فصل: (فرع: غصب ثوباً وصبغه بصبغ مغصوب)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: غصب ثوباً وصبغه بصبغ مغصوب]

وإن غصب من رجل ثوباً، ومن آخر صبغاً، وصبغ به الثوب.. نظرت:
فإن كانت القيمتان بحالهما.. كان شريكين في ذلك.
قال ابن الصباغ: وينبغي أن يكون إذا قلنا: إن الصبغ إذا كان للغاصب، أجبرناه على قلعه.. أن يكون هاهنا لصاحب الثوب قلعه، وما ينقص يكون على الغاصب.
وإن كانت القيمة قد زادت.. كانت الزيادة بينهما، وإن نقصت، فإن كان لنقصان سعر الثياب.. كانت على صاحب الثوب، وإن كان للعمل.. كانت من صاحب الصبغ، ويرجع على الغاصب بها؛ لأن الصبغ يتبدد، والثوب بحاله.

.[مسألة: غصب خشبة وبنى عليها]

إذا غصب ساجة، أو خشبة، فبنى عليها، فإن عفنت الساجة، أو الخشبة.. لم يلزمه ردها؛ لأنها صارت كالمستهلكة، ويرد قيمتها؛ لأنه لما تعذر ردها.. وجبت عليه قيمتها، كما لو أتلفها، وإن كانت باقية.. لزم الغاصب قلعها وردها على مالكها، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه ردها إذا كانت مغيبة في البناء).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه»، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يأخذ أحدكم مال أخيه جاداً، ولا لاعباً، ومن أخذ عصا أخيه.. فليردها». فنص على العصا؛ لينبه بها على ما سواها.
ولأنها عين مغصوبة يمكن ردها، فوجب ردها، كما لو لم يبن عليها.

.[فرع: غصب خيطاً وخاط به]

وإن غصب منه خيطاً، فخاط به.. نظرت:
فإن بلي الخيط.. لم يلزمه رده؛ لأنه صار كالمستهلك، وتجب قيمته.
وإن كان باقياً.. نظرت:
فإن كان قد خاط به الثوب.. فتقت الخياطة، ورد عليه الخيط؛ لأنه عين مال المغصوب منه، فإن كان قد نقص.. لزمه أرش النقص.
وإن خاط به جرح حيوان، فإن كان لا حرمة له، كالكلب العقور والخنزير والمرتد.. نزع الخيط وإن خيف على الحيوان الهلاك؛ لأن أكثر ما في نزعه تلف الحيوان، وقد ورد الشرع بإتلافه، وإن كان الحيوان له حرمة.. نظرت:
فإن كان لا يؤكل لحمه، كالعبيد، والبغال، والحمير، فإن كان يخاف عليه التلف بقلع الخيط.. لم يقلع؛ لأن للحيوان حرمتين: حرمة لمالكه، وحرمة لله تعالى، ولهذا لو احتاج إلى أخذ هذا الخيط ليخيط به جرحه، أو جرح حيوان له من بغل أو حمار، ولم يكن في ملكه.. كان له أخذه بغير إذن مالكه، فإذا خاط به.. لم يلزمه نزعه، ويجب عليه قيمته. وإن كان يخاف من نزع الخيط الزيادة في العلة، وإبطاء البرء، وحدوث الشين.. فهل هو كخوف التلف؟ فيه وجهان، بناء على القولين في الجريح إذا خاف ذلك من استعمال الماء.
وإن كان لا يخاف من نزع الخيط التلف، ولا إبطاء البرء.. وجب نزع الخيط؛ لأنه مقدور على رده من غير ضرر.
وإن كان قد خاط به جرح حيوان يؤكل لحمه، فإن لم يخف التلف من نزعه.. وجب نزعه، وإن كان يخاف التلف من نزعه.. ففيه قولان:
أحدهما: يجب نزعه؛ لأنه يجوز ذبحه.
والثاني: لا يجوز؛ لأن له حرمة بنفسه، وقد: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذبح الحيوان لغير مأكلة».
فإن مات الحيوان الذي خيف من نزع الخيط منه التلف.. فهل يقلع؟
قال المسعودي [في (الإبانة) ق\313] إن كان غير الآدمي.. قلع، وإن كان آدمياً.. ففيه وجهان.

.[مسألة: غصب لوحاً وأدخله سفينة]

وإن غصب لوحاً، وأدخله في سفينة، فإن كانت السفينة في الجفاف، أو في موضع من البحر بقرب الشط.. قدمت إلى الشط، وقلع اللوح، ورد على صاحبه؛ لأنه يمكن رده على مالكه بغير ضرورة. وإن كانت السفينة في لجة البحر.. نظرت:
فإن كان اللوح في أعلى السفينة بحيث لا يخاف الغرق في قلعه.. وجب قلعه.
وإن كان في أسفلها بحيث إذا قلع خيف الغرق.. نظرت:
فإن كان في السفينة حيوان له حرمة: آدمي، أو غير آدمي.. لم يجز قلعه، سواء كان للغاصب أو لغيره؛ لأن الحيوان إن كان لغير الغاصب.. فله حرمتان: حرمة لمالكه، وحرمة لله تعالى، وإن كان الحيوان للغاصب.. فله حرمة لله تعالى، فلا يجوز هتكها.
وإن كان فيها مال غير الحيوان، فإن كان لغير الغاصب.. لم يجز قلعه لحرمة مالكه، وإن لم يكن فيها إلا مال الغاصب، أو لم يكن فيها مال، إلا أنه يخاف على السفينة أن تغرق إذا قلع اللوح.. فهل يقلع؟ فيه وجهان:
أحدهما: يقلع، كما يقلع البناء لرد الساجة، والخشبة.
والثاني: لا يقلع، وهو الأصح؛ لأنه يمكن رده مع سلامة مال الغاصب، وهو إذا دخلت الشط، بخلاف الساجة والبناء.
وكل موضع قلنا: لا يجب قلعه.. فللمالك أن يطالب بقيمة اللوح إلى أن يأخذ لوحه، كما قلنا فيمن غصب عبداً، وأبق منه فإذا قلع اللوح، وسلم إلى مالكه.. رد ما أخذه من قيمته.
وإن اختلطت السفينة التي فيها اللوح بسفن للغاصب، ولم تتميز.. ففيه وجهان، حكاهما في (المهذب):
أحدهما: يقلع جميع السفن، كما يقلع جميع السفينة.
والثاني: لا يقلع؛ لأنه إتلاف ما لم يتعين فيه التعدي.

.[مسألة: غصب جوهرة فابتلعتها بهيمته]

إذا غصب جوهرة، فابتلعتها بهيمة له، فإن كانت بهيمة لا تؤكل.. لم يجز شق بطنها لإخراج الجوهرة؛ لأن قتلها لا يجوز، ويلزم الغاصب قيمة الجوهرة، فإن خرجت الجوهرة من البهيمة.. وجب ردها إلى مالكها، وأرش نقصها إن نقصت بالابتلاع، ووجب على المغصوب منه رد ما أخذ من القيمة، وإن كانت لمثلها أجرة.. فهل تجب أجرتها له من حين أخذ القيمة إلى أن رجعت إليه الجوهرة؟ فيه وجهان، كما قلنا فيمن غصب عبداً، فأبق منه.
وإن كانت البهيمة مأكولة.. فهل يجب ذبحها، ورد الجوهرة؟ فيه وجهان، بناء على القولين في الخيط إذا خيط به جرح حيوان مأكول اللحم وخيف من نزعه تلف الحيوان.

.[فرع: إتلاف بهيمته مال غيره]

وإن كانت له بهيمة، فأتلفت مالاً لغيره، فإن لم تكن يد صاحبها عليها.. لم يجب على مالكها الضمان؛ لأن مالك البهيمة لا يلزمه حفظها نهاراً، فلا يلزمه ضمان ما أتلفته، وإن أتلفت شيئاً وهي تحت يد إما سائقها، أو قائدها، أو راكبها.. لزمه ضمان ما أتلفت؛ لأنها إذا كانت تحت يده.. كانت جنايتها كجنايته، فإن أتلفته بيدها، أو رجلها، أو نابها.. ضمنه بمثله إن كان له مثل، أو بقيمته إن لم يكن له مثل، وإن ابتلعته، فإن كان مما يتلف بالابتلاع، كالطعام.. كان كما لو أتلفته بيدها، أو رجلها، وإن كان مما لا يتلف بالابتلاع، كالجواهر، واللؤلؤ.. فهو كما لو غصب جوهرة، وابتلعتها بهيمة على ما مضى.

