فصل: (فرع: في الدلوك)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:في شروط وجوب الصلاة]

ولا تجب الصلاة إلا على مسلم، بالغ، عاقل، طاهر.
فأما الكافر: فإن كان أصليًا.. فلا خلاف أنه مخاطب بالتوحيد. وهل هو مخاطب بالأعمال الشرعية، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؟ فيه وجهان:
الأول: قال أكثر أصحابنا: هو مخاطب بها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44].
وقَوْله تَعَالَى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7].
فعلى هذا: يعاقبون على ترك ذلك في الآخرة، إذا ماتوا على الكفر، ولا خلاف أنهم لا يعاقبون على تركها في الدنيا، ولا يصح منهم فعلها قبل الإسلام.
والوجه الثاني - وهو اختيار الشيخ أبي حامد -: أنهم غير مخاطبين بذلك، ولا يأثمون بتركها؛ لأنهم لو كانوا مخاطبين بذلك.. لعوقبوا على تركها في الدنيا، ولصح منهم فعلها، ولوجب عليهم قضاؤها.
ومن الناس من قال: إنهم مخاطبون بالمنهيات، مثل: ترك الزنا، والقتل، وغير مخاطبين بالمأمورات.
وإذا أسلم الكافر.. لم يجب عليه قضاء ما تركه من الصلوات في حال الكفر، سواء قلنا: إنه مخاطب بفعلها، أو غير مخاطب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإسلام يجب ما قبله».
ولأن في إيجاب القضاء عليه تنفيرًا عن الإسلام.
وإن كان الكافر مرتدًا.. فإنه مخاطب بالصلاة؛ لأنه قد التزم ذلك بالإسلام، ولا تصح منه في حال الردة؛ لأن الردة تنافي الصلاة، فلم تصح معها.
فإذا أسلم.. وجب عليه قضاء ما تركه في حال الردة.
وقال أبو حنيفة: (لا يجب).
دليلنا: أنه قد التزم ذلك بالإسلام، فلم تسقط عنه بالردة، كحقوق الآدميين. وأما الصبي: فلا تجب عليه الصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق».
إلا أنه يجب على الولي: أن يعلمه فرض الطهارة والصلاة؛ ليبلغ وهو يحسن ذلك. ويستحب للولي: أن يأمره بفعل الطهارة والصلاة إذا صار ابن سبع سنين وكان مميزًا، ويضربه على ترك ذلك إذا صار ابن عشر سنين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع». ولا يلزم الصبي ذلك.
وقال أحمد: (يلزمه ذلك). وقال الطبري: وإليه أشار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بعض كتبه. وليس بشيء؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة». فذكر فيه: «عن الصبي حتى يبلغ».

.[فرع: زوال العقل بجنون]

ومن زال عقله بجنون، أو إغماء.. لم تجب عليه الصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وعن المجنون حتى يفيق».
وإن شرب دواء ولم يكن الغالب منه ذهاب العقل، فزال عقله.. لم يجب عليه فرض الصلاة؛ لأنه زال عقله بسبب مباح، فهو كما لو زال بالجنون.
وإن أراد أن يتناول دواء فيه سم.. فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب (الصلاة): (إن غلب على ظنه، أنه يسلم منه.. جاز له تناوله، وإن غلب على ظنه أنه لا يسلم منه.. لم يجز له تناوله).
وذكر في (الأطعمة): (إذا كان الغالب منه السلامة.. هل له تناوله؟ فيه قولان).
قال الشافعي: (وأقل زوال العقل: أن يكون مختلطًا، فيعزب عنه الشيء وإن قل، ثم يثوب إليه عقله).
وإذا أفاق المجنون، أو المغمى عليه، أو من زال عقله بمباح.. لم يجب عليهم قضاء ما فاتهم من الصلوات، في حال زوال العقل.
وقال أبو حنيفة: (إذا أغمي عليه أكثر من يوم وليلة، حتى دخلت الصلاة في حد التكرار.. سقط عنه فرض الصلاة. وإن أغمي عليه دون ذلك.. وجب عليه القضاء).
وفي المجنون: عنه روايتان، المعروف عنه: أنه كمذهبنا.
دليلنا: أن كل معنى أسقط فرض الصلاة إذا دخل في حد التكرار.. أسقطها وإن لم يدخل في حد التكرار، كالجنون.

