فصل: (فرع: صفة القبول في الوكالة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: صفة القبول في الوكالة]

ويصح القبول، وهو أن يقول: قبلت الوكالة. ويصح القبول بالفعل، وهو أن يتصرف فيما وكل فيه؛ لأنه إذن في التصرف، فصح القبول فيه بالقول، والفعل، كما لو أذن في أكل طعامه.

.[مسألة: الوكالة في التصرف المعلوم]

ولا تصح الوكالة إلا في تصرف معلوم، فإن قال: وكلتك في كل قليل وكثير.. لم يصح، وبه قال عامة العلماء.
وقال ابن أبي ليلى: يصح، ويملك بذلك كل شيء؛ لعموم لفظ الموكل.. وهذا ليس بصحيح؛ لأن في ذلك غررا عظيما وضررا كثيرا؛ لأنه يطلق نساءه، ويتزوج له أربع نسوة بالمهور الكثيرة، ويعتق عبيده، ويتصدق بأمواله، أو يهبها لغيره، ويقر عليه بما ليس عنده، وفي ذلك غرر، وربما أقر عليه بجناية العمد، وفي ذلك غرر، وقد: «نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الغرر».
وإن قال: بع جميع أملاكي، أو أعتق جميع عبيدي، أو اقبض جميع ديوني، أو جميع ودائعي.. صح؛ لأن ذلك غير مجهول. هذا هو المشهور.
وذكر أبو المحاسن: إذا وكله في قبض ديونه.. لم يصح حتى يبين به؛ لأنه مبهم، فلم يصح التوكيل فيه، كما لو قال: وكلتك في كل قليل وكثير.
قال الشيخ أبو حامد: ولو قال: وكلتك ببياعاتي.. كانت الوكالة فاسدة؛ لأن هذا مجهول؛ لأنه قد يبتاع له القليل والكثير.
قال الشيخ أبو إسحاق: وإن قال: بع ما شئت من أموالي، أو اقبض ما شئت من ديوني.. جاز؛ لأنه إذا عرف ماله ودينه.. عرف أقصى ما يبيع ويقبض، فيقل الغرر.
وذكر ابن الصباغ: إذا قال: بع ما تراه من مالي.. لم يجز، ولو قال: بع ما تراه من عبيدي.. جاز. ولم يذكر له وجها.
قال أبو المحاسن: ولو قال: أنت وكيلي لتقبض ديني، ولا دين له، ثم ثبت له دين.. فهل له قبضه؟ فيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه وكله فيما ليس له، فلم يصح أن يكون وكيلا فيما يكون بعده، كما لو وكله بالصلح، ولا شيء له ولا عليه، ثم وجب.
والثاني ـ وهو قول أبي حنيفة ـ: يصح؛ لأن الوكالة تجوز في المعدوم.

.[فرع: لا تصح الوكالة بمجهول]

وإن قال: وكلتك على أن تشتري لي حيوانا بمائة.. لم يصح؛ لأن ذلك وكالة بمجهول؛ لأن الحيوان يقع على أشياء كثيرة.
وهكذا: إن قال: وكلتك أن تشتري لي ثوبا.. لم يصح، وإن قال: وكلتك أن تشتري لي عبدا بمائة.. لم يصح؛ لأن العبيد أجناس، ولم يبين واحد منها.
وإن قال: وكلتك أن تشتري لي عبدا تركيا بمائة.. جاز؛ لأنه قد ذكر النوع، والثمن، وإن قال: وكلتك أن تشتري لي عبدا تركيا، أو حبشيا، أو ثوبا هرويا، أو مرويا، ولم يقدر الثمن.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يصح حتى يصف العبد بصفاته المقصودة، ويذكر طول الثوب وعرضه، وصفاته، أو رقته ليصير معلوما.
والثاني ـ وهو قول أبي العباس ـ: يصح؛ لأن مع ذكر النوع يقل الغرر، ويحمل ذلك على أغلاها ثمنا.

