فصل: (مسألة:عن أحكام الركعة الثانية)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:عن أحكام الركعة الثانية]

ثم يقوم إلى الركعة الثانية، فيصليها مثل الأولى، إلا في النية، ودعاء الاستفتاح؛ لأن ذلك يراد للدخول، فإن كانت الصلاة تزيد على ركعتين.. جلس، وتشهد، وهذا الجلوس والتشهد فيه سنتان، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وعامة أهل العلم.
وقال الليث، وأحمد، وإسحاق، وداود، وأبو ثور: (هما واجبان).
دليلنا: ما روي عن ابن بحينة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام من اثنتين من الظهر، أو العصر ولم يجلس، فلما قضى صلاته.. سجد سجدتين للسهو، ثم سلم»، ولو كانتا واجبتين.. لما جبرهما بالسجود، كالركوع.
والجلسات في الصلاة أربع: الجلسة بين السجدتين، وجلسة الاستراحة، والجلسة للتشهد الأول، والجلسة للتشهد الأخير.
والسنة عندنا: أن يجلس في الجلسات الثلاث الأول مفترشًا، وهو أن يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب قدمه اليمنى.
قال الشافعي: (ويفضي ببطون أصابعه إلى الأرض).
وفي الجلسة الأخيرة يجلس متوركا، وهو أن يخرج رجله اليسرى من تحت وركه، ويفضي بمقعدته إلى الأرض، وينصب قدمه اليمنى.
وقال مالك: (السنة: أن يتورك في جميعها).
وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه: (السنة: أن يفترش في جميعها).
دليلنا: أن أبا حميد وصف صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «لما جلس في الأوليين، وبين السجدتين.. ثنى رجله اليسرى، وجلس عليها، ونصب اليمنى، فلما جلس في الرابعة.. أماط رجله من تحت وركه، وأفضى بمقعدته إلى الأرض، ونصب قدمه اليمنى».
وإن كانت الصلاة صبحًا، فإنه إذا جلس للتشهد.. تورك فيه؛ لأنها الجلسة الأخيرة فيها.
قال الشافعي: (فإن أدرك المأموم الإمام في الركعة الأخيرة من الصبح.. فإنه يجلس مع الإمام تبعًا له، ويفترش رجله اليسرى؛ لأن عليه أن يتبع الإمام في فعله، لا في صفته، ألا ترى أنه يتبع الإمام في القراءة، ولا يتبعه بالجهر بها).
وكذلك إذا أدركه في الثانية من المغرب بعد الركوع.. فإن هذا المأموم يجلس أربع جلسات للتشهد، يفترش في ثلاث منها، ويتورك في الأخيرة منها؛ لما ذكرناه.

.[مسألة:الجلوس للتشهد]

وإذا جلس للتشهد.. فإنه يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويبسط أصابعه.
قال المحاملي: ويضمها.
وقال ابن الصباغ: ويفرقها.
وأما اليد اليمنى: ففي كيفية وضعها ثلاثة أقوال:
أحدها - وهو المشهور -: أنه يضعها على فخذه اليمنى مقبوضة الأصابع، إلا المسبحة؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قعد للتشهد.. وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبابة».
وروى ابن الزبير: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا جلس للتشهد.. افترش رجله اليسرى، ونصب اليمنى، ووضع إبهامه عند الوسطى، وأشار بالسبابة، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى». ذكره البغوي.
وكيف يصنع بالإبهام على هذا؟ فيه وجهان:
أحدهما: يضعها في وسط كفه، كأنه عاقد ثلاثة وخمسين؛ لما ذكرناه في رواية ابن عمر.
والثاني: يضعها على أصبعه الوسطى، كأنه عاقد ثلاثة وعشرين؛ لما ذكرناه في رواية ابن الزبير.
والقول الثاني: أنه يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق بالإبهام والوسطى، ويشير بالسبابة؛ لما روى وائل بن حجر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هكذا.
والقول الثالث: أنه يقبض الخنصر والبنصر والوسطى، ويبسط الإبهام والسبابة، ويشير بها؛ لما روى أبو حميد الساعدي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هكذا.
قال ابن الصباغ: وهذه الأخبار تدل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يضعها تارة كذا، وتارة كذا، فكيفما وضع يده من ذلك.. أتى بالسنة، ويشير بالسبابة، على الأقوال كلها عند الشهادة؛ لما ذكرناه من الأخبار، ولكن يشير بها عند كلمة الإثبات، وهو قوله: (إلا الله)، لا عند كلمة النفي.
قال ابن الصباغ: ولا يجاوز طرفه إشارته.
وهل يحركها؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو الصحيح -: أنه لا يحركها، وإنما يشير بها فقط؛ لما روى ابن الزبير: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يشير بها، ولا يحركها، ولا يجاوز بصره إشارته».
والثاني: يحركها؛ لما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يشير بها، وقال: «إنها مذعرة للشيطان».
قال الشيخ أبو حامد: فإذا قلنا بهذا: فإنه يحركها في جميع التشهد، ولا تبطل صلاته بذلك؛ لأنه عمل قليل، فهو كما لو غمض عينيه وفتحهما.
وحكى الصيدلاني، عن أبي علي بن أبي هريرة: أن صلاته تبطل بذلك؛ لأنه عمل كثير، وليس بشيء.

.[مسألة:ألفاظ التشهد]

ويتشهد، وأفضل التشهد عندنا: ما رواه ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أن يقول: «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله».
وهذه رواية الشافعي، عن ابن عباس، ورواه عنه أبو داود، وقال: " السلام ". بزيادة الألف واللام فيهما.
قال الشيخ أبو حامد: والجميع واحد؛ لأن التنوين يقوم مقام الألف واللام.
وقال أبو حنيفة: الأفضل: أن يتشهد بما رواه ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو: «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله»، وبه قال الثوري، وأحمد، وإسحاق، واختاره ابن المنذر.
وقال مالك: الأفضل: أن يتشهد بما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه علم الناس التشهد على المنبر، وهو: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.
وإنما اختار الشافعي رواية ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن»، وذكر ما قلناه، وهذا يدل على حفظه وضبطه، وكل موضع ذكر الله التحية، فإنه قال:سلام من غير ألف ولام.
إذا ثبت هذا: فإن أبا علي الطبري، حكى عن بعض أصحابنا: أن الأفضل أن يقول: بسم الله وبالله، التحيات المباركات الزاكيات، والصلوات والطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ ليجمع بذلك بين الروايات، وليس بشيء؛ لأن التسمية غير ثابتة في الحديث، والواجب من ذلك خمس كلمات وهي: التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله؛ لأن كل من روى التشهد روى هؤلاء الكلمات.
وفي قوله: (ورحمة الله) وجهان:
الأول: قال ابن سريج: لا تجب.
والثاني – وهو المذهب -: أنه يجب.
وفي قوله: (وبركاته) وجهان:
الأول: قال أكثر أصحابنا: لا يجب.
والثاني: أنه واجب. حكاه الصيدلاني، والمسعودي [في "الإبانة" ق \ 66].
قال الشافعي: (ويقول: وصلى الله على محمد). فيكون ستًا.
قال الشيخ أبو حامد: أو يقول: اللهم صل على محمدٍ.
وأما قوله: (المباركات) فلا يجب؛ لأنه نعت للتحيات.
وقوله: (الصلوات الطيبات) لا يجب؛ لأن قوله: التحيات يقوم مقامه.
قال في "الأم": (ولو قدم بعض ألفاظها على بعض.. أجزأه، كما يجزئه في الخطبة).
وأما تفسير (التحيات لله): فروي عن ابن عباس، وابن مسعود: أنهما قالا: أنهما قالا:معنى: (التحيات لله): العظمة لله.
وقال أبو عمر: (التحيات لله): الملك لله. وأنشد قول زهير: ولكل ما نال الفتى... قد نلته إلا التحية يعني: إلا الملك.
وقال بعضهم: (التحيات لله)، يعني: سلام الخلق لله. مأخوذ من قَوْله تَعَالَى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: 10]. وأما (الصلوات): فيريد: الصلوات الخمس. (والطيبات) يريد: الأعمال الصالحة.
وقيل: (الطيبات) الثناء على الله.
وأما (السلام): فقيل: معناه: اسم السلام، والسلام هو الله، كما يقال: اسم الله عليك. وقيل: معناه: سلم الله عليك تسليمًا وسلامًا.
وهل تسن الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول؟ فيه قولان:
أحدهما: لا تسن؛ لما روى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا جلس في التشهد الأول.. كأنما يجلس على الرضف». يعني: الحجارة المحماة، وهذا يدل على أنه كان لا يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه.
والثاني: تسن فيه الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يسن فيه الدعاء؛ لأنه تشهد، فسن فيه الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كالأخير، وقال مالك: (يصلي فيه ويدعو).
دليلنا عليه: حديث ابن مسعود.
وهل يسن الصلاة على آله في هذا التشهد؟
قال أكثر أصحابنا: لا يسن ذلك، كما لا يسن الدعاء فيه.
وقال صاحب "الفروع": إن قلنا: لا تسن فيه الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. لم تسن الصلاة فيه على آله.
وإن قلنا: تسن فيه الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. فهل تسن فيه الصلاة على آله؟ فيه وجهان.

.[مسألة:حكم الصلاة غير الثنائية]

ثم يقوم إلى الثالثة معتمدًا على الأرض بيديه؛ لما ذكرناه من رواية مالك بن الحويرث، ويكره أن يقدم إحدى رجليه على الأخرى عند النهوض في الصلاة.
وقال مالك: (لا بأس به).
دليلنا: ما روي عن ابن عباس: أنه قال: (هذه الخطوة الملعونة).
ثم يصلي ما بقي من صلاته مثل الثانية، إلا في الجهر بالقراءة، فإذا بلغ إلى آخر صلاته.. جلس، وتشهد فيه، وصلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الجلوس، والتشهد فيه، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واجب، وبه قال عمر، وابن عمر، وأبو مسعود البدري.
وذهب علي بن أبي طالب، والزهري، ومالك، والثوري إلى: (أن هذا الجلوس، والتشهد فيه، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجب شيء من ذلك، بل إذا فرغ من الركعة الأخيرة.. فقد تمت صلاته).
وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى: (أن التشهد، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجبان، وأما الجلوس: فيجب منه بقدر قراءة التشهد).
دليلنا: ما روي عن ابن مسعود: أنه قال: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات»... ". فموضع الدليل: أنه قال: قبل أن يفرض علينا التشهد، فدل على أنه قد فرض عليهم، ولأنه أمرهم بالتشهد، والأمر يقتضي الوجوب.
وأما الدليل على وجوب الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
قال الشافعي: (أمر الله بالصلاة على نبيه، وظاهره يقتضي الوجوب، ولا موضع تجب فيه الصلاة عليه أولى من الصلاة).
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقبل الله صلاة إلا بطهور، وبالصلاة علي».
وروى أبي بن كعب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في الصلاة: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم».
وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
والأفضل أن يقول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد؛ لما روى أبو حميد: «أنه قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
والواجب: اللهم صل على محمد.
وهل تجب الصلاة على آل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ اختلف أصحابنا فيه:
فقال أكثرهم: فيه وجهان:
أحدهما: تجب، وبه قال أحمد؛ لحديث أبي حميد.
والثاني - وهو المنصوص -: (أنه لا يجب)؛ لأن من لم يكن ذكره شرطًا في صحة الأذان.. لم يكن شرطًا في صحة الصلاة، كالصحابة.
وقال صاحب "الفروع": إن قلنا. تسن الصلاة عليهم في الأول.. وجبت هاهنا.
قال: وكذلك الوجهان في الصلاة على إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
واختلف الناس في آل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فمنهم من قال: هم بنو هاشم، وبنو المطلب؛ لأنهم أهل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وآل: منقلب من: أهل.
ومنهم من قال: آله من كان على دينه، كقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [غافر: 46]. وأراد: من كان على دينه.
وسئل الشافعي عن أفضل الأنبياء، - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -؟ فقال: (نبينا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -)، فقيل له: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم». فسأل الله تعالى أن يصلي عليه، كما صلى على إبراهيم، وهذا يدل على أن إبراهيم كان أفضل منه؟ ! فقال: لا؛ لأن قوله: «اللهم صل على محمد كلام تام، وعلى آل محمد كلام مبتدأ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، فيكون معناه: وصل على آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم».

.[مسألة:الدعاء آخر الصلاة]

فإذا فرغ من التشهد، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى آله.. فله أن يدعو بما شاء من دين ودنيا، والأفضل أن يدعو بما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع: من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال»، وبما روى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول بين التشهد والسلام: اللهم اغفر لي ما قدم وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت».
وروى أبو داود، عن ابن مسعود: أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا كلمات، ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا، إنك أن التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قابليها، وأتمها علينا».
ويجوز أن يقول: اللهم ارزقني جارية حسنة، وزوجة صالحة، وضيعة،
وخلص فلانا من الحبس، وأهلك فلانًا، وغير ذلك مما يجوز أن يدعو به خارج الصلاة.
وقال أبو حنيفة: (لا يدعو إلا بالأدعية المأثورة، أو ما أشبه ألفاظ القرآن).
ومن أصحابه من قال: ما لا يطلب إلا من الله، يجوز أن يدعو به في الصلاة، وما يجوز أن يطلب من المخلوقين، إذا سأله الله في الصلاة.. أفسدها.
دليلنا: ما روى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه التشهد إلى قوله: وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم قال: وليدع بعد ذلك بما شاء».
وروى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع رأسه من الركوع الأخير في الصبح، وقال: اللهم نج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، وأهلك رعل وذكوان، واجعل سنيهم كسني يوسف».
وروى عن أبي الدرداء: أنه قال: (إني لأدعو لسبعين صديقًا في كل صلاة بأسمائهم، وأسماء آبائهم).
قال الشافعي: (ويدعو قدر أقل التشهد).
وقال في " الإملاء ": (ويدعو بقدر التشهد).
قال أصحابنا: وليس بينهما اختلاف؛ لأن أقل التشهد مع الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأكثر التشهد بغير الصلاة.
فقوله: (بقدر أقل التشهد)، يعني: مع الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله: (بقدر التشهد)، يعني: بغير صلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فإن كان إمامًا.. فإنه يدعو بقدر التشهد؛ لكي لا يثقل على من وراءه، وإن كان منفردًا.. فيطيل ما شاء. ويكره أن يقرأ القرآن في التشهد؛ لأنها حالة في الصلاة، لم تشرع فيها القراءة، فكرهت فيها، كالركوع، والسجود.
قال الشافعي: (وأحب للإمام أن يرتل القراءة والتشهد، ويزيد عليها، حتى لو كان خلفه من في لسانه ثقل.. أدركه، وأحب له أن يتمكن في الركوع والسجود؛ لكي يلحقه الكبير والضعيف).