.[فرع: زوال العقل بسكر]

وإن شرب مسكرًا فزال عقله، أو شرب دواء من غير حاجة فزال عقله.. فإن فرض الخطاب بالصلاة متوجه عليه؛ لأنه مفرط فيما فعل، ولكن لا يصح منه فعل الصلاة؛ لأنه لا يمكنه ذلك؛ فإذا أفاق.. لزمه قضاء ما فاته في حال السكر؛ لأنه غير معذور بزوال عقله.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في "الأم" [1/60] (وأقل السكر: أن يغلب عليه؛ فيذهب عنه بعض ما لم يكن يذهب عنه).
ولا يجب فرض الصلاة على الحائض والنفساء، وقد مضى ذلك في كتاب (الحيض).

.[فرع: الجنون في حال الردة والسكر]

وإن سكر أو ارتد، ثم جن في حال سكره، أو في حال ردته.. وجب عليه القضاء.
وإن حاضت المرأة في حال الردة.. لم يجب عليها قضاء ما فاتها في حال الحيض.
والفرق بينهما: أن سقوط الصلاة عن المجنون للتخفيف، والمرتد والسكران ليسا من أهل التخفيف. وسقوط الصلاة عن الحائض عزيمة، والمرتد من أهل العزائم.
قال في "الإبانة" [ق \ 57] وكم القدر الذي يجب قضاؤه على المجنون في حال سكره من الصلوات؟ فيه وجهان:
أحدهما: قدر ما يدوم السكر.
والثاني: ما فاته في أيام جنونه.
وأما إذا جن في حال الردة.. فيلزمه إعادة جميع ما فاته في حال الجنون.

.[مسألة:في إتمام وإعادة ما صُلِّيَ قبل البلوغ]

قال الشافعي: (ولو دخل غلام في الصلاة، فلم يكملها، حتى استكمل خمس عشرة سنة.. أحببت أن يتم ويعيد، ولا يبين لي أن عليه الإعادة).
واختلف أصحابنا فيها.
فقال أبو إسحاق: يلزمه أن يتم الصلاة؛ لأن صلاته صحيحة، وقد أدركه الوجوب وهو فيها، فلزمه إتمامها، كمن دخل في صوم تطوع، ثم نذر إتمامه، ويستحب له أن يعيد؛ ليكون مؤديًا للصلاة في حال الكمال. وهذا: ظاهر نص الشافعي؛ لأن سقوط الإعادة عنه معلوم بقوله: (ولا يبين لي أن عليه الإعادة).
وقوله: (أحببت أن يتم ويعيد) الاستحباب: عائد إلى الإعادة، مع وجوب الإتمام.
فعلى هذا: إذا صلى في أول الوقت، ثم بلغ في آخره.. لم تلزمه الإعادة، بل يستحب.
قال الشيخ أبو حامد: ورأيت في كتاب " الانتصار " لأبي العباس مثل قول أبي إسحاق.
وحُكِيَ عن أبي العباس: أنه قال: يستحب له الإتمام، وتلزمه الإعادة؛ لأن ما صلى قبل البلوغ نفل، فاستحب له إتمامه. ويلزمه أن يعيد؛ لأنه لا يصح أداء الصلوات الواجبة إلا بعد البلوغ.
فعلى هذا: إذا صلى في أول الوقت، ثم بلغ في آخره.. لزمه أن يعيد.
وقال أبو سعيد الإصطخري: إن بلغ وقد بقي من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الصلاة.. لزمه أن يعيد، وإن لم يبق في الوقت ما يتمكن فيه من فعل الصلاة.. لم يلزمه أن يعيد.
وهذا ليس بشيء؛ لأنه لو لزمته الإعادة إذا بقي من الوقت قدر الصلاة.. لكانت الإعادة لازمة له وإن لم يبق من الوقت إلا قدر ركعة. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (إذا بلغ الصبي في حال الصلاة، أو بعد الصلاة.. لزمه أن يعيد). وأصل الخلاف - بيننا وبينه -: يعود إلى أن للصبي صلاة شرعية أم لا؟
فعندنا: له صلاة شرعية.
وعنده: إنما يؤمر بالصلاة؛ ليتمرن على فعلها، وليست بصلاة شرعية.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر».
فلولا أن ما يفعلونه عبادة.. لما أمر بضربهم عليها؛ ولأنها عبادة يرجع إلى شرطها في حال العذر، فجاز أن يعتد بفعلها في حال الصغر، كالطهارة.

.[مسألة:حكم تارك الصلاة]

ومن وجبت عليه الصلاة، فلم يصل حتى خرج الوقت.. سئل: لم تركها؟ فإن قال: لأني أعتقد أنها غير واجبة علي.. نظرت:
فإن كان ناشئًا في بلد قاصية من المسلمين، أو أسلم ولم يختلط بالمسلمين..
قيل له: هي واجبة عليك. وإن كان ممن تقدم إسلامه، وهو مخالط للمسلمين.. حكم بكفره؛ لأن وجوبها معلوم من دين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطريق يوجب العلم الضروري. ويجب قتله لذلك.
وإذا قتل.. كان ماله فيئًا للمسلمين، ولا يرثه ورثته من المسلمين، ولا يدفن في مقابرهم.
وإن قال لما سئل عنها: نسيتها.. قيل له: اقضها، فإن قال: لا أستطيع.. قيل له: صل كيفما استطعت.
قال صاحب "الفروع": وهل يتعين فعل القضاء في أول وقت التذكر، حتى يقتل إن أخره عن ذلك الوقت؟ فيه وجهان.
المذهب: أنه لا يتعين، ولا يقتل.
وإن قال: أنا أعتقد وجوبها، ولكني لا أصلي كسلاً وتهاونًا.. فهذا يجب قتله عندنا.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، والمزني: (لا يقتل).
فمنهم من يقول: (يحبس، حتى يصلي).
ومنهم من يقول: يضرب، وهو اختيار المزني.
ومنهم من قال: لا يتعرض له؛ لأنها أمانة في عنقه.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]. فأمر الله تعالى بدفع القتل عنهم بالتوبة، وإقامة الصلاة، فمن قال: إنه إذا تاب وآمن، ولم يصل، سقط عنه القتل.. فقد ترك أحد الشرطين في الكتاب.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ترك الصلاة.. فقد برئت منه الذمة».
وهذا يدل على: إباحة دمه.
وروي: أنه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهيت عن قتل المصلين» فدل على: أنه لم ينه عن قتل غير المصلين.
ولأن الصلاة عبادة محضة، تجب لا بقوله، لا تدخلها النيابة ببدن ولا مال، فوجب: أن يقتل تاركها، كالشهادتين.
فقولنا: (عبادة محضة) احتراز من العدة.
وقولنا: (تجب لا بقوله) احتراز من الصلاة المنذورة.
وقولنا: (لا تدخلها النيابة ببدن) احتراز من الحج.
وقولنا: (ولا مال) احتراز من الزكاة، ومن الصوم؛ لأن الشيخ الهرم إذا عجز.. أفطر وفدى.
إذا ثبت هذا - أنه يقتل -: فمتى يقتل؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها ابن الصباغ:
أحدها - وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: أنه يقتل إذا ضاق الوقت عن الصلاة الرابعة، فيقتل بها لا بما مضى؛ لأنه إذا ترك ثلاث صلوات.. علم تهاونه بها، وإذا ترك دونها.. جاز أن يكون تركها لعذر، أو تأويل.
والثاني - وهو قول أبي إسحاق -: أنه يقتل إذا ضاق وقت الصلاة الثانية، وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأن الأولى مختلف في جواز تأخيرها، فإذا ترك الثانية.. علم أنه قد عزم على الترك مداومة.
والثالث: أنه يقتل إذا خرج وقت الأولى.
قال ابن الصباغ: وهذا ظاهر مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ومتى وجب قتله.. فهل يجب استتابته ثلاثة أيام، أو في الحال؟ فيه قولان، كالمرتد:
فإذا قلنا: يجب استتابته ثلاثة أيام، فقتله قبل الثلاث.. أثم قاتله، ولا يجب ضمانه، كالمرتد.
وكيف يقتل؟
المنصوص: (أنه تحز رقبته).
ومن أصحابنا من قال: لا تحز رقبته، بل يضرب بالخشب حتى يصلي، أو يموت.
فإذا قتل.. فإنه يقتل حدًا، كما يقتل الزاني المحصن، فيدفن في مقابر المسلمين، وترثه ورثته من المسلمين.
وقال صاحب " التلخيص ": يسوى عليه التراب بحيث لا يعلم أن هناك قبرًا؛ عقوبة له.
ولا يحكم بكفره في هذا القسم.
وقال أحمد، وإسحاق، وبعض أصحابنا: (يكفر بذلك)؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بين العبد والكفر ترك الصلاة، فمن تركها.. فقد كفر».
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس صلوات في اليوم والليلة كتبهن الله تعالى على عباده، فمن فعلهن.. كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن تركهن. لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له».
ولو كان كافرًا.. لم يغفر له؛ لأن الكافر لا يغفر له.
وأما الخبر: فمحمول على أنه يتعلق عليه بعض أحكام الكفر، وهو القتل، كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قتال المسلم كفر». قال الصيمري: ومن كذب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببعض ما جاء به، أو قال: أصلي الفرض قاعدًا مع القدرة على القيام، أو عريانًا مع السترة، أو أصلي بغير وضوء.. كفر بذلك.
وبالله التوفيق.

