فصل: (فرع: صحة المضاربة بمعلوم على النصف)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: القراض في أنواع المال]

ويجوز القراض على الدراهم والدنانير، قال الشيخ أبو حامد: وهو إجماع لا خلاف فيه بين أهل العلم، فأما ما سواهما من الأموال مما له مثل، كالحبوب والأدهان، أو مما لا مثل له، كالثياب والعبيد.. فلا يجوز عقد القراض عليها، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وعامة أهل العلم.
وقال الأوزاعي، وابن أبي ليلي: (يجوز القراض على ذلك كله، فإن كان المال له مثل.. رد العامل مثله، وإن لم يكن له مثل.. رد قيمته).
دليلنا: أن القراض موضوع على أن يأخذ رب المال رأس المال، ويشتركا في الربح، ولا يشارك العامل رب المال في رأس المال، ولا يستبد رب المال برأس المال والربح، والقراض على العروض يفضي إلى ذلك؛ لأنه إذا قارضه على ما له مثل، كأن يقارضه على كر طعام يساوي مائة درهم، فقد يتصرف فيه، فيبلغ المال ألفا، فإذا تفاضلا.. فقد يغلو الطعام، فلا يؤخذ الكر إلا بالألف، فيستبد رب المال في جميع الربح، وقد تكون قيمة الكر يوم القراض ألفا، فيبيعه العامل بألف، ولا يتصرف فيه، ثم يتفاضلان، وقد رخص الطعام، فصار الكر بمائة، فيشتري له العامل الكر بمائة، ويشاركه بتسعمائة، وهى من رأس المال.
وإن قارضه على ما لا مثل له، وتفاضلا.. احتاج أن يرد قيمته، فإن شرطا أن ترد قيمته يوم المفاضلة.. كان باطلا من وجهين:
أحدهما: أن قيمته يومئذ مجهولة، والقراض على المجهول لا يجوز.
والثاني: أنه يفضي إلى الفساد الذي ذكرناه في ذوات الأمثال.
وإن اشترطا أن ترد قيمته يوم القراض.. أفضى أيضا إلى الفساد؛ لأنه قد يدفعه وقيمته مائة، فيتركه في يده، فتزيد قيمته، فتبلغ ألفا، ثم يبيع، ويتفاضلان، فيدفع إليه مائة، ويشاركه العامل بالباقي، ويشاركه برأس المال. وقد يدفعه وقيمته ألف، فيبقى ذلك في يده، فتنقص قيمته، فتصير مائة، ثم يتصرف ويبيع، فيبلغ المال ألفا، فإذا تفاضلا. احتاج أن يدفع إليه جميع ذلك، فيستبد رب المال بالربح، وما نافى العقد.. أبطله، بخلاف الدراهم والدنانير، فإنهما وإن كانت قيمتهما تزيد وتنقص، إلا أنهما لا يقومان بغيرهما. هذا نقل البغداديين.
وقال المسعودي [في (الإبانة) ق\ 320] هل يصح القراض على ذوات الأمثال؟ فيه وجهان.

.[فرع: صحة المضاربة بمعلوم على النصف]

قال الطبري: ولو قال: خذ ما شئت من مالي مضاربة بيننا على النصف، فأخذ الدراهم.. صح تصرفه فيه، ولا يكون قراضا، خلافا لأبي حنيفة.
دليلنا: أن العقد وقع على غير معين ولا معلوم، فهو كما لو قال: على ما ورثت من أبي، وإن أخذ شيئا من العروض، فتصرف فيها.. فهل يصح تصرفه بها؟ فيه وجهان.
قال الطبري: ولو قال: خذ هذه الألف مضاربة على النصف، فأخذه ولم يتكلم.. لم تصح المضاربة، خلافا لأبي حنيفة.
دليلنا: أنه لم يوجد من أحدهما لفظ في عقد المضاربة، وهو من أهله، كما لو لم يتكلم رب المال.

.[فرع: بطلان القراض بمغشوش]

ولا يجوز القراض على دراهم ولا دنانير مغشوشة، سواء كان الغش أقل من الذهب والفضة أو أكثر.
وقال أبو حنيفة: (إن كان الغش أكثر.. لم يصح، وإن كان أقل.. صح).
دليلنا: أنه نقد مغشوش، فلم يصح القراض عليه، كما لو كان الغش أكثر.

.[فرع: القراض بغير المال]

وإن قارضه على سبيكة.. لم يصح القراض، كما لا يصح القراض على العروض.
وإن قارضه على فلوس.. لم يصح القراض، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف.
وقال محمد: القياس أن لا يجوز إلا أني أجوزه استحسانا.
دليلنا: أن الفلوس ليست بنقد غالب، فلم يصح القراض عليها، كالثياب.
فإن دفع إلى رجل غزلا، وقال: انسجه على أن تبيعه، وتدفع إلي قيمة الغزل، ويكون الباقي بيننا.. لم يصح؛ لأن القراض موضوع على أن يتصرف العامل في رقبة المال وعينه، وهاهنا لم يمكنه من التصرف في رقبة المال وعينه، وإنما يتصرف في منفعته، فلم يصح، ولأنه قد تزيد قيمة الغزل وقد تنقص، فيفضي إلى الفساد الذي ذكرناه في القراض على العروض، فإن نسج العامل الغزل.. كان الثوب ملكا لصاحب الغزل، وعليه للعامل أجرة عمله؛ لأنه عمل ليسلم له المشروط، ولم يسلم له، فاستحق أجره عمله.
وإن دفع إليه شبكة، وقال: اصطد بها، وما رزق الله من صيد كان بيننا.. لم يصح القراض؛ لما ذكرناه: من أن مقتضى القراض أن يتصرف العامل في رقبة رأس المال، وإنما يتصرف هاهنا في منفعته.
فعلى هذا: إذا اصطاد العامل صيدا.. كان الصيد ملكا له؛ لأنه حصل بفعله، وعليه أجرة مثل الشبكة لمالكها؛ لأنه بذلك منفعتها بعوض، ولم يسلم له، فاستحق أجرتها.
وإن دفع إلى رجل بهيمة، وقال: أكرها، وما حصل من ذلك كان بيننا.. لم يصح القراض؛ لما ذكرناه في الشبكة، فإن أكراها العامل.. كان الكراء لمالك البهيمة، وعلى مالك البهيمة أجرة مثل العامل، والفرق بين الشبكة والبهيمة: أن عمل العامل على البهيمة تابع لعمل البهيمة، فكانت الأجرة لمالكها، والعمل على الشبكة للعامل، والشبكة تبع للعامل.
فإن دفع إليه ثوبا، وقال: بعه، فإذا نض ثمنه فقد قارضتك عليه.. لم يصح القراض، وقال أبو حنيفة: (يصح).
دليلنا: أنه قراض معلق على شرط، فلم يصح، ولأن ما يباع به الثوب من الثمن مجهول، والمجهول لا يصح.
وإن قال: قارضتك على الدين الذي لي على فلان، فاقبضه، وتصرف به.. لم يصح، فإن فعل الأجير ذلك.. كان له أجرة المثل؛ لأنه عمل بعوض، ولم يسلم له العوض، وأما قدر الأجرة: فقال المسعودي [في (الإبانة) ق \ 320] ينظر فيه:
فإن قال: قارضتك عليه لتقبض وتتصرف.. فله أجرة المثل للتقاضي والقبض والتصرف.
وإن قال: إذا قبضت، فقد قارضتك.. فليس له إلا أجرة مثل التصرف.

.[مسألة: يشترط في القراض معرفة قدر المال]

ولا يصح القراض إلا على مال معلوم، فإن قارضه على دراهم جزاف لا يعلمان عددها ووزنها.. لم يصح.
وقال أبو حنيفة: (يصح، فإن اتفقا على قدر رأس المال، وإلا كان القول قول العامل).
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الغرر»، وفي القراض على مال لا يعرفان قدره غرر؛ لأنه لا يدري إلى ماذا يرجع رب المال عند المفاضلة.

.[فرع: تعيين مال القراض]

وإن قدم إليه ألف دينار ومائة درهم، وقال: قارضتك على أحدهما.. لم يصح القراض؛ لأن ذلك يمنع صحة العقد، فلم يصح، كما لو باعه أحد العبدين.
وإن دفع إليه كيسين في كل واحد منهما مائة درهم، وقال: قارضتك على أحدهما، وأودعتك الآخر.. ففيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنهما متساويان.
والثاني: لا يصح كما لا يصح مثل ذلك في البيع.
وإن كان عنده له دراهم وديعة، فقارضه عليها.. صح، كما لو دفع إليه مالا وقارضه عليه.
وإن كان غصب منه دراهم وقارضه عليها.. ففيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه مقبوض من تحت يده، فصح، كالوديعة.
والثاني: لا يصح؛ لأن مال الغصب مضمون عليه، ومال القراض أمانة عنده، وهما متنافيان. والأول أصح؛ لأن هذا يبطل بمن رهن الغاصب العين المغصوبة، فإذا قلنا: يصح، واشترى العامل به شيئا، وسلم المغصوب إلى البائع.. برئ من الضمان؛ لأنه سلمه بإذن مالكه.

.[فرع: يجوز للولي المقارضة في مال القاصر]:

يجوز لولي الطفل والمجنون، كالأب، والجد، والوصي، والحاكم الأمين من قبله، أن يقارض على مال الصغير؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة».
وروي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قارض على مال اليتيم)، ولأن عقد القراض يطلب به نماء المال.. فجاز للولي فعله، كالبيع.

.[مسألة: شرط بيان حصة كل من العامل وصاحب رأس المال من الربح]

ولا يصح القراض إلا بشرط أن يبينا الربح؛ لأنه هو المقصود بالقراض.
فإن قارضه على مال، على أن يكون الربح بينهما نصفين.. صح ذلك؛ لـ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساقى أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر وزرع». والقراض بمعنى المساقاة، فإن قال: قارضتك على أن يكون الربح بيننا.. ففيه وجهان:
(أحدهما): من أصحابنا من قال: لا يصح؛ لأن ذلك مجهول؛ لأنه لا يعلم هل يكون الربح بينهما أثلاثا، أو نصفين فلم يصح.
والثاني: قال أبو العباس: يصح، ويكون الربح بينهما نصفين، وهو الصحيح؛ لأن الإضافة تقتضي التسوية، فهو كما لو قال: هذه الدار لزيد وعمرو.
وإن قال: قارضتك على هذا المال، على أن لي نصف الربح، وسكت عما للعامل.. ففيه وجهان:
(أحدهما): قال أبو العباس: لا يصح؛ لأن الربح كله لرب المال، وإنما يملك العامل شيئا منه بالشرط ولم يشرط له شيئا.
و(الثاني): من أصحابنا من قال: يصح، ويكون الربح بينهما نصفين؛ لأن مقتضى القراض أن الربح لهما، فإذا شرط رب المال لنفسه نصف الربح.. كان الباقي للعامل.
والأول أصح؛ لأن المزني نقل عن الشافعي في (المساقاة): (إذا قال: خذ هذا مساقاة، على أن لي النصف.. لم يصح).
وإن قال رب المال: قارضتك على أن لك نصف الربح.. ففيه وجهان:
(أحدهما): من أصحابنا من قال: لا يصح؛ لأنه لم يبين ما لنفسه.
و(الثاني): قال أبو العباس: يصح، ويكون الربح بينهما نصفين. وهو الصحيح؛ لأن الربح كله لرب المال بحق الملك، وإنما العامل يملك شيئا منه بالشرط، فإذا شرط للعامل بعضه.. كان الباقي لرب المال.
فعلى هذا: إذا قال: قارضتك على أن لك ثلث الربح، ولي النصف، وسكت عن السدس.. كان لرب المال ثلثا المال، وللعامل ثلثه.
قال أبو العباس: وإن دفع إليه ألفا، وقال: خذ هذا قراضا على النصف، أو على الثلث، أو على غير ذلك.. صح، وكان ذلك تقديرا لنصيب العامل؛ لأن الظاهر أن الشرط له؛ لأن رب المال يستحقه بالملك، والعامل يستحقه بالشرط، فإن اختلفا، فقال العامل: شرطته لي، وقال رب المال: شرطت ذلك لنفسي.. كان القول قول رب المال مع يمينه؛ لأن الظاهر معه. وإن قال: قارضتك على أن لك شركة في الربح أو شركا فيه.. لم يصح.
وقال محمد بن الحسن: يكون له نصف الربح.
وقال أصحاب مالك: يكون له مضاربة المثل.
دليلنا: أن ذلك مجهول؛ لأن الشرك يقع على القليل والكثير، فلم يصح، كما لو قال: على أن لك سهما في الربح.

.[فرع: تعيين مقدار الربح لكل]

وإن قال: قارضتك على هذا المال، على أن لك ثلث الربح، وما بقي من الربح في من الثلث، ولك الثلثان.. صح، فيكون للعامل سبعة أتساع الربح، ولرب المال تسعاه.
وإن دفع رجل إلى رجلين مالا، وقال: قارضتكما عليه، على أن يكون لي نصف الربح، ولكما النصف.. صح؛ لأن عقد الواحد مع الاثنين في حكم العقدين، فهو كما لو أن رب المال عقد مع واحد القراض، على أن الربح بينهما نصفين.. لصح، ويكون نصف الربح بين العاملين نصفين؛ لأن الإضافة تقتضي التسوية.
وإن قال: قارضتكما على أن يكون لي نصف الربح، والنصف الآخر لأحدكما منه الثلث، وللآخر الثلثان.. صح، وحمل على ما شرط.
وإن دفع رجلان إلى رجل ألف درهم بينهما نصفين، وشرطا أن له نصف الربح، ولهما نصف الربح بينهما نصفين.. صح ذلك، وإن شرطا أن له نصف الربح، والنصف الآخر لأحدهما ثلثه، وللآخر ثلثاه.. لم يصح؛ لأنهما متساويان في المال، فلا يجوز شرط تفاضلهما فيما بقي لهما من الربح، وإن قالا: قارضناك على أن يكون لك نصف الربح، تستحق ثلثه من نصيب عمرو، وثلثيه من نصيب زيد، ويكون لعمرو ثلثا النصف الآخر، ولزيد ثلثه.. صح ذلك؛ لأن عمرا شرط له ثلث نصيبه، وشرط له زيد ثلثي نصيبه، فصح، وإن قالا: على أن لك نصف الربح، ثلثه من نصيب عمرو، وثلثاه من نصيب زيد، ثم يكون النصف الآخر بين زيد وعمرو نصفين.. لم يصح.
وقال أبو حنيفة، وأبو ثور: (يصح).
دليلنا: أن هذا شرط ينافي مقتضى العقد؛ لأنهما شرطا أن يأخذ أحد ربي المال من نصيب الآخر من الربح بعضه.. فلم يصح، كما لو شرطا أن يكون النصف الآخر لأحدهما.

.[فرع: يدفع الربح على المالين المتساويين سواء]

إذا دفع إليه ألفا، وقال: ضم إليه ألفا من عندك واعمل عليهما، على أن يكون لي ثلثا الربح ولك ثلثه، أو على أن يكون لك ثلثا الربح ولي ثلثه.. لم يصح؛ لأنه إن شرط لنفسه الأكثر.. لم يصح؛ لأنهما متساويان في المال، وذلك يقتضي تساويهما في الربح، ثم شرط عليه العمل، ونقصه من الربح.. فلم يصح وإن شرط للعامل أكثر.. فسد أيضا لأن الشركة إذا وقعت على المال.. كان الربح مقسطا على قدر المالين، والعمل تابع، والمال هاهنا غير متفاضل، فلا يجوز تفاضلهما في الربح.
فإن دفع إليه ألفين، وقال: ضم إليها ألفا من عندك، فتكون ألفان شركة بيننا، والألف الأخرى قارضتك عليها بنصف الربح.. جاز؛ لأن أكثر ما فيه أن المال الذي للقراض مشاع، وإذا لم تمنعه الإشاعة من التصرف.. صح القراض.

.[فرع: قارضه بشرط أن يدفع بقدر ماله بضاعة]

قال في (الأم) [3/236] (إذا دفع إليه ألفا قراضا على أن يعمل فيها بالنصف، وشرط عليه أن يدفع إليه ألفا أخرى بضاعة.. لم يصح القراض)؛ لأن معنى البضاعة: أن يعمل عليها لصاحبها بغير عوض له، وهذا لا يلزمه، وإذا لم يلزم العامل ذلك.. لم يستحق العامل ما بذل له من الربح؛ لأنه لم يبذل ذلك إلا بهذا الشرط. فأما إذا قال: قارضتك على هذه الألف بالنصف، واستعملتك على أن تعمل لي على هذه الألف بضاعة.. صح القراض؛ لأنه لم يجعله شرطا.

.[فرع: قارضه بشرط ربح نصف المال له]

قال أبو العباس: إذا قال: قارضتك على هذه الألف، على أن لك ربح نصفها.. لم يجز القراض.
وقال أبو ثور، وأبو حنيفة: (يصح)، كما لو قال: على أن لك نصف ربحها.
والأول أصح؛ لأنه جعل للعامل ربح بعض المال، فلم يصح، كما لو دفع إليه ألفين، وقارضه عليهما، وجعل للعامل ربح أحدهما، ويخالف إذا جعل له نصف الربح، لأنه لا يؤدي إلى إفراده بربح شيء من المال، وإن قارضه على ما قارض به فلان عامله، فإن علما قدر ما شرط للعامل من الربح.. صح القراض؛ لأنهما أشارا إلى معلوم عندهما، فهو كما لو صرحا بذكره، وإن كانا لا يعلمان ذلك أو أحدهما.. كان القراض فاسدا؛ لأنه قراض على شيء مجهول بينهما.

.[فرع: اشتراط ربح درهم لأحدهما]

إذا دفع إليه ألفا قراضا، وشرط العامل أن ينفرد بدرهم من الربح، والباقي من الربح بينهما.. لم يصح؛ لأنه قد لا يربح إلا ذلك الدرهم، ومن مقتضى القراض أن الربح بينهما، وهكذا: لو شرط أن لرب المال درهما من الربح، والباقي بينهما لم يصح؛ لما ذكرناه، وهكذا: لو شرطا على أن للعامل درهما من الربح، والباقي لرب المال.. لم يصح؛ لما ذكرناه.
وأن قارضه على أنه إذا اشترى عبدا أو دابة بصفة كذا وكذا، أخذ رب المال برأس ماله، والباقي بينهما.. لم يصح؛ لأنه قد لا يكون في المال ربح إلا ذلك الموصوف، وهكذا: لو قال: قارضتك على أن أرتفق بمال القراض، بأن يقول: إذا اشتريت دابة ركبتها، وإذا اشتريت دارا سكنتها.. لم يصح القراض؛ لأنه قد لا يكون في المال ربح إلا تلك المنفعة، فلا يجوز أن يختص بها أحدهما.

