فصل: (فرع: منح الإمام جماعة من الغنيمة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: منح الإمام جماعة من الغنيمة]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأم" [2/53] فإن عزل الإمام من الغنيمة نصيب قومٍ حضورٍ في صنفٍ، فقبلوه منه.. ملكوه، وجرى في الحول، وإن عزل نصيب قومٍ غيبٍ في صنفٍ.. فلا زكاة عليهم؛ لأن الحاضرين إذا قبلوه.. فقد ملكوه، وتميز نصيبهم في ذلك الصنف، فوجبت عليهم الزكاة، وأما الغائبون: فلا نعلم اختيارهم للملك.
وإن عزل الإمام الخمس لأهل الخمس.. فلا زكاة عليهم؛ لأنهم غير متعينين.
وكذلك: إذا عزل الفيء لأهله - وهو ما يؤخذ من المشركين إذا انهزموا أول الحرب - فإنه لا زكاة فيه؛ لأن أهله غير معينين. والله أعلم.

.[باب زكاة الذهب والفضة]

الأصل في وجوب الزكاة فيهما: قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} الآية [التوبة: 34].
والكنز المراد بالآية: هو المال الذي لم تؤد زكاته، سواءٌ كان مدفونًا أو غير مدفونٍ، وإنما سمي: كنزًا؛ لأنه منع من إخراج الزكاة منه، كما منعه بدفنه من الأيدي، ويدل عليه: ما روي «عن أم سلمة: أنها قالت: يا رسول الله، إني ألبس أوضاحًا من ذهبٍ، أو كنزٌ هو؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما بلغ أن تؤدي زكاته، فزكي، فليس بكنزٍ، وإن كانت تحت سبع أرضين». وإنما أرد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الكنز المتوعد عليه في القرآن.
وروى أنسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في (كتاب الصدقات)، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وفي الرقة ربع العشر». قال أصحابنا: و (الرقة): الذهب والفضة.
قال: وأجمعت الأمة على وجوب الزكاة فيهما.

.[مسألة: الزكاة في غير النقدين]

ولا تجب الزكاة فيما سواهما من الجواهر، كاللؤلؤ والزبرجد والمرجان والصفر والنحاس، وكذلك لا تجب الزكاة في المسك والعنبر، إذا لم يكن ذلك كله للتجارة، وهو قول عامة العلماء.
وقال الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وأبو يوسف - رحمة الله عليهم -: يجب في العنبر الخمس.
وقال عبد الله بن الحسن العنبري: يجب الخمس في كل ما يستخرج من البحر، كالركاز.
دليلنا: ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: (لا زكاة في العنبر، إنما هو شيءٌ دسره البحر).
وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: (لا زكاة في اللؤلؤ). ولا مخالف لهما في الصحابة.
ولأنه مالٌ مقومٌ مستفادٌ من البحر، فلم تجب فيه الزكاة، كالمسك، وفيه احترازٌ من الذهب والفضة؛ لأنهما قيمة الأشياء.

.[مسألة: نصاب الذهب والورق]

