فصل: (فرع: خلف حملاً ومالاً وشقصاً لوصي فيستحق الشفعة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: خلف حملاً ومالاً وشقصاً لوصي فيستحق الشفعة]

وإن مات رجل، وخلف مالاً وحملاً، وأوصى إلى رجل بالنظر في ماله، والقيام في الحمل، وله شقص، فباع شريكه.. قال أبو العباس ابن سريج: لم يكن للوصي أن يأخذ بالشفعة للحمل؛ لأن الحمل قد لا يكون، فلا يستحق الأخذ له، وقد يكون موجوداً إلا أنه يجوز أن يكون رجلاً، فيستحق أخذ الجميع، وقد يكون أنثى، فلا تستحق له أخذ الجميع، فلم يجز الأخذ لمن يشك في استحقاقه.

.[مسألة: ضمان الشفيع عهدة الشقص]

إذا باع شقصاً، فضمن الشفيع للمشتري عهدة الشقص، أو ضمن للبائع الثمن على المشتري، أو شرط البائع أو المشتري الخيار للشفيع، وقلنا: يصح، فاختار إمضاء البيع.. فإن له الأخذ بالشفعة.
وقال محمد بن الحسن، وأهل العراق: لا شفعة له؛ لأن البيع تم به.
ودليلنا: أن أكثر ما فيه أن الشفيع رضي بالبيع، وذلك لا يسقط حقه من الشفعة، كما لو قال الشفيع للمشتري: رضيت أن تشتري ولا آخذ منك بالشفعة.

.[فرع: توكيل رجل الشفيع في البيع]

وإن كانت الدار بين رجلين، فوكل رجل أحد الشريكين أن يبتاع له نصيب شريكه، فابتاعه له.. فله أن يأخذ ما ابتاع لموكله بالشفعة.
وقال محمد بن الحسن، وأهل العراق: ليس له أخذه بالشفعة.
دليلنا: أنه لم يوجد منه أكثر من الرضا بالشراء، وذلك لا يسقط الشفعة.
وإن وكل أحد الشريكين صاحبه ليبيع له نصيبه، فباعه.. فهل للبائع أن يأخذ بالشفعة؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو العباس: له أخذه، ولا تبطل شفعته؛ لأنه تولى أحد طرفي العقد، فلم تبطل شفعته، كما لو توكل بالشراء.
والثاني: قال ابن الحداد: تبطل شفعته؛ لأن التهمة تلحقه في إرخاص الشقص، أو ترك أخذ الزيادة على ثمن المثل ليتملكه.
وإن كانت الدار بينهما نصفين، فقال أحدهما لصاحبه: وكلتك أن تبيع نصف نصيبي من الدار، وقال: إن أردت أن تبيع نصف نصيبك معه.. فافعل، فباع الوكيل نصف الدار، ربعها عن نفسه، وربعها عن موكله بثمن معلوم.. صح البيع؛ لأن ما يقابل نصيب كل واحد منهما من الثمن معلوم، وللموكل أن يأخذ نصيب الوكيل بالشفعة؛ لأنه لم يوجد منه أكثر من الرضا ببيعه، وذلك لا يسقط حقه من الشفعة، وليس له أن يأخذ ما بيع عليه؛ لأن الإنسان لا يأخذ بالشفعة ما بيع عليه، وهل للوكيل أن يأخذ بالشفعة الربع الذي باعه عن موكله؟ على وجهين كالأولى:
أحدهما: له ذلك؛ لأنه يأخذ ذلك من المشتري لا من نفسه.
والثاني: ليس له ذلك، وهو الصحيح؛ لأنه متهم في إرخاصه ليأخذه، ولأنه لما لم يملك أن يبتاعه من نفسه.. لم يملك أخذه بالشفعة.

.[فرع: ثبوت الشفعة للعامل في القراض]

وإذا اشترى العامل في القراض بعض دار بمال القراض، ثم بيع الباقي.. كان للعامل أخذه بالشفعة للقراض، فإن لم يأخذه.. كان لرب المال أن يأخذه بالشفعة؛ لأن ما اشتراه بمال القراض.. ملكه.
وإن اشترى العامل بمال القراض شقصا من دار، ولرب المال فيه شفعة.. فهل له أن يأخذه بالشفعة؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: له ذلك؛ لأن مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه؛ لتعلق حق الغير به، وهو العامل، ويجوز أن يثبت له على ملكه حق لأجل حق الغير، كما ثبت له على عبده المرهون حق الجناية.
والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يتملك ملكه، ويخالف الجناية؛ لأنها ليست تمليكاً.
وذكر أبو العباس وجهاً ثالثاً: أن له أخذه بحكم فسخ المضاربة.
قال ابن الصباغ: وهذا ليس من الشفعة.
فإذا ما اشترى العامل في القراض شقصاً من دار، وللعامل فيه شفعة.. فهل له أخذه بالشفعة؟
قال ابن الصباغ: إن كان في المال ربح، وقلنا: يملكه بالظهور.. فهل له أخذه بالشفعة؟ على الوجهين في رب المال، وإن لم يكن في المال ربح، أو كان فيه ربح، وقلنا: لا يملكه بالظهور، فلا شفعة له، وجهاً واحداً.
قلت: والذي يقتضي المذهب: أنه إذا لم يكن فيه ربح، أو كان فيه، وقلنا: لا يملكه بالظهور.. أن له أخذه بالشفعة، وجهاً واحداً، كما لو كانت دار بين شريكين، فأذن رجل لأحدهما أن يبتاع له نصيب شريكه، فإن للوكيل أن يأخذ ما اشتراه بالشفعة لنفسه.
إذا ثبت هذا: فإن ملك أربعة رجال داراً أرباعاً بينهم، ثم قارض واحد منهم أحد شركائه على مال، فاشترى العامل بمال القراض نصيب أحد شريكيهما، وعفا المتقارضان والشريك الرابع عن أخذ ذلك بالشفعة، ثم اشترى العامل بمال القراض نصيب الشريك الرابع.. قال أبو العباس: فإن الشفعة في هذا الربع الرابع تكون بين رب المال والعامل ومال القراض، أثلاثاً بينهم؛ لأن كل واحد منهم ينفرد بملك ربع الدار، ويملكان ربعها بمال القراض، فقسم الربع المبيع بينهم أثلاثا. على ذلك حكاها الشيخ أبو حامد.

.[مسألة: يأخذ الشفيع الشقص بالثمن المستقر في العقد]

إذا اشترى رجل شقصاً فيه شفعة، واختار الشفيع الأخذ.. فإنه يأخذه بالثمن الذي استقر عليه العقد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جابر: «فإن باعه.. فشريكه أحق به بالثمن».
فإن كان الشفيع قد شاهد الشقص، وعلم قدر الثمن، وقال: اخترت أخذه بالثمن الذي تم به العقد.. قال ابن الصباغ: صح الأخذ وإن لم يختر المشتري، ولا حضر؛ لأنه يستحق أخذه بغير اختياره، فلم يفتقر إلى حضوره، ولا يفتقر إلى حكم الحاكم بذلك؛ لأن استحقاق الشفيع ثابت بالنص والإجماع.
وإن كان الشفيع لم يشاهد الشقص.. فهل يصح أخذه بالشفعة؟
إن قلنا: إن بيع خيار الرؤية لا يصح.. لم يصح أخذه، كما لا يصح ابتياعه له.
وإن قلنا: يصح بيع خيار الرؤية.. فهل يصح أخذه له قبل رؤيته؟ اختلف أصحابنا فيه:
فقال القاضي أبو الطيب: فيه وجهان، بناء على أن الشفيع هل يثبت له خيار المجلس في الشفعة؟ وفيه وجهان يأتي ذكرهما.
فإن قلنا: يثبت له فيها خيار المجلس.. ثبت له فيها خيار الرؤية.
وإن قلنا: لا يثبت له خيار المجلس.. لم يثبت له فيها خيار الرؤية.
وقال أبو العباس ابن سريج: لا يثبت له فيها خيار الرؤية، قولاً واحد؛ لأن خيار الرؤية إنما يثبت للمشتري على أحد القولين؛ لأن البيع يثبت برضا البائع، وهاهنا يؤخذ الشقص من المشتري بغير رضاه، فلا يثبت فيها خيار الرؤية.
وإن كان الشفيع لم يعلم قدر الثمن.. فذكر ابن الصباغ، والطبري: أن أخذه لا يصح، ولا يسقط حقه من الشفعة إذا أخر طلبها إلى أن يعلم قدر الثمن؛ لأن ذلك يملك بعوض، فلا يصح مع الجهالة بالعوض، كالبيع.
وذكر الشيخ أبو حامد في (التعليق): إذا قال الشفيع: بكم ابتعت؟ أو بكم الثمن؟ بطلت شفعته؛ لأنه قد كان يمكنه أن يقول مكان ذلك: قد أخذت بالثمن الذي ابتعت به، فلما لم يفعل.. كان تاركاً للمطالبة بالشفعة مع تمكنه منها، وهذا يدل من قوله: إن الأخذ يصح مع جهالة الشفيع بقدر الثمن.
إذا ثبت هذا: فقال ابن الصباغ: وإذا اختار الشفيع على ما ذكرناه.. ملك الشقص بذلك، ولا يلزم المشتري تسليم الشقص إليه حتى يسلم إليه الثمن، فإن كان الثمن موجوداً.. سلمه الشفيع إليه، وإن تعذر الثمن عليه في الحال.. أجلنا الشفيع ثلاثاً، فإن أحضر الثمن، وإلا فسخ عليه الحاكم الأخذ، ورده إلى المشتري، وإنما أجل ثلاثاً؛ لأن تحصيل الثمن في الحال يتعذر عليه في غالب العادة، وعدم اعتبار ذلك يؤدي إلى إسقاط الشفعة، والإضرار بالشفيع، فأجل الثلاث؛ لأنها مدة قريبة، ولا ضرر على المشتري بذلك.
قال الشيخ أبو حامد: وهكذا: لو هرب الشفيع بعد الأخذ.. جاز للحاكم فسخ الأخذ، ورده إلى المشتري، فإن قيل: أليس في البيع لو هرب المشتري أو أخر الدفع.. لم يفسخ الحاكم البيع؟ فهلا قلتم هاهنا مثله؟ قال: فالجواب: أن البيع حصل باختيارهما، فلذلك لم يكن للحاكم فسخه عليهما، وهاهنا أخذه الشفيع بغير اختيار المشتري لإزالة الضرر عن نفسه، فإذا كان ذلك إضراراً بالمشتري رفعه الحاكم قال: وقد قال أصحابنا: إذا أفلس الشفيع بعد أخذه الشقص.. فإن المشتري بالخيار: بين أن يضرب بالثمن مع الغرماء، وبين أن يرجع في الشقص إذا أفلس المشتري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: (لا يأخذ الشفيع بالشفعة حتى يحضر الثمن، ولا يملكه حتى يحكم له الحاكم، ولا يحكم له الحاكم حتى يحضر الثمن).
وقال محمد بن الحسن: يؤجله الحاكم يومين، أو ثلاثاً، ولا يأخذه إلا بحكم الحاكم، أو رضا المشتري.
ودليلنا: أن الأخذ بالشفعة يملك بالعوض، فلا يوقف على إحضار العوض، كالبيع.

.[فرع: اشترى شقصاً فيه شفعة وسيفاً]

وإن اشترى شقصاً فيه شفعة، وسيفاً بثمن واحد.. ثبتت الشفعة بالشقص دون السيف، وقسم الثمن بينهما على قدر قيمتيها، ولا يثبت للمشتري الخيار في البيع، لتفرق الصفقة عليه بذلك؛ لأنه رضي بذلك على نفسه. هذا هو المشهور من المذهب، وبه قال أبو حنيفة.
قال المسعودي [في (الإبانة) ق\ 316] وقد قيل: لا تثبت الشفعة في الشقص لتفرق الصفقة على المشتري.
وقال مالك: (تثبت الشفعة في الشقص، والسيف، ويأخذهما الشفيع بالثمن).
ودليلنا: أن السيف لا شفعة فيه، ولا هو تابع لما تثبت فيه الشفعة، فلم يجز أخذه بالشفعة، كما لو أفرده بالبيع.

.[فرع: مضي خيار شراء الشقص مع زيادة الثمن]

إذا اشترى شقصاً بثمن، وانقضى الخيار، ثم ألحقا بالثمن زيادة.. لم تلحق بالعقد، ولا يملكها البائع، إلا أن تكون بعقد الهبة بشروطها، ولا يستحقها المشتري على الشفيع؛ لأنه تطوع بذلك، وهكذا: إن نقص عنه البائع بعض الثمن.. كان ذلك إبراء، ولا يسقط عن الشفيع؛ لأن العقد قد انبرم.
وقال أبو حنيفة: (يلحقان بالعقد، إلا أن الشفيع لا يثبت في حقه إلا النقصان دون الزيادة).
ودليلنا: أن ذلك تغيير بعد استقرار العقد، فلم يثبت في حق الشفيع، كالزيادة وإن ألحقا بالثمن زيادة، أو نقصا منه شيئاً في حال الخيار.. فقد قال عامة أصحابنا: إن ذلك يلحق بالعقد، ويأخذ الشفيع به.
وقال أبو علي الطبري: هذا إذا قلنا: إن الملك لا ينتقل إلى المشتري، إلا بشرطين، أو قلنا: إنه موقوف، فأما إذا قلنا: إنه يملك بالعقد.. فلا يلحق ذلك بالعقد. وهذا ليس بشيء.
قال المسعودي [في (الإبانة) ق\317] فإن حط جميع الثمن في حال الخيار.. ففيه وجهان:
أحدهما: يبطل البيع؛ لأنه يكون بيعاً بلا ثمن.
فعلى هذا: لا تثبت الشفعة.
والثاني: لا يبطل البيع، كالإبراء، ففرق بين الحط، والإبراء.
فعلى هذا: هل يكون بيعاً، أو هبة؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يكون بيعاً، فتثبت فيه الشفعة.
والثاني: يكون هبة، فلا تثبت فيه الشفعة.

.[مسألة: نقصان الشقص في يد المشتري]

وإن اشترى شقصاً فيه شفعة، فنقص الشقص في يد المشتري قبل أن يأخذه الشفيع، بأن كان داراً، فانهدم، أو حرق، واختار الشفيع الأخذ.. فنقل المزني: (أنه بالخيار: بين أن يأخذ بجميع الثمن، وبين أن يترك). ونص الشافعي في القديم، وفي مواضع من كتبه الجديدة: (أنه يأخذه بحصته من الثمن).
واختلف أصحابنا فيها على خمس طرق:
فـالأول: منهم من قال: فيها قولان ـ وهو الصحيح: أحدهما: يأخذه بجميع الثمن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن باعه.. فشريكه أحق به بالثمن». ولم يفرق.
والثاني: يأخذه بالحصة، وهو الصحيح؛ لأنه أخذ بعض ما يتناوله العقد، وأخذه بحصته من الثمن، كما لو اشترى سيفاً وشقصاً.. فإن الشفيع يأخذ الشقص بحصته، وهذه علة الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
واختلف أصحاب هذا الطريق، إذا كان هناك أخشاب، أو أحجار منفصلة عن الدار باقية.. هل يستحقها الشفيع؟
فمنهم من قال: لا يستحقها؛ لأن ذلك منفصل عنها حال أخذه بالشفعة، فلم يستحقها، كما لو اشترى داراً، وقد كان انفصل عنها أحجار وأخشاب.
ومنهم من قال: يستحقها الشفيع، وهو الصحيح؛ لأن استحقاقه للشفعة حال البيع، وقد كان متصلا بها، فلم يسقط حقه بانفصاله عنها، كما لو اشترى داراً، فانهدمت قبل أن يقبضها.
والطريق الثاني من أصحابنا من قال: ليست على قولين، وإنما يأخذها بالحصة، قولا واحداً؛ للعلة التي ذكرها الشافعي.
وتأول هذا القائل ما نقله المزني على: أنه أراد به: إذا استهدم الدار، ولم تنهدم، بأن انشق الحائط، وما أشبهه، وهذا القائل يقول: إذا كان هناك أحجار وأخشاب منفصلة.. فإن الشفيع لا يستحق أخذها.
و [الطريق الثالث منهم من قال: ليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين:
فالموضع الذي قال: يأخذه بجميع الثمن، إذا انهدمت الدار، ولم يذهب من أجزائها شيء.. فإنه يأخذ ما بقي من البناء، وما انفصل من الأحجار والأخشاب، بجميع الثمن.
والموضوع الذي قال: يأخذه بالحصة، إذا انهدمت الدار، وذهب شيء من أجزاء الأحجار والأخشاب؛ لأن الثمن يقابل الأعيان، ولا يقابل التالف.
و [الطريق الرابعمنهم من قال: هي على حالين آخرين:
فالموضع الذي قال: يأخذه بجميع الثمن، إذا كانت العرصة باقية، ولا يضره ذهاب التالف من أجزاء الأحجار والأخشاب.
والموضع الذي قال: يأخذه بالحصة، أراد: إذا ذهب شيء من أجزاء العرصة؛ لأن العرصة هي الأصل، والأحجار والأخشاب تابعة لها، ولهذا لم تثبت الشفعة فيهما، إلا تبعا للعرصة، فكان الحكم للمتبوع دون التابع.
والطريق الخامس منهم من قال: هي على حالين آخرين:
فالموضع الذي قال: يأخذه بجميع الثمن، إذا ذهب بآفة سماوية.
والموضوع الذي قال: يأخذ بالحصة، إذا ذهب بفعل آدمي، إما البائع، أو المشتري، أو الأجنبي؛ لأنه إذا ذهب بآفة سماوية.. لم يحصل للمشتري بدل ذلك، وإذا ذهب بفعل آدمي.. حصل له عوضه. وهذا الطريق مذهب أبي حنيفة.
قال أصحابنا: وهذا الطريق وإن كان صحيحاً في الفقه، إلا أنه خلاف نص الشافعي في القديم؛ لأنه قال فيه: (يأخذه بالحصة، سواء كان نقصه بفعل المشتري، أو بفعل أجنبي، أو بآفة سماوية).

.[مسألة: اشترى شقصاً بمؤجل]