.[فرع: توكيل شخص غير معين]

وإن قال لرجلين: أيكما باع عبدي، فجائز.. لم يجز لأحدهما أن يبعيه.
وقال أبو حنيفة: (إذا باعه أحدهما.. صح).
دليلنا: أن التوكيل يبطل بإبهام الوكيل، فلم يصح، كما لو قال: وكلت أحد أولاد فلان.
وإن قال لرجل: بع هذا الرجل، أو هذا العبد.. لم يجز له أن يبيع أحدهما، خلافا لأبي حنيفة.
دليلنا: أنه شك في المبيع، فلم يصح، كما لو قال: بعتك هذا، أو هذا.
وإن قال: وكلتك أن تشترى لي أمة تركية بمائة أطؤها، فاشترى له من يحرم عليه وطؤها، كذوات محارمه، أو أخت امرأته.. لم يلزم الموكل؛ لأنه اشترى له غير مأذون له فيه، وإن اشترى له أخت أمة، ليس له وطؤها.. قال أبو المحاسن: فلا يلزم الموكل. وقال أبو حنيفة: (يلزمه).
دليلنا: أنه لا يحل له وطؤها، فلم تلزمه، كأخت امرأته.

.[فرع: وكله أن يتزوج له]

وإن وكله أن يتزوج له امرأة عينها.. صح، وإن وكله أن يتزوج له من شاء.. ففيه وجهان:
أحدهما قال القاضي أبو حامد: يجوز لعموم إذنه.
والثاني: قال أبو العباس: لا يجوز؛ لأن الأغراض تختلف، فلا يجوز حتى توصف.
قال الصيمري فلو وكله أن يتزوج له امرأة من العرب، فتزوج له امرأة من قريش.. صح، وإن وكله أن يتزوج له من قريش، فتزوج له من العرب.. لم يصح، وإن وكله أن يتزوج له من الأنصار، فتزوج له من الأوس، أو الخزرج،.. جاز، وإن قال: امرأة من الأوس، فتزوجها من الخزرج.. لم يصح.
وإن وكله في خصومة كل من يخاصمه.. ففيه وجهان:
أحدهما: يصح، وهو قول الشيخ أبي حامد، وقد مضى ذكره؛ لأن الخصومة معلومة.
والثاني: لا يصح؛ لأنها تقل وتكثر، فيكثر الغرر.

.[مسألة: تعليق الوكالة]

لا يجوز تعليق الوكالة على شرط مستقبل، مثل: أن يقول: إذا جاء رأس الشهر.. فقد وكلتك ببيع عبدي.
وقال أبو حنيفة: (يصح). وبه قال بعض أصحابنا؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهز جيش مؤتة، وقال: «الأمير عليكم زيد، فإن قتل.. فجعفر، فإن قتل.. فعبد الله بن رواحة، فإن مات.. ففلان».
فعلق تصرفهم على شرط، فدل على جوازه، ولأنه إذن في التصرف، فجاز تعليقه على شرط مستقبل، كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر.. فقد أبحت لك طعامي، أو أمرتك أن تأكل من طعامي.
ودليلنا: أنه عقد يملك به التصرف في حال الحياة لم يبن على التغليب، والسراية، فلم يجز تعليقه على شرط، كالبيع ويخالف التأمير، والإباحة، فإنهما لا تؤثر فيهما الجهالة، بخلاف الوكالة، ولأن الملك من الله تعالى ومن الرسول يجوز أن يتعلق على شرط، ولا يدل على أن الأمر فيما بينا كذلك، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: 231]، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة.. فهي له»، ولو قال رجل منا: إذا جاء رأس الشهر، فقد وهبتك هذا.. لم يصح؟
إذا ثبت هذا: فإن قولنا: يجوز تعليق الوكالة بشرط، فإن وكله بتصرف يجعل على شرط، فوجد الشرط، وتصرف الوكيل.. صح تصرفه، واستحق المسمى.
وإن قلنا بالمذهب، وإن الوكالة لا يجوز تعليقها بشرط، فوجد الشرط، وتصرف الوكيل.. قال الشيخ أبو حامد: ليس له أن يتصرف، فإن تصرف.. صح تصرفه ولا يستحق المسمى، وإنما يستحق أجرة المثل؛ لأن التصرف مأذون فيه، وإنما الفساد وقع في الوكالة.
قال ابن الصباغ: وهذا يبعد؛ لأنه لو لم يستبح التصرف.. لم يصح منه. فلما صح منه التصرف، ثبت أنه استباحه بالإذن.
قال الشيخ أبو إسحاق: فإن عقد الوكالة في الحال، وعلق التصرف على شرط، بأن قال: وكلتك أن تبيع عبدي بعد شهر.. صح؛ لأنه لم يعلق الوكالة على شرط. وإنما علق التصرف على شرط.، فلم يمنع صحة التوكيل.

.[مسألة: الوكيل لا يوكل إلا بإذن]

قال الشافعي: (وليس للوكيل أن يوكل إلا أن يجعل ذلك إليه الموكل).
وجملة ذلك: أنه إذا وكله في تصرف، فإن أذن له أن يوكل.. جاز له أن يوكل؛ لأنه قد أذن له في ذلك، ثم ينظر فيه:
فإن قال الموكل: توكل عني.. فهما وكيلان للموكل لا تبطل وكالة أحدهما ببطلان وكالة الآخر.
وإن قال: توكل عني فلانا.. وكله، أمينا كان أو غير أمين؛ لأنه قد قطع اجتهاده بالتعيين، وإن لم يعين له من يوكله.. لم يوكل عنه إلا أمينا؛ لأنه لا نظر للموكل في توكيل غير الأمين.
وإن قال: توكل عن نفسك.. فإن الثاني وكيل الوكيل، فإن عزل الوكيل الأول، أو مات الأول.. انعزل الثاني؛ لأنه فرع له، فإذا بطلت وكالة الأصل.. بطلت وكالة الفرع، فإن عين له من يوكله.. وكله، خائنا كان أو أمينا، وإن أطلق.. لم يوكل إلا أمينا، فإن صار الثاني بعد ذلك خائنا.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق:
أحدهما: للوكيل أن يعزله؛ لأنه لا نظر للموكل في استعمال من ليس بأمين.
والثاني: ليس له أن يعزله؛ لأنه إنما جعل إليه التوكيل، ولم يجعل إليه العزل.
وإن وكله، ولم يأذن له في التوكيل.. نظرت:
فإن كان ما وكل فيه مما يتولاه الوكيل بنفسه في العادة، ويقدر عليه.. لم يصح توكيله فيه؛ لأن الموكل إنما رضي باجتهاده ونظره، دون اجتهاد غيره ونظره.
فإن قيل: أليس الوصي يجوز له أن يوكل وإن لم يأذن له الموصي في التوكيل؟
قلنا: إنما جاز ذلك للوصي؛ لأنه يتصرف بولاية، بدليل: أنه يتصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه، والوكيل لا يتصرف إلا فيما نص له عليه.
وإن وكله في تصرف يتولاه بنفسه، ويقدر عليه، وقال له الموكل: اصنع فيه ما شئت.. فهل له أن يوكل غيره؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أبي حنيفة ـ: أنه يصح توكيله فيه؛ لعموم قوله: أصنع فيه ما شئت.
والثاني ـ وهو المنصوص ـ: (أنه لا يصح توكيله فيه)؛ لأن قوله: اصنع فيه ما شئت، يحتمل على ما شئت من التوكيل، ويحتمل ما شئت من التصرف في المال الذي يقتضيه إذن الموكل، فلا يجوز له التوكيل بأمر محتمل، بدليل: أنه لا يملك أن يهبه لغيره.
وإن كان ما وكل فيه مما لا يتولاه بنفسه، كعمل لا يحسنه، أو عمل يترفع عنه..فله أن يوكل فيه غيره؛ لأن توكيله فيما لا يحسنه أو فيما يترفع عنه إذن له في التوكيل فيه من طريق العرف. هذه طريقة أصحابنا البغداديين. وقال الخراسانيون: إذا وكله فيما لا يتولاه بنفسه.. فهل له أن يوكل غيره؟ فيه وجهان.
وإن وكله في تصرف لا يقدر على جميعه بنفسه.. فله أن يوكل فيما لا يقدر عليه منه؛ لأن ذلك مأذون له في التوكيل فيه من طريق العرف، وهل له أن يوكل في جميعه، أو في شيء مما يقدر عليه بنفسه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه، فجازت في جميعه. كما لو أذن له في التوكيل بلفظه.
والثاني: لا يجوز؛ لأن التوكيل إنما جاز له فيما تدعوه الحاجة إليه، ولا حاجة إلى التوكيل فيما يقدر عليه.

.[فرع: توكيل اثنين والإذن لهما]

وإن وكل وكيلين في تصرف، كالبيع، والإجارة، وما أشبههما.. نظرت:
فإن صرح بأن لكل واحد منهما التصرف على الانفراد.. كان لهما التصرف بالاجتماع والانفراد؛ لأنه قد أذن لهما بذلك.
وإن قال: وكلتكما على الاجتماع، أو وكلتكما في كذا، أو أطلق.. لم يكن لأحدهما أن ينفرد بالتصرف؛ لأنه لم يرض بنظر واحد منهما، فإن غاب، أحدهما أو مات.. لم يكن للحاكم أن يقيم آخر مقام الآخر؛ لأن الموكل لم يرض بنظر غيره، وإن حضر أحد الوكيلين عند الحاكم، والآخر غائب، وادعى الحاضر الوكالة له وللغائب، وأقام على ذلك بينة.. قال ابن الصباغ: سمعها الحاكم، وحكم بثبوت الوكالة لهما، ولم يكن للحاضر أن يتصرف حتى يحضر الغائب، فإذا حضر الغائب.. لم يحتج إلى إعادة البينة؛ لأن الحاكم قد سمعها، فإن قيل: هذا حكم للغائب؟ قلنا: إنما جاز ذلك تبعا لحق الحاضر، كما يجوز أن يحكم في الوقف لأهل البطن الثاني تبعا لأهل البطن الأول.
وإن وكلهما في حفظ ماله، فإن كان مما لا ينقسم.. جعلاه في حرز لهما، وإن كان مما ينقسم.. فهل لهما أن يقسماه؟ فيه وجهان، وقد مضى ذلك في الرهن.
وإن وكل اثنين في طلاق امرأته على الاجتماع.. لم يكن لأحدهما أن ينفرد به.
وقال أبو حنيفة: (لأحدهما أن ينفرد به).
دليلنا: أنه تصرف فوضه إلى اثنين، فلم يكن لأحدهما أن ينفرد به، كالبيع.

.[مسألة: وكله بأن يخاصم ويثبت حقه]

إذا قال: وكلتك أن تخاصم عني وتثبت حقوقي، ولا تقر عني، ولا تصالح ولا تبرئ.. فله أن يخاصم، ويثبت الحقوق، ولا يملك الإقرار عنه، ولا الصلح، ولا الإبراء بلا خلاف؛ لأنه قد نهاه عن ذلك.
وإن قال: وكلتك في الخصومة، وتثبيت الحقوق..فلا يملك الإبراء، ولا الصلح، ولا الإقرار عن موكله عندنا، وبه قال مالك، وابن أبي ليلى، وزفر.
وقال أبو حنيفة، ومحمد: (إذا أقر الوكيل أن الموكل قد قبض الحق الذي وكله فيه في مجلس الحكم.. قبل إقراره عليه، وإن أقر عليه في غير مجلس الحكم.. لم يقبل إقراره عليه). وقال أبو يوسف: يقبل إقراره عليه في مجلس الحكم وفي غيره.
دليلنا: أن التوكيل في الخصومة يقتضي إثبات الحق، والإقرار بقبضه يقتضي إسقاطه، وهو ضد الإثبات، ومن وكل في شيء.. لم يصر وكيلا في ضده، ألا ترى أنه لو وكله في النكاح.. لم يملك الطلاق؟ ولأنه إقرار على موكله، فلم يقبل، كما لو أقر عليه في غير مجلس الحكم، أو نقول: معنى يقطع الخصومة، فلم يملكه الوكيل بمطلق الوكالة بالخصومة، كالإقرار، والصلح.

