فصل: (فرع: معرفة خطأ بداية رمضان)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: معرفة خطأ بداية رمضان]

فإن أصبحوا يوم الثلاثين من شعبان وهم يظنون أنه من شعبان، ثم قامت البينة أنه من شهر رمضان.. لزمهم قضاؤه.
وقال أبو حنيفة: (إذا نووا الصوم.. أجزأهم). وبناه على أصله: أن النية تصح من النهار، والكلام عليه يأتي.
دليلنا: أنه لم ينوه من الليل، فلم يجزه، وهل يلزمهم إمساك بقية النهار؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يلزمهم؛ لأنه أبيح لهم الفطر، فلم يجب عليهم الإمساك، كالحائض إذا طهرت.
والثاني: يلزمهم، وهو الصحيح، ولم يذكر الشيخ أبو حامد في التعليق غيره؛ لأنه أبيح لهم الفطر بشرط أنه من شعبان، وقد بان أنه من رمضان.
فإذا قلنا: بهذا: فهل يكون صوما شرعيًا يثابون عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون صومًا شرعيًا، ولا يثابون عليه؛ لأنه لا يعتد به، فهو كما لو أكل عامدًا، ثم أمسك بقية النهار.
والثاني: يكون صومًا شرعيًا، ويثابون عليه، وهو الصحيح؛ لأن ذلك حصل بغير تفريط، بخلاف من أكل عامدًا، فإنه مفرط.
قال ابن الصباغ: ويجب أن يقال: إن في الإمساك الواجب ثوابًا بكل حال، وإن لم يكن ثواب مثل ثواب الصوم. قال: وحكى الشيخ أبو حامد، عن أبي إسحاق: أنه إذا لم يأكل، ثم أمسك فإنه يكون صائمًا من حين أمسك.
قال ابن الصباغ: وهذا لا يجيء على مذهب الشافعي؛ لأنه واجب، فلا يصح بنيته من النهار، ولأنه لا يجزئه عن رمضان، ولا يقع نفلًا في رمضان، قال: وينبغي أن يكون ما قاله أبو إسحاق: أنه إمساك شرعي، يثاب عليه خاصة.

.[فرع: رؤية الهلال نهارًا]

وإن رئي الهلال بالنهار، فهو لليلة المستقبلة، سواء رئي قبل الزوال أو بعده، وبه قال مالك، وأبو حنيفة.
وقال الثوري، وأبو يوسف: إن رئي قبل الزوال.. فهو لليلة الماضية، وإن رئي بعد الزوال.. فهو لليلة المستقبلة، سواء كان في أول الشهر أو في آخره.
وقال أحمد: (إن كان في أول الشهر، ورئي قبل الزوال.. فهو للماضية، وإن كان رئي بعد الزوال.. فهو للمستقبلة، وإن كان في آخر الشهر، فإن رئي بعد الزوال فهو للمستقبلة وإن رئي في آخر الشهر ورئي قبل الزوال... ففيه روايتان:
أحدهما: أنه للماضية. والثانية: أنه للمستقبلة.
دليلنا: ما روى أبو وائل شقيق بن سلمة: قال) جاءنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونحن بخانقين: أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارًا.. فلا تفطروا حتى تمسوا، إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس).
وروي في هذا الخبر (فإذا رأيتم الهلال أول النهار.. فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان ذوا عدل أنهما رأياه بالأمس). وقد روي ذلك عن علي، وابن مسعود، وأنس، ولا مخالف لهم في ذلك.

