فصل: (فرع: أذان الجمعة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: أذان الجمعة]

قال المحاملي: قال الشافعي:وأحب أن يؤذن للجمعة أذانًا واحدًا عند المنبر؛ لما «روى السائب بن يزيد قال: كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر، وعمر - إذا جلس الإمام على المنبر - أذانًا واحدًا، فلما كان في زمن عثمان، وكثر الناس.. أمر بالأذان الثاني، فأذن به، فكان يؤذن به على الزوراء لأهل السوق والناس».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأحب ما كان يفعل على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر.
ويستحب أن يكون المؤذن واحدًا؛ لأنه لم يكن يؤذن يوم الجمعة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بلال.

.[فرع: استدعاء الأئمة إلى الصلاة]

يجوز استدعاء الأمراء إلى الصلاة؛ لما روي: (أن بلالا كان يفعل ذلك في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، و: (في زمن أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -).

.[مسألة:التطوع بالأذان]

إذا لم يوجد من يتطوع بالأذان.. رزق الإمام من سهم المصالح من يؤذن.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا أحسب بلدًا تخلو من متطوع بالأذان).
فإن أراد أن يستأجر رجلا للأذان.. فهل يصح عقد الإجارة عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، وهو اختيار الشيخ أبو حامد؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعثمان بن أبي العاص: اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا».
قال الشيخ أبو حامد: وكذلك لا تصح الإجارة على القضاء، والإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد.
والوجه الثاني: يصح الاستئجار على الأذان، وهو اختيار القاضي أبي الطيب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وابن الصباغ.
وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه إعلام بوقت الصلاة، فيصح الاستئجار عليه، كالمواقيتي.
فإذا قلنا بهذا.. فهل يختص عقد الإجارة عليه بالإمام، أو يصح منه ومن غيره من الناس؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق \ 60]. وبالله التوفيق.

.[باب طهارة البدن وما يصلى فيه وعليه]

الطهارة ضربان: طهارة عن حدث، وطهارة عن نجس.
فأما الطهارة عن الحدث: فهي شرط في صحة الصلاة، وذلك إجماع لا خلاف فيه وقد مضى ذكر ذلك.
وأما الطهارة عن النجس في البدن، والثوب، والبقعة التي يصلي عليها:
فهي شرط في صحة الصلاة عندنا، وهو قول كافة العلماء.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذا صلى وعليه نجاسة.. أعاد في الوقت).
وهذا من قوله يدل على الاستحباب وروي عن ابن عباس: أنه قال: (ليس على الثوب جنابة).
وروي: أن رجلاً سأل سعيد بن جبير عمن صلى وفي ثوبه نجاسة؟ فقال: اقرأ علي الآية التي فيها غسل الثوب من النجس.
وروي عن ابن مسعود: (أنه نحر جزورًا، فأصاب ثوبه من دمه وفرثه، فصلى ولم يغسله).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] والمراد به: عن النجس؛ لأن الثوب لا يتأتى فيه الطهارة عن الحدث.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه». ولم يفرق.
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم».
إذا ثبت هذا: فالنجاسة على ضربين: دم، وغير دم.
فأما غير الدم، كالخمر، والبول، والعذرة: فإن كانت يدركها الطرف.. لم يعف عنها؛ لأنه يمكن الاحتراز منها. وإن كانت لا يدركها الطرف.. ففيها طرق مضى ذكرها في المياه.
وإن كانت دمًا: فإن كان دم ما لا نفس له سائلة، كالبق، والبرغوث.. فقد ذكرنا فيما قبل: أنه نجس - خلافًا لأبي حنيفة - وإذا ثبت: أنه نجس.. فإنه يعفى عن قليله في الثوب والبدن؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه.
وهل يعفى عن كثيره؟ فيه وجهان:
الأول قال أبو سعيد الإصطخري: لا يعفى عنه؛ لأنه لا يشق الاحتراز منه.
والثاني قال عامة أصحابنا: يعفى عنه. وهو الأصح؛ لأن هذا الجنس يشق الاحتراز منه في الغالب، فألحق نادره بغالبه.
وإن كان دم ما له نفس سائلة من الحيوان غير الكلب، والخنزير، وما توالد منهما، أو من أحدهما.. ففيه ثلاثة أقوال:
الأول: قال في " الإملاء ": (لا يعفى عن قليله، ولا عن كثيره، كالبول، والعذرة).
والثاني: قال في القديم: (يعفى عما دون الكف، ولا يعفى عن الكف؛ لأن ما دون الكف قليل فيعفى عنه، والكف فما زاد كثير، فلم يعف عنه).
والثالث قال في "الأم" [1/47] (يعفى عن القليل منه، وهو: ما يتعافاه الناس في العادة). وهو الأصح، وقدره بعض أصحابنا بلمعة؛ لأنه يشق الاحتراز من ذلك، ولا يشق الاحتراز عما زاد.
وهل يفرق بين الدم الذي يخرج منه، وبين ما يخرج من غيره؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا فرق بينهما؛ لأنه دم.
والثاني: أن الأقوال إنما هي في الدم الذي يخرج من غيره، فأما الدم الذي يخرج منه: فهو كدم البراغيث - يعفى عن القليل منه، قولاً واحدًا. وفي الكثير وجهان - لأنه يمكنه الاحتراز من الدم الذي يخرج من غيره، ولا يمكنه الاحتراز من الدم الذي يخرج منه.

.[مسألة:حكم النجاسة التي لا يعفى عنها]

إذا كان على بدنه نجاسة غير معفو عنها، ولم يجد ماء يغسله به.. صلى، وأعاد، كما قلنا فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا.
وإن كان على قرحه دم يخاف من غسله تلف النفس، أو تلف عضو، أو الزيادة في العلة أو إبطاء البرء إذا قلنا: إنه كخوف التلف.. فإنه يغسل ما قدر عليه، ويتيمم لأجل الجراحة، إن كان جنبًا، أو كان محدثًا، والقرح في أعضاء الطهارة.
وهل يلزمه إعادة الصلاة، إذا قدر على الغسل؟ فيه قولان:
أحدهما: لا تلزمه الإعادة إذا قدر - وهو قول أبي حنيفة، واختيار المزني - لأنه صلى على حسب حاله.
والثاني: تلزمه الإعادة، وهو الصحيح؛ لأنه صلى بنجس نادر غير متصل، فهو كما لو صلى بنجاسة نسيها.
فقولنا: (بنجس نادر) احتراز من أثر الاستنجاء.
وقولنا: (غير متصل) احتراز من الاستحاضة، ومن سلس البول.

.[فرع: تبديل العظم والسن بنجس]

إذا انكسر عظمه وبان، أو سقطت سنه، فأراد أن يبدل مكانها عظمًا آخر، فإن كان عظمًا طاهرًا، كعظم الحيوان المأكول بعد الذكاة.. جاز.
وإن كان عظمًا نجسًا، كعظم الميتة - إذا قلنا: تحله الروح - أو عظم الكلب والخنزير.. لم يجز، فإن فعل ذلك، فإن لم يلتحم عليه اللحم.. لزمه قلعه بلا خلاف.
وإن التحم عليه اللحم، فإن لم يخف التلف من قلعه.. لزمه قلعه.
وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه قلعه).
دليلنا: أنها نجاسة غير معفو عنها، أوصلها إلى موضع، يلحقه حكم التطهير، لا يخاف التلف من قلعه، فلزمه قلعه، كما لو كانت نجاسة على ظاهر بدنه.
فقولنا: (نجاسة غير معفو عنها) احتراز من النجاسة التي لا يدركها الطرف.
وقولنا: (إلى موضع يلحقه حكم التطهير) احتراز ممن شرب الخمر، في أحد الوجهين.
وقولنا: (لا يخاف التلف من قلعه) احتراز من أحد الوجهين.
وإن خاف تلف النفس من قلعه، أو تلف عضو.. فهل يلزمه قلعه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه قلعه، وإن أدى إلى التلف، كما يقتل الممتنع من الصلاة.
والثاني - وهو المذهب - أنه لا يلزمه قلعه؛ لأن حكم النجاسة يسقط مع خوف التلف.
وكل موضع قلنا: يلزمه القلع، فصلى قبل القلع.. لم تصح صلاته؛ لأنه صلى بنجس نادر غير متصل، فهو كما لو حمل نجاسة في كمه.
وإن مات قبل أن يقلع.. ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يقلع، حتى لا يلقى الله تعالى حاملاً للنجاسة.
والثاني: قال عامة أصحابنا: لا يقلع؛ لأن قلعه للتعبد، وقد سقطت عنه العبادة بالموت.

.[فرع: حقن الدم وابتلاع النجاسة]

قال في "الأم" [1/46] (فإن أدخل تحت جلده دمًا، فنبت عليه اللحم.. فعليه أن يخرج ذلك الدم، ويعيد كل صلاة صلاها مع ذلك الدم)؛ لما ذكرناه في العظم.
وإن شرب خمرًا، أو أكل ميتة من غير ضرورة.. فالمنصوص: (أنه يلزمه أن يتقيأ)؛ لما ذكرناه في العظم.
ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه؛ لأن المعدة معدن النجاسة. والأول أصح؛ لأن هذا لما كان شربه محرمًا.. كانت استدامته محرمة. ولهذا روي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شرب لبنًا، فقيل له: إنه من إبل الصدقة.. فتقيأه).

.[فرع: وصل الشعر]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا تصل المرأة شعرها بشعر إنسان، ولا بشعر ما لا يؤكل لحمه بحال).
وهذا كما قال: لا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر نجس.
والدليل عليه: ما روت أسماء: «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله إن ابنتي أصابتها حصبة فتمزق شعرها، أفأصله؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمفلجة للحسن، والمغيرة خلق الله، والمتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال».
فأما (الواصلة): فهي المرأة التي تصل الشعر لغيرها.
وأما (المستوصلة): فهي التي يوصل لها الشعر.
قال في "الإفصاح": وقيل: إن الواصلة: هي التي تصل بين الرجال والنساء. والأول أشهر.
وأما (الواشمة والمستوشمة): فهي المرأة التي تجعل في وجهها، أو في بدنها خالاً للحسن بالنؤور.
وأما (النامصة والمتنمصة): فهي التي تنتف الشعر من وجهها، وتدقق حاجبيها، مأخوذ من (المنماص)، وهو: الملقاط.
وأما (المفلجة) فهي: الواشرة، وقد روي: " الواشرة والموتشرة ". وهي: التي تشر أسنانها وتدققها، يفعل ذلك الكبار؛ تشبهًا بالصغار.
إذا ثبت هذا: فإن أرادت أن تصل شعرها بشعر طاهر، كشعر ما يؤكل لحمه بعد الذكاة أو الجز في حال الحياة، أو أرادت وصله بشيء طاهر غير الشعر، فإن كانت غير ذات زوج ولا سيد.. فهل يحرم عليها فعله؟ فيه وجهان:
الأول: قال الشيخ أبو حامد: يكره ذلك لها؛ لأنها تغر غيرها بكثرة الشعر، وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الغرر» والتدليس. ولا يحرم عليها ذلك؛ لأنه زينة بطاهر.
والثاني: قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 69]، والطبري: يحرم عليها ذلك؛
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله الواصلة والمستوصلة».
وإن كان لها زوج أو سيد.. ففيه وجهان:
الأول: قال الشيخ أبو حامد، وغيره من أصحابنا: يجوز، ولا يكره؛ لأن لها أن تتزين له، وهذا من الزينة المباحة.
والثاني: لا يجوز. وإليه أشار في "الإفصاح"؛ لعموم الخبر.
قال الطبري: وهكذا الحكم في النقوش بالحناء، وتحمير الوجه، إن كانت غير ذات زوج أو سيد.. لم يجز.
وإن كان لها زوج، أو سيد.. فهل يجوز بإذنه؟
فيه وجهان، ولم يشترط الشيخ أبو حامد إذنه في ذلك.

.[مسألة:طهارة الثوب]

قد ذكرنا أن طهارة الثوب الذي يصلى فيه شرط في صحة الصلاة، ومضى الخلاف فيه، والدليل.
فإذا ثبت هذا: وكان معه ثوب عليه نجاسة غير معفو عنها، ولا يجد ماء يغسله به، ولم يجد سترة غيره.. فهل يصلي فيه؟ قولان:
أحدهما: يصلي في الثوب النجس، ويعيد، كما قلنا فيمن لم يجد ماء، ولا ترابًا.
والثاني - وهو الأصح -: إنه يجب عليه أن يصلي عريانًا، ولا يعيد؛ لأن الصلاة تصح مع العري، إذا لم يجد سترة، ووجود هذا الثوب كعدمه.
وإن اضطر إلى لبسه؛ لحر أو برد.. صلى فيه، وأعاد، كما قلنا فيمن لم يجد ماءً ولا ترابًا.
وإن وجد من الماء ما يغسله به، فإن عرف موضع النجاسة.. لزمه غسلها دون غيرها. وإن خفي عليه موضع النجاسة من الثوب.. لم يجز له أن يتحرى في موضع النجاسة؛ لأن التحري إنما يكون بين عينين، والثوب عين واحدة.
وما الذي يلزمه؟ فيه وجهان:
الأول: قال أبو العباس: يغسل موضعًا منه؛ لأنه إذا غسل موضعًا منه.. تحقق طهارة ما غسله، وصار يشك في باقيه: هل هو نجس أم لا؟ والأصل بقاؤه على الطهارة.
والثاني - وهو الأصح - أنه يلزمه غسل الثوب كله، كما لو نسي صلاة من خمس صلوات.. فإنه يلزمه أن يصلي الخمس؛ ليسقط الفرض عنه بيقين.
ولا يطهر بغسل بعضه؛ لأنه قد تحقق حصول النجاسة فيه، وهو يشك: هل ارتفعت بغسل بعضه؟ والأصل بقاؤها.
فإن شقه نصفين، فأراد أن يتحرى في القطعتين.. لم يجز؛ لجواز أن يكون الشق في وسط النجاسة، فتكون القطعتان نجستين.

.[فرع: اشتباه أحد الثوبين بالنجاسة]

وإن كان معه ثوبان، وفي أحدهما نجاسة، واشتبها عليه.. جاز له التحري فيهما، وقد مضى ذكر الخلاف في ذلك، والدليل.
فإن كان معه ثوب ثالث يتيقن طهارته، أو كان معه ماء يمكنه أن يغسل به أحد الثوبين.. فهل يجوز له التحري في الثوبين المشتبهين؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز له التحري؛ لأنه يقدر على إسقاط الفرض بيقين.
والثاني: يجوز له؛ لأنه يجوز إسقاط الفرض في الظاهر، مع القدرة على اليقين.
وإن أداه اجتهاده إلى طهارة أحدهما، ونجاسة الآخر، فغسل النجس عنده.. جاز له أن يصلي بكل واحد منهما على الانفراد.
فإن جمع بينهما، وصلى بهما.. ففيه وجهان:
الأول: قال أبو إسحاق: لا يجوز؛ لأنه يتيقن حصول النجاسة فيهما، ويشك في زوالها بالغسل، فلم يصح، كما لو أصابت النجاسة موضعًا من الثوب، واشتبه عليه، فغسل موضعًا منه.
والثاني: قال أبو العباس: تصح صلاته. وهو الأصح؛ لأن أحدهما طاهر بيقين، والآخر طاهر في الظاهر، فجاز له أن يجمع بينهما.
وإن لم يغلب على ظنه طهارة أحدهما، ولا ماء معه.. ففيه وجهان:
الأول: قال صاحب "الفروع": يصلي بكل واحد منهما على الانفراد، إذا اتسع الوقت؛ ليسقط عنه الفرض بيقين.
والثاني: قال عامة أصحابنا: يصلي عريانًا ويعيد؛ لأنه لا يجوز أن يستفتح الصلاة بثوب غير محكوم بطهارته باليقين، ولا في الظاهر.

.[فرع: في القميص أصابته نجاسة وخفيت عليه]

وإن أصابت النجاسة موضعًا من القميص، وخفي عليه موضعها، ففصل أحد الكمين.. لم يجز له التحري فيه وجهًا واحدًا؛ لأن أصله على المنع.
وإن أصابت النجاسة أحد الكمين، أو أحد شقي الثوب، واشتبها عليه.. فهل يجوز له أن يتحرى فيه قبل أن يفصله؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنهما عينان متميزتان، فهما كالثوبين.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه ثوب واحد.
فإن فصل أحدهما عن الآخر.. جاز له التحري فيهما وجهًا واحدًا.

.[فرع: ما اتصل بالمصلي ولم يتحرك بحركته]

وإن كان معه ثوب، بعضه طاهر، وبعضه نجس، فلبسه وصلى فيه، والموضع النجس منه موضوع في الأرض.. لم تصح صلاته.
وقال أبو ثور: (تصح صلاته).
وقال أبو حنيفة: (إن لم يتحرك بحركته.. صحت صلاته).
دليلنا: أنه حامل لما هو متصل بالنجاسة، فلم تصح صلاته، كما لو كان يرتفع معه، أو يتحرك بحركته.
وإن صلى وعلى رأسه عمامة، وطرفها على نجاسة.. لم تصح صلاته، سواء كانت متضاعفة فوق النجاسة، أو غير متضاعفة.
وقال أبو حنيفة: (إن لم تتحرك بحركته.. صح).
دليلنا: أنه حامل لما هو متصل بالنجاسة، فلم تصح صلاته، كما لو كان حاملاً للنجاسة.

.[فرع: ثوب الحائض والجنب والصبي والصلاة في الصوف]

وتجوز الصلاة في ثوب الحائض، إذا لم تتحقق عليه النجاسة؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت:كنت أحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث حيض، ولا أغسل لي ثوبًا». وإنما أرادت: إذا لم تتحقق أنه أصابه من دمها شيء.
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة:ناوليني الخمرة من المسجد فقالت: إني حائض، فقال:ليست الحيضة في يدك، والمؤمن لا ينجس».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:ويجوز للرجل أن يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله، إذا لم يصبه شيء من النجاسة؛ لما روي: «أن معاوية سأل أخته أم حبيبة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:وتجوز الصلاة في ثوب الصبي، ما لم يعلم عليه نجاسة؛ لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل أمامة ابنة أبي العاص، وهو يصلي، وعليها ثيابها).
وتجوز الصلاة في الصوف، والشعر، والوبر، إذا كان طاهرًا، وهو قول كافة العلماء.
وقالت الشيعة والروافض: لا تصح الصلاة إلا على ما تخرجه الأرض.
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على نمرة».
و (النمرة): هي الشملة المخططة من الصوف.

.[فرع: في الكلب المشدود بحبل]

وإن شد حبلاً في كلب، أو خنزير، وتركه تحت رجله وصلى.. صحت صلاته؛ لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا لما هو متصل بها.
وإن كان الحبل في يده، أو وسطه.. فذكر الشيخان: أبو حامد، وأبو إسحاق: إن كان الكلب صغيرًا.. لم تصح صلاته، وجهًا واحدًا؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة. وإن كان الكلب كبيرًا.. ففيه وجهان:
أحدهما: تصح صلاته؛ لأن للكلب اختيارًا.
والثاني: لا تصح، وهو الأصح؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة.
وذكر ابن الصباغ الوجهين من غير تفصيل بين الكبير والصغير.
وذكر المسعودي [في "الإبانة" ق \ 68] ثلاثة أوجه، ولم يفرق بين الصغير، والكبير أيضًا:
أحدها: يصح.
والثاني: لا يصح.
والثالث: إن كان الحبل مشدودًا على خرقة، أو شيء طاهر فوق الكلب.. صحت صلاته، وإن كان الحبل مشدودًا على الكلب.. لم تصح صلاته.

.[فرع: الصلاة بسفينة مشدودة بحبل]

نجسوإن شد حبلاً على سفينة فيها نجاسة، فإن كان الشد في موضع نجس من السفينة.. نظرت:
فإن كان الحبل تحت قدمه، وصلى.. صحت صلاته؛ لأنه غير حامل للنجاسة، ولا لما هو متصل بها.
وإن كان الحبل مشدودًا في وسطه، أو يده.. لم تصح صلاته وجهًا واحدًا؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة.
وإن كان الحبل مشدودًا في موضع طاهر من السفينة، وطرفه في يده.. فذكر الشيخان أبو حامد، وأبو إسحاق: إن كانت السفينة صغيرة.. لم تصح صلاته وجهًا واحدًا؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة. وإن كانت كبيرة.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا تصح، كالصغيرة.
والثاني: تصح. وهو المذهب؛ لأنه ليس بحامل لها، ولا لما هو متصل بالنجاسة.
وذكر ابن الصباغ وجهين، من غير تفصيل بين الصغيرة، والكبيرة.