.[فرع: ابتاع شاة فأكلت ثمنها]

فأما إذا ابتاع شاة بثمن، فأكلت الشاة ثمنها.. لم يخل: إما أن يكون الثمن معيناً، أو غير معين.
فإن كان معيناً.. نظرت:
فإن أكلته قبل أن يقبضه البائع.. بطل البيع؛ لأن الثمن المعين إذا تلف قبل القبض.. بطل البيع، فإن كانت يد المبتاع على الشاة حين أكلت ذلك، أو لا يد لأحد عليها.. لم يرجع المبتاع ببدل ثمنه على أحد، وإن كانت يد البائع على البهيمة.. لزمه ضمان ذلك للمبتاع، فإن كان مما يتلف بالابتلاع.. ضمنه بمثله إن كان له مثل، أو بقيمته إن لم يكن له مثل، وإن كان مما لا يتلف بالابتلاع، كالدراهم، والدنانير، فإن كانت البهيمة غير مأكولة اللحم.. لم يجز شق بطنها، بل يجب عليه ضمانه، وإن كانت مأكولة اللحم.. فهل يجب ذبحها لإخراجه؟ على القولين.
وإن كان ذلك بعد قبض الثمن.. لم يبطل البيع، بل يكون الثمن على ملك البائع، والبهيمة على ملك المشتري، فإن كانت يد البائع على البهيمة حين أكلت ذلك، أو لا يد لأحد عليها.. فلا شيء له، وإن كانت يد المشتري عليها حين الأكل.. وجب عليه ضمان الثمن، والكلام في الضمان على ما مضى.
وإن كان الثمن غير معين، بأن اشتراها بثمن في ذمته، ثم عزل المشتري مثل الثمن من ماله ليسلمه إلى البائع، فأكلته البهيمة.. فإن البيع لا يبطل بذلك، ويكون الثمن تالفاً على ملك المشتري، فإن كانت البهيمة في يد المشتري، حين الأكل، أو لا يد لأحد عليها.. فلا يرجع على أحد، وإن كانت يد البائع على البهيمة.. وجب عليه ضمانه؛ لأن من يده على بهيمة.. يجب عليه ضمان ما أتلفته وإن لم تكن ملكاً له، كمن استعار بهيمة، أو غصبها، أو استأجرها.

.[فرع: إدخال البهيمة رأسها في قدر وتعسر إخراجه]

وإن أدخلت بهيمة رأسها في قدر باقلائي، ولم يمكن إخراج رأسها إلا بكسر القدر، أو بذبح البهيمة، فإن كانت يد صاحب البهيمة عليها حين أدخلت رأسها.. لزمه الضمان؛ لأنه كان يلزمه حفظها.
فعلى هذا: إن كانت البهيمة غير مأكولة اللحم.. كسر القدر، ولزمه ما نقص من قيمته؛ لأنه كسر لتخليص ملكه، وإن كانت مأكولة اللحم.. فهل يكسر القدر، أو تذبح البهيمة؟ فيه وجهان، بناء على القولين في البهيمة المأكولة إذا خيط جرحها بخيط مغصوب.
وإن لم تكن يد صاحبها عليها.. نظرت:
فإن فرط صاحب القدر، بأن ترك قدره على الطريق، فجاءت البهيمة، ولا يد لأحد عليها، فأدخلت رأسها فيه.. لم يكن على مالك البهيمة الضمان؛ لأن مالك القدر فرط.
فعلى هذا: يكسر القدر، ويخرج رأس البهيمة، ولا شيء على مالك البهيمة.
وإن لم يفرط صاحب القدر، بأن كان القدر محرزاً في دكانه، أو داره، فجاءت البهيمة، فأدخلت رأسها فيه.. كسر القدر لإخراج رأس البهيمة، ووجب على مالك البهيمة ما نقص من قيمته؛ لأن ذلك فعل لتخليص ملكه.

.[فرع: أدخل فصيلاً غصبه إلى داره فكبر]

إذا غصب من رجل فصيلاً، وأدخله الغاصب إلى داره، فكبر، ولم يمكن إخراجه إلا بهدم الباب.. هدم الباب، وأخرج الفصيل، ولا شيء على مالك الفصيل؛ لأن التفريط حصل من الغاصب.
وإن أدخله صاحب الفصيل إلى دار غيره، أو انفلت الفصيل بنفسه، ودخل الدار.. نقض الباب، وأخرج الفصيل، ووجب على مالك الفصيل ما يلزم على إصلاحه من المؤنة؛ لأن ذلك حصل لتخليص ملكه، وكذلك لو اشترى من رجل داراً، وله فيها مال لا يمكن إخراجه إلا بنقض الباب، كالصندوق الكبير، والحب الكبير.. هدم الباب لإخراج ذلك، ووجب على البائع إصلاح الباب كما كان؛ لأن الهدم حصل لتخليص ملكه.

.[فرع: طرح ديناراً غصبه في محبرته]

وإن غصب من رجل ديناراً، وطرحه الغاصب في محبرته، ولم يمكن إخراجه إلا بكسر المحبرة.. كسرت المحبرة، ورد الدينار، ولا يجب ضمان المحبرة؛ لأن التفريط جاء من مالكها.
إن طرح مالك الدينار ديناره في محبرة غيره، أو وقع الدينار فيها من طاق، أو غيره بغير تفريط من أحدهما.. كسرت المحبرة، وأخرج الدينار، ووجب على مالك الدينار ما نقصت بالكسر؛ لأنها كسرت لتخليص ملكه. وإن رضي مالك الدينار بترك ديناره فيها.. فلا كلام. قال ابن الصباغ: وينبغي إذا ضمن صاحب المحبرة بدل الدينار إذا لم يغصب الدينار.. أن لا يجب كسر محبرته؛ لأنه قد زال الضرر عن مالك الدينار، وصاحب المحبرة غير مفرط في ذلك.

.[فرع: أسند خشبه على جدار فسقط]

قال ابن القاص: لو أن رجلاً كان يحمل خشباً، فاستراح إلى جدار، فأسنده، فوقع على إنسان، أو شيء، فأتلفه، فإن كان الجدار لغيره، فأسنده إليه بغير إذنه.. ضمن الجدار وما يسقط عليه، وإن كان الجدار له، فإن سقط في حال وضعه.. ضمن ما يسقط عليه، وإن لم يسقط في الحال، وإنما سقط بعد ساعة.. فلا ضمان عليه.
قال أصحابنا: هذا صحيح، إذا كان الجدار لغيره فأسند إليه بغير إذنه.. فيجب عليه ضمان ما وقع عليه، سواء وقع في الحال أو بعد ساعة؛ لأنه متعد بذلك، وإن كان الجدار له، وسقط في الحال.. ضمن ما وقع عليه، كما لو رمى حجراً، فأتلف بها إنساناً، أو مالاً لغيره، وإن وقف، ثم سقط.. فلا يضمن ما سقط عليه؛ لأنه غير متعد، كما لو حفر في ملكه بئراً، فوقع فيها إنسان.
قال أبو علي السنجي: إلا إن مال الجدار إلى هواء الشارع بوضع الخشب، فوقف مائلاً، ثم سقط على إنسان، أو مال.. فيجب عليه ضمانه؛ لأنه إذا مال إلى هواء الشارع.. لزمه إزالته عن هواء الشارع، فإذا لم يفعل.. صار متعدياً، فضمن ما وقع عليه.

.[فرع: احتكت راحلته بجدار فسقط]

وحفر بئر في الحرمقال الطبري: فإن كان رجل يحمل حطباً على حمار، فاحتك الحمار بجدار رجل، فأسقطه.. كان على سائق الحمار الضمان؛ لأن عليه أن يحفظه من إتلاف مال الغير.
وهكذا: لو تعلقت خشبة منه بثوب رجل على الطريق، فخرقته، فإن كان صاحب الثوب لما تعلقت به الخشبة وقف، ولم يجذب ثوبه.. وجب الضمان على سائق الحمار؛ لأن التلف حصل منه، وإن لم يقف صاحب الثوب، بل مشى، وجبذ ثوبه، فانخرق الثوب بمشيه، وبمشي الحمار.. وجب على سائق الحمار ضمان نصف الأرش، وسقط النصف؛ لأنه انخرق بفعلهما.
قال ابن القاص: إذا حفر في ملكه بئراً في الحرم، فهلك بها إنسان.. لم يضمنه، وإن هلك بها صيد.. فحكى الربيع عن الشافعي: (أنه يضمنه).
واختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من سلم له ذلك؛ لأن حرمة الحرم باقية في ملكه، فجاز له التصرف فيه بشرط السلامة، كما لو نصب شبكة، أو رمى سهماً في ملكه في الحرم، فقتل به صيداً.. فإنه يجب عليه ضمانه.
ومنهم من قال: لا يضمن الصيد؛ لأن كل ما لا يضمن به الآدمي ومال الغير.. لم يضمن به الصيد، كما لو حفر بئراً في ملكه في غير الحرم. وأولوا نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على: أنه اضطر الصيد إلى الوقوع في البئر.
قال الشيخ أبو زيد: ولعله أجاب على قول من يقول: الحرم لا يملك، فكأنه حفر في أرض غيره.

