فصل: تفسير الآيات (16- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (16- 17):

{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)}
{أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} أم للإنكار والرد على الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله ومعنى أصفاكم: خصكم. أي كيف يتخذ لنفسه البنات وهي أدنى، وأصفاكم بالبنين وهم أعلى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً} أي إذا بشر بالأنثى، وقد ذكر المعنى في النحل والمراد أنهم يكرهون البنات فيكف ينسبونها إلى الله؟ تعالى الله عن قولهم.

.تفسير الآية رقم (18):

{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}
{أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية} المراد بمن ينشأ في الحلية النساء، والحلية هي الحلي من الذهب والفضة، وشبه ذلك. ومعنى ينشأ فيها يكبر وينبت في استعمالها. وقرئ ينشأ بضم الياء وتشديد الشين بمعنى يُربِّي فيها، والمقصد الرد على الذين قالوا: الملائكة بنات الله. كأنه قال: أجعلتم لله من ينشأ في الحلية وذلك صفة النقص، ثم أتبعها بصفة نقص أخرى وهي قوله: {وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ}، يعني أن الأنثى إذا خاصمت أو تكلمت لم تقدر أن تبين حجَّتها لنقص عقلها، وقلَّ ما تجد امرأة إلا تفسد الكلام وتخلط المعاني، فكيف ينسب لله من يتصف بهذه النقائص؟ وإعراب ينشأ مفعول بفعل مضمر تقديره: أجعلتم لله من ينشأ أو مبتدأ وخبره محذوف تقديره أو من ينشأ في الحلية خصصتم به الله.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)}
{وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً} الضمير في جعلوا لكفار العرب، فحكى عنهم ثلاثة أقوال شنيعة أحدها أنهم نسبوا إلى الله الولد، والآخر أنهم نسبوا إليه البنات دون البنين، والثالث أنهم جعلوا الملائكة المكرمين إناثاً، وقرئ {عِبَادُ الرحمن} بالنون، والمراد به قرب الملائكة وتشريفهم كقوله والذين عند ربك، وقرئ عباد بالباء جمع عبد والمراد به أيضاً الاختصاص والتشريف {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} هذا ردّ على العرب في قولهم: إن الملائكة إناث، والمعنى لم يشهدوا خلق الملائكة، فكيف يقولون ما ليس لهم به علم؟ {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} أي تكتب شهادتهم التي شهدوا بها على الملائكة، ويسألون عنها يوم القيامة.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)}
{وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ} الضمير في {قَالُواْ} للكفار، وفي {عَبَدْنَاهُمْ} للملائكة، وقال ابن عطية للأصنام: والأول أظهر وأشهر، والمعنى: احتجاج احتجّ به الذين عبدوا الملائكة، وذلك أنهم قالوا: لو أراد الله أن لا نعبدهم ما عبدناهم، فكونه يمهلنا وينعم علينا: دليل على أنه يرضى عبادتنا لهم، ثم رد الله عليهم بقوله: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} يعني أن قولهم بلا دليل وحجة، وإنا هو تخرُّص منهم.

.تفسير الآيات (21- 22):

{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}
{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ} أي من قبل القرآن، وهذا أيضاً رد عليهم؛ لكونهم ليس لهم كتاب يحتجون به {بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ} أي على دين وطريقة، والمعنى أنهم ليس لهم حجة، وإنما هم مقلدو آبائهم.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)}
{وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} الآية المعنى كما اتبع هؤلاء الكفار آباءهم بغير حجة اتبع كل من كان قبلهم من الكفار آباءهم بغير حجة، بل بطريق التقليد المذموم.

.تفسير الآيات (24- 25):

{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}
{قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ} هذا رد على الذين اتبعوا آباءهم، والمعنى قل لهم أتتبعونهم ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم، وقرئ {قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} والفاعل ضمير يعود على النذير المتقدم، وأما قراءة {قال} بالأمر فهو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، أمره الله أن يقول ذلك لقريش وقيل: هو للنذير المتقدم، أمره الله أن يقول ذلك لقومه، والأول أظهر، وعلى هذا تكون هذه الجملة اعتراضاً بين قصة المتقدمين، فإنه قوله: {قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}: حكاية عن الكفار المتقدمين، وكذلك قوله: {فانتقمنا مِنْهُمْ}: يعني من المتقدمين.

.تفسير الآيات (26- 29):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)}
{إِنَّنِي بَرَآءٌ} أي بريء وبراء في الأصل مصدر ثم استعمل صفة، ولذلك استوى فيها الواحد والجماعة كَعَدْل وشبهه {إِلاَّ الذي فَطَرَنِي} يحتمل أن يكون استثناء منقطعاً، وذلك إن كانوا لا يعبدون الله، أو يكون متصلاً إن كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره، وإعرابه على هذا بدل {مِّمَّا تَعْبُدُونَ} فهو في موضع خفض، أو منصوب على الاستثناء فهو في موضع نصب {سَيَهْدِينِ} قال هنا: سيهدين، وقال مرة أخرى: فهو يهدين، ليدل على أن الهداية في الحال والاستقبال من الله {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ضمير الفاعل في جعلها يعود على إبراهيم عليه السلام، وقيل على الله تعالى، والأول أظهر، والضمير يعود على الكلمة التي قالها وهي: {إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}، ومعناه: التوحيد ولذلك قيل: يعود على الإسلام لقوله: {هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ} [الحج: 78]، وقيل: يعود على {لاَ إله إِلاَّ الله} [الصافات: 35]، والمعنى متقارب: أي جعل إبراهيم تلك الكلمة ثابتة في ذريته؛ لعل من أشرك منهم يرجع إلى التوحيد، والعقب هو الولد وولد الولد ما تناسلا أبداً {بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَآبَآءَهُمْ} الإشارة بهؤلاء إلى قريش، وهذا الكلام متصل بما قبله، لأن قريشاً من عقب إبراهيم عليه السلام، فالمعنى لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم، بل متعتهم بالنعم والعافية، فلم يشكروا عليها واشتغلوا بها عن عبادة الله {حتى جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}
{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} الضمير في قالوا لقريش، والقريتان مكة والطائف، ومن القريتين: معناها من إحدى القريتين، كقولك: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: أي من أحدهما، وقيل: معناه {على رَجُلٍ} من رجلين من القريتين، فالرجل الذي من مكة الوليد بن المغيرة، وقيل: عتبة بن ربيعة، والرجل الذي من الطائف عروة بن مسعود، وقيل حبيب بن عمير، ومعنى الآية أن قريشاً استبعدوا نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، واقترحوا أن ينزل على أحد هؤلاء، وصفوه بالعظمة يريدون الرئاسة في قومه وكثرة ماله، فردّ الله عليهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} يعني أن الله يخص بالنبوّة من يشاء من عباده؛ على ما تقتضيه حكمته وإرادته، وليس ذلك بتدبير المخلوقين، ولا بإرادتهم، ثم أوضح ذلك بقوله: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا} أي كما قسمنا المعايش في الدنيا كذلك قسمنا المواهب الدينية، وإذا كنا لم نهمل الحظوظ الفانية الحقيرة، فأولى وأحرى أن لا نهمل الحظوظ الشريفة الباقية {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} وهو من التسخير في الخدمة: أي رفعنا بعضهم فوق بعض ليخدم بعضهم بعضاً {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} هذا تحقