فصل: الأول: (اشترى بمال القراض عبدا فقتله عبد آخر عمدا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: شراء زوج المضاربة]

وإن كان رب المال امرأة ولها زوج عبد، فاشتراه عاملها في القراض، فإن اشتراه بإذنها.. صح شراؤه للقراض، وينفسخ نكاحها، كما لو اشترته بنفسها، وإن اشتراه بغير إذنها بعين مال القراض.. فهل يصح شراؤه للقراض؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح الشراء، وينفسخ به النكاح، وهو قول أبي حنيفة؛ لأن الربح يحصل بشرائه، فصح، فهو كما لو لم يكن لها زوج، أو كما لو أذنت في شرائه.
والثاني: لا يصح، وهو المنصوص؛ لأن إذنها يقتضي شراء ما لها فيه حظ ومنفعة، وشراء زوجها يضرها؛ لأنه ينفسخ نكاحها، ويسقط به حقها من الكسوة والنفقة، فهو كما لو اشترى لها من يعتق عليها وإن اشتراه بثمن في ذمته فإن قلنا: يصح شراؤه للقراض إن اشتراه بعين مال القراض.. صح أيضا هاهنا. وإن قلنا هناك: لا يصح للقراض.. فإنه يصح في حق العامل وحده، كما قلنا في العامل إذا اشترى من يعتق على رب المال بغير إذنه، بثمن في ذمته.

.[مسألة: ما يجب على العامل تجاه مال القراض وما لا يجوز له فعله]:

وإذا قارضه على مال؛ ليتجر به في الحضر.. فقد ذكرنا: أنه يتولى بنفسه ما جرت العادة أن يتولاه العامل بنفسه، ولا يستحق لذلك عوضا، وليس عليه أن يتولى من الأعمال ما لم تجر عادة العامل أن يتولاه بنفسه، مثل: النداء على المتاع، وحمله إلى الخانات، وله أن يستأجر من يعمل ذلك من مال القراض.
ولا يستحق أن ينفق على نفسه من مال القراض، ولا يكتسي منه بلا خلاف؛ لأنه إنما يستحق الجزء المشروط له من الربح دون غيره.
ولا يسافر بالمال من غير إذن رب المال.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (يجوز إذا كان الطريق آمنا).
دليلنا: أن السفر فيه تغرير بالمال؛ لأنه يعرض فيه الخوف والفساد، فلم يملكه العامل من غير إذن رب المال، كما لو كان الطريق مخوفا.
وإن أذن له رب المال أن يسافر بالمال.. جاز له أن يسافر به؛ لأن المنع منه لحقه، وقد رضي به، وإذا سافر به.. فعليه أن يتولى من الأعمال ما جرت العادة أن يتولاه العامل في السفر، مثل: حفظ المتاع، والنوم عليه، وليس عليه أن يتولى من
الأعمال ما لم تجر العادة أن يتولاه العامل، مثل: رفع الأحمال، وحطها، وما أشبه ذلك، بل يستأجر من مال القراض من يتولاها. وهل تجب للعامل النفقة في السفر من مال القراض، مثل: المأكول، والمشروب، وما يحتاج إليه من المركوب والملبوس؟
نقل المزني في (المختصر) [3/62] (أن له النفقة بالمعروف)، وقال في (البويطي): (ليس له ذلك إلا بإذن رب المال).
وقال المزني في (الجامع الكبير): حفظت عن الشافعي: (أن القراض لا يصح حتى يشرط العامل لنفسه نفقة معلومة في كل يوم، وثمن ما يلبسه للعمل).
واختلف أصحابنا في ذلك على طريقين.
فـ (الأول): قال بعض أصحابنا: لا يستحق العامل ذلك، قولا واحدا، لأن ذلك إنفاق على نفسه، فلم يستحقه العامل في السفر، كما لو كان في الحضر، وتأولوا ما نقله المزني في (المختصر): على النفقة على الأعمال التي لا يتولاها العامل بنفسه.
و(الطريق الثاني): منهم من قال: في المسألة قولان:
أحدهما: لا يستحق ذلك؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن ينفرد العامل بجميع الربح، لأنه قد يحتاج إلى جميع الربح للنفقة.
والثاني: يستحق ذلك، وهو قول مالك؛ لأن سفره لأجل المال، فكانت نفقته فيه، ولأنا لو قلنا: إنه ينفق على نفسه من ماله.. لأدى إلى أن لا يحصل له شيء من الربح؛ لأنه قد ينفق جميع نصيبه من الربح، وربما لا يربح، فيغرم النفقة.
فإذا قلنا: لا نفقة له.. فلا كلام، وإذا قلنا: يستحق النفقة.. فالذي يقتضي المذهب: أنه لا يستحق النفقة.. إلا في الربح؛ لأن مقتضى القراض رد رأس المال.
وكم يستحق من النفقة؟ فيه وجهان:
أحدهما: جميع النفقة؛ لأن يسافر لأجل المال، فكانت جميع نفقته فيه.
والثاني: أنه يستحق ما زاد لأجل السفر على نفقة الحضر؛ لأن ذلك هو القدر الذي لزمه لأجل السفر.
وهل يفتقر إلى تقدير النفقة؟ فيه قولان:
(الأول): قال في (البويطي): (يفتقر إلى تقدير النفقة في عقد القراض)؛ لأنه جزء يستحقه العامل من مال القراض، فكان مقدرا، كحصته من الربح.
والثاني: لا يفتقر، وهو الأصح؛ لأن الأسفار تختلف، فيقل الإنفاق فيها ويكثر، وذلك لا يمكن تقديره، بخلاف حصة العامل من الربح، قال أبو العباس، وأبو إسحاق: يضعف التقدير جدا.

.[فرع: سافر مقارضا وبمال له فالنفقة محصصة]

فإن سافر العامل في مال القراض، وبمال له.. كانت النفقة محصصة على المالين.
قال أبو علي في (الإفصاح): وإنما تحصص النفقة على المالين إذا كان ماله مما يقصد له السفر، فأما إذا كان يسيرا: فلا حكم له، وتكون النفقة والمؤن كلها في مال القراض، وكذلك: إن سافر بمال له ومالين منفردين لمقارضين له.. كانت نفقته محصصة على قدر الأموال فيها؛ لأن سفره لأجلها، فقسمت نفقته عليها.
وإن دفع إليه مالا قراضا، وأذن له في السفر فيه إلى بلد، فلقيه رب المال في تلك البلد التي سافر إليها، وقد نض المال، فأخذه رب المال، وأراد العامل الرجوع إلى بلده.. فهل يجب على رب المال نفقة الرجوع؟ فيه قولان:
أحدهما: يجب له ذلك؛ لأنه استحق نفقة ذهابه ورجوعه بمقتضى القراض، فلم تسقط نفقة رجوعه باسترجاع المال.
والثاني: لا يستحق؛ لأن عقد القراض قد انفسخ، فلا يستحق بعد ذلك نفقة، كما لو مات العامل، فإنه لا يستحق الكفن في مال القراض.

.[فرع: موت المقارض والعامل في السفر]

ذكر الطبري: لو مات رب المال والعامل في السفر.. فليس له أن ينفق من مال المقارضة ذاهبا ولا راجعا في أحد الوجهين، خلافا لأبي حنيفة؛ لأن المال قد صار للورثة، فافتقر إلى إذنهم.