.[مسألة: شرط الربح للعامل]

إذا دفع إليه ألفا، وقال: قارضتك على هذا، على أن يكون الربح كله لك.. قال أبو العباس: كان قراضا فاسدا، فإذا عمل العامل وربح.. كان الربح كله لرب المال؛ لأنه نماء ماله وللعامل أجرة المثال؛ لأنه عمل على عوض، ولم يسلم له، فكان له أجرة المثل، ووافقنا أبو حنيفة على هذا.
وإن قال: قارضتك على هذا، على أن يكون الربح كله لي.. قال أبو العباس: كان قراضا فاسدا، فإذا عمل العامل وربح.. كان الربح كله لرب المال، واستحق العامل أجرة مثله.
وقال أبو حنيفة: (إذا عمل العامل في هذه.. كان بضاعة، وكان الربح كله لرب المال، ولا أجرة للعامل). وبه قال بعض أصحابنا.
ودليلنا: أن مقتضى القراض أن يكون الربح بينهما، فإذا شرطه لأحدهما.. فقد شرط ما ينافي مقتضاه، وإذا بطل العقد.. وجب للعامل أجرة المثل، كالأولى.
وإن دفع إليه ألفا، وقال: اعمل عليه والربح كله لك.. قال أبو العباس: كان ذلك قرضا؛ لأنه لم يذكر اسم القراض ولا معناه، وإن قال: اعمل عليه والربح كله لي.. قال أبو العباس: كان ذلك بضاعة، فيكون الربح كله لرب المال، ولا شيء للعامل؛ لأن هذه صفة البضاعة.
قال: والأصل في هذا: أن كل لفظة كانت موضوعة لعقد من العقود خاصة فيه، فإنها إذا أطلقت.. حلمت عليه، وإن عقبت بما ينافي ذلك العقد.. فسد العقد، وكل لفظة كانت محتملة لنوعين من العقود فأكثر، فإذا ذكرت، ثم عقبت بما يقتضيه أحد تلك العقود.. حملت على بيان ذلك العقد، وبيان هذا: أن قوله: قارضتك، لفظة موضوعة لنوع من العقود، وهو العقد الذي يشترك فيه العامل ورب المال في الربح، فإذا أطلقت.. حملت على ذلك، وإن عقبت بما ينافي ذلك، بأن يقول: الربح كله لي أو كله لك فسد القراض، وكذلك قوله: بعتك بلا ثمن، يكون بيعا فاسدا، وقوله: خذ هذا المال واعمل عليه، لفظة مشتركة بين القراض والقرض والبضاعة، فإذا أطلق.. لم يكن حملها على أحد أنواع العقود المذكورة بأولى من البعض، فإن عقبها بشرط يقتضيه أحد هذه العقود.. حلمت عليه، فإذا قال: اعمل عليه على أن يكون الربح بيننا.. كان قراضا. وإن قال: اعمل عليه على أن يكون الربح كله لك.. كان قرضا. وإن قال: اعمل عليه على أن يكون الربح كله لي.. كان بضاعة. وكذا إذا قال: ملكتك هذا، إن قال بعوض.. كان بيعا، وإن لم يذكر العوض.. كان هبة. هذا ترتيب الشيخ أبي حامد.
وقال المسعودي [في (الإبانة) ق \ 321] لو قال: قارضتك على أن يكون الربح كله لك.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه قرض، وبه قال أبو حنيفة.
والثاني: أنه قراض فاسد.
وإن قال: قارضتك على أن يكون الربح كله لي.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه بضاعة.
والثاني: أنه قراض فاسد.
وإن قال: أبضعتك على أن جميع الربح لك.. ففيه وجهان، وكذا لو قال: بعتك هذا الثوب، ولم يذكر الثمن.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه بيع فاسد.
والثاني: ليس ببيع، ولا مضمون.

.[فرع: تغيير مقدار ربح العامل]

قال في (العدة): لو شرط للعامل نصف الربح، ثم بعد أيام رده إلى ثلث الربح أو ربعه.. لم يجز ما لم يفسخا العقد الأول، ويجددا عقدا آخر، خلافا لأبي حنيفة رحمة الله عليه.
دليلنا: أن عقد المضاربة الصحيحة لا يقبل تغيير المشروط من الربح، فلم يصح، كما لو انفرد به أحدهما.