ولا تجب الزكاة في الذهب والفضة إلا في النصاب، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا، ونصاب الفضة مائتا درهمٍ.
وقال مالكٌ: إذا نقص عن ذلك حبة أو حبتان، ففيهما الزكاة؛ لأنها تجوز بجواز الوزانة، ومعناه: أنه إذا كان عليه لغريمه عشرون مثقالًا، فحمل إليه عشرون مثقالًا، إلا حبة أو حبتين.. فإنه لا يرد ذلك، وكذلك في مائتي درهم، هكذا ذكره في "الموطأ".
وحكى الأبهري: أن مذهب مالكٍ: إذا نقصت حبة أو حبتين، في جميع الموازين.. فلا زكاة عليه، وإن نقصت في ميزانٍ دون ميزانٍ.. فعليه الزكاة.
وقال عطاءٌ، والزهري: الأصل الورق، والذهب محمولٌ عليه.
فإذا كان معه من الذهب ما يبلغ قيمته مائتي درهم.. فعليه الزكاة وإن كان أقل من عشرين مثقالًا.
وقال الحسن البصري: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالًا؛ لئلا يستفتح ما يؤخذ زكاته بالكسر.
دليلنا: ما روى عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس فيما دون عشرين مثقالًا من الذهب صدقة، ولا فيما دون مائتي درهمٍ من الورق صدقة». وهذا حجة على الكل.
إذا ثبت هذا: فإنه لا يعتبر العدد، بل إذا ملك عشرين مثقالًا بالوزن: إما تبرًا أو مضروبًا، أو قطعة ذهبٍ.. فإن الزكاة تجب عليه، وكذلك: إذا ملك مائتي درهمٍ بالوزن بهذه الصفة.. فعليه الزكاة، وهو قول كافة العلماء.
وقال المغربي من أهل الظاهر: إذا ملك مائتي درهم عددًا.. فعليه الزكاة سواءٌ كانت صغارًا أو كبارًا، وإن كان معه أقل من مائتي درهم عددًا.. فلا زكاة عليه، وإن كان وزنها أكثر من مائتي درهمٍ.
وهذا قولٌ يخالف الإجماع؛ لأن الأمة قد أجمعت قبله على ما ذكرناه.
إذا تقرر ما ذكرناه: فإن المثقال لم يختلف في جاهلية ولا إسلامٍ.
وأما الدراهم: فقال أبو عبيدٍ القاسم بن سلام: سمعت شيخًا من أهل المعرفة بهذا الشأن يقول: كانت الدراهم في الجاهلية نوعين: كسروية سوداء ثقالًا، في كل درهمٍ منها درهمٌ ودانقان. وطبرية خفافًا، في كل درهم منها أربعة دوانق، فلما كان الإسلام، وكانت الزكاة تجب في مائتي درهمٍ، وأراد بنو أمية ضرب الدراهم، فقالوا: إن ضربنا من الكسروية.. أضررنا بالمساكين، وإن ضربنا من الطبرية.. أضررنا بأرباب الأموال، فجمعوا الدرهمين الكسروي والطبري، فبلغا اثني عشر دانقًا، فضربوا من ذلك درهمين متساويين في كل درهمٍ ستة دوانيق، وفي كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل؛ لأن المثقال لم يختلف.
وقيل: إن الذي ضرب الدراهم زياد بن أبيه في أيام معاوية.
وقيل: بل هو الحجاج بن يوسف في زمان عبد الملك بن مروان.
فالأوقية: أربعون درهمًا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بلغ مال أحدكم خمس أواقٍ مائتي درهمٍ.. ففيه خمسة دراهم». وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كان مهور أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبناته اثني عشر أوقية ونشًا، أتدرون ما النش؟ قال: قلت: لا، قالت: نصف أوقية: عشرون درهمًا».
وقال أبو العباس ابن سريج: الدراهم لم تختلف - أيضًا - كالمثقال.
قال الشيخ أبو حامدٍ: وهذا غلطٌ؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: مائتا درهمٍ من دراهم الإسلام. فلولا أنه اختلف بالجاهلية والإسلام.. لما قيده بالإسلام.
إذا ثبت هذا: فذكر في "المهذب" في (الزكاة): ودراهم الإسلام الذي كل أوقية بسبعة مثاقيل. وهذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو حامدٍ وغيره.
وقد ذكر في "المهذب" - أيضًا - في (الإقرار): الذي وزن كل عشرة دراهم بسبعة مثاقيل. كما ذكره غيره، فيحتمل ما ذكره: أنه أراد الذي ربع كل أوقية بسبعة مثاقيل، فأسقط الكاتب قوله: ربعٌ، ويحتمل: أن يكون الشيخ أبو إسحاق لم يرد بقوله: الأوقية الشرعية، وإنما أراد: الأوقية المستعملة عند الناس، فإن الناس يسمون عشرة دراهم: أوقية.

.[فرع: لا يكمل نصاب ذهب بنصاب فضة]

ولا يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب، بل يعتبر نصاب كل واحدٍ منهما بنفسه.
وقال أبو حنيفة: (يضم أحدهما على الآخر بالقيمة).
وقال مالكٌ، وأبو يوسف، ومحمدٌ: (يضم أحدهما إلى الآخر بالأجزاء، فإذا كان معه عشرة مثاقيل ومائة درهمٍ.. وجبت عليه الزكاة).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون عشرين مثقالًا من الذهب صدقة، ولا فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة». ولم يفرق بين أن يكون معه ما يتم ذلك من الجنس الآخر، أو لا شيء معه.
ولأنهما مالان نصابهما مختلفٌ، فلم يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب، كالإبل والبقر.