.[مسألة:في السلام]

ثم يسلم، والسلام واجب في الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، وهو من الصلاة، وبه قال أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه: (السلام ليس بواجب، وإنما على المصلي إذا قعد قدر التشهد.. أن يخرج من الصلاة بما ينافيها من قيام، أو كلام، أو حدث، أو سلام).
دليلنا: ما روى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». فجعل تحليلها التسليم، فدل على أنه لا تحليل إلا به، ولأنه أضافه إليها، فدل على أنه منها.
وروى جابر بن سمرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سلم في الصلاة، أومأ أحدنا بيده يمينًا وشمالاً: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما لي أراكم تؤمنون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، إنما يكفيكم أن تقولوا عن يمينكم وشمالكم: السلام عليكم ورحمة الله».
فإن كان المسجد كبيرًا مثل الجوامع، والناس كثيرًا، وهناك ضجة وكلام حول المسجد.. فإن المستحب أن يسلم الإمام تسليمتين: إحداهما: عن يمينه، هي من الصلاة، والأخرى: عن شماله، وليست من الصلاة.
وإن كان المسجد صغيرًا، ولا لغط هناك، أو كان منفردًا.. ففيه قولان:
الأول: قال في الجديد: (السنة أن يسلم تسليمتين: إحداهما: عن يمينه، والأخرى: عن شماله).
وروى ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة، وأصحابه؛ لما روى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمتين: عن يمينه، وشماله».
والثاني: قال في القديم: (السنة أن يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه)؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه».
وروي عن ابن عمر، وأنس، وسلمة بن الأكوع، وعائشة: (أن السنة أن يسلم تسليمة واحدة بكل حال). وبه قال الحسن البصري، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والأوزاعي.
ودليلنا عليهم: حديث ابن مسعود.
والواجب: تسليمة واحدة، وبه قال أكثر أهل العلم.
وقال الحسن بن صالح، وأحمد - في أصح الروايتين عنه -: (الواجب تسليمتان).
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وتحليلها التسليم». وهذا يقع على تسليمة واحدة.
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه».
والسلام هو أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله؛ لما ذكرناه من حديث جابر بن سمرة.
وروى أبو هريرة: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم هكذا).
فإن قال: السلام عليكم.. أجزأه. وإن قال: السلام، ولم يقل: عليكم.. لم يجزئه.
فإن قال: سلام عليكم.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق، وهو اختيار الشيخ أبي حامد -: أنه لا يجزئه، وهو ظاهر النص؛ لأن الشافعي قال في السلام: (السلام عليكم).
فإن نقص من هذا حرفًا.. أعاد، ووجهه: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما يكفيكم أن تقولوا عن يمينكم، وعن شمائلكم: السلام عليكم ورحمة الله».
والثاني: يجزئه، وهو اختيار ابن الصباغ، كما يجزئه في التشهد.
ومن قال بالأول.. قال: قد روي في التشهد بغير ألف ولام، وهاهنا لم يرو إلا بالألف واللام.
وإن قال: عليكم السلام.. فإن الشافعي قال: (كرهته، ولم يقطع صلاته)؛ لأن ذكر الله لا يقطع الصلاة.
فمن أصحابنا من قال: لا تجزئه؛ لأن الشافعي قال: (ولم يقطع صلاته). فثبت: أنه لم يخرج به من الصلاة، ولأن الخبر لم يرد به.
ومنهم من قال: يجزئه، وهو قول أبي العباس، والشيخ أبي حامد؛ لأنه ذكر ليس في جنسه إعجاز، فلم يجب فيه الترتيب، كالتشهد، ولو لم يجزئه عند الشافعي.. لقطع ذلك صلاته.