن أو صوف.. فالمنصوص: (أنه لا يدخل في الرهن).
وقال الربيع: في الصوف قول آخر: (أنه يدخل). فمن أصحابنا من قال: في الصوف قولان. ومنهم من قال: لا يدخل، قولا واحدا. وما ذكره الربيع: من تخريجه.
وأما النماء الحادث بعد الرهن: كالولد، والثمرة، واللبن، وسائر منافعه.. فاختلف أهل العلم فيه:
فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: (أنه ملك للراهن، وأنه لا يدخل في الرهن، وللراهن أن ينتفع بالرهن).
وقال قوم من أصحاب الحديث: نماء الرهن ومنافعه ملك لمن ينفق عليه، فإن كان الراهن هو الذي ينفق عليه.. ملكه. وإن كان المرتهن هو الذي ينفق عليه.. فالنماء ملك له.
وقال أحمد رحمة الله عليه: (لبن الرهن ملك للمرتهن، فله حلبه وشربه).
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الثمرة والولد واللبن الحادث بعد الرهن ملك للراهن، إلا أنه يدخل في الرهن). وقال أيضا: (ليس للراهن ولا للمرتهن أن ينتفع بالرهن، بل تترك المنافع تتلف).
وقال مالك رحمة الله عليه: (الولد الحادث يكون رهنا ـ كقول أبي حنيفة ـ وأما الثمرة: فلا تكون رهنا). كقولنا.
دليلنا على أصحاب الحديث، وعلى أحمد رحمة الله عليه: ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يغلق الرهن من راهنه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه». فمن قال: إنه ملك للمرتهن.. فقد خالف نص الخبر.
وروى الشعبي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من رهن دابة.. فعليه نفقتها، وله ظهرها ونتاجها». وهذا نص، ولأن الرهن ملك للراهن، فكان نماؤه ملكا له، كما لو لم يكن مرهونا.
وعلى أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما روى الأعمش، عن أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن محلوب ومركوب». وبالإجماع بيننا وبين أبي حنيفة: أنه لم يرد: أنه محلوب ومركوب للمرتهن، فثبت: أنه محلوب ومركوب للراهن.
وأيضا: فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن من راهنه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه». و(الغنم): هو النماء، فمن قال: إنه رهن.. فقد خالف الخبر، ولأن الرهن عقد لا يزيل الملك عن الرقبة، فلم يسر إلى الولد، كالإجارة، ولأن الرهن حق تعلق بالرقبة ليستوفي من ثمنها، فلم يسر إلى الولد، كالأرش في الجناية، وذلك: أن الجارية إذا جنت.. تعلق حق الجناية برقبتها، وإذا أتت بولد.. لم يسر أرش الجناية إلى ولدها.
إذا ثبت: أن منافع الرهن ملك للراهن.. فله أن يستوفيها على وجه لا ضرر فيه على المرتهن، فإن كان الرهن عبدا أو دابة.. فله أن يعيره ثقة، وله أن يؤاجره من ثقة
إلى مدة تنقضي قبل حلول الحق، وهل له أن يستخدمه بنفسه، أو يركب البهيمة بنفسه؟
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موضع: (له ذلك). وقال في موضع: (ليس له ذلك).
فمن أصحابنا من قال: فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز، لأنه لا يؤمن أن يجحده.
والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لأنه لما جاز أن يستوفيه بغيره.. جاز أن يستوفيه بنفسه، كغير الرهن.
ومنهم من قال: إن كان الراهن ثقة.. جاز له أن يستوفيه بنفسه وإن كان غير ثقة لم يجز أن يستوفي بنفسه لأن الثقة يؤمن منه أن يجحد، وغير الثقة لا يؤمن منه أن يجحد. وحمل القولين على هذين الحالين. والصحيح الطريق الأول.
إذا ثبت هذا: فإنما له أن يعير الرهن، ويؤاجره، ويستوفي ذلك بنفسه، بحيث لا يخرجه عن سلطان المرتهن، وهو أن يفعل ذلك كله في بلدة المرتهن، بحيث يرده إلى المرتهن أو إلى العدل بالليل، فأما أن يؤاجره للمسافرة به، أو يسافر هو به.. فلا يجوز؛ لأن ذلك يخرج الرهن عن سلطان المرتهن.
وإن كان الرهن دارا.. فله أن يؤاجرها، ويعيرها، وهل له أن يسكنها بنفسه؟ على الطريقين، إلا أن لساكنها أن يسكنها ليلا ونهارا.
والفرق بين الدار والعبد والدابة: أن سكنى الدار تتصل ليلا ونهارا، وخدمة العبد، وركوب الدابة وتحميلها لا يتصل، وإنما يكون بالنهار.
وإن كان الرهن ثوبا.. لم يجز للراهن لبسه بنفسه، ولا له أن يؤاجره، ولا يعيره؛ لأن ذلك يؤدي إلى إتلافه.
وإن كان الرهن جارية.. لم يكن للراهن تزويجها، وكذلك لا يجوز له تزويج العبد المرهون.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (يجوز تزويجهما).
دليلنا: أن التزويج ينقص قيمتهما.
وهل يجوز له وطء الجارية المرهونة؟ ينظر فيه:
فإن كانت ممن يحبل مثلها.. لم يجز له ذلك؛ لأن ذلك يؤدي إلى الإضرار بالمرتهن بأن تحبل، فتتلف. وله أن يؤاجرها ويعيرها للخدمة، وهل له أن يستخدمها بنفسه؟
إن قلنا: لا يجوز له استخدام العبد بنفسه.. فهذه الجارية أولى.
وإن قلنا: له أن يستخدم العبد بنفسه.. قال أصحابنا: فليس له أن يستخدم هذه الجارية، قولا واحدا؛ لأنه لا يؤمن أن يخلو فيها فيطأها.
والذي يبين لي: أنها إذا كانت ممن لا يحل له وطؤها، كامرأة من ذوات محارمه.. أنه يجوز له أن يستخدمها؛ لأن ذلك مأمون في حقه.
وإن كانت الجارية صغيرة.. فهل له أن يطأها؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يجوز له أن يطأها؛ لأنه يؤمن أن يحبلها.
والثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة: لا يجوز له؛ لأن الإحبال والحيض قد يختلف بالنساء، فقد يسرع إلى بعضهن لقوتها وسمنها، ويتأخر عن البعض، فحسمنا الباب.
فإن قلنا بهذا: لم يجز له استخدامها بنفسه؛ لأنه لا يؤمن أن يطأها.
وإن قلنا بقول أبي إسحاق.. فهي كالعبد إذا أراد أن يستخدمه بنفسه.
وإن كان الرهن أرضا، فأراد الراهن أن يزرع فيها.. نظرت:
فإن كان زرعا يضر بها.. لم يكن له ذلك؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا إضرار»