.[مسألة: كمال النصاب من أول الحول وإلى آخره]

قال الشافعي: (ولا تجب الزكاة في الذهب، حتى يكون عشرين مثقالًا في أول الحول وآخره، فإن نقصت شيئًا، ثم تمت عشرين مثقالًا.. فلا زكاة فيها حتى يستقبل بها حولًا من يوم تمت).
وجملة ذلك: أن المال الذي تجب الزكاة في عينه، ويعتبر فيه الحول، مثل: الذهب والفضة والمواشي، يعتبر وجود النصاب فيه من أول الحول إلى آخره، فإن نقص عن النصاب في أثناء الحول.. انقطع الحول، وبه قال مالكٌ وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (الاعتبار بالنصاب: كلا طرفي الحول، فإن نقص عن النصاب في أثناء الحول.. لم ينقطع الحول إذا بقي من المال شيءٌ). بيانه: إذا كان معه أربعون شاة في أول الحول، فهلك الجميع إلا واحدًا في أثناء الحول، ثم ملك في آخر الحول تسعًا وثلاثين، مع الباقية من الأربعين.. وجبت عليه الزكاة عند تمام الحول من حين ملك الأربعين.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الحول». وهذا المستفاد لم يحل عليه الحول.

.[فرع: زكاة النقدين ربع العشر]

وزكاة الذهب والفضة ربع العشر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وفي الرقة ربع العشر».
ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه، وبه قال من الصحابة: علي بن أبي طالب، وابن عمر، ومن الفقهاء: مالكٌ، وابن أبي ليلى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وقال أبو حنيفة: (لا تجب فيما زاد على عشرين مثقالًا شيءٌ حتى تبلغ الزيادة أربعة دنانير، ولا تجب فيما زاد على مائتي درهم شيءٌ حتى تبلغ الزيادة أربعين درهمًا).
دليلنا: ما روى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «هاتوا ربع العشر من الورق من كل أربعين درهمًا درهمٌ، ولا شيء في الورق حتى تبلغ مائتي درهمٍ، فإذا بلغ مائتي درهم.. ففيها خمسة دراهم، فإذا زاد على ذلك.. ففيها بحسابها»، ولأنها زيادة على نصابٍ في جنسٍ لا ضرر في تبعيضه، فوجب فيما زاد بحسابه، كالحبوب، وفيه احترازٌ من الماشية؛ لأن في تبعيضها ضررًا.

.[فرع: إذا كانت الدراهم جيدة ورديئة]

إذا كان بعض دراهمه جيدة وبعضها رديئة من جهة الجنس، مثل: أن يكون بعضها لينة، وبعضها خشنة.. ضم بعضها إلى بعضٍ في إكمال النصاب، وتخرج الزكاة من كل واحدٍ منها بقسطها، وكذلك: إذا كانت أنواعًا.. أخرج من كل نوع بقسطه.
وإن كثرت الأنواع.. فذكر في "المهذب": أنه يخرج الوسط، كما قلنا في الثمار.
وأما ضرب الدراهم المغشوشة: فيكره ذلك للإمام؛ لأنه ربما غر المسلمون بعضهم بعضًا بها؛ ولأن من عليه عشرة دراهم إذا دفع عنها عشرة دراهم مغشوشة.. لا تبرأ ذمته إذا لم تكن الفضة فيها عشرة دراهم.
وأما غير الإمام: فيكره له ضرب الدراهم المغشوشة؛ لما ذكرناه في الإمام، ولأن ضرب الدراهم للإمام، فلا يفتات عليه، وهل يصح الشراء بها؟ فيه وجهان: يأتي ذكرهما.
وأما وجوب الزكاة فيها: فإن كانت الفضة فيها أقل من مائتي درهمٍ.. لم تجب فيها الزكاة؛ لأنها أقل من النصاب.
وإن كانت الفضة فيها تبلغ مائتي درهم.. وجبت فيها الزكاة، وبه قال مالكٌ، وأحمدُ.
وقال أبو حنيفة: (إن كان الغش فيها أقل.. وجبت فيها الزكاة، وإن كان الغش أكثر أو كانا سواءً.. لم تجب).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة». وهذه دون خمسة أواقٍ.
إذا ثبت هذا: فإن كان يعرف قدر الفضة التي فيها.. أخرج عنها الزكاة، وإن كان لا يعرف.. فهو بالخيار بين أن يمسكها؛ ليعرف الفضة، فيخرج منها، أو يخرج الزكاة، ويستظهر، بحيث يعلم أنه لم ينقص عما وجب عليه فيها، فإن كان معه ألف درهمٍ مغشوشة، فأخرج عنها خمسة وعشرين درهمًا فضة.. قال الشافعي: (قبل منه وقد تطوع بالفضل).

.[فرع: يخرج زكاته من دراهمه]

إذا كان معه مائتا درهمٍ جيدة قد وجبت فيها الزكاة، فأخرج عنها خمسة دراهم مغشوشة.. فإنها لا تجزئه.
وقال أبو حنيفة: (تجزئه).
وقال محمد بن الحسن: يجزئه ما فيها من الفضة، وعليه أن يخرج الفضل، فيتصدق به.
دليلنا: أنه أخرج المغشوش عن الجيد، فلم يجزه، كما لو أخرج مريضة عن الصحاح.
إذا ثبت هذا: فهل له أن يسترجعها؟ قال أبو العباس: فيه قولان:
أحدهما: ليس له أن يسترجعها، وتكون تطوعًا؛ لأنه أخرج المعيب في حق الله تعالى، لم يكن له استرجاعه، كما لو وجب عليه عتق رقبة سليمة، فأعتق رقبة معيبة.
والثاني: له أن يسترجعها، وهو الصحيح؛ لأنه أخرجها عن الزكاة، فإذا لم تقع موقعها.. كان له استرجاعها، كما لو أسلف الزكاة، فتلف ماله.
قال ابن الصباغ: وهذا ينبغي إذا دفعها وقال: هذه زكاة هذا المال بعينه، فأما مع الإطلاق، فلا يتوجه الرجوع.
فإذا قلنا: له أن يسترجعها، فإن كانت باقية.. أخذها، وإن استهلكها المساكين.. أخرج الفضل.
قال أبو العباس: وكيفية معرفة ذلك أن يبتاع بأربعة دراهم فضة جيدة قطعة ذهبٍ، ثم يبتاع بتلك القطعة دراهم مغشوشة، فإن ابتاع بها خمسة مغشوشة.. علمنا أن قيمة التي أخرج أربعة دراهم جيدة، فيخرج درهمًا جيدًا.
قال الشيخ أبو حامدٍ: وكنت قد حكيتها عن أبي العباس، بخلاف هذا، وغلطت فيه، والصحيح هذا، فينبغي لمن عقلها أن يضرب عليها.

.[فرع: مزيج الذهب بفضة]

ذكر في "التعليق" و " المجموع ": إذا كانت له فضة ملطخة بذهبٍ، أو ذهبٌ ملطخٌ بفضة، فإن كان رب المال يعلم قدر كل واحدٍ منهما.. رجع إليه، وإن قال: لا أعلم، فإن كان رب المال هو المخرج للزكاة.. نظرت:
فإن قال: يغلب على ظني أن الذهب كذا، والفضة كذا.. جاز أن يخرج الزكاة على غالب ظنه؛ لأن ذلك موكولٌ إلى الاجتهاد، فجاز الإخراج به.
وإن قال: لا يغلب على ظني، ولكني أخرج الزكاة بالاستظهار، مثل: أن يقول: هذا الذهب المخلوط يجوز أن يكون خمسة عشر دينارًا، أو عشرين دينارًا، ولكني أخرج زكاة خمسة وعشرين دينارًا، أو يتحقق أنها لا تبلغ ذلك، وهذه الفضة يجوز أن تكون مائتي درهمٍ، أو مائتين وخمسين درهمًا، ويتحقق أنها لا تبلغ ثلاثمائة درهمٍ، وأخرج زكاة ثلاثمائة درهمٍ.. جاز ذلك؛ لأنه قد أدى الزكاة وزيادة، وإن لم يفعل ذلك.. ميزهما بالنار.
وإن طالبه الإمام بالزكاة، وأراد أن يستوفيها منه: فإن قال رب المال: أنا أعلم قدر كل واحدٍ منهما.. قبل منه؛ لأنه أمينٌ، وإن قال: لا أعلم قدرهما، ولكن قال: يغلب على ظني قدر كل واحدٍ منهما.. لم يقبل منه ذلك.
والفرق بينهما وبين التي قبلها: أن رب المال إذا كان هو المخرج.. فإن ذلك موكولٌ إلى اجتهاده، فإذا كان الإمام هو الآخذ للزكاة.. فإن ذلك موكولٌ إلى اجتهاده، ولا يجوز أن يحكم باجتهاد غيره، فإذا ثبت أنه لا يقبل، فإن أعطى رب المال الزكاة على الاستظهار، على ما ذكرناه في الأولى.. جاز، وإن لم يعط على الاستظهار.. ميزهما بالنار.
قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 142] ويمكن أن يعلم قدر كل واحدٍ منهما حقيقة من غير تمييزٍ بالنار، بأن يجعل ماءً في إناءٍ، ويطرح فيه من الذهب الخالص مثل وزن المخلوط، فيعلو الماء في الإناء، فيعلم على رأس الماء بعلامة في الإناء، ثم يخرج ذلك الذهب من الماء، ويطرح فيه من الفضة الخالصة مثل وزن المخلوط، فيعلو الماء في الإناء، فيعلم على رأس الماء، ويزيد على علوه مع الذهب؛ لأن الفضة أضخم جثة من الذهب، فيعلم على رأس الماء في الإناء بعلامة ثانية، ثم يخرج تلك الفضة، ثم يطرح فيه المخلوط، فيزيد علو الماء على علو الماء مع الذهب؛ لما في المخلوط من الفضة، ولا يبلغ علو الماء مع الفضة، لما في المخلوط من الذهب، فيعلم على رأس الماء في الإناء بعلامة ثالثة بين العلامتين الأولتين، ثم يمسح ما بين العلامة الوسطى والعليا، وما بين الوسطى والسفلى، فإن كانت المساحتان سواءً.. فنصف المخلوط ذهبٌ، ونصفه فضة، وإن زاد أحدهما على الثاني.. فبحساب ذلك.

.[مسألة: من عليه دين]

وإن كان له دينٌ.. نظرت:
فإن كان غير لازم، كمال الكتابة.. لم تجب عليه فيه زكاة؛ لأن المكاتب يملك إسقاطه بأن يعجز نفسه.
فإن كان لازمًا.. فهل تجب فيه الزكاة؟
قال الشافعي في القديم - فيما نقله الزعفراني عنه -: (ولا أعلم في وجوب الزكاة في الدين خبرًا يثبت، وعندي: أن الزكاة لا تجب في الدين؛ لأنه غير مقدورٍ عليه، ولا معينٍ).
وقال في الجديد: (تجب فيه الزكاة). وهو الأصح؛ لأنه مالٌ يقدر على قبضه، فهو كالوديعة.
فإذا قلنا بهذا: وعليه التفريع.. نظرت في الدين:
فإن كان حالًا على مليء باذلٍ له أي وقتٍ طولب به.. فهذا يجب على مالكه إخراج الزكاة عنه عند تمام كل حولٍ إن كان نصابًا؛ لأن هذا كالمال المودع.
وإن كان الدين على مليءٍ موسرٍ إلا أنه يقر له به في الباطن دون الظاهر، ولا بينة له:
فعلى هذا: إذا حال عليه الحول.. وجبت فيه الزكاة، ولكن لا يلزم المالك إخراجها إلا بعد أن يقبضه، فإذا قبضه.. زكاه لما مضى.
وإن كان الدين على مليء جاحدٍ له في الظاهر والباطن، أو على مقرٍ معسرٍ.. فهذا لا يجب عليه إخراج الزكاة عند الحول.
فإذا قبضه.. فهل يلزمه أن يزكي عنه لما مضى؟ فيه قولان، كالمال المغصوب.
وإن كان له بينة على الدين الذي يجحده المليء، أو يعلمه الحاكم.. قال ابن الصباغ: فالذي يقتضيه المذهب: أنه يجب عليه الزكاة؛ لأنه يقدر على أخذه.
وإن كان له دينٌ مؤجلٌ على مليءٍ مقرٍ.. ففيه وجهان:
الأول: قال أبو إسحاق: هو مملوكٌ له، ولكن لا يملك المطالبة به.
فعلى هذا: لا يجب إخراج الزكاة فيه قبل قبضه، وهل تجب الزكاة عليه لما مضى إذا قبضه؟ فيه قولان، كما لو كان على معسر مقرٍّ.
والثاني: قال أبوعلي بن أبي هريرة: لا يملكه قبل حلول الأجل؛ لأنه لا يملك المطالبة به.
فعلى هذا: إذا قبضه.. استأنف الحول به، ولا يزكيه لما مضى، قولًا واحدًا.
والأول أصح؛ لأنه لو أبرأه عنه.. صح إبراؤه.

.[فرع: من له مال غائب]

فإن كان له مالٌ غائبٌ، فإن كان مقدورًا عليه، بأن يكون بعث مالًا بضاعة إلى بلدٍ، وهو يعرف خبره وسلامته ويقدر على التصرف فيه.. فتجب فيه الزكاة عند الحول.
وأما وجوب الإخراج قبل أن يرجع إليه: فذكر في "المهذب" و "الشامل": أنه لا يجب عليه إلا بعد أن يرجع إليه.
وظاهر كلام الشيخ أبي حامدٍ في "التعليق": أنه يجب عليه الإخراج قبل أن يرجع إليه؛ لأنه قال: فكلما حال عليه الحول.. فعليه إخراج الزكاة عنه.
والمستحب: أن يخرج زكاته في البلد الذي فيه المال، فإن أخرجها في بلد نفسه.. فعلى القولين في نقل الصدقة.
وإن كان المال الغائب بحيث لا يعرف موضعه أو يعرف موضعه، ولكنه لا يقدر عليه.. فلا يلزمه إخراج الزكاة عنه قبل أن يرجع إليه، فإذا رجع إليه.. فهل يلزمه أن يزكيه لما مضى؟ فيه قولان، كالمال المغصوب.
إذا ثبت هذا: فكل دينٍ يجب عليه إخراج الزكاة عنه قبل قبضه، فإنه يضمه إلى ما كان معه من جنسه؛ لإكمال النصاب، ويلزمه إخراج الزكاة عما معه أيضًا.
وكل دينٍ لا يلزمه إخراج الزكاة عنه إلا بعد قبضه، فإن كان معه من جنسه ما لا يتم النصاب إلا بالدين.. فإنه لا يلزمه إخراج الزكاة عما معه قبل أن يقبض الدين، فإذا قبض الدين.. أخرج الزكاة عنه، وعما معه لما مضى.
وكل دينٍ لا يجري في الحول إلا بعد قبضه، فإنه لا يتم به نصاب ما معه من جنسه.

.[مسألة: زكاة ريع العقار]

إذا أكرى داره أربع سنين بمائة دينارٍ، وقبضها، وأقامت في يده إلى أن انقضت مدة الإجارة، لم ينفقها.. فلا خلاف على المذهب: أن المكري يملك المائة بنفس العقد.
فإن مضت السنة الأولى: قال الشيخ أبو حامدٍ: فلا خلاف على المذهب: أن الزكاة قد وجبت في المائة، ويلزمه إخراج زكاة خمسة وعشرين منها؛ لأن ملكه قد استقر عليها، وهل يلزمه إخراج زكاة الخمسة والسبعين؟ فيه قولان.
وقال القاضي أبو الطيب: القولان في الوجوب في الخمسة والسبعين.
قال ابن الصباغ: والصحيح قول الشيخ أبي حامدٍ، وعليه التفريع:
أحدهما: يلزمه إخراج الزكاة عن الجميع، وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق، وابن الصباغ.
ووجهه: أن ملكه قد ثبت على الجميع، وملك التصرف فيه، بدليل: أن الأجرة لو كانت جارية.. ملك وطئها، فأشبه مهر المرأة قبل الدخول.
والثاني: لا يلزمه إخراج الزكاة إلا عن القدر الذي استقر ملكه عليه، وهو اختيار الشيخ أبي حامدٍ، والمحاملي.
ووجهه: أن ملكه غير مستقرٍّ على ما زاد على أجرة السنة الأولى؛ لأن الدار قد تنهدم، فجيب رد الأجرة، فلم يجب إخراج زكاته، كمال الكتابة، ويفارق الصداق، فإن المرأة تملكه تملكًا تامًا.
وإذا طلقها قبل الدخول: فإنما يعود النصف إلى الزوج بمعنًى آخر، وهو الطلاق، لا بالملك المتقدم، فصار كما لو أصدقها شيئًا، ثم اشتراه منها.
فعلى هذا: إذا مضت السنة الأولى.. وجب عليه أن يخرج زكاة خمسة وعشرين دينارًا، وهو نصف دينارٍ وثمن دينارٍ؛ لأن ملكه قد استقر عليها، فإذا مضت السنة الثانية، فقد استقر ملكه على خمسة وعشرين ثانية، وعلمنا: أن ملكه قد استقر عليها سنتين.
فإن كان قد أخرج زكاة الخمسة والعشرين الأولى في السنة الأولى من غيرها.. زكاها في العام الثاني، وإن أخرج زكاتها منها في العام الأول.. زكى ما بقي منها في العام الثاني.
وأما الخمسة والعشرون الثانية: فقد حال عليها حولان:
فإن قلنا: إن الزكاة تجب في الذمة، والدين لا يمنع وجوب الزكاة.. أخرج عنها زكاة حولين، وهو دينارٌ وربعٌ.
وإن قلنا: إن الزكاة استحقاق جزءٍ من العين، أو قلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة، ولكن لم يكن له مالٌ غيرها.. لزمه زكاتها في الحول الأول، وفي الحول الثاني: يلزمه زكاتها إلا عن قدر الزكاة فيها في الحول الأول، فإنه لا يلزمه زكاة ذلك في الثاني، فإذا مضت السنة الثالثة.. فقد استقر ملكه على خمسة وعشرين ثالثة، وعلمنا: أن ملكه ثابتٌ عليها ثلاث سنين.
فأما الخمسون الأولى: فإن كان قد أخرج زكاتها للحولين الأولين منها.. زكى ما بقي منها في الحول الثالث، وإن أخرج زكاتها من غيرها.. زكى جميعها للحول الثالث.
وأما الخمسة والعشرون الثالثة: فإن قلنا: الزكاة تتعلق بالذمة، والدين لا يمنع وجوب الزكاة.. أخرج عنها زكاة ثلاث سنين، وهو دينارٌ وسبعة أثمان دينارٍ.
وإن قلنا: الزكاة تتعلق بالعين، أو قلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة، ولا مال له غيرها.. وجب عليه إخراج الزكاة عنها للعام الأول نصف دينارٍ وثمن دينارٍ، ووجب عليه إخراج الزكاة عنها للعام الثاني، إلا عن قدر ما وجب للأول، فلا يلزمه إخراج زكاته، ووجب عليه إخراج الزكاة عنها للعام الثالث، إلا عن قدر ما وجب للعام الأول والثاني، فلا يلزمه إخراج الزكاة عنه في العام الثالث.
فإذا مضت السنة الرابعة.. استقر ملكه على الخمسة والعشرين الرابعة أربع سنين، فإن كان قد أخرج الزكاة عن أجرة الثلاث السنين الأولى من غيرها.. زكى جميعها في العام الرابع، وإن أخرج زكاتها منها.. زكى ما بقي منها في العام الرابع.
وأما أجرة السنة الرابعة، فإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالذمة، والدين لا يمنع وجوب الزكاة.. لزمه إخراج الزكاة عن جميعها أربع سنين، وهو ديناران ونصفٌ.
وإن قلنا: الزكاة تتعلق بالعين، أو قلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة، ولا مال له غيرها.. زكى جميعها للحول الأول، وزكاها للثاني إلا عن قدر ما وجب للأول،
وزكاها للثلث إلا عن قدر ما وجب للأول والثاني، وزكاها للعام الرابع إلا عن قدر ما وجب للأول والثاني والثالث.