.[باب المواقيت]

الصلاة مؤقتة، والدليل عليه: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كتابا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]. وقَوْله تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18].
قال ابن عباس: (والمراد بالتسبيح - هاهنا -: الصلاة، والمراد بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] المغرب والعشاء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] الصبح، {وَعَشِيًّا} [الروم: 18] العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] الظهر).
وقَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78].
فـ (الدلوك): الزوال، و (غسق الليل): الظلام. فتضمن ذلك: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. و (قرآن الفجر): يعني الصبح.

.[مسألة:وقت الصلاة]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والوقت للصلاة وقتان: وقت مقام ورفاهية، ووقت عذر وضرورة).
ولا خلاف بين أصحابنا أن (وقت المقام والرفاهية): هو وقت المقيم المترفه، الذي ليس بممطور؛ لأن (المقام) - بضم الميم -: من الإقامة، و - بفتحها -: هو الموضع الذي يقام فيه.
و (الرفاهية): هي الخفض والدعة.
وأما وقت العذر والضرورة: فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: (وقت العذر): هو وقت المسافرين، والممطورين في الحضر.
وأما (وقت الضرورة): فهو وقت أهل الضرورات، وهم: الكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا، والحائض والنفساء إذا طهرتا.
فعلى قول هذا القائل: الوقت ثلاثة أوقات.
وذهب أبو إسحاق، وسائر أصحابنا إلى: أن وقت العذر والضرورة، هو وقت واحد، وهو وقت أهل الضرورات الذين ذكرناهم، وهو الأصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (والوقت وقتان).

.[مسألة:في وقت الظهر]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/62] (إذا زالت الشمس.. فهو أول وقت الظهر والأذان). وإنما بدأ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بوقت الظهر؛ لـ: «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مواقيت الصلاة في يومين متواليين، عند باب البيت، فبدأ بصلاة الظهر».
وقيل: إنها أول ما افترض الله من الصلوات.
والدليل على أن أول وقت الظهر يدخل بالزوال: ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن للصلاة أولا وآخرًا، فإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر».
وروي عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمني جبريل عند باب البيت مرتين: فصلى بي الظهر في المرة الأولى، حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك. وصلى بي الظهر في المرة الثانية، حين صار ظل كل شيء مثله». وهو إجماع لا خلاف فيه.
إذا ثبت هذا: فالزوال: هو زوال الشمس من الارتفاع إلى الانخفاض؛ لأن السماء مثل القبة: وسطها عال، وأطرافها نازلة. والشمس تطلع في أطرافها، فيكون ظل الشخص - حين الطلوع - طويلاً إلى قدام الشخص؛ لدنو الشمس من الأرض، فكلما ارتفعت الشمس.. تناقص ظل الشخص، ودار حتى إذا حصلت الشمس في كبد السماء.. تناهى نقصانه، فيعلم - حينئذ - على ظل الشخص بعلامة، فإذا أخذت الشمس في الانحطاط.. زاد الظل، وذلك هو الزوال.
وظل الشخص الذي يكون عند الزوال يختلف باختلاف الأزمان والبلدان:
فأما (الأزمان): فإنه يكون بالصيف قليلاً، وفي الشتاء أكثر منه؛ لأن الشمس بالصيف تسير في وسط السماء، فإذا حصلت في وسط الفلك.. لم يبق للشخص إلا ظل قليل. وتسير في الشتاء في جانب الفلك في عرض السماء، ولا تبلغ إلى وسطها، فتكون أقرب إلى الأرض، فيطول الظل لذلك قبل الزوال.
وأما (اختلاف ذلك في البلدان): فكل بلد قرب من المشرق، أو المغرب.. بعد عن وسط الفلك، فيكون ظل الشخص عند الزوال أكثر منه في البلاد التي تحت وسط الفلك.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وقيل: إن الشخص قد لا يبقى له عند زوال الشمس في بعض الأوقات ظل).
قال الشيخ أبو حامد: وهذا إنما يكون بمكة في السنة يومًا واحدًا، وهو أطول يوم في السنة؛ لأنه يقال: إن مكة أوسط الدنيا. وقيل: إن الكعبة سرة الأرض.
إذا تقرر هذا: فإنه لا يجوز افتتاح صلاة الظهر قبل الزوال، وهو قول كافة العلماء.
وروي عن ابن عباس رواية ضعيفة: (أنه يجوز). وليس بشيء.
فإذا زالت الشمس.. فقد وجبت الصلاة. ويستحب: إقامتها، ولا ينتظر بها حتى يصير الفيء مثل الشراك.
وحكى الساجي: عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه قال: (يستحب ذلك، ولا يجب). وليس بشيء.
ومن الناس من قال: لا يجوز أن تصلي، حتى يصير الفيء مثل الشراك؛ لأن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يصل بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر في المرة الأولى، إلا حين صار الفيء مثل الشراك.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وإن وقت الظهر حين تزول الشمس».
وروي: «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نزل، فقال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين زالت الشمس: يا محمد قم فصل الظهر».
وأما ما روي: «أنه صلى به حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك»: فالمراد به: أنه حين زالت الشمس.. كان الفيء مثل الشراك، لا أنه أخر إلى أن صار الظل مثل الشراك.

.[فرع: في الدلوك]

و (الدلوك): هو الزوال وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وعائشة.
وقال أبو حنيفة: (الدلوك: هو الغروب). وبه قال علي، وابن مسعود.
دليلنا: ما روى أبو مسعود البدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فصلى بي الظهر حين دلكت الشمس» وأراد: حين زالت؛ لأنه وقت الظهر.
وأما آخر وقت الظهر: فهو إذا صار ظل كل شيء مثله من غير الزيادة، لا من ظل أصل الشخص. وإن لم يكن للشخص ظل وقت الزوال، فمن أصل الشخص. ويدخل وقت العصر، ولا فاصل بينهما.
وقد أوهم المزني: أن بينهما فصلا، حيث قال: ثم لا يزال وقتها قائما حتى يصير ظل الشيء مثله، فإذا جاوز ذلك بأقل زيادة.. فقد دخل وقت العصر.
فيقتضي ظاهر هذا الكلام: أن تلك الزيادة ليست من وقت الظهر، ولا من وقت العصر، غير أن المذهب: ما ذكرناه.
وقد بينه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [1/63] فقال: (إذا جاوز ذلك بأقل زيادة.. فقد خرج وقت الظهر، وذلك حين ينفصل وقت الظهر من وقت العصر). ويكون تأويل ما ذكره المزني: أن يعلم بتلك الزيادة دخول وقت العصر. وبهذا قال الأوزاعي والليث والثوري.
وذهب عطاء، وطاوس، ومالك إلى: أنه يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله، ولا يذهب وقت الظهر، بل يمتزج الوقتان إلى غروب الشمس.
وقال ابن جرير الطبري، والمزني، وأبو ثور، وإسحاق: يمتزج الوقتان بقدر أربع ركعات، من حين يصير ظل كل شيء مثله، ثم يصير الوقت بعد ذلك للعصر وحده.
وعن أبي حنيفة ثلاث روايات:
إحداهن: - وعليها يعتمدون - (أن وقت الظهر باق إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه).
والثانية: (أن وقت الظهر باق إلى أن يصير ظل كل شيء دون مثليه).
والثالثة: (أن آخره إذا صار ظل كل شيء مثله. ويدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه، وما بينهما يكون فصلا بين الوقتين).
دليلنا: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلى بي جبريل الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس، ثم صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين كان كل شيء بقدر ظله وقت العصر بالأمس، ثم التفت، وقال: يا محمد، الوقت ما بين هذين الوقتين».
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر». وهذا ينفي أن يكون بينهما فاصل.