وإن كان لا يضر بالأرض.. نظرت:
فإن كان يحصد قبل حلول الدين.. لم يمنع منه.
وإن كان لا يحصد إلا بعد حلول الدين.. فالمنصوص: (أنه ليس له ذلك).
وقال الربيع فيه قول آخر: (أن له ذلك).
فمن أصحابنا من قال: فيه قولان:
أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه ينقص قيمة الأرض عند حلول الدين.
والثاني: له ذلك؛ لأن الزرع قد يمكن نقله من غير ضرر.
قال الشيخ أبو حامد: ليس له أن يزرع ذلك، قولا واحدا، وما حكاه الربيع من كيسه.
وإن أراد الراهن أن يغرس في الأرض المرهونة، أو يبني فيها.. لم يكن له ذلك؛ لأن ذلك ينقص قيمتها، فإن خالف، وغرس، وبنى.. لم يقلع؛ لأنه قد يقضى الدين من غير الأرض، وربما وفت قيمة الأرض بالدين، فلا يجوز الإضرار به لضرر متوهم في الثاني.
فإذا حل الدين وفي الأرض ما غرسه الراهن، أو حمل إليها السيل غراسا له، فنبت له، فإن قضى الراهن الدين من غير الأرض.. فلا كلام. وإن لم يقضه من غير الأرض.. نظرت:
فإن كانت قيمة الأرض وحدها تفي بالدين.. بيعت الأرض في الدين، ويبقى الغراس والبناء على ملك الراهن.
وإن كانت قيمة الأرض وحدها لا تفي بالدين.. نظرت:
فإن لم تنقص قيمتها لأجل الغراس والبناء.. بيعت الأرض وحدها، وقضي الدين من ثمنها.
وإن كانت قيمة الأرض قد نقصت لأجل الغراس والبناء، بأن كانت قيمتها وهي بيضاء مائة، فصارت قيمة الأرض وحدها بعد الغراس ثمانين، نظرت: فإن كان الراهن غير محجور عليه.. فهو بالخيار: بين أن يقلع غراسه وبناءه، ويسوي الأرض كما كانت، وتباع في حق المرتهن، وبين أن يبيع الأرض والغراس والبناء، ويسلم إلى المرتهن قيمة الأرض بيضاء وهي مائة؛ لأن قيمتها نقصت بفعله.
وإن كان الراهن محجورا عليه.. نظرت:
فإن لم تزد قيمة الأرض والغراس، بأن كانت قيمة الأرض بيضاء مائة، وقيمة الغراس خمسين، فصارت قيمتهما جميعا مائة وخمسين.. بيعا جميعا، ودفع إلى المرتهن قيمة الأرض، وإلى سائر الغرماء قيمة الغراس.
وإن نقصت قيمة الأرض بالغراس، بأن صارت قيمتها جميعا مائة وثلاثين.. لم يجز للراهن قلع الغراس؛ لأنه تعلق به حق الغرماء، ولكن تباع الأرض والغراس، ويدفع إلى المرتهن قيمة الأرض بيضاء وهي مائة، وإلى سائر الغرماء ثلاثون.
وإن كانت قيمة الأرض بيضاء مائة، وقيمة الغراس منفردا خمسين، فإذا جمع بينهما، صارت قيمتهما مائتين.. فقد حدثت الزيادة فيهما، فيتعلق حق المرتهن بثلثي الخمسين الزائدة، وللراهن ثلثها.
وإن ترك في أرضه نوى، ثم رهنها، ثم نبتت نخلا، فإن علم المرتهن بذلك.. فلا خيار له؛ لأنه رضي بارتهان أرض ذات نخل، ولا يكون النخل داخلا في الرهن، فإذا حل الحق، وبيعت الأرض.. كان للمرتهن قيمة الأرض بيضاء ذات نخل. وإن لم يعلم بها، ثم علم.. كان له الخيار، فإن فسخ.. فلا كلام، وإن لم يفسخ.. كان الحكم ما ذكرناه.