.[فرع: دخل داراً بغير إذن مالكها فإنه يضمن ما فيها]

قال ابن الصباغ: إذا دخل دار غيره بغير إذنه، فإن كان صاحبها فيها.. لم يضمنها؛ لأن يد صاحبها عليها، فلم تثبت يد الدخل عليها، وإن كان صاحبها ليس هو فيها.. ضمنها، وكذلك: إذا دخل داراً يظنها داره، وهي لغيره، ولم يكن صاحبها فيها.. ضمنها؛ لأن يده تثبت عليها.
وإن غصب داراً، وفيها أمتعة.. فهل يكون غاصباً للأمتعة قبل نقلها؟ فيه وجهان، حكاهما أبو المحاسن:
أحدهما: أنه لا يكون غاصباً لها؛ لأن ما ينقل لا يضمن إلا بالنقل.
والثاني: يكون غاصباً لها تبعاً للدار.
وإن رأى دابة واقفة، وليس معها صاحبها، فركبها، ولم تمش به.. قال القاضي أبو الطيب في (المجرد): لا أعرف فيها شيئاً لأصحابنا، وعندي: أنه لا يضمنها؛ لأنا نعتبر الغصب بالقبض في العقود، ولا يصير قابضاً للدابة حتى ينقلها، فإذا نقلها من موضعها.. ضمنها.

.[فرع: غصب فحلاً وأنزاه على بهائمه]

وإن غصب من رجل فحلاً، فأنزاه على بهائمه، فنتجت.. فإن الأولاد تكون ملكاً للغاصب؛ لأن الولد يتبع الأم في الملك، كما نقول فيمن زوج أمته، فأولدت، ويلزمه أن يرد الفحل، فإن نقص منه شيء بالإنزاء.. لزمه ضمانه؛ لأنه نقص بعدوانه، وأما الأجرة: فإن قلنا: يجوز استئجار الفحل للضراب.. لزمه أجرته، وإن قلنا: لا يجوز، وهو الصحيح.. لم يلزمه.
وإن غصب غنماً إناثاً، فأنزى عليها فحله، فنتجت.. فإن الولد يكون ملكاً للمغصوب منه؛ لأن الولد تابع للأم في الملك، فإن نقصت قيمتها بالولادة.. لزمه ضمان ذلك، فإن أخذ منها لبناً، أو صوفاً.. قال الشافعي: (ضمن اللبن بمثله، والصوف بمثله إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل.. رد قيمته). فقال ابن الصباغ: الصوف له مثل. وقال الشيخ أبو حامد: إن كان للصوف نوع معلوم.. ضمنه بمثله إن كان له مثل، وإن لم يكن له نوع، ولا مثل له.. فيضمنه بقيمته. قال: والصحيح: أنه لا مثل له.

.[مسألة: غصب جارية فوطئها]

وإن غصب من رجل جارية، فوطئها، فلا يخلو: إما أن يكون الغاصب والجارية جاهلين بالتحريم، أو عالمين بالتحريم، أو أحدهما عالم والآخر جاهل.
فإن كانا جاهلين بتحريم الوطء، بأن يكونا قريبي العهد بالإسلام، أو متربيين ببادية بعيدة من المسلمين.. لم يجب عليهما الحد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا الحدود بالشبهات».
ويجب على الغاصب مهر المثل؛ لأنه وطء سقط فيه الحد عن الموطوءة، فوجب به المهر، كوطء الشبهة، فإن كانت بكراً.. وجب عليه مع المهر أرش الافتضاض؛ لأنه بدل جزء منها، فلزمه ضمانه، وإن حبلت من هذا الوطء.. كان الولد حراً؛ لأنه ولد عن وطء شبهة، ويجب على الغاصب قيمته يوم الولادة؛ لأنه حالت الحيلولة بينه، وبين سيد الأمة، ولأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك، فإن خرج هذا الولد ميتاً.. لم يجب على الغاصب قيمته؛ لأنه لم يعلم حياته قبل ذلك، ولأن القيمة إنما وجبت؛ لأنه حال بين الولد وسيد الأمة، ولا حيلولة هاهنا، فإن ضرب أجنبي بطن هذه الجارية، فألقت ولداً ميتاً.. وجب عليه غرة عبد أو أمة؛ لأنه جنين حر؛ لأن الظاهر أنه مات من الضرب، وتكون هذه الغرة مقدرة بنصف عشر دية أبيه.
قال الشيخ أبو حامد: يجب لولي الأمة عشر قيمة الأمة؛ لأن هذا الجنين لو كان مملوكاً.. كان مضموناً بعشر قيمة أمه.
فعلى هذا: ينظر في الغرة التي أخذت من الجاني، فإن كانت مثل عشر قيمة الأمة.. أخذها مالك الأمة، وقد استوفى حقه، وإن كان عشر قيمة الأم أقل من الغرة.. أخذ السيد منها عشر قيمة الأمة، والباقي منها للأب، وهو الغاصب، وإن كان عشر قيمة الأمة أكثر من الغرة.. كان على الغاصب تمام عشر قيمة الأمة؛ لأنه هو الذي أتلفه على السيد باعتقاده.
وقال المسعودي [في (الإبانة) ق\ 312]، والطبري في (العدة): يجب للسيد على الغاصب أكثر الأمرين من الغرة أو عشر قيمة الأمة؛ لأنه بدل الجنين.
وإن ضربها الغاصب، فألقت الجنين من ضربه.. فعلى ما قال الشيخ أبو حامد: يجب عليه لمالك الجارية عشر قيمة الأمة، وعلى قياس ما قاله المسعودي: يجب عليه أكثر الأمرين من عشر قيمة الأمة أو نصف عشر ديته.
وأما إذا كانا عالمين بالتحريم، ولم يكرهها على الوطء. فهما زانيان، فيجب عليهما الحد، والمنصوص: (أنه لا مهر لها)، ومن أصحابنا من قال: يجب المهر؛ لأنه حق للسيد، فلا يسقط ببذل الأمة. والأول أصح؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن مهر البغي»، وهي الزانية.
وإن كانت بكراً.. وجب عليه أرش البكارة ونقصان الولادة، لأنها نقصت بسبب منه، فإن حبلت.. كان الولد مملوكاً، ولا يلحقه نسبه، فإن خرج حياً.. أخذه السيد، وإن خرج ميتاً.. فنقل المزني: (أنه يجب عليه قيمته).
وقال أبو إسحاق: لا يجب عليه شيء، كما لو كان حراً، وانفصل ميتاً. وتأول ما نقله المزني على: أنه خرج حياً، ثم مات.
ومن أصحابنا من قال: يجب عليه قيمته؛ لأنه مملوك، وقد ثبتت يد الغاصب عليه بثبوتها على الأم، ويفارق إذا كان حراً؛ لأن الحر لا تثبت عليه اليد.
وإن ضرب ضارب بطنها، فألقته ميتاً.. وجب عليه عشر قيمة أمه، وللسيد أن يرجع بها على من شاء من الضارب، أو الغاصب، فإن رجع بها على الغاصب... رجع بها الغاصب على الضارب؛ لأن الضمان استقر عليه، وإن رجع بها على الضارب.. لم يرجع بها الضارب على الغاصب.
وإن كان الغاصب جاهلاً، والأمة عالمة بتحريم الوطء.. وجب الحد عليها دونه، وكان الولد حراً، ولحقه نسبه، وهل يجب المهر؟ إن أكرهها.. وجب، وإن لم يكرهها.. فعلى الوجهين، الصحيح: لا يجب.
وإن كان الغاصب عالماً بالتحريم، وهي جاهلة.. وجب عليه الحد دونها، ووجب عليه المهر، وكان الولد مملوكاً.
وإن ردها الغاصب وهي حامل، فماتت في يد سيدها من الحمل.. ففيه وجهان، حكاهما الطبري:
أحدهما: يجب عليه قيمتها؛ لأنها ماتت بسبب منه.
والثاني: لا يجب؛ لأنها ماتت بمرض حادث، وهو الطلق، فهو كما لو غصبها حبلى، وردها حبلى.
وإن كانت في يد رجل جارية، فأولدها، فجاء آخر، وادعاها، وأقام عليها بينة. قضي له بها، وكان عليه ردها، وأجرة مثلها، وأرش نقصانها بالولادة، ولا يلزمه الحد.
قال الطبري: ولا يكون الولد رقيقاً، ولكن يلزم الواطئ المهر وقيمة الولد؛ لأن البينة توجب أن تكون اليد عليها للمدعي، ولا يمنع أن يكون الملك عليها للمدعى عليه في الباطن، فلم يحكم برق الولد بالشك.