فصل: تفسير الآية رقم (64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (64):

{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)}
{أَفَغَيْرَ الله} منصوب بأعبد {تأمروني} حذف إحدى النونين تخفيفاً وقرئ بإدغام إحدى النونين في الأخرى.

.تفسير الآية رقم (65):

{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)}
{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} دليل على إحباط عمل المرتد مطلقاً خلافاً للشافعي في قوله: لا يحبط عمله إلا إذا مات على الكفر، فإن قيل: الموحى إليهم جماعة والخطاب بقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} لواحد: فالجواب أنه أوحى إلى كل واحد منهم على حدته، فإن قيل: كيف خوطب الأنبياء بذلك وهم معصومون من الشرك، فالجواب أن ذلك على وجه الفرض والتقدير: أي لو وقع منهم شرك لحبطت أعمالهم، لكنهم لم يقع منهم شرك بسبب العصمة، ويحتمل أن يكون الخطاب لغيرهم وخوطبوا هم ليدل المعنى على غيرهم بالطريق الأولى.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموه حق تعظيمه ولا وصفوه بما يجب له ولا نزهوه عما لا يليق به، والضمير في قدروا لقريش وقيل: اليهود {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} المقصود بهذا تعظيم جلال الله والردّ على الكفار الذين ماقدروا الله حق قدره، ثم اختلف الناس فيها كاختلافهم في غيرها من المشكلات، فقالت المتأولة: إن القبضة واليمين عبارة عن القدرة وقال ابن الطيب إنها صفة زائدة على صفات الذات، وأما السلف الصالح فسلموا علم ذلك إلى الله، ورأوا أن هذا من المتشابه الذي لا يعلم علم حقيقته إلا الله، وقد قال ابن عباس ما معناه: إن الأرض في قبضته والسموات مطيوات كل ذلك بيمينه، وقال ابن عمر ما معناه: أن الأرض في قبضة اليد الوحدة، والسموات مطويات باليمين الأخرى لأن كلتا يديه يمين.

.تفسير الآية رقم (68):

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)}
{وَنُفِخَ فِي الصور} هو القرن الذين ينفخ فيه إسرافيل، وهذه النفخة نفخة الصعق وهو الموت، وقد قيل: إن قبلها نفخة الفزع ولم تذكر في هذه الآية {إِلاَّ مَن شَآءَ الله} قيل: يعني جبريل وإسرافيل، وميكائيل وملك الموت، وثم يميتهم الله بعد ذلك وقيل: استثناء الأنبياء وقيل الشهداء {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} هي نفخة القيام {قِيَامٌ يَنظُرُونَ} إنه من النظر، وقيل: من الانتظار أي ينتظرون ما يفعل بهم.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)}
{وَوُضِعَ الكتاب} يعني صحائف الأعمال وإنما وحّدها لأنه أراد الجنس وقيل: هو اللوح المحفوظ {وَجِيءَ بالنبيين} ليشهدوا على قومهم {والشهدآء} يحتمل أن يكون جمع شاهد أو جمع شهيد في سبيل الله، والأول أرجح لأن فيه معنى الوعيد، ولأنه أليق بذكر الأنبياء الشاهدين، والمراد على هذا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم يشهدون على الناس وقيل: يعني الملائكة الحفظة {وَقُضِيَ بَيْنَهُم} الضمير لجميع الخلق.

.تفسير الآيات (71- 75):

{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}
{زُمَراً} في الموضعين جمع زمرة وهي الجماعة من الناس وقال صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة وجوههم على مثل القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على مثل أشد نجم في السماء إضاءة ثم هم بعد ذلك منازل» {خَزَنَتُهَآ} جمع خازن حيث وقع {كَلِمَةُ العذاب} يعني القضاء السابق بعذابهم {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} إنما قال في الجنة و{فُتِحَتْ} أبوابها بالواو وقال في النار {فُتِحَتْ} بغير واو لأن أبواب الجنة كانت مفتحة قبل مجيء أهلها، والمعنى حتى إذا جاؤها وأبوابها مفتحة، فالوالو واو الحال وجواب إذا على هذا محذوف، وأما أبواب النار فإنها فتحت حين جاؤوها، فوقع قوله: فتحت جواب الشرط فكأنه بغير واو وقال الكوفيون: الواو في أبواب الجنة واو الثمانية، لأن أبواب الجنة ثمانية وقيل: الواو زائدة ز {فُتِحَتْ} هو الجواب {وَأَوْرَثَنَا الأرض} يعني أرض الجنة والوارثة هنا استعارة كأنهم ورثوا موضع من لم يدخل الجنة {نَتَبَوَّأُ} أي ننزل من الجنة حيث نشاء ونتخذه مسكناً {حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} أي محدقين به دائرين حوله {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} الضمير لجميع الخلق كالموضع الأول، ويحتمل هنا أن يكون للملائكة والقضاء بينهم توفية أجورهم على حسب منازلهم {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} يحتمل أن يكون القائل لذلك الملائكة أو جميع الخلق أو أهل الجنة لقوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [يونس: 10].

.سورة غافر:

.تفسير الآية رقم (2):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)}
{تَنزِيلُ الكتاب} ذكر في الزمر.

.تفسير الآية رقم (3):

{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)}
{ذِي الطول} أي ذي الفضل والإنعام، وقيل: الطول: الغنى والسعة.

.تفسير الآية رقم (4):

{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)}
{فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد} جعل لا يغررك بمعنى لا يحزنك ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ووعيد للكفار.

.تفسير الآية رقم (5):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)}
{والأحزاب} يراد بهم عاد وثمود وغيرهم {لِيَأْخُذُوهُ} أي ليقتلوه {لِيُدْحِضُواْ} أي ليبطلوا به الحق.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)}
{حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} أي وجب قضاؤه.

.تفسير الآية رقم (7):

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)}
{وَمَنْ حَوْلَهُ} عطف على {الذين يَحْمِلُونَ} {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} إن قيل: ما فائدة قوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ}، ومعلوم أن حملة العرش ومن حوله يؤمنون بالله؟ فالجواب أن ذلك إظهار لفضيلة الإيمان وشرفه، قال ذلك الزمخشري، وقال: إن فيه فائدة أخرى وهي: أن معرفة حملة العرش بالله تعالى من طريق النظر والاستدلال، كسائر الخلق لا بالرؤية، وهذه نزعته إلى مذهب المعتزلة في استحالة رؤية الله.
{وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} أصل الكلام وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فالسعة في المعنى مسندة إلى الرحمة والعلم، وإنما أسندتا إلى الله تعالى في اللفظ لقصد المبالغة في وصف الله تعالى بهما كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شيء.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}
{وَقِهِمُ السيئات} يحتمل أن يكون المعنى قهم السيئات نفسها، بحيث لا يفعلونها، أو يكون المعنى: قِهِمْ جزاء السيئات، فلا تؤاخذهم بها.

.تفسير الآية رقم (10):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)}
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} المقت البغض الذي يوجبه ذنب أو عيب، وهذه الحال تكون للكفار عند دخولهم النار؛ فإنهم إذا دخلوها مقتوا أنفسهم، أي مقت بعضهم بعضاً، ويحتمل أن يمقت كل واحد منهم نفسه فتناديهم الملائكة وتقول لهم: مقت الله لكم في الدنيا على كفركم أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم. فقوله: لمقت الله مصدر مضاف إلى الفاعل، وحذف المفعول لدلالة مفعول مقتكم عليه وقوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ} ظرف العامل فيه {مَقْتُ الله} عاماً من طريق المعنى، ويمتنع أن يعمل فيه من طريق قوانين النحو، لأن مقت الله مصدر فلا يجوز أن يفصل بينه وبين بعض صلته، فيحتاج أن يقدر اللظرف عامل، وعلى هذا جاز بعضهم الوقف على قوله: {أَنفُسَكُمْ}، والابتداء بالظرف وهذا ضعيف، لأن المراعى المعنى. وقد جعل الزمخشري {مَقْتُ الله} عاماً في الظرف ولم يعتبر الفصل.

.تفسير الآيات (11- 12):

{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)}
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} هذه الآية كقوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] فالموتة الأولى عبارة عن كونهم عدماً، أو كونهم في الأصلاب، أو في الأرحام، والمؤتة الثانية الموت المعروف، والحياة الأولى حياة الدنيا، والحياة الثانية حياة البعث في القيامة. وقيل: الحياة الأولى حياة الدنيا، والثانية: الحياة في القبر، والموتة الأولى الموت المعروف، والموتة الثانية بعد حياة القبر، وهذا قول فاسد لأنه لابد من الحياة للبعث فتجيء الحياة ثلاثة مرات.
فإن قيل: كيف اتصال قولهم أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين بما قبله؟ فالجواب: أنهم كانوا في الدنيا يكفرون بالبعث، فلما دخلوا النار مقتوا أنفسهم على ذلك، فأقروا به حينئذ ليرضوا الله بإقرارهم، حينئذ فقولهم: {أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} إقرار بالبعث على أكمل الوجوه، طمعاً منه أن يخرجوا عن المقت الذي مقتهم الله؛ إذ كانوا يدعون إلى الإسلام فيكفرون {فاعترفنا بِذُنُوبِنَا} الفاء هنا رابطة معناها التسبب، فإن قيل: كيف يكون قولهم: {أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} سبباً لاعترافهم بالذنوب؟ فالجواب أنهم كانوا كافرين بالبعث، فلمّا رأوا الإماتة والإحياء قد تكرر عليهم، علموا أن الله قادر على البعث فاعترفوا بذنوبهم، وهي إنكار البعث، وما أوجب لهم إنكاره من المعاصي، فإن من لم يؤمن بالآخرة لا يبالي بالوقوع في المعاصي. {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} الباء سببية للتعليل، والإشارة بذلكم يحتمل أن تكون للعذاب الذي هم فيه، أو إلى مقت ألله لهم أو مقتهم لأنفسهم، والأحسن أن تكون إشارة إلى ما يقتضيه سياق الكلام وذلك أنهم لما قالوا: {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ}، كأنهم قيل لهم: لا سبيل إلى الخروج، فالإشارة بقوله: {ذَلِكُم} إلى عدم خروجهم من النار.

.تفسير الآية رقم (13):

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)}
{يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} يعني: العلامات الدالة عليه من مخلوقاته ومعجزات رسله {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً} يعني المطر.

.تفسير الآية رقم (15):

{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)}
{رَفِيعُ الدرجات} يحتمل أن يكون المعنى مرتفع الدرجات، فيكون بمعنى العالي أو رافع درجات عباده في الجنة وفي الدنيا {يُلْقِي الروح} يعني الوحي {مِنْ أَمْرِهِ} يحتمل أن يريد الأمر الذي هو واحد الأمور، أو الأمر بالخبر، فعلى الأول تكون من للتبعيض أو لإبتداء الغاية، وعلى الثاني تكون لابتداء الغاية أو بمعنى الباء {يَوْمَ التلاق} يعني يوم القيامة، وسمي بذلك لأن الخلائق يلتقون فيه، وقيل: لأنه يلتقي فيه أهل السموات والأرض وقيل: لأنه يلتقي الخلق مع ربهم، والفاعل في ينذر ضمير يعود على من يشاء أو على الروح أو على الله.

.تفسير الآية رقم (16):

{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)}
{لِّمَنِ الملك اليوم} هذا من كلام الله تعالى تقريراً للخلق يوم القيامة؛ فيجيبونه ويقولون: {لِلَّهِ الواحد القهار} وقيل: بل هو الذي يجيب نفسه؛ لأنه الخلق يسكتون هيبة له، وقيل: إن القائل {لِّمَنِ الملك اليوم} ملك.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)}
{يَوْمَ الأزفة} يعني القيامة ومعناه القريبة {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} معناه أن القلوب قد صعدت من الصدور، لشدّة الخوف حتى بلغت الحناجر، فيحتمل أن يكون ذلك حقيقة أو مجاز عبرّ به عن شدّة الخوف. والخناجر جمع حنجرة وهي الحلق {كَاظِمِينَ} أي محزونين حزناً شديداً كقوله: {فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] وقيل: معناه يكظمونت حزنهم أي يطمعون أن يخفوه، والحال تغلبهم، وانتصابه على الحال من أصحاب القلوب، لأن معناه قلوب الناس، أو من المفعول في أنذرهم أو من القلوب. وجمعها جمع المذكر لمّا وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أي صديق مشفق {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} يحتمل أن يكون نفي الشفاعة وطاعة الشفيع أو نفي طاعة خاصة. كقولك: ما جاءني رجل صالح فنفيت الصلاح، وإن كان قد جاءك رجل غير صالح، والأول أحسن لأن الكفار ليس لهم من يشفع فيهم.

.تفسير الآية رقم (19):

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}
{يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين} أي استراق النظر، والخائنة مصدر بمعنى الخيانة، أو وصف للنظرة وهذا الكلام متصل بما تقدم من ذكر الله، واعترض في أثناء ذلك بوصف القيامة لما استطرد إليه من قوله: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} [غافر: 15].