وإن اشترى شقصا بمائة درهم مؤجلة إلى سنة.. فقيه ثلاثة أقوال:
أحدها ـ قاله في القديم، وبه قال مالك ـ: (إن الشفيع يأخذه بمائة مؤجلة)، إلا أن مالكا قال: (إن كان الشفيع ثقة، وإلا أقام للمشتري ثقة يكون الثمن في ذمته؛ لأن الشفيع تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته، فكان تابعاً له في التأجيل).
فعلى هذا: إن مات المشتري قبل حلول الأجل.. حل الدين عليه؛ لأن الأجل جعل رفقا بمن عليه الدين، والرفق هاهنا للميت في تخليص ذمته، ولا يحل ذلك على الشفيع؛ لعدم المعنى الذي ذكرناه في المشتري، وإن مات الشفيع.. حل عليه الدين للمشتري، ولا يلزم المشتري تعجيل الثمن للبائع؛ لما ذكرناه.
والقول الثاني ـ ذكره الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (كتاب الشروط) ـ: (أن الشفيع يأخذ الشقص بسلعة تساوي مائة درهم إلى سنة)؛ لأنه لا يجوز أن يأخذه بمائة مؤجلة؛ لأن الذمم لا تتساوى، ولا يجوز أن يطالب بمائة حالة؛ لأن ذلك أكثر مما لزم المشتري، فإذا تعذر هذان القسمان.. لم يبق إلا أن يأخذه بسلعة تساوي مائة إلى الأجل.
والقول الثالث ـ ذكره الشافعي في الجديد، وهو الصحيح ـ: (أن الشفيع بالخيار: بين أن يعجل المائة، ويأخذ الشقص، وبين أن يصبر، ويترك الشقص في يد المشتري إلى أن يحل الأجل، فيأخذ بالمائة)؛ لأنه لا يجوز أن يأخذ بمائة مؤجلة؛ لأن الذمم لا تتماثل، ولا يجوز أن يأخذ بسلعة تساوي مائة إلى الأجل؛ لأن الشفيع لا يأخذ بغير جنس الثمن، فإذا بطل هذان القسمان.. لم يبق إلا أن يجبر على ما ذكرناه. فإن مات المشتري قبل حلول الأجل.. حل الثمن في تركته، ولم يحل على الشفيع، بل هو بالخيار على ما ذكرناه، وإن لم يمت المشتري، ولكن باع الشقص قبل حلول الأجل.. صح البيع؛ لأنه ملكه، والشفيع بالخيار: بين أن يأخذ بالبيع الثاني، وبين أن يفسخ الثاني، ويأخذ بالأول.

.[مسألة: باع شقصاً في مرض موته]

إذا باع رجل في مرض موته شقصا له من دار بثمن مثله من وارثه.. صح البيع، سواء كان الشفيع وارثاً أو غير وارث، ولا يعترض عليه في ذلك، وبه قال أبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: (لا يصح بيعه؛ لأنه محجور عليه في حقه، فصار كبيع الصبي).
وهذا ليس بصحيح؛ لأنه محجور عليه في حقه بالشرع، كما يحجر عليه في حق الأجنبي فيما زاد على الثلث، فأما البيع منه بثمن المثل: فغير محجور عليه في حقه.
وإن حاباه، بأن باع منه شقصاً يساوي ألفين بألف.. فالورثة بالخيار مع المحاباة هاهنا، سواء احتملها الثلث أو لم يحتملها الثلث، فإن أجازوها.. أخذها الشفيع، وإن لم يجيزوها.. فإن البيع يصح في نصف الشقص بألف، ويرجع إلى الورثة نصف الشقص، فإن اختار الشفيع أخذ نصف الشقص بالألف.. أخذه، ولم يكن للمشتري فسخ البيع؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك، وإن لم يختر الشفيع أخذه.. كان للمشتري الخيار؛ لأن الصفقة تفرقت عليه.
وإن كان المشتري أجنبياً، وكان هناك محاباة تخرج من الثلث، فإن كان الشفيع أجنبياً.. كان له أخذ جميع الشقص بالألف؛ لأن الشفيع يأخذ جميع ما حصل للمشتري بالذي ملك به، وإن كان الشفيع وارثا.. ففيه خمسة أوجه؛ أربعة لأبي العباس، والخامس خرجه أصحابنا:
أحدها: أن البيع صحيح، ولا يستحق الشفيع إلا نصف الشقص بالألف، ويبقى النصف للمشتري بغير ثمن؛ لأن المحاباة تصح للأجنبي، ولا تصح للوارث، فلو دفعنا جميع الشقص إلى الشفيع.. لحصلت المحاباة للوارث، وهذا لا يجوز، فصار كأنه باع منه النصف بألف، ووهب منه النصف.
والوجه الثاني: أن البيع يصح في نصف الشقص بألف، ويأخذه الشفيع، ويبطل البيع في نصفه، فيرجع إلى ورثة الميت؛ لأنا لا يمكننا أن ندفع جميع الشقص إلى الشفيع؛ لأن في ذلك إثبات المحاباة للوارث، وهذا لا يصح، ولا يمكننا أن نقول: يأخذ نصف الشقص بالألف؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يلزم الشفيع أكثر مما لزم المشتري، وهذا لا يجوز، فلم يبق إلا ما قلناه.
والوجه الثالث: أن البيع يبطل في الجميع؛ لأنه لا يمكن تصحيح البيع في الشقص، ودفع المحاباة إلى الوارث؛ لأن ذلك لا يجوز، ولا يمكن أن يدفع إلى الوارث نصف الشقص بجميع الثمن؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يلزم الشفيع أكثر مما لزم المشتري، وهذا لا يجوز، ولا يمكن إبطال البيع في النصف الذي تعلقت به المحاباة فقط؛ لأن تعلق البيع في النصف الذي حصلت به المحاباة كتعلقه بالآخر، فلم يبق إلا الحكم بإبطال البيع في الجميع.
والوجه الرابع ـ وهو اختيار الشيخين: أبي حامد، وأبي إسحاق ـ: أن البيع يصح في جميع الشقص بالألف، ويستحق الشفيع أخذ جميعه بالألف؛ لأن الاعتبار بالمحاباة لمن حصلت له، لا بمن تؤول إليه المحاباة، والذي حصلت له المحاباة هو المشتري، فهو كما لو أوصى لأجنبي بشيء، ولوارث الموصي على الموصى له دين، والموصى له محجور عليه.. فإن يعلم أن الوصية تؤول إلى وارث الموصي، ولا يحكم بإبطال الوصية لهذا المعنى، فكذلك هذا مثله.
والوجه الخامس ـ الذي خرجه أصحابنا ـ: أن البيع يصح في جميع الشقص بالألف، وتسقط الشفعة، وهو قول أبي حنيفة، واختيار ابن الصباغ؛ لأنا إذا أثبتنا الشفعة.. أدى إلى إبطال البيع، وإذا بطل البيع.. بطلت الشفعة، وما أدى ثبوته إلى سقوطه، وسقوط غيره.. وجب إسقاطه، ويفارق الوصية لمن عليه دين لوارث الموصي؛ لأن استحقاقه للأخذ إنما هو بدينه لا من جهة الوصية، وهذا استحقاقه من جهة الوصية.

