فصل: (فرع: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة]

إذا قرأ الإمام في الخطبة: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]... جاز للمستمع أن يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويرفع بها صوته.
وقال مالك، وأحمد، وإسحاق: (يصلي عليه في نفسه، ولا يرفع صوته).
وقال الثوري، وأبو حنيفة: (السكوت أحب إلينا). واختاره ابن المنذر.
دليلنا: أنه يستحب له أن يسأل الرحمة عند آية الرحمة، ويستعيذ من العذاب عند ذكره، فكذلك هذا مثله.
قال الشيخ أبو نصر في " المعتمد ": وليس للشافعي نص في الإشارة إلى من يتكلم في حال الخطبة، والذي يجيء على مذهبه: أنه لا بأس به.
ويكره الحصب بالحصا والإمام يخطب، وروي عن ابن عمر: (أنه كان يحصب من يتكلم بالحصا، وربما أشار إليه).
وقال طاووس: تكره الإشارة إليه.
دليلنا: أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أشاروا إلى الرجل الذي سأل عن الساعة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، ولم ينكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إشارتهم.

.[مسألة:المسبوق في الجمعة]

ومن دخل والإمام في صلاة الجمعة... أحرم خلفه، فإن أدرك معه الركوع من الثانية فقد أدرك معه الجمعة، فإذا سلم الإمام... قام، وأضاف إليها ركعة، وسلم.
وإن أدركه بعد الركوع من الثانية... فقد فاتته الجمعة، وما الذي ينوي؟ فيه وجهان:
أحدهما: ينوي الظهر؛ لأنها فرضه.
والثاني: ينوي الجمعة؛ لأن الإمام لم يسلم منها. هذا مذهبنا، وبه قال ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، والأوزاعي، ومالك، والثوري، وأحمد.
وقال عمر بن الخطاب: (لا يكون مدركًا للجمعة، حتى يدرك الخطبة). وبه قال عطاء، وطاووس، ومجاهد.
وقال أبو حنيفة: (إذا أحرم خلف الإمام في التشهد... فإنه يكون مدركًا للجمعة، وكذا لو أحرم خلف الإمام في سجدتي السهو بعد السلام فإنه يدرك الجمعة).
دليلنا: ما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الجمعة... فليصل إليها أخرى». منطوقه: دليل على عمر، ودليل خطابه: دليل على أبي حنيفة.
وقد روي في رواية أخرى، عن أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الجمعة... فقد أدركها، ومن أدرك دون الركعة صلاها ظهرًا أربعًا». فيكون نطق هذا الخبر دليلًا على إبطال قول غيرنا فيها.

.[فرع: أدرك ركعة ونسي سجدة]

إذا أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة، فلما جلس للتشهد مع الإمام... ذكر المأموم أنه ترك سجدة فإنه يسجد، ويتابع الإمام في التشهد، فإذا سلم الإمام... أتى بركعةٍ، ويكون مدركًا للجمعة في أصح الوجهين؛ لأنه أتى بالركعة مع الإمام، إلا أنه أتى بسجدة في حكم متابعته، فلم يمنع من إدراكها.
وإن ذكر بعدما سلم الإمام أنه ترك سجدة... أتى بها، وأتمها ظهرًا؛ لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة.
وإن أدرك مع الإمام ركعة، فلما سلم الإمام... قام المأموم، فأتى بركعته، ثم ذكر أنه نسي سجدة، ولم يدر من أي الركعتين تركها فإنه يبني عل أشد الأمرين، وأنه تركها من الركعة التي أدرك مع الإمام، فيتم الأولى بالثانية، ثم يقوم، ويأتي بثلاث ركعات. نص عليه الشافعي.
قال ابن الحداد: وإن صلى الإمام الجمعة ثلاث ركعات ساهيًا، فدخل مأموم معه، وأدركه في الثالثة، ولم يعلم أنها ثالثة، فصلاها معه... لم يكن مدركًا للجمعة؛ لأن هذه الركعة ليست من صلب صلاة الإمام، فيقوم المأموم، ويأتي بثلاث ركعاتٍ.
فإن ذكر الإمام أنه ترك سجدة، ولا يعلم موضعها من الثلاث... فإن صلاة الإمام قد تمت، وأما المدرك له في الثالثة: فلا يدرك الجمعة؛ لجواز أن يكون قد ترك الإمام السجدة من الثانية، فتمت بالثالثة.
وإن ذكر الإمام أنه ترك سجدة من الأولى... فإن المدرك له في الثالثة قد أدرك ركعة من الجمعة؛ لأن الأولى للإمام تتم بالثانية، وتكون الثالثة له فعلًا هي الثانية له حكمًا، فيضيف إليها المأموم أخرى.
وإن أدرك الإمام راكعًا في الثانية، ثم رفع رأسه، وشك المأموم، هل أدرك معه الركوع الجائز، أم لا؟ لم يدرك الجمعة، بل عليه أن يصلي الظهر أربعًا؛ لأن الأصل عدم الإدراك.
قال الشيخ أبو نصر: إذا دخل مع الإمام، ولم يدر أجمعة هي، أم ظهر؟ فصلى معه ركعتين... لم يجزه ذلك عن جمعة ولا ظهر، سواء بان أن الإمام صلى الجمعة أو الظهر.
وقال أبو حنيفة: (إذا علق نيته بنية الإمام... أجزأه).
وهذا ليس بصحيح؛ لأن تعيين الصلاة في النية واجب، وهذا لم يعين.

.[مسألة:منع المأموم من السجود]

إذا زحم المأموم عن السجود... نظرت:
فإن أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان، أو رأسه، أو رجليه، بحيث إذا سجد عليه كان كهيئة الساجدين... فإنه يلزمه ذلك، وبه قال أبو حنيفة، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق.
وقال الحسن البصري: هو بالخيار بين أن يسجد على ظهر إنسان، وبين أن يصبر حتى يزول، الزحام، ويسجد على الأرض.
وحكى بعض أصحابنا: أن ذلك قول للشافعي في القديم.
وقال عطاء، والزهري، ومالك: (لا يجوز أن يسجد على ظهر إنسان، بل يصبر حتى يسجد على الأرض). وإليه أومأ أبو علي الطبري في "الإفصاح".
دليلنا: ما روي عن عمر بن الخطاب: أنه قال:إذا اشتد الزحام... فليسجد أحدكم على ظهر أخيه. ولا يعرف له مخالف، ولأن أكثر ما فيه أن موضع سجوده أعلى من موضع قدميه، وقد نص الشافعي على: أنه لو سجد على شيء أعلى من موضع قدميه جاز مع أن السجود يجب على حسب قدرته.
وأما إذا لم يتمكن من السجود على ظهر إنسان... انتظر زوال الزحام، فإن زال، وقد صار الإمام قائمًا في الثانية فإن المأموم يسجد على الأرض، ويتابع الإمام؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز مثل ذلك بعسفان للعذر، والعذر - هاهنا - موجود.
ويستحب للإمام أن يرتل القراءة في الثانية؛ ليتبعه المزحوم.
قال الشيخ أبو حامد: وكذلك الحكم فيمن فاته السجود مع الإمام بنسيان، أو سهو، أو مرضٍ، أو عذرٍ، فإنه يقضيه بعد فراغ الإمام منه، ويجزئه ذلك.
فإن فرغ المزحوم من السجود، وأدرك الإمام قائمًا في الثانية... تبعه، ولا كلام.
وإن أدرك الإمام راكعًا في الثانية... فهل يلزمه أن يقرأ، أو يلزمه أن يركع مع الإمام؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه أن يتبعه في الركوع.
قال ابن الصباغ: وهو الصحيح؛ لأن فرض القراءة قد سقط عنه بركوع الإمام، فهو كما لو أدركه راكعًا.
والثاني: يلزمه أن يشتغل بقضاء القراءة؛ لأنه قد أدرك محلها، بخلاف المسبوق.
قال ابن الصباغ: فإذا قلنا بهذا: فإنما يلزمه أن يقرأ ما لم يخف فوت الركوع، فإن خاف فوته قبل فراغه من القراءة... فما الحكم فيه؟ على قولين، كما لو أدركه راكعًا قبل السجود.

.[فرع: تأخر المسبوق عن الإمام كثيرًا]

وإن ركع الإمام في الثانية قبل أن يسجد المزحوم في الأولى... ففيه قولان:
أحدهما: لا يشتغل بقضاء ما فاته، وهو السجود، بل يجب عليه أن يتابع الإمام في الركوع، وهو قول مالكٍ، واختيار القفال؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع... فاركعوا». وهذا قد ركع، فوجب أن يركع معه؛ ولأنه قد أدركه راكعًا، فوجب أن يركع معه، كالمسبوق.
والثاني: يلزمه أن يشتغل بقضاء ما فاته، وهو قول أبي حنيفة، واختيار الشيخ أبي حامدٍ.
ووجهه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد... فاسجدوا».
ومنه دليلان:
أحدهما: أنه قال: «ليؤتم به»، والائتمام به: هو أن يفعل كفعله، وقد سجد الإمام، فوجب أن يسجد مثله.
والثاني: أنه قال: «فإذا سجد... فاسجدوا»، فينبغي أن يسجد مثله.
فإذا قلنا: يركع مع الإمام... نظرت.
فإن فعل ذلك، وركع معه، وسجد في الثانية... فبأي الركوعين يحتسب له؟ فيه قولان، ومن أصحابنا من يحكيهما وجهين:
أحدهما: يُحتسب له بالركوع الثاني، كالمسبوق.
فعلى هذا: إذا سلم الإمام... قام، وصلى ركعة، وكان مدركًا للجمعة.
والثاني: يحتسب له بالركوع الأول؛ لأنه قد صح له، فلا يبطل بترك ما بعده.
فعلى هذا: يحصل له ركعة ملفقة؛ لأن القيام والقراءة والركوع من الأولى، والسجود من الثانية، وهل يدرك بها الجمعة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون مدركًا بها، وهو قول أبي علي بن أبي هريرة؛ لأن أمر الجمعة مبني على الكمال، والكمال أن يدرك منها ركعة كاملة، والملفقة ليست بكاملة، فلم تدرك بها الجمعة.
والثاني - وهو قول أبي إسحاق -: أنه يدرك بها الجمعة، قال ابن الصباغ: وهو الصحيح: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الجمعة... فليضف إليها أخرى». ولم يفرق بين أن تكون كاملة أو ملفقة.
فإذا قلنا بقول أبي إسحاق... أضاف إليها أخرى، وسلم، وإذا قلنا بقول أبي علي بن أبي هريرة فإنه يصلي الظهر أربعًا، وهل يبني على ما فعله مع الإمام؟ فيه من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالقولين فيمن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام الجمعة:
أحدهما: يبطل ما فعله مع الإمام، فيستأنف الإحرام، ويصلي الظهر أربعًا.
والثاني: يبني عليه، فيأتي بثلاث ركعاتٍ.
ومنهم من قال: يبني على ما فعله مع الإمام، قولًا واحدًا؛ لأن القولين فيمن صلى الظهر قبل صلاة الإمام من غير عذرٍ، وهذا معذور.
وإن خالف ما أمرناه به، واشتغل بقضاء السجود... نظرت:
فإن اعتقد أن فرضه الاشتغال بالسجود... لم تبطل صلاته بذلك؛ لأنها زيادة في الصلاة من جنسها ناسيًا، ولا يعتد له بهذا السجود؛ لأنه فعله في غير موضعه.
فإن أدرك الإمام راكعًا، بأن خفف المزحوم سجوده، وطول الإمام ركوعه، فركع معه... فهو كما لو أدركه راكعًا، فركع معه، على ما مضى من التفريع. وإن فرغ من السجود، وأدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فإنه يسجد معه، وتحصل له ركعة ملفقة، وهل يدرك بها الجمعة؟ على الوجهين والتفريع عليهما كما مضى.
وإن كان عالمًا حين سجد أن فرضه المتابعة:
فإن لم ينو مفارقة الإمام.. بطلت صلاته؛ لأنه سجد في موضع الركوع عامدًا عالمًا، فنأمره أن يحرم بالجمعة، إن طول الإمام ركوعه: فإن فعل وركع معه، وسجد معه... حصلت له ركعة من الجمعة، ويضيف إليها أخرى بعد سلام الإمام. وإن وجد الإمام قد رفع رأسه من الركوع أحرم، وبنى الظهر على ذلك، وجهًا واحدًا؛ لأنه أحرم بعد فوات الجمعة.
وإن نوى مفارقة الإمام... فهل تبطل صلاته؟ فيه قولان فيمن فارق الإمام بغير عذرٍ.
فإذا قلنا: تبطل... كان الحكم فيه حكم ما لو لم ينو مفارقته، على ما ذكرناه.
وإن قلنا: لا تبطل... فإن كان الإمام راكعًا أمرناه بالإحرام بالجمعة، وإن رفع الإمام رأسه من الركوع... أتمها ظهرًا، وهل يبني على إحرامه، أو يستأنفه؟ على الطريقين المذكورين أولًا.
وإن قلنا: إن فرضه الاشتغال بالسجود... نظرت:
فإن فعل ذلك، وسجد، وقام، وأدرك الإمام راكعًا... فهل يلزمه متابعته في الركوع، أو يشتغل بقضاء ما فاته من القراءة في الثانية؟ فيه وجهان:
الصحيح: يلزمه متابعته في الركوع، فإذا سجد معه في الثانية... حصلت له الجمعة؛ لأنه قد أدرك الأولى، بعضها فعلًا، وبعضها حُكمًا، وأدرك معظم الثانية.
وإن أدركه وقد رفع رأسه من الركوع، أو ساجدًا في الثانية، أو جالسًا... فهل يتبعه، أو يشتغل بقضاء ما فاته من القراءة والركوع؟ اختلف أصحابنا فيه:
فمن أصحابنا من قال: يشتغل بقضاء ما فاته؛ لأن الاشتغال بالقضاء على هذا أولى من المتابعة.
ومنهم من قال: يلزمه متابعته، وهو الأصح؛ لأن هذه الركعة لم يدرك منها شيئًا يحتسب له به، بخلاف الأولى.
فعلى هذا: لا يحتسب له بما فعله مع إمامه من الثانية، وهل يكون مدركًا للجمعة بالركعة الأولى؟ فيه وجهان، لا لأجل التلفيق، ولكن لأنه فعل بعضها مع الإمام، وانفرد بفعل بعضها، فأشبه التلفيق.
فإذا قلنا: يكون مدركًا بها للجمعة... أضاف إليها بعد سلام الإمام أخرى.
وإن قلنا: لا يدرك بها... فهل يبني عليها بثلاث ركعاتٍ، أو يلزمه استئناف الإحرام للظهر؟ فيه طريقان، مضى ذكرهما.
وإن سلم الإمام قبل أن يسجد المزحوم السجدتين في الأولى... لم يدرك الجمعة، وجهًا واحدًا، ويلزمه الظهر أربعًا، وهل يبني على ما قد فعله، أو يلزمه استئناف الإحرام؟ فيه طريقان.
فإن خالف ما أمرناه به، وتابع الإمام في الركوع في الثانية:
فإن اعتقد أن فرضه المتابعة... لم تبطل صلاته؛ لأنه زاد فيها من جنسها ساهيًا، فإذا سجد مع الإمام اعتد له به إلى الأولى، وكانت ركعة ملفقة، وهل يدرك بها الجمعة؟ على الوجهين، والتفريع عليهما ما مضى.
وإن اعتقد أن فرضه القضاء... فقد بطلت صلاته؛ لأنه ركع في موضع السجود عامدًا عالمًا، فيلزمه أن يبتدئ بالإحرام بالجمعة مع الإمام، إن كان راكعًا، فإن سجد معه فقد أدرك ركعة تامة منها، ويدرك بها الجمعة.
وإن أدركه، وقد رفع رأسه من الركوع... أحرم معه، ويتمها ظهرًا أربعًا، وجهًا واحدًا.
وإن زحم عن السجود في الأولى، ولم يتخلص من الزحام حتى سجد الإمام في الثانية قبل أن يسجد المزحوم... فإنه يسجد معه، قولًا واحدًا، وقد أدرك ركعة ملفقة، فهل يدرك بها الجمعة؟ على الوجهين.
وإن زحم عن السجود في الأولى، فزال الزحام، وسجد، وأدرك الإمام قائمًا في الثانية، وقرأ معه، وركع، ثم زحم عن السجود، فسجد، وأدركه قبل السلام... فاختلف أصحابنا فيه:
فقال الشيخ أبو حامد: يدرك الجمعة، وجهًا واحدًا.
وقال الشيخ أبو إسحاق، والقاضي أبو الطيب: هل يدرك الجمعة؟ على وجهين؛ لأنه أدرك بعضها فعلًا، وبعضها حكمًا.
قال ابن الصباغ: وهذا ضعيف؛ لأنه أدرك جميع الصلاة، بعضها فعلًا، وبعضها حكمًا، فثبت له حكم الجماعة.
وإن دخل رجل مع الإمام في الركوع في الثانية، فأدركه في الركوع، ثم زحم عن السجود، ثم زال الزحام، ثم سجد، وتبع الإمام في التشهد قبل السلام... فهل يدرك الجمعة بهذه الركعة؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ، وهذا يوافق ما ذكره القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو إسحاق في الأولى.
فإن سلم الإمام قبل أن يسجد المزحوم... لم يدرك الجمعة، وجهًا واحدًا، وهل يبني الظهر على ما فعله، أو يلزمه استئناف الإحرام؟ على ما ذكرناه من الطريقين.
وإن أحرم مع الإمام، فزحم عن الركوع، فلم يزل الزحام حتى ركع الإمام في الثانية... فإنه يركع معه، وهل تكون ركعة ملفقة؟ فيه وجهان:
الأول: قال القاضي أبو الطيب: تكون ملفقة، كما قلنا فيمن زحم عن السجود، وهل يدرك بها الجمعة؟ على الوجهين.
والثاني: قال الشيخ أبو حامد: لا تكون ملفقة، ويدرك الجمعة، وجهًا واحدًا.
قال ابن الصباغ: وهذا أشبه؛ لأنه لو أدرك الركوع في الثانية... كان مدركًا للجمعة، فما زاد على ذلك من الركعة الأولى، لا يمنعه من إدراك الجمعة.

.[فرع: سهو المأموم في الجمعة]

إذا ركع مع الإمام في الأولى، فسهى المأموم حتى ركع الإمام في الثانية:
فحكى الشيخ أبو حامد في "التعليق": أن الشافعي قال: (يشتغل بالركوع قبل أن يشتغل بالسجود)؛ لأنه مفرط في السهو، فلم يعذر في الانفراد.
وحكى الشيخ أبو إسحاق: أن القاضي أبا حامد قال: يجب أن يكون فيه قولان:
أحدهما: هذا.
والثاني: يشتغل بقضاء ما فاته، كالمزحوم.

.[مسألة:حدث الإمام في الصلاة]

إذا أحدث الإمام في الصلاة، أو ذكر أنه كان محدثًا، أو حدث عليه أمر قطعه عن الصلاة... فهل يجوز له أن يستخلف؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا يجوز).
والدليل عليه: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم بأصحابه، ثم ذكر أنه جنب، فقال لهم: كما أنتم، وذهب، واغتسل، وجاء ورأسه يقطر ماء، فأحرم بهم، وصلى».
ولو كان الاستخلاف جائزًا في الصلاة... لاستخلف من يصلي بهم.
وكذلك فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا.
وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه أحرم بالناس، ثم خرج من صلاته، وتوضأ، ورجع، وصلى بهم، ثم قال: (مسست ذكري). فعلم: أن الاستخلاف لا يجوز.
ولأن حكم الإمام مخالف لحكم المأموم؛ لأن الإمام يجهر ويقرأ السورة، ويسجد لسهوه، والمأموم خلافه في هذا، فلو جوزنا الاستخلاف... لتناقض حكم المأموم فيه.
والثاني: قال في الجديد: (يجوز). وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وهو الصحيح.
والدليل عليه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استخلف أبا بكر ليصلي بالناس في مرضه الذي مات فيه، فأقام سبعة عشر يومًا يصلي بالناس، فوجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومًا في نفسه خفة، فخرج يُهادى بين رجلين، فقام على يسار أبي بكر، وصلى بالناس، فصار أبو بكر والناس مؤتمين بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد أن كان الناس مؤتمين بأبي بكر» وروي أيضًا: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج ليصلح بين بني عمرو بن عوف، فأقيمت الصلاة فتقدم أبو بكر، فصلى بهم بعض الصلاة، فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رآه الناس... أكثروا التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثروا التصفيق التفت، فرأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتأخر، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اثبت مكانك، وتقدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى بهم» ومن قال بهذا... قال: فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين ذكر أنه جنب في الصلاة لا يدل على أنه لا يجوز الاستخلاف، وإنما يدل على أن الاستخلاف لا يجب. وكذلك نقول.
إذا ثبت هذا: فإن قلنا بقوله القديم... نظرت:
فإن كان ذلك في غير الجمعة... فإن المأمومين يتمون صلاتهم وحدانًا.
وإن كان ذلك في الجمعة... نظرت:
فإن كان ذلك في الخطبة أو بعدها، وقبل الإحرام في الجمعة... فلا يجوز أن يصلي غيره بهم الجمعة؛ لأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين، فيخطب غيره بهم، ويصلي الجمعة إن اتسع الوقت، وإن لم يتسع الوقت صلى بهم الظهر أربعًا.
وإن كان ذلك بعد أن أحرم بهم في الجمعة... ففيه قولان:
أحدهما: يتمون الجمعة وُحدانًا، كغيرها.
والثاني: إن أحدث بعد أن صلى بهم ركعة... أضافوا إليها أخرى، وإن كان قبل أن يصلي بهم ركعة صلوها ظهرًا، كالمسبوق.
وإن قلنا بقوله الجديد، وأن الاستخلاف يجوز... لم يستخلف غير الإمام، ولا يستخلف إلا رجلًا.
فإن استخلف امرأة... فمن لم يقتدوا بها لم تبطل صلاتهم.
وقال أبو حنيفة: (تبطل صلاتهم بنفس الاستخلاف).
دليلنا: أن تقديمها للصلاة لا يُبطل الصلاة، كما لو جاءت، وتقدمت بنفسها.
وإن استخلف الإمام جُنبًا، ثم استخلف الجُنب رجلًا طاهرًا... لم يجز.
وقال أبو حنيفة: (يجوز).
دليلنا: أن من لا يصلح للإمامة لصفة فيه... لا يصلح لتقديم الخليفة، كما لو استخلف صبيًا، فاستخلف الصبي بالغًا.
وإن استخلف الإمام من يصح استخلافه... نظرت:
فإن كان ذلك في غير الجمعة من الصلوات، فإن استخلف من أحرم خلفه... جاز، سواء كان ذلك في الركعة الأولى، أوالثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، وإن أراد أن يستخلف من لم يحرم خلفه بالصلاة نظرت:
فإن كان ذلك في الركعة الأولى، أو الثالثة من الرباعية... جاز، وإن كان ذلك في الثانية، أو الرابعة، أو الثالثة من المغرب لم يجز، وإنما كان كذلك؛ لأنه إذا استخلف من أحرم خلفه... فإن الخليفة يراعي نظم صلاة الإمام، فيقعد في موضع قعوده، ويقوم في موضع قيامه؛ لأنه قد لزمه ذلك بإحرامه خلف الإمام، وليس كذلك من لم يحرم خلف الإمام، فإنه إذا استخلفه في الثانية، أو الرابعة، أو الثالثة من المغرب فإن الخليفة إذا صلى ركعة... يجب عليه القيام؛ لأنه موضع قيامه، وهم يقعدون، وذلك لا يتفق.
إذا ثبت هذا: ففرغ الخليفة من صلاة الإمام، وقد بقي عليه شيء من صلاته... فإنه يقوم، والمأمومون بالخيار بين أن يسلموا لأنفسهم، وبين أن ينتظروا الخليفة إلى أن يفرغ من صلاته، ويسلم بهم.
قال صاحب "الفروع": وقد قيل: هو في حكم إمام منفرد، ولهذا فوائد في التشهد والسهو.
وإن كان هذا في الجمعة... نظرت:
فإن أحدث في أثناء الخطبة، وقلنا: الطهارة شرط فيها، فأراد أن يستخلف من يتم الخطبة... فهل يجوز على هذا القول؟ فيه قولان، حكاهما ابن الصباغ: أحدهما: يجوز؛ لأنهما أُقيمتا مُقام الركعتين، فلما جاز الاستخلاف في الركعتين، فكذلك في الخطبتين.
والثاني: لا يجوز؛ لأن هذا ذكر يتقدم الصلاة... فلم يجز الاستخلاف فيه، كالأذان.
وإن كان الحدث بعد الفراغ من الخطبة، وقبل الإحرام... فإنه يجوز أن يستخلف بهم من سمع واجبات الخطبتين؛ لأنه أكمل بالسماع، ولا يجوز أن يستخلف من لم يسمع ذلك؛ لأنه لم يكمل بالسماع هذه عبارة أصحابنا، وهم يريدون بذلك: الحضور، وإن لم يسمع، ولا استمع.
وإن أحدث في الركعة الأولى... نظرت:
فإن استخلف من أحرم معه في الصلاة قبل حدثه... جاز، سواء سمع الخطبة، أو لم يسمعها، وسواء كان قبل الركوع، أو بعده؛ لأنه قد صار من أهل الجمعة.
وإن أراد أن يستخلف من لم يدخل معه في الصلاة... لم يجز؛ لأنه يكون مبتدئًا للجمعة، ولا يجوز أن يبتدئ جمعة بعد جمعة، ويخالف من قد دخل معه، فإنه متبع، وليس بمبتدئ، هكذا قال أصحابنا.
والذي تبين لي: أن هذا الذي لم يحرم خلفه، لا يجوز استخلافه، سواء حضر الخطبة، أو لم يحضرها؛ لأنهم قد قالوا: العلة فيه أنه: لا يجوز ابتداء جمعة بعد جمعة، وهذا موجود فيه وإن كان قد حضر الخطبة، وإذا استخلف من حضر معه في الركعة الأولى... فإن الخليفة ومن خلفه يصلون الجمعة.
وقال أبو علي في "الإفصاح": يحتمل أن يصلي الخليفة الظهر، وهم يصلون خلفه الجمعة، قياسًا على إمامة الصبي، وقياسًا على مسألة ذكرها الشافعي، نذكرها فيما بعد، والأول هو المشهور.
وإن كان حدثه في الركعة الثانية... فيجوز له أن يستخلف من أحرم خلفه فيها قبل حدثه قبل الركوع، أو في الركوع، ويتمون خلفه الجمعة، وما الذي يصلي هذا الخليفة؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو المنصوص للشافعي -: (أنه يتمها ظهرًا)، وبه قال أبو العباس بن سريج، والفرق بينه وبين المأموم: أنه إذا أدرك ركعة... أنه يتمها جمعة؛ لأن المأموم تبع إمامه، فجاز أن يتمها جمعة على وجه التبع لإمامه، وليس كذلك الخليفة، فإنه لا يجوز أن يكون تبعًا للمأمومين، فيبني على صلاتهم.
قال ابن سريج: ويحتمل أن يكون في جواز ظهره قولان؛ لأن الجمعة لم تفته بعد إذا كان يمكنه أن لا يتقدم حتى يتقدم من أدرك الركعة الأولى، لتصح جمعة هذا الخليفة.
وفرع الشافعي على هذا: (لو أدرك مسبوق هذا الخليفة في هذه الركعة الثانية التي استخلف فيها قبل الركوع، أو فيه... أضاف هذا المسبوق إليها ركعة، وأدرك الجمعة).
والوجه الثاني - وهو قول الشيخ أبي حامد، وأكثر أصحابنا -: أن الخليفة يتمها جمعة؛ لأنه قد صلى منها ركعة في جماعة الجمعة، فلا فرق بين أن يكون إمامًا أو مأمومًا، كما لو استخلف في الركعة الأولى.
وإن أحدث الإمام في الثانية، فاستخلف من دخل معه في الصلاة بعد الركوع، وقبل الحدث... فاختلف أصحابنا فيه:
فقال أكثرهم: لا يجوز؛ لأن فرضه الظهر، فلا يجوز أن يكون إمامًا في الجمعة.
ومنهم من قال: يجوز؛ لأن الشافعي نص في التي قبلها على جواز الجمعة خلف من يصلي الظهر.