.[فرع: الموكل بإثبات الحق لا ينقبض]

وإن وكل رجلا في تثبيت حقه على غيره، فثبته.. لم يكن له قبض الحق؛ لأن الوكالة بالتثبيت لا تقتضي القبض، وإن وكله في قبض حق له من غيره، فجحده من عليه الحق.. فهل للوكيل أن يثبته، ويقيم عليه البينة، ويستحلف المدعى عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: له ذلك، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن تثبيت الحق طريق إلى القبض ومن أسبابه، فاستفاده بالإذن بالقبض.
والثاني: ليس له ذلك، وبه قال أبو يوسف، ومحمد، وروي أيضا عن أبي حنيفة؛ لأن الإذن بالقبض ليس بإذن الخصومة؛ لأنه قد يكون أمينا في القبض، ولا يحسن الخصومة.
وإن وكله في قبض عين له من رجل، فجحدها من هي في يده.. قال ابن الصباغ: فالذي يقتضي المذهب: أن الوكيل هل يملك الخصومة فيها؟ على الوجهين.
وقال أبو حنيفة: (لا يملك؛ لأنه وكيل في النقل لا في الإثبات، كنقل الزوجة).
ووجه ما قلناه: أن القبض في العين كالقبض في الدين، فإذا جاز له الخصومة في الدين بالوكالة بالقبض، فكذلك بالعين، ويخالف نقل الزوجة، فإن ذلك ليس بقبض، وإن وكله ببيع داره، أو بقسمة نصيب منه، أو طلب الشفعة، فجحد من هو في يده.. فقد قال بعض أصحابنا: إنه لا يملك تثبيتها. قال ابن الصباغ: وعندي أنها على الوجهين في الدين.

.[فرع: الموكل في البيع يسلم المباع]

وإن وكل رجلا في بيع سلعة.. كان للوكيل تسليمها؛ لأن التوكيل في البيع يقتضي التسليم، ولا يملك الوكيل الإبراء من الثمن؛ لأن ذلك لا تقتضيه الوكالة، فإن أبرأ الوكيل المشتري من الثمن.. لم يصح إبراؤه.
وقال أبو حنيفة: (يصح إبراؤه، ويضمنه للموكل).
دليلنا: أن الوكالة بالبيع توكيل في إثبات الثمن، والبراءة إسقاط له، فلم تصح، كما لو وكله في قبض دينه.. فإنه لا يصح إبراؤه منه، وهل يملك الوكيل في البيع قبض الثمن؟ فيه وجهان:
أحدهما: ليس له قبض الثمن؛ لأنه قد يرضاه للبيع، ولا يرضاه للقبض.
والثاني: له ذلك؛ لأن موجب البيع قبض الثمن وتسليم المبيع.
فإذا قلنا بهذا: لم يكن له أن يسلم المبيع إلا بعد أن يقبض الثمن فإن سلمه، ولم يقبض الثمن.. ضمنه إذا كان الثمن حالا، فإن قلنا: ليس له قبض الثمن.. كان له تسليم المبيع من غير أن يقبض الثمن، ولا يضمن الثمن بإعسار المشتري.
قال ابن الصباغ: وكذلك إذا وكله بالشراء.. فإنه يسلم الثمن، وهل يتسلم المبيع؟ على الوجهين.
قال: إلا أن أصح الوجهين: أنه إذا اقتضت الوكالة التسليم.. اقتضت التسلم.
وإن وكله بالبيع وقبض الثمن، أو قلنا: له أن يقبض الثمن بمقتضى الوكالة في البيع.. فللوكيل والموكل أن يطالبا المشتري بالثمن، وأيهما قبض الثمن.. صح قبضه وبرئ منه المشتري.
وقال أبو حنيفة: (ليس للموكل المطالبة بالثمن).
دليلنا: أن الموكل يصح قبضه للثمن، فجازت مطالبته به كسائر ديونه التي لم يوكل غيره بها.

.[فرع: وكله في شراء فيمتلك الخصومة]

وإن وكله في شراء عبد بثمن، فاشتراه، وسلم الثمن، ثم استحق العبد.. فهل يملك الوكيل الخصومة في درك الثمن؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يملك ذلك؛ لأنه قد يرضاه للشراء، ولا يرضاه للخصومة.
والثاني: له ذلك لأنه؛ من أحكام العقد.