.[مسألة: وقت استحقاق العامل الربح]

إذا قارضه قراضا صحيحا، وحصل في المال ربح.. فمتى يملك العامل ما شرط له حصة من الربح؟ فيه قولان:
أحدهما: وهو قول مالك، والمزني: (أنه لا يملكه إلا بالمقاسمة)؛ لأن العامل لو ملك شيئا من المال قبل القسمة.. لكان شريكا لرب المال، حتى لو تلف شيء من المال.. لكن محسوبا من المالين، فلما كان التالف محسوبا من الربح.. دل على: أنه لم يملك شيئا من المال.
والثاني: أنه يملك حصته من الربح بالظهور، وهو قول أبي حنيفة. قال الشيخ أبو حامد: وهو الأصح؛ لأن العامل إنما يملك فسخ القراض بالمطالبة بحقه من الربح، ومن ملك مطالبة شريكه بقسمة ما بينهما.. دل على: أنه يملك حصته بالظهور، كالمال بين الشريكين.

.[مسألة: لا يقسم الربح إلا برضا المتعاقدين]

فإن طلب أحد المتقارضين قسمة الربح بينهما مع بقاء عقد القراض، وامتنع الآخر.. لم يجبر الممتنع؛ لأن لكل واحد منهما غرضا في الامتناع؛ لأن رب المال يقول: الربح وقاية لرأس المال، والعامل يقول: لا آمن أن أخسر، فأحتاج إلى رد ما أخذته، فإن اتفقا على قسمة الربح مع بقاء عقد القراض.. صح؛ لأن الحق لهما، فإن حصل بعد ذلك في المال خسران، وكان للعامل نصف الربح، وقد أخذه.. كان على العامل أقل الأمرين من نصف الخسران، أو رد جميع ما أخذ؛ لأن الربح والخسران حصلا في عقد واحد، فجبر أحدهما بالآخر.

.[فرع: اقتسما الربح قبل نهاية المضاربة]

إذا دفع إليه ألفا، فاتجر بها، فصارت ألفين، فاقتسما الربح بينهما وتفاصلا، ثم تلف الأصل في يد العامل من غير تفريط.. فلا شيء عليه.
وقال أبو حنيفة: (عليه أن يرد ما أخذ من الربح).
دليلنا: أنهما اقتسما الفضل والأصل حاصل، فصحت القسمة، وترك أصل المال في يده أمانة، فهو كما لو استرده، ثم دفعه إليه، فتلف.

.[فرع: نقص مال المضاربة ثم زاد فكيف يقتسمان الربح]

إن دفع رجل إلى رجل مائة درهم قراضا، فاتجر العامل فيها، فخسر عشرة وبقي في يده تسعون درهما، فأخذ رب المال عشرة منها، ثم اتجر العامل بالثمانين، فبلغت مائة وخمسين درها.. فإن رأس المال يكون هاهنا تسعة وثمانين درهما إلا تُسع درهم، وما زاد على ذلك ربح يقتسمانه على ما شرطاه بينهما؛ لأن رأس المال كان مائة، فلما خسر عشرة.. بقي في يد العامل تسعون.
ولو أخذ رب المال جميع التسعين.. انفسخ القراض فيها وفي العشرة التي خسرها العامل، فلما أخذ رب المال عشرة لا غير.. انفسخ القراض فيها وفي قسطها من الخسران، والعشرة المأخوذة هي تُسع التسعين، وقسطها من الخسران درهم وتسع درهم؛ لأنك إذا قسمت العشرة على تسعين أصاب كل عشرة درهم وتُسع درهم، فاحتجت أن تسقط ما خص العشرة المأخوذة وما خصها من الخسران من رأس المال،
وهو مائة، فيبقى تسعة وثمانون درهما إلا تُسع درهم، ويكون الباقي من المائة هو رأس المال، وما زاد على ذلك ربح.
فإن كانت بحالها وخسر العامل من المائة عشرين درهما، ثم أخذ رب المال من الباقي عشرين درهما، ثم اتجر العامل فيما بقي، وهو ستون، فبلغ مائة وخمسين.. فإن رأس المال هاهنا يكون خمسة وسبعين، وما زاد فهو ربح؛ لأنه لما خسر عشرين وبقي ثمانون، فأخذ رب المال عشرين منها، وذلك ربعها، فسقطت هي وما قابلها من الخسران من رأس المال، والذي قابلها من الخسران خمسة؛ لأن العشرين - التي هي خسران - مقسومة على الثمانين.. فكأنه أخذ من المائة خمسة وعشرين، وتبقى خمسة وسبعون، هي رأس المال.
وإن كانت هي بحالها، غير أن العامل خسر من المائة عشرين، ثم أخذ رب المال من الثمانين أربعين، ثم اتجر العامل فبلغت ستين.. فإن رأس المال يكون خمسين؛ لأنه لما أخذ من الثمانين نصفها.. انفسخ القراض فيها وفيما يخصها من الخسران، وهو عشرة، فكأنه أخذ خمسين من مائة.
وهكذا: لو خسر العامل من المائة عشرة، وبقي في يده تسعون، فأخذ رب المال منها خمسة وأربعين، ثم اتجر العامل وربح.. فإن رأس المال يكون خمسين، وما زاد فهو ربح؛ لأنه لما أخذ من التسعين نصفها.. انفسخ فيها القراض وفيما يخصها من الخسران، وهو خمسة، فكأنه أخذ خمسين من مائة، فلما اتجر العامل وربح.. كان رأس المال ما بقي بعد المأخوذ.

.[فرع: أخذ المقارض نصف رأس المال واتجار العامل بالباقي]

فإن دفع إليه مائة درهم قراضا، على أن الربح بينهما نصفان، فاتجر العامل فيها فبلغت مائة وستين درهما منها، فأخذ رب المال ثمانين درهما منها، ثم اتجر العامل في الباقي، فخسر حتى بلغت عشرين.. فإن العامل يرد العشرين التي بقيت في يده إلى رب المال، ويأخذ من رب المال خمسة عشر درهما من الثمانين التي قبضها، وإنما كان كذلك؛ لأن المال لما بلغ مائة وستين درهما، فإن خمسة أثمان المال - وهو مائة هو رأس المال، وثلاثة أثمانه - وهو ستون - ربح، فلما أخذ رب المال الثمانين من المالين.. كان خمسة أثمانه - وهو خمسون درهما - من رأس المال، وثلاثة أثمانه - وهو ثلاثون - من الربح.. لا يجبر به الخسران؛ لأن المأخوذ قد انفسخت فيه المضاربة، فكان للعامل نصف ذلك الربح، وهو خمسة عشر. وأن كانت بحالها، فاتجر العامل في المائة، فبلغت مائة وخمسين درهما، ثم أخذ رب المال خمسين درهما منها، وبقي في يد العامل مائة، فاتجر فيها، فعادت إلى خمسين.. فإن العامل يرد الخمسين التي في يده إلى رب المال، ويأخذ من الخمسين التي أخذها رب المال سدسها؛ لأن ثلثي الخمسين المأخوذة رأس المال، وثلثها ربح، وللعامل نصف الربح.
وإن ربح العامل في المائة عشرين، فأخذ رب المال منها ستين، ثم اتجر العامل في الستين الباقية، فخسر، فعادت إلى أربعين أو أقل.. فإنه يرد ما بقي في يده إلى رب المال، ويأخذ من رب المال نصف سدس الستين، وهو خمسة؛ للمعنى الذي ذكرناه.

.[فرع: قارضه على ألف وأضافه ألفا أخرى والربح بينهما]

وإن دفع إليه ألفا قراضا، على أن الربح بينهما نصفان، ثم دفع إليه ألفا قراضا، على أن يضمها إلى الأولى، ويعمل عليهما، ويكون الربح بينهما نصفين.. قال الشافعي: (فإن قارضه على الثانية قبل أن يتصرف في الأولى.. صح القراض فيهما، وإن قارضه على الثانية بعد أن تصرف في الأولى.. لم يصح القراض على الثانية).
ووجهه: أنه عقد معه قراضين على كل واحد من الألفين قراضا، ومن شأن العقدين أن لا يبنى أحدهما على الآخر في الربح والخسران، فإذا كان قد تصرف في الأولى.. فربما حصل فيه ربح أو خسران، فإذا ضم الثانية إليها.. جبر الخسران في الأولى بالثانية، فلم يصح، وإذا لم يكن تصرف في الأولى.. فإنه لا يفضي إلى أن يجبر خسران إحداهما في الأخرى، بل إن حصل خسران.. فهو فيهما، وإن حصل ربح.. فهو فيهما، وإن تصرف في الأولى ونضت.. فقال القاضي أبو الطيب في (المجرد): جاز ضم الثانية إليها؛ لأنه قد أمن المعنى الذي ذكرناه، وصار كأنه لم يتصرف في الأولى.

.[فرع: شراء عامل القراض من يعتق عليه]

وإن اشترى العامل من يعتق عليه، كابنه وأبيه، بمال القراض بغير إذن رب المال.. نظرت:
فإن لم يكن في المال ربح حال ما اشتراه.. صح شراؤه؛ لأنه لا ضرر على رب المال بذلك؛ لأنه يمكن بيعه، فإن ظهر في المال ربح فلا كلام، وإن كان في المال ربح قبل أن يبتاع العبد، فإن قلنا: إن العامل لا يملك حصته من الربح إلا بالقسمة.. لم يعتق الأب ولا شيء منه؛ لأن العامل لا يملك منه شيئا، فإن اقتسما الربح، وحصل في نصيب العامل.. عتق عليه، وإن حصل في نصيب رب المال لم يعتق عليه، وإن حصل بينهما.. عتق على العامل نصيبه منه، وقوم عليه نصيب رب المال فيه إن كان العامل موسرا بقيمة نصيب رب المال. وإن قلنا: إن العامل يملك حصته من الربح بالظهور.. فهل يعتق عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يعتق عليه؛ لأن ملكه عليه غير تام قبل القسمة؛ لأن الربح قبل القسمة وقاية لرأس المال، وإنما يتم ملكه بالقسمة.
فعلى هذا: حكمه حكم ما ذكرناه إذا قلنا: لا يملك حصته من الربح إلا بالقسمة.
والوجه الثاني: يعتق عليه؛ لأنه ملكه، فعتق عليه، كما لو اشترى العامل من يعتق على رب المال بإذنه.
فعلى هذا: إن كان العامل يملك من الربح بقدر قيمته.. عتق عليه جميعه، ولا كلام، وإن كان لا يملك من الربح إلا بقدر بعض قيمته.. عتق عليه ذلك القدر، وقوم عليه نصيب رب المال فيه إن كان العامل موسرا به، وإن لم يكن له مال آخر.. عتق منه بقدر نصيب العامل لا غير.
وأما إذا اشتراه وفي المال ربح حين الشراء:
فإن قلنا: إن العامل لا يملك حصته من الربح إلا بالمقاسمة، أو قلنا: إنه يملك حصته من الربح بالظهور، وقلنا - بأحد الوجهين في المسألة قبلها - على هذا القول: إنه لا يعتق عليه.. صح شراؤه هاهنا؛ لأنه لا ضرر على رب المال بذلك.
وإن قلنا: يملك حصته من المال بالظهور، وقلنا - بأحد الوجهين في المسألة قبلها - على هذا القول: إنه يعتق عليه حصته منه.. فهل يصح الشراء هاهنا؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يصح؛ لأنهما شريكان في المال، وأحد الشريكين إذا اشترى من يعتق عليه.. صح شراؤه.
فعلى هذا: إن كان العامل يملك من الربح قدر قيمته يوم الشراء.. عتق عليه، وإن كان لا يملك من الربح إلا أقل من قيمته، فإن كان موسرا بقيمة الباقي.. عتق عليه، وإن كان معسرا بقيمة باقيه.. عتق عليه بقيمة قدر ما ملك من الربح من رقبته، ورق الباقي.
والوجه الثاني: لا يصح الشراء؛ لأن ذلك يؤدي إلى تنجز حق العامل قبل رب المال، ولأنه إذا عتق بعضه، ولم يكن موسرا بقيمة الباقي.. نقصت قيمة الباقي، واستضر رب المال بذلك، والعامل لا يملك تصرف تصرفا فيه ضرر على رب المال.

