فصل: تفسير الآية رقم (238):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (238):

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
{والصلاوة الوسطى} جدّد ذكرها بعد دخولها في الصلوة اعتناءً بها وهي الصبح عند مالك وأهل المدينة، والعصر عند عليّ بن أبي طالب لقوله صلى الله عليه وسلم، شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وقيل: هي الظهر وقيل المغرب، وقيل هي: العشاء الآخرة، وقيل: الجمعة، وسميت وسطى لتوسطها في عدد الركعات، وعلى القول بأنها المغرب؛ لأنها بين الركعتين والأربع، أو لتوسط وقتها، وعلى القول بأنها الصبح؛ لأنها متوسطة بين الليل والنهار، وعلى القول بأنها الظهر أو الجمعة؛ لأنها في وسط النهار، أو لفضلها؛ من الوسط: وهو الخيار، وعلى هذا يجري اختلاف الأقوال فيها {وَقُومُواْ للَّهِ} معناه في صلاتكم {قانتين} هنا ساكتين وكانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت، قاله ابن مسعود، وزيد بن أرقم، وقيل: خاشعين، وقيل: طول القيام.

.تفسير الآية رقم (239):

{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}
{فَإنْ خِفْتُمْ} أي من عدوّ أو سبع أو غير ذلك مما يخاف منه على النفس {فَرِجَالاً} جمع راجل أي على رجليه {أَوْ رُكْبَاناً} جمع راكب: أي: صلوا كيف ما كنتم من ركوب أو غيره، وذلك في صلاة المسايفة، ولا تنقص منها عن ركعتين في السفر، وأربع في الحضر عند مالك {فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله} الآية: قيل المعنى: إذا زال الخوف فصلوا الصلاة التي علمتموها وهي التامة، وقيل إذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم هذه الصلاة التي تجزئكم في حال الخوف، فالذكر على القول الأوّل في حال الصلاة، وعلى الثاني بمعنى الشكر.

.تفسير الآيات (240- 241):

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}
{والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا وَصِيَّةً لأزواجهم} هذه الآية منسوخة ومعناها: أن الرجل إذا مات كان لزوجته أن تقيم في منزله سنة وينفق عليها من ماله، وذلك وصية لها ثم نسخ إقامتها سنة بالأربعة الأشهر والعشر، ونسخت النفقة بالربع أو الثمن الذي لها في الميراث حسبما ذكر في سورة النساء، وإعراب وصية مبتدأ، وأزواجهم خبر، أومضمر تقديره: فعليهم وصية، وقرئت بالنصب على المصدر، تقديره: ليوصوا وصية، ومتاعاً نصب على المصدر {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} أي ليس لأولياء الميت إخراج المرأة {فَإِنْ خَرَجْنَ} معناه إذا كان الخروج من قبل المرأة فلا جناح على أحد فيما فعلت في نفسها من تزوّج وزينة {وللمطلقات متاع} عام في إمتاع كل مطلقة، وبعمومه أخذ أبو ثور، واستثنى الجمهور المطلقة قبل الدخول، وقد فرض لها بالآية المتقدمة منه، واستثنى مالك المختلعة والملاعنة {حَقّاً عَلَى المتقين} يدل على وجول المتعة وهي الإحسان للمطلقات. لأن التقوى واجبة ولذلك قال بعضهم: نزلت مؤكدة للمتعة لأنه نزل قبلها حقاً على المحسنين، فقال رجل: فإن لم أرد أن أحسن لم أمتع، فنزلت: حقاً على المتقين.

.تفسير الآيات (243- 244):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}
{أَلَمْ تَرَ} رؤية قلب {إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم} قوم من بني إسرائيل أمروا بالجهاد فخافوا الموت بالقتال، فخرجوا من ديارهم فراراً من ذلك، فأماتهم الله ليعرّفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، وقيل: بل فرّوا من الطاعون {وَهُمْ أُلُوفٌ} جمع ألف، قيل ثمانون ألفاً، وقيل: ثلاثون ألفاً، وقيل: ثمانية آلاف، وقيل: هو من الألفة، وهو ضعيف {فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ} عبارة عن إماتتهم، وقيل: إن ملكين صاحا بهم: موتوا فماتوا {ثُمَّ أحياهم} ليستوفوا آجالهم {وقاتلوا} خطاب لهذه الأمة، وقيل: للذين أماتهم الله ثم أحياهم.

.تفسير الآية رقم (245):

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
{مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله} استفهام يراد به الطلب والحض على الإنفاق، وذكر لفظ القرض تقريباً للأفهام؛ لأن المنفق ينتظر الثواب كما ينتظر المسلف ردّ ما أسلف، وروي أن الآية نزلت في أبي الدحداح حين تصدّق بحائط لم يكن له غيره {قَرْضاً حَسَناً} أي خالصاً طيباً من حلال من غير منّ ولا أذى {فيضاعفه} قرئ بالتشديد والتخفيف، وبالرفع على الاستئناف أو عطفاً على يقرض، وبالنصب في جواب الاستفهام {أَضْعَافاً كَثِيرَةً} عشرة فما فوقها إلى سبعمائة {والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} إخبار يراد به الترغيب في الإنفاق.

.تفسير الآية رقم (246):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ} رؤية قلب، وكانوا قوماً نالهم الذلة من أعدائهم، فطلبوا الإذن في القتال فلما أمروا به كرهوه {لِنَبِيٍّ لَّهُمُ} قيل اسمه شمويل، وقيل شمعون {هَلْ عَسَيْتُمْ} أي: قاربتم، وأراد النبي المذكور أن يتوثق منهم، ويجوز في السين من عَسِيتم الكسر والفتح، وهو أفصح ولذلك انفرد نافع بالكسر، وأما إذ لم يتصل بعسى ضمير فلا يجوز فيها إلاّ الفتح.

.تفسير الآية رقم (247):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
{طَالُوتَ مَلِكاً} قال وهب بن منبه: أوحى الله إلى نبيهم عصا، وقال له: إذا دخل عليك رجل على طول هذه العصا فهو ملكهم فكان ذلك طالوت {وَنَحْنُ أَحَقُّ بالملك مِنْهُ} روي أنه كان دباغاً ولم يكن من بيت الملك، والواو في قوله ونحن واو الحال والواو في قوله: ولم يؤت لعطف الجملة على الأخرى {بَسْطَةً فِي العلم والجسم} كان عالماً بالعلوم وقيل: بالحروب وكان أطول رجل يصل إلى منكبه {والله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ} رد عليهم في اعتقادهم أن الملك يستحق بالبيت أو المال.

.تفسير الآية رقم (248):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
{أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت} كان هذا التابوت قد تركه موسى عند يوشع فجعله يوشع في البرية، فبعث الله ملائكة حملته فجعلته في دار طالوت، وفيه قصص كثيرة غير ثابته {فِيهِ سَكِينَةٌ} قيل رمح فيه رأس ووجه كوجه الإنسان، وقيل طست من ذهب تغسل فيه قلوب الأنبياء وقيل رحمة، وقيل وقار {وَبَقِيَّةٌ} قال ابن عباس: هي عصا موسى ورضاض الألواح، وقيل: العصا والنعلان وقيل: ألواح من التوراة {آلُ موسى وَآلُ هارون} يعني: أقاربهما، قال الزمخشري: يعني الأنبياء من بني إسرائيل، ويحتمل أن يريد موسى وهارون، وأقحم الأهل.

.تفسير الآيات (249- 251):

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}
{فَصَلَ طَالُوتُ} أي خرج من موضعه إلى الجهاد {بِنَهَرٍ} قيل هو نهر فلسطين {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ} الآية: اختبر طاعتهم بمنعهم من الشرب باليد {إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً} رخص لهم في الغرفة باليد، وقرئ بفتح الغين وهو المصدر، وبضمها هو الاسم {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً} قيل: كانوا ثمانين ألفاً فشربوا منه كلهم إلاّ ثلاثمائة وبضعة عشر: عدد أصحاب بدر، فأما من شرب فاشتد عليه العطش، وأما من لم يشرب فلم يعطش {بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} كان كافراً عدوّاً لهم وهو ملك العمالقة، {يَظُنُّونَ} أي يوقنون وهم أهل البصائر من أصحابه {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} كان داود في جند طالوت فقتل جالوت، فأعطاه الله ملك بني إسرائيل، وفي ذلك قصص كثيرة غير صحيحة {والحكمة} هنا النبوة والزبور {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ} صنعة الدروع، ومنطق الطيور، وغير ذلك {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله} الآية: منه على العباد بدفع بعضهم ببعض، وقرئ دفاع بالألف، ودفع بغير ألف، والمعنى متفق.

.تفسير الآية رقم (253):

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
{تِلْكَ الرسل} الإشارة إلى جماعتهم {فَضَّلْنَا} نص في التفضيل في الجملة من غير تعيين مفضول: كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تخيروا بين الأنبياء»، «ولا تفضلوني على يونس بن متى» فإنّ معناه النهي عن تعيين المفضول، لأنه تنقيص له، وذلك غيبة ممنوعة، وقد صرح صلى الله عليه وسلم بفضله على جميع الأنبياء بقوله: «أنا سيد ولد آدم» لا بفضله على واحد بعينه، فلا تعارض بين الحديثين {مَّن كَلَّمَ الله} موسى عليه السلام {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} قيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم لتفضيله على الأنبياء بأشياء كثيرة، وقيل: هو إدريس لقوله: {ورفعناه مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم: 57] فالرفعة على هذا في المسافة وقيل: هو مطلق في كل من فضله الله منهم {مِن بَعْدِهِم} أي من بعد الأنبياء، والمعنى: بعد كل نبيّ لا بعد الجميع {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا} كرره تأكيداً وليبنى عليه ما بعده.

.تفسير الآية رقم (254):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
{أَنْفِقُواْ} يعم الزكاة والتطوّع {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} أي: لا يتصرف أحد في ماله، والمراد: لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق في الدنيا؛ ويدخل فيه نفي الفدية لأنه بشراء الإنسان نفسه {وَلاَ شفاعة} أي ليس في يوم القيامة شفاعة إلاّ بإذن الله؛ فهو في الحقيقة رحمة من الله للمشفوع فيه، وكرامة للشافع ليس فيها تحكم على الله، وعلى هذا يحمل ما ورد من نفي الشفاعة في القرآن؛ أعني أن لا تقع إلاّ بإذن الله؛ فلا تعارض بينه وبين إثباتها، وحيث ما كان سياق الكلام في أهوال يوم القيامة، والتخويف بها نفيت الشفاعة على الإطلاق، ومبالغة في التهويل. وحيث ما كان سياق الكلام تعظيم الله نفيت الشفاعة إلاّ بإذنه {والكافرون هُمُ الظالمون} قال عطاء ابن دينار: الحمد لله الذي قال هكذا، ولم يقل: والظالمون هو الكافرون.

.تفسير الآية رقم (255):

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
{الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم} هذه آية الكرسي وهي أعظم آية في القرآن حسبما ورد في الحديث، وجاء فيها فضل كبير في الحديث الصحيح وفي غيره {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} تنزيه لله تعالى عن الآفات البشرية، والفرق بين السنة والنوم: أن السنة هي ابتداء النوم لا نفسه: كقول القائل:
في عينه سنة وليس نائم

{مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} استفهام مراد به نفي الشفاعة إلاّ بإذن الله، فهي في الحقيقة راجعة إليه {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} الضمير عائد على من يعقل ممن تضمنه قوله: له ما في السموات وما في الأرض والمعنى: يعلم ما كان قبلهم وما يكون بعدهم، وقال مجاهد: ما بين أيديهم الدنيا؛ وما خلفهم الآخرة {مِّنْ عِلْمِهِ} من معلوماته أي لا يعلم عباده من معلوماته إلاّ ما شاء هو أن يعلموه {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش، وهو أعظم من السموات والأرض، وهو بالنسبة إلى العرش كأصغر شيء، وقي: كريه علمه. وقيل: كرسيه ملكه {وَلاَ يَؤُودُهُ} أي لا يشغله ولا يشق عليه.

.تفسير الآية رقم (256):

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} المعنى: أن دين الإسلام في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته، بحيث لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه، دون إكراه ويدل على ذلك قوله: {قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} أي قد تبين أن الإسلام رشد أن الكفر غي، فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه، وقيل: معناه الموادعة، وأن لا يكره أحد بالقتال على الدخول في الإسلام؛ ثم نسخت بالقتال، وهذا ضعيف لأنها مدنية وإنما آية المسالمة وترك القتال بمكة {بالعروة الوثقى} العروة في الأَجْرام هي: موضع الإمساك وشدّ الأيدي، وهي هنا تشبيه واستعارة في الإيمان {لاَ انفصام لَهَا} لا انكسار لها ولا انفصال.

.تفسير الآية رقم (257):

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
{يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} أي: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان {أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت} جمع الطاغوت هنا وأفرد في غير هذا الموضع؛ فكأنه اسم جنس لما عبد من دون الله، ولمن يضل الناس من الشياطين وبني آدم.

.تفسير الآية رقم (258):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
{الذي حَآجَّ إبراهيم} هو نمروذ الملك وكان يدّعي الربوبية فقال لإبراهيم: من ربك؟ {قَالَ إبراهيم رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فقال نمروذ: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} وأحضر رجلين فقتل أحدهما وترك الآخر، فقال: قد أحييت هذا وأمت هذا، فقال له إبراهيم: {فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ} أي انقطع وقامت عليه الحجة، فإن قيل: لم انتقل إبراهيم عن دليله الأوّل إلى هذا الدليل الثاني، والانتقال علامة الانقطاع؟ فالجواب: أنه لم ينقطع، ولكنه لما ذكر الدليل الأوّل وهو الإحياء والإماتة كان له حقيقة، وهو فعل الله، ومجازاً وهو فعل غيره، فتعلق نمروذ بالمجاز غلطاً منه أو مغالطة، فحينئذ انتقل إبراهيم إلى الدليل الثاني؛ لأنه لا مجاز له، ولا يمكن الكافر عدول عنه أصلاً.