.[فرع: الانتفاع بالرهن]

وإن أراد الراهن أن يؤجر الرهن إلى مدة لا تنقضي إلا بعد محل الدين:
فإن قلنا: لا يجوز بيع المستأجر.. لم يكن له ذلك؛ لأن ذلك يمنع من بيعه.
وإن قلنا: يجوز بيع المستأجر.. ففيه طريقان:
أحدهما قال عامة أصحابنا: لا يجوز له ذلك؛ لأن ذلك ينقص من قيمته عند البيع.
والثاني: قال أبو علي الطبري: فيه قولان، كالقولين في زراعة ما لا يحصد، إلا بعد محل الدين.

.[فرع: رهن فحل الضراب]

وإن كان الرهن فحلا، فأراد الراهن أن ينزيه على بهائمه، أو بهائم غيره.. قال الشافعي: (جاز؛ لأن هذا منفعة، ولا ينقص به كثيرا). وإن كان أتانا، وأراد أن ينزي عليها الفحل، فإن كانت تلد قبل حلول الدين، أو مع حلول الدين.. جاز؛ لأنه استيفاء منفعة لا ضرر على المرتهن بها. وإن كانت لا تضع إلا بعد حلول الدين.. فإن قلنا: لا حكم للحمل.. كان له ذلك؛ لأن الحق إذا حل وهي حامل.. صح بيعها، وحملها يدخل في البيع. وإن قلنا: للحمل حكم.. لم يكن له ذلك؛ لأن الحمل لا يدخل في الرهن، ولا يمكن بيعها دون الحمل. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق" من غير تفصيل.
وذكر الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" وابن الصباغ: أن القولين إذا كان الحمل يظهر بها قبل حلول الدين، فأما إذا كان الحمل لا يظهر بها قبل محل الدين.. جاز؛ لأنه يمكن بيعها في الدين. ولعل الشيخ أبا حامد أراد بإطلاقه هذا.

.[مسألة: تصرف المرتهن بما فيه منفعة]

ويملك الراهن التصرف في عين الرهن بما لا ضرر فيه على المرتهن، كحجامة العبد وفصده؛ لأنه إصلاح لماله، ولا ضرر فيه على المرتهن. وإن مرض، فأراد مداواته بدواء لا ضرر فيه، وإنما يرجى نفعه.. لم يكن للمرتهن منعه، ولا يجبر على ذلك؛ لأن الشفاء قد يأتي من غير دواء.
وإن أراد الراهن أن يقطع شيئا من بدنه، فإن كان في قطعه منفعة، وفي ترك قطعه خوف عليه، مثل: الآكلة إذا كانت في يده.. فإن للراهن أن يقطع ذلك بغير إذن المرتهن؛ لأن في قطع ذلك مصلحة من غير خوف؛ لأنه لحم ميت، ولا يحس بلحم ميت. وإن كان يخاف من قطعه، ويخاف من تركه.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ ولم يذكر الشيخان غيره ـ: أنه لا يجوز إلا بإذن الراهن والمرتهن؛ لأنه يخاف عليه من قطعه، فلم يجز، كما لو لم يخف عليه من تركه.
والثاني ـ حكاه ابن الصباغ عن أبي علي الطبري ـ: أن له أن يفعله، إلا أن يخاف منه التلف غالبا، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأن المنفعة بذلك إذا كانت هي الغالبة.. كان فيه صلاح، كالمتيقن. وإن كانت به سلعة أو أصبع زائدة أو ضرس زائد، وأراد قطعه.. قال الشيخ أبو حامد: لم يكن له قطعه وإن تراضيا؛ لأنه لا يخاف من تركه، ويخاف من قطعه، ولهذا: لو أراد الحر قطع ذلك من نفسه.. لم يكن له ذلك. وقال ابن الصباغ: هذا مما لا يخاف من قطعه غالبا، فيكون على الوجهين.
وإن كان العبد صغيرا، وأراد الراهن أن يختنه.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (له ذلك؛ لأنه سنة، وزيادة). وأطلق هذا.
قال أصحابنا: ينظر فيه: فإن كان الحق حالا أو مؤجلا بحيث يحل قبل أن يبرأ.. لم يكن له أن يختنه؛ لأنه بالختان يتغير لونه وسجيته. وإن كان الختان يبرأ قبل حلول الحق.. كان له ذلك؛ لأنه سنة، ويزيد في قيمة العبد.
وإن كان الرهن دابة، فاحتاجت إلى التوديج، وهو: فتح عرقين عريضين عن يمين ثغرة النحر ويسارها يسميان: الوريدين، أو إلى التبزيغ وهو: فتح
الرهصة، و(التبزيغ): الشق. ولهذا يقال: بزغت الشمس: إذا طلعت.. فللراهن أن يفعل ذلك بغير إذن المرتهن؛ لأن فيه مصلحة من غير ضرر.
وإن أراد المرتهن أن يفعل شيئا من هذا بغير إذن الراهن.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فكل ما كان فيه مصلحة، ولا يتضمن المضرة أصلا.. جاز أن يفعله، مثل: تدهين الماشية الجرباء بالقطران، وغير ذلك مما فيه منفعة من غير مضرة. وأما ما كان فيه منفعة، وقد يضر أيضا؛ كالفصد والحجامة وشرب الدواء وغير ذلك فكل هذا قد ينفع وقد يضر أيضا؛ لأنه قد لا يوافق.. فليس له ذلك.
وللراهن أن يفعل ما يتضمن المنفعة والضرر من هذه الأشياء بغير إذن المرتهن، بخلاف المرتهن، فإنه لا يفعل شيئا من ذلك إلا بإذن الراهن).
قال الشيخ أبو حامد في "التعليق": وهذه المسألة غريبة.

.[فرع: رهن الماشية]

إذا كان الرهن ماشية.. فللراهن أن يرعى ماشيته، وليس للمرتهن منعه من ذلك؛ لأنها تأوي بالليل إلى يد الموضوعة على يده. وإن أراد الراهن أن ينتجع بها، وهو: أن يحملها إلى غير ذلك الموضع ليطلب الكلأ، فإن اتفقا عليه.. جاز. وإن امتنع أحدهما.. نظرت:
فإن كان الموضع مخصبا كما كان.. لم يجبر الممتنع؛ لأن المرتهن يقول: إنما ارتهنتها في هذه البلد، فليس لك أن تنقلها منه إلى بلد آخر بغير ضرورة.
وإن كان الموضع مجدبا، فإن اتفقا على النجعة والمكان.. جاز؛ لأن الحق لهما، وقد رضيا. وإن اتفقا على النجعة، واختلفا في المكان، قال الشيخ أبو حامد: وكان المكانان متساويين في الخصب والأمن.. قدم قول الراهن؛ لأنه هو المالك للرقبة. وإن اختلفا في النجعة.. أجبر الممتنع منهما من النجعة عليها؛ لأن المرتهن إن كان هو الممتنع.. قيل له: ليس لك ذلك؛ لأنك تضر بالماشية، فإما أن تخرج معها، أو ترضى بعدل من قبلك تأوي إليه، وإلا نصب الحاكم عدلا من قبله عليها. وإن كان الممتنع هو الراهن.. قيل له: ليس لك ذلك؛ لأنك تضر بالمرتهن، فإما أن تخرج معها، أو توكل من يأخذ رسلها، وهو: لبنها، ويرعاها، ويحفظها.

.[فرع: رتهن نخلا فله تأبيرها]

وإن كان الرهن نخلا، فأطلعت.. كان للراهن تأبيرها من غير إذن المرتهن؛ لأن ذلك مصلحة لماله من غير ضرر، وما يحصل من السعف الذي يقطع كل سنة، أو الليف.. فهو للراهن، لا يدخل في الرهن؛ لأنه يقطع في كل سنة، فهو كالثمرة. فإن قيل: هذا قد تناوله عقد الرهن، وليس بحادث؟
فالجواب: أن ما يحدث من السعف يقوم مقامه، فصار هذا بمنزلة المنفعة خارجا عن الأصول.
فإن خرجت الفسلان في أصل النخل.. قال ابن الصباغ: فعندي: أن ذلك يكون للراهن، لا حق للمرتهن فيه؛ لأنه يخرج عن الأصول، فهو كالولد.
فإن ازدحمت النخل أو الشجر، فأراد الراهن أن يحول بعضها إلى بعض أرض الرهن، وكان في تحويلها مصلحة للباقي.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كان له ذلك)؛ لأن النخل إذا ازدحمت قتل بعضها بعضا، فإن حولها، فنبتت.. كانت رهنا. وإن جف منها شيء.. كانت أخشابها رهنا، وإن لم يكن في أرض الرهن ما يمكن تحويلها إليه، وأراد الراهن قطع بعضها، وفي ذلك زيادة للباقي.. كان للراهن أن يفعل ذلك بغير إذن المرتهن، كما قلنا في التحويل، فإذا قطعت.. كانت أخشابها رهنا. وإن أراد الراهن تحويل بعضها إلى أرض غير الأرض المرهونة، أو أراد تحويل جميعها إلى الأرض المرهونة، أو قطع جميعها.. لم يكن له ذلك؛ لأن ذلك ضرر من غير منفعة.