.[مسألة: يد عامل القراض يد أمانة]

والعامل أمين على مال القراض، لا يضمن شيئا منه إلا بالتعدي؛ لأن رب المال ائتمنه عليه، فهو كالمودع.

.[فرع: إذا فرط العامل بمال القراض]

فإن خلط العامل مال القراض بمال له، ولم يتميزا.. صار ضامنا له؛ لأنه تعدى بذلك فضمنه كالمودع.
قال الشيخ أبو حامد: وإن أخذ العامل من رب المال ما ليس يمكنه القيام فيه والتصرف، فتصرف فيه وتلف، أو تلف بعضه.. لزمه ضمانه؛ لأنه كان يمكنه أن لا يأخذ إلا ما يمكنه القيام بحفظه والتصرف فيه، فإذا أخذ أكثر من ذلك.. صار مفرطا فيه، فضمنه.

.[فرع: قارضه بألفي درهم فتلف أحدهما]

فيحسب من الربح أو رأس المالوإن دفع رجل إلى رجل آخر ألفي درهم قراضا، فتلف أحدهما.. نظرت فيه:
فإن تلف في يد العامل قبل أن يتصرف.. انفسخ القراض فيها، وكان رأس المال الألف الأخرى لا غير، وجها واحدا؛ لأنها تلفت وهي باقية بعينها، فهي كما لو تلفت قبل أن يقبضها العامل.
وإن تصرف العامل بالألفين، واشترى بهما وباع، ونض المال، ثم تلف منه ألف.. فإن التالف يكون من الربح، وجها واحدا؛ لأن الربح وقاية لرأس المال، فكان محسوبا منه.
وإن اشترى بكل واحد من الألفين عبدا، فتلف أحدهما.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن التالف من رأس المال، فيكون رأس المال ألفا لا غير؛ لأن العبدين بدل الألفين، ولو تلف أحد الألفين.. لكان محسوبا من رأس المال، فكذلك إذا تلف ما هو بدل عنه.
والثاني: أن التالف يحسب من الربح. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح ويكون رأس المال ألفين؛ لأنه تلف بعد أن تصرف فيه، فكان محسوبا من الربح، كما لو باع العبد، وتلف ثمنه.

.[فرع: اشترى عبد فتلف مال القراض قبل تسليم ثمنه]

وإن دفع إلى رجل ألف درهم قراضا، فاشترى العامل عبدا للقراض، فتلف الألف قبل أن يسلمه إلى بائع العبد.. نظرت:
فإن كان العامل اشترى العبد بعين الألف.. بطل بيع العبد، وانفسخ القراض؛ لأن تلف الثمن المعين قبل القبض يبطل به البيع.
وإن اشترى العبد بثمن في ذمته.. نظرت:
فإن كان تلف الألف قبل الشراء.. فإن القراض ينفسخ في الألف، ويلزم العامل ثمن العبد الذي اشتراه، وجها واحدا؛ لأنه اشتراه بعد انفساخ القراض، فلزمه الثمن.
وإن تلف الألف بعد الشراء.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن الألف تلزم العامل؛ لأن إذن رب المال إنما تضمن التصرف في قدر المال الذي دفعه إليه في القراض، ولم يضمن أن يلزمه أكثر منه.
والثاني: أن الألف تلزم رب المال؛ لأن العامل اشترى العبد لرب المال؛ لأن إذنه له تضمن الشراء بعين المال وبثمن في الذمة، كرجل وكل وكيلا ليشتري له عبدا بثمن في ذمته، فسلم إليه ألفا لينقدها في الثمن، فاشترى له عبدا بألف في ذمته، ثم تلف الألف قبل أن يسلمه، فإن الموكل يلزمه ثمن العبد.
فإذا قلنا بهذا: ففي قدر رأس المال الوجهان في المسألة قبلها:
أحدهما: أن رأس المال الألفان الأول والثاني.
والوجه الثاني: أن رأس المال الألف الثاني لا غير.
فروع ثلاثة - ذكرها أبو العباس -:

.الأول: [اشترى بمال القراض عبدا فقتله عبد آخر عمدا]:

إذا اشترى العامل عبدا بمال القراض، فقتله عبد آخر عمدا.. نظرت:
فإن لم يظهر في المال ربح حين القتل.. فالحق في ذلك لرب المال، فإن اقتص من العبد القاتل.. جاز، وإن عفا عنه على غير مال.. صح، وانفسخ القراض في قدر قيمة العبد المقتول، وإن عفا عنه على مال.. صح، وكان القراض ثابتا في المال الذي عفا عنه؛ لأنه بدل عن العبد، فإن كان ذلك المال مثل قيمة العبد المقتول، أو دونه.. كان ذلك لرب المال، وإن كان أكثر من قيمة المقتول.. كان قدر قيمة المقتول لرب المال، وما زاد على ذلك ربح بينهما.
وإن كان قد ظهر في المال ربح حين القتل.. فالحق فيه لرب المال والعامل، وهما بالخيار، فإن تراضيا على القصاص.. اقتصا، وإن عفوا على مال أو على غير مال.. صح، وإن عفا أحدهما عن القصاص.. صح عفوه، ولم يكن للآخر أن يقتص؛ لأن العامل يملك حصته من الربح في أحد القولين، وفي الآخر قد تعلق له فيه حق.

.الفرع الثاني: [اشترى العامل بمال القراض جارية، لم يجز له وطؤها]:

إذا اشترى العامل جارية للقراض.. لم يجز له وطؤها؛ لأنه إن لم يظهر في المال ربح.. فهي ملك لرب المال، ولا يجوز له وطء جارية غيره، وإن ظهر في المال ربح، فإن قلنا: إنه لا يملك شيئا من الربح إلا بالقسمة.. فهي جارية غيره، وإن قلنا: إنه يملكه بالظهور.. فهي جارية مشتركة بينهما، ولا يجوز لأحد الشريكين وطء الجارية المشتركة.
ولا يجوز لرب المال وطؤها؛ لأنه إن كان في المال ربح، وقلنا: يملك العامل حصته بالظهور.. فهي مشتركة بينهما، وإن قلنا: لا يملكه إلا بالقسمة، أو لم يظهر في المال ربح.. فهي معرضة لكي يحصل فيها ربح، فيتعلق بها حق العامل، والوطء ينقصها، وربما أحبلها.
إذا ثبت هذا: فإن أذن رب المال للعامل في وطئها.. لم يجز؛ لأن الوطء لا يستباح بالإباحة، وإن أذن العامل لرب المال في وطئها، فإن كان قد ظهر في المال ربح، وقلنا: إنه يملك حصته منه بالظهور.. لم يجز؛ لما ذكرناه، وإن قلنا: لا يملكه إلا بالقسمة، أو لم يظهر في المال ربح.. جاز لرب المال وطؤها، كما لو أذن المرتهن للراهن في وطء الجارية المرهونة.

.الفرع الثالث: [جارية القراض لا تزوج]:

إذا اشترى العامل جارية للقراض، فأراد أحدهما أن يزوجها دون الآخر.. لم يجز؛ لما ذكرناه في الوطء، فإن تراضيا على ذلك.. جاز؛ لأن الحق لهما، ولو اشترى العبد المأذون له في التجارة جارية، وأراد السيد تزويجها، فإن لم يكن على المأذون له دين.. جاز ذلك بغير رضا المأذون له؛ لأن الملك فيها للسيد دونه، وإن كان على المأذون له دين.. لم يجز للسيد، لأن حقوق الغرماء تعلقت بها.