.[مسألة: وكله في شيء معين]

وإن وكله في بيع عبده يوم الجمعة.. لم يملك الوكيل بيعه يوم الخميس، ولا يوم السبت؛ لأن إذنه في البيع يوم الجمعة لا يتناول ما قبله ولا ما بعده، وهكذا إذا وكله في إعتاق عبده بيوم مخصوص.. لم يجز له إعتاقه قبل ذلك اليوم ولا بعده.
وقال أبو حنيفة: (يصح إعتاقه بعده).
ودليلنا: أن التوكيل مؤقت في إعتاقه، فلم يجز تغييره، كما لو أعتقه قبل الوقت المعين له، وحكى ابن الصباغ: أن الداركي قال: إذا وكله في طلاق امرأته يوم الجمعة، فطلقها يوم الخميس.. لم يقع طلاقه، ولو طلقها يوم السبت.. وقع طلاقه؛ لأنه إذا طلقها يوم الجمعة تكون مطلقة يوم السبت، بخلاف الخميس، وإن وكله في بيع سلعة بسوق معين، فباعها الوكيل في غيره، فإن كان الثمن في السوق المعين أكثر، أو النقد فيه أجود.. لم يصح البيع؛ لأن ذلك غير مأذون فيهن وإن كان الثمن فيهما واحدا، والنقد واحدا.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه لما نص له عليه دل على غرض قصده من يمين وغيرها، فلم يجز مخالفته.
والثاني ـ وهو المشهور ـ: أنه يصح؛ لأن المقصود فيهما واحد.
وإن وكله في البيع من زيد، فباع من عمرو.. لم يصح؛ لأنه قصد تخصيصه بالملك بخلاف السوق، فإن المقصود منه الثمن، وذلك يحصل من المعين وغيره.
قال المسعودي [في "الإبانة" ق 290] ولو وكله أن يزوج ابنته من زيد فزوجها من وكيل زيد.. صح النكاح، ولو وكله أن يبيع عبده من زيد فباعه من وكيل زيد.. لم يصح البيع، والفرق بينهما: أن النكاح لا يقبل نقل الملك، والشراء يقبل نقل الملك، ولهذا يقول وكيل النكاح: زوج موكلي، ولا يقول زوجني لموكلي، وفي البيع يصح أن يقول: بعني لموكلي.

.[فرع: وكل من يقبض الدين]

وإن وكل رجلا ليقبض له دينه، فمات من عليه الدين.. فهل للوكيل أن يقبض من وارثه؟ نظرت:
فإن قال الموكل: وكلتك تقبض حقي من فلان، أو خذ مالي من فلان.. لم يكن له أن يقبض من وارثه؛ لأنه قد لا يرضى أن يكون ماله عنده، ويرضى أن يكون عند وارثه، فلا يكون التوكيل في القبض منه إذنا في التوكيل بالقبض من وارثه.
وإن قال: وكلتك في قبض حقي على فلان.. كان له القبض من وارثه؛ لأنه قصد أخذ ماله، وذلك يتناول الأخذ منه ومن وارثه.
وإن وكل رجلا في قبض دينه من فلان، فوكل من عليه الدين رجلا بتسليم ما عليه.. كان للوكيل القبض منه؛ لأن دفعه بإذنه بمنزلة دفعه.

.[مسألة: الوكالة بالبيع إلى أجل معين]

إذا قال: وكلتك ببيع عبدي بثمن إلى العطاء، أو إلى الحصاد.. فهذه وكالة فاسدة فإن باعه الوكيل كما أمر.. لم يصح؛ لأن الشرع لم يأذن فيه، وإن باعه بيعا صحيحا.. لم يصح البيع، وبه قال أبو يوسف. وقال أبو حنيفة (يصح).
دليلنا: أنه توكيل في عقد فاسد، فلم يملك به العقد الصحيح، كما لو وكله بالبيع بخمر أو خنزير، فباعه بدراهم.. فإنه لا يصح، وقد وافق أبو حنيفة على هذا.