.[مسألة: شراء الشقص بما له مثل]

وإن اشترى الشقص بعرض.. نظرت:
فإن كان له مثل، كالحبوب، والأدهان.. أخذ الشفيع بمثله؛ لأنه من ذوات الأمثال، فأشبه الأثمان.
وإن اشتراه بما لا مثل له، بأن اشتراه بعبد، أو ثوب، وما أشبهه.. فإن الشفيع يأخذ الشقص بقيمة العرض الذي اشترى به، وبه قال عامة أهل العلم.
وقال الحسن البصري، وسوار القاضي: لا تثبت الشفعة هاهنا.
دليلنا: أنه أحد نوعي الثمن، فجاز أن تثبت فيه الشفعة، كذوات الأمثال.
إذا ثبت هذا: فأي وقت تعتبر فيه قيمة العرض؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أكثر أصحابنا ـ: أنها تعتبر وقت البيع؛ لأنه وقت الاستحقاق، ولا اعتبار بما حدث بعد ذلك من زيادة، أو نقصان.
والثاني ـ وهو قول أبي العباس، ولم يذكر في (الفروع) غيره ـ: أنها تعتبر حين استقرار العقد، وهو عند انقضاء الخيار، كما يعتبر قدر الثمن في تلك الحال.
وقال مالك: (يأخذه الشفيع بقيمة العرض يوم المحاكمة).
وهذا ليس بصحيح؛ لأن ذلك ليس بوقت لاستحقاقه للشفعة، وإنما الاعتبار بوقت الاستحقاق، كما لو أتلف عليه عرضاً.. فإن قيمته تعتبر وقت الإتلاف ـ لأنه وقت الاستحقاق ـ لا وقت المحاكمة.