.[فرع: اختلاف المطالع]

وإن رأوا الهلال في بلد، ولم يروه في بلد آخر.. نظرت:
فإن كانا متقاربين.. وجب الصوم على الجميع، وإن كانا متباعدين.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول القاضي أبي الطيب، واختيار الصيمري -: أنه يلزم الجميع الصوم، وهو قول أحمد ابن حنبل، كما لو كان البلدان متقاربين.
والثاني - ولم يذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق"، والشيخ أبو إسحاق في"المهذب" غيره -: أنه لا يلزم أهل البلد الذين لم يروه، لما روي «عن كريب: أنه قال: (أرسلتني أم الفضل بنت الحارث من المدينة إلى معاوية بالشام، فقدمت الشام، فقضيت حاجتي بها، واستهل على رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، وذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
فإذا قلنا: بهذا: ففي اعتبار القرب والبعد وجهان:
أحدهما: وهو قول المسعودي [في الإبانة ق\156] والجويني -: أن البعد مسافة القصر فما زاد، والقرب دون ذلك.
والثاني - حكاه الصيمري -: إن كان إقليما واحدا.. لزم جميع أهله برؤية بعضهم، وإن كانا إقليمين.. لم يلزم أهل أحدهما برؤية أهل الآخر.
وقال ابن الصباغ: إن كانا بلدين لا تختلف المطالع لأجلهما، كبغداد والبصرة.. لزمهم برؤية بعضهم، وإن كانا بلدين تختلف المطالع فيهما، كالعراق والحجاز، والشام وخراسان، وما أشبه ذلك.. لم يلزم أحدهما برؤية الآخر. وحكاه عن الشيخ أبي حامد.

.[فرع: انتقال المسافر الصائم لبلد آخر]

وإن رأى رجل الهلال في أول رمضان ليلة الجمعة في بلد، فصام ثم سافر إلى بلد بعيد في أثناء الشهر، وأهل ذلك البلد رأوا الهلال ليلة السبت.. قال المسعودي [في الإبانة \ ق\] فحكمه حكم أهل البلد الذي انتقل إليه، وليس له أن يفطر قبلهم؛ لما روي) أن ابن عباس أمر كريبًا أن لا يفطر إلا بإفطار أهل المدينة).

.[مسألة: الشهادة في الصوم]

وفي الشهادة التي يثبت بها هلال رمضان قولان:
أحدهما قال في البويطي: (لا يقبل فيه إلا شهادة عدلين). وبه قال مالك، والليث.
والثاني: قال في القديم والجديد: (يثبت بشهادة واحد). وبه قال أحمد بن حنبل، وابن المبارك.
وقال أبو حنيفة: (إن كان غيمًا.. قبل فيه شهادة الواحد، وإن كان صحوًا.. لم يقبل فيه شهادة الواحد ولا الاثنين، وإنما يقبل فيه قول الجماعة إذا انتشر واستفاض).
فإذا قلنا: لا يقبل إلا من اثنين.. فوجهه: ما روي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: أنه قال: صحبنا أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونقلنا عنهم الأخبار، فكان مما أخبرونا به: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم.. فأكملوا العدة، وإن شهد على رؤيته ذوا عدل.. فصوموا».
وإذا قلنا: يقبل من واحد.. فوجهه: ما روي عن ابن عمر: أنه قال: «تراءى الناس الهلال مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرأيته، فأخبرته بذلك، فصام، وأمر الناس بالصيام» وروي عن ابن عباس: «أن أعرابيًا جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله. فقال: نعم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قم يا بلال، فناد في الناس أن يصوموا غدًا» إذا ثبت هذا: فإن المسعودي قال [الإبانة \ ق، 115] لا تعتبر العدالة الباطنة في الشهادة على رؤية الهلال، وتشترط فيه العدالة الظاهرة.

.[فرع: الشهادة لغير رمضان]

فأما هلال شوال وسائر الشهور: فلا يقبل فيه إلا شهادة شاهدين، قولا ً واحدا، وهو قول كافة العلماء، إلا أبا ثور، فإنه قال: (يقبل في هلال شوال عدل واحد).
دليلنا: ما روي عن طاووس: أنه قال: دخلت المدينة وبها ابن عباس وابن عمر، فجاء رجل إلى الوالي، فشهد عنده على هلال شهر رمضان، فأرسل إليهما، فقالا «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم بشهادة الواحد، ولا يقبل في الفطر إلا شاهدين» ولأن هذه شهادة يلحق الشاهد فيها التهمة، فكان من شرطها العدد، كسائر الشهادات.

.[فرع: شهادة غير الذكر]

إذا قلنا: تقبل شهادة الواحد في هلال شهر رمضان.. فهل يقبل قول العبد والخنثى والمرأة؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يقبل كما يقبلون في الإخبار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
والثاني: لا يقبلون، وهو الصحيح؛ لأن طريقه طريق الشهادة، بدليل: أنه لا يقبل من الصبي، ولا من الفرع مع حضور الأصل، وإن كان ذلك مقبولًا في الإخبار.
قال ابن الصباغ: وينبغي أن يكون على قول أبي إسحاق: لا يفتقر ذلك إلى سماع الحاكم، بل إذا سمع ذلك ممن يثق به.. وجب عليه الصيام.

.[فرع: عدم رؤية الهلال آخر رمضان]

إذا شهد شاهد واحد برؤيته هلال رمضان، وقلنا: يقبل، فصاموا، وتغيمت السماء في آخر الشهر، ولم يروا الهلال.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو المنصوص، وبه قال أبو حنيفة -: (أنهم يفطرون).
والثاني: من أصحابنا من قال: لا يفطرون؛ لأنه إفطار بشاهد واحد، وهذا لا يصح؛ لأن الصوم قد لزمهم، والفطر ثبت على سبيل التبع له، كما نقول في النسب: لا يقبل فيه شهادة النساء.
ولو شهد أربع نسوة بالولادة.. ثبت النسب تبعًا للولادة.
وإن شهد على هلال رمضان شاهدان، فصاموا، ولم يروا الهلال آخر الشهر، والسماء مصحية.. ففيه وجهان:
أحدهما قال ابن الحداد: لا يفطرون؛ لأن عدم الهلال مع الصحو يقين، والحكم بالشاهدين ظن، واليقين يقدم على الظن.
والثاني: المنصوص للشافعي: (أنهم يفطرون)؛ لأن شهادة الاثنين يثبت بها الصوم، فيثبت بها الفطر.

.[فرع: الصيام بخبر الثقة]

قال الشافعي: (وإن عقد رجل على أن غدًا عنده من شهر رمضان في يوم شك، وصام ثم بان أنه من رمضان.. أجزأه).
قال أصحابنا: أراد بذلك: إذا أخبره برؤية الهلال من يثق بخبره من رجل أو امرأة أو عبد، فصدقه، وإن لم يقبل الحاكم شهادتهن فنوى الصوم، فصام، ثم بان أنه من شهر رمضان.. أجزأه؛ لأنه نوى الصوم بضرب من الظن، فأما إذا نوى الصوم جزافًا، وبان أنه من شهر رمضان.. لم يجزئه.
فأما إذا كان عارفًا بحساب المنازل أن غدًا من شهر رمضان، أو أخبره بذلك من هو من أهل المعرفة بذلك، فصدقه، فنوى الصوم.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجزئه، وهو قول أبي العباس ابن سريج، واختيار القاضي أبي الطيب؛ لأن ذلك سبب يتعلق به غلبة الظن عنده، فهو كما لو أخبره من يثق بخبره عن مشاهدة.
والثاني: أنه لا يجزئه؛ لأن النجوم والحساب لا مدخل لها في العبادات، فلا يتعلق بها حكم منهما.
إذا ثبت هذا: فهل يلزمه بذلك الصوم؟
قال ابن الصباغ: أما بالحساب: فلا يختلف أصحابنا أنه لا يجب عليه.
وذكر الشيخ أبو إسحاق في المهذب: أن الوجهين في الحساب بالوجوب.
وأما إذا أخبره برؤية هلال رمضان من يصدقه، ولم يقبل الحاكم شهادته... قال ابن الصباغ: فيبنى ذلك على أنه هل يسلك له مسلك الإخبار، أو مسلك الشهادة؟
فإن قلنا: إنه شهادة.. لم يلزمه حتى يثبت عند الحاكم.
وإن قلنا: يسلك به مسلك الإخبار.. لزمه إذا صدقه وإن لم يثبت عند الحاكم، ويفترق الحال بين الوجوب وبين جواز الدخول، فيكفي في الدخول ما لا يتعلق به الوجوب، ألا ترى أنه إذا سمع مؤذنًا.. جاز له أن يقلده ويصلي، ولا يلزمه ذلك حتى يعلم دخول الوقت، وكذلك الملتقط إذا ذكرت له العلامات في اللقطة.. جاز له الدفع إليه، ولا يجب عليه إلا ببينة.

.[فرع: وجوب الصوم برؤية الهلال لمن ردت شهادته]

وإن رأى إنسان هلال شهر رمضان وحده، ولم يقبل الحاكم شهادته.. وجب عليه أن يصوم، وإن جامع فيه.. وجبت عليه الكفارة، وبه قال عامة الفقهاء.
وقال أبو ثور، والحسن، وعطاء، وإسحاق: (لا يلزمه الصوم).
وقال أبو حنيفة (يلزمه الصوم، ولكن إن جامع فيه.. لم تلزمه الكفارة).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صوموا لرؤيته». وهذا قد رأى، ولأنه عنده من شهر رمضان بيقين فلزمه الصوم، وإن جامع فيه.. وجبت عليه الكفارة، كما لو قبل الحاكم شهادته.
وإن رأى هلال شوال وحده.. أفطر، ولكنه يستخفي بذلك؛ لئلا يعرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان.
وقال مالك، وأحمد: (لا يجوز له أن يفطر).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وأفطروا لرؤيته». وهذا قد رأى، ولأنه قد تيقن أنه من شوال، فحل له الأكل، كما لو قامت البينة.

.[مسألة: صوم الأسير]

قال الشافعي (وإن اشتبهت الشهور على أسير، فتحرى شهر رمضان، فوافقه أو ما بعده.. أجزأه).
وجملة ذلك: أنه إذا كان أسيرًا في بلاد الشرك، ولم يعلم دخول شهر رمضان، أو كان محبوسًا في مطمورة في بلاد الإسلام، ولم يعلم دخول شهر رمضان، لزمه أن يتحرى؛ لأن عليه فرض الصيام، فلزمه أن يتحرى له.
فإذا غلب على ظنه عن أمارة تقوم بنفسه في بعض الأهلة أنه شهر رمضان، فصامه... نظرت:
فإن بان له أن الشهر الذي صامه كان شهر رمضان.. أجزأه، وبه قال عامة الفقهاء، إلا الحسن بن صالح بن يحيى الكوفي، فإنه قال: عليه الإعادة.
دليلنا: أنه أدى العبادة بالاجتهاد، فإذا وافق الفرض. أجزأه، كالقبلة.
وإن وافق شهرًا بعد رمضان.. أجزأه؛ لأن بذهاب الشهر قد استقر في ذمته، فأكثر ما فيه: أنه أتى بالقضاء بينية الأداء. هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي [في الإبانة \ ق\ 158] إذا وافق شهرًا بعد شهر رمضان.. صح، وهل يكون قضاء أم أداء؟ فيه قولان.
فإن وافق صوم شهر شوال.. لم يصح صوم يوم الفطر، فإن كان الشهران تامين.. لزمه أن يقضي صوم يوم الفطر، وكذلك إن كانا ناقصين، وإن كان شهر رمضان ناقصًا وشوال تامًا.. لم يلزمه قضاء يوم الفطر، وإن كان شهر رمضان تامًا، وشوال ناقصًا.. كان عليه أن يقضي يومين، يومًا ليوم الفطر، ويومًا لنقصان الهلال.
وإن كان الشهر الذي صامه ذا الحجة.. فإن يوم النحر لا يصح صومه، وكذلك: لا يصح صوم أيام التشريق، على الصحيح من المذهب. فإن كان هو ورمضان تامين أو ناقصين.. كان عليه أن يقضي صوم أربعة أيام، وإن كان شهر رمضان تامًا وذو الحجة تامًا.. لم يقض إلا صوم خمسة أيام، وإن كان شهر رمضان ناقصًا، وذو الحجة تامًا.. لم يقض إلا صوم ثلاثة أيام.
وإن كان الشهر الذي صامه يصح صوم جميعه، كسائر الشهور، فإن كان شهر رمضان والشهر الذي صامه تامين أو ناقصين. فلا شيء عليه، وإن كان الشهر الذي صامه ناقصا وشهر رمضان تاما.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد:
أحدهما: يقضي يوما آخر، وهو اختيار القاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]. فأوجب على من لم يصم رمضان مثل عدة أيامه.
والثاني: لا يلزمه أن يقضي صوم يوم آخر؛ لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين، تامًا كان أو ناقصًا ولهذا يجزئه في نذر صوم شهر.
وذكر ابن الصباغ: أن الشيخ أبا حامد ذكر على هذا: إذا صام شهر شوال، وكان هو ورمضان ناقصين. أنه يلزمه قضاء يومين؛ لأنه يلزمه أن يقصي شهرًا بالهلال، أو ثلاثين يوماُ، ولم أجد في التعليق عنه إلا ما ذكرته أولًا. هذا ترتيب أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي [في الإبانة \ ق\158] إن كان شهر رمضان تامًا، والشهر الذي صامه بعده ناقصًا: فإن قلنا: إن الصوم بعد رمضان يقع قضاء.. لزمه صوم يوم آخر، وإن قلنا: إنه أداء.. أجزأه؛ لأن شهر رمضان لو كان هو الناقص.. أجزأه.
وإن وافق صومه شهرًا قبل شهر رمضان نظرت:
فإن بان له هذا قبل شهر رمضان. وجب عليه أن يصوم شهر رمضان.
وإن بان له ذلك في أثناء رمضان.. لزمه أن يصوم ما بقي منه، والكلام فيما فات منه على ما يأتي إذا فات جميعه.
وإن بان ذلك بعد فوات شهر رمضان. فقد قال الشافعي: (لا يجزئه حتى يوافق شهر رمضان، أو ما بعده)، ثم قال (ولو قال قائل: يجزئه. كان مذهبًا) فقال أبو إسحاق: لا يجزئه، قولا واحدًا، وقول الشافعي: (ولو قال قائل: يجزئه. كان مذهبًا) لم يخبر عن نفسه، وإنما أخبر به عن غيره.
وقال سائر أصحابنا، فيه قولان:
أحدهما: يجزئه؛ لأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة، أو تجب في السنة مرة، فإذا أداها قبل وقتها بالاجتهاد.. أجزأه، كالوقوف بعرفة، وفيه احتراز من الصلاة.
والثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح، وبه قال مالك، وأبو حنيفة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]. وهذا قد شهده، ولم يصمه، وإنما صام قبله.
ولأنه تعين له يقين الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء، فهو كما لو صلى قبل الوقت بالاجتهاد، وفيه احتراز من الحج.
قال المسعودي [في "الإبانة" ق158وأصل القولين فيها: القولان إذا وافق ما بعد شهر رمضان:
فإن قلنا: يقع قضاء.. لم يجزه؛ لأن القضاء لا معنى له قبل الأداء.
وإن قلنا: أداء؟ أجزأه؛ لأنا نجعل شهر رمضان منقولا إلى ما أداه إليه اجتهاده. هذا إذا غلب على ظنه دخول الشهر بأمارة.
فإن لم يغلب على ظنه دخوله بأمارة.. قال ابن الصباغ: حكي أن الشيخ أبا حامد قال: يلزمه أن يصوم على سبيل التخمين، ويقضي، كالمصلي إذا لم تغلب على ظنه القبلة.. فإنه لا يلزمه أن يصلي.

.[مسألة: وجوب النية]

ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام، واجبًا كان أو تطوعًا، إلا بالنية، وبه قال عامة العلماء.
وقال عطاء، ومجاهد، وزفر بن الهذيل: إذا كان الصوم متعينًا، مثل: أن يكون صحيحًا مقيمًا في رمضان.. لم يفتقر إلى النية.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى». ولم يرد: أن صور الأعمال لا توجد إلا بالنية، وإنما أراد به: لا حكم للأعمال إلا بالنية.
إذا ثبت هذا: فإنه يجب أن ينوي لكل يوم نية.
وقال مالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه: (إذا نوى صوم جميع الشهر في أول ليلة منه.. أجزأه لجميعه).
دليلنا: أن صوم كل يوم عبادة منفردة لا تفسد بفساد ما قبله، ولا بفساد ما بعده، فلم يكفه نية واحدة، كالصلوات، وفيه احتراز من ركعات الصلاة، فإن الصلاة بمجموعها عبادة واحدة، وكل ركعة تفسد بفساد ما قبلها وما بعدها من الركعات، ومن أركان الحج أيضا.

.[فرع: تبييت النية]

ولا يصح صوم شهر رمضان ولا غيره من الصيام الواجب إلا بنية من الليل، وروي ذلك عن ابن عمر وحفصة بنت عمر، وبه قال مالك، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (صوم شهر رمضان والنذر المعين يصح بنية من النهار قبل الزوال).
دليلنا: ما روت حفصة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لم يبيت الصيام من الليل.. فلا صيام له " وروي: «من لم يبت الصيام»، يعني: من لم يقطع. ذكره الهروي.
وروي: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر.. فلا صيام له»، يعني: من لم ينو الصيام.
وروي: «من لم يؤرض الصيام»، ومعناه: يمهده، وسميت الأرض: أرضًا؛ لتمهيدها، وروي: «يفرضه".
وهل يجوز بنيته مع طلوع الفجر؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجزئ؛ لأنه عبادة، فجاز بنية تقارن ابتداءه، كالصلاة، وإنما رخص في تقديمها، للمشقة.
والثاني - وهو قول أكثر أصحابنا -: أنه لا يصح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر.. فلا صيام له»، ولأنا لو قلنا: يجوز بنية مع طلوع الفجر.. لأدى إلى أن يعرى جزء من الصوم عن النية؛ لأنه لا يعرف الفجر إلا بطلوعه.
قال ابن الصباغ: ولأن من أصحابنا من أوجب إمساك جزء من الليل؛ ليكمل له صوم النهار، فوجب تقديم النية على ذلك.
إذا ثبت هذا: فالمذهب: أن جميع الليل وقت لنية الصوم.
وقال بعض أصحابنا: يجب أن ينوي في النصف الأخير منه، كما نقول في أذان الصبح. وهذا ليس بشيء؛ لحديث حفصة.
فإن نوى في أول الليل، ثم جامع، أو أكل، أو شرب، أو انتبه من نومه.. ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: إذا نوى، ثم نام، ولم ينتبه إلى آخر الليل.. لم يلزمه تجديد النية، وإن انتبه، أو جامع، أو أكل، أو شرب.. لزمه تجديد النية؛ لأن ذلك ينافي النية.
والثاني: قال سائر أصحابنا: لا يلزمه تجديد النية، وهو الأصح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. ولو كان ذلك يمنع صحة النية... لم يجز الأكل والشرب إلى طلوع الفجر.
وقيل: إن أبا إسحاق لم يصح منه هذا، ولم يذكره في شرحه.
وقيل: إنه رجع عنه.
وإن أصبح شاكًا في النية، أو تيقن النية، وشك: هل نوى قبل الفجر، أو بعده؟
قال الصيمري: لم يجزه. ولو نوى ثم شك: أطلع الفجر، أم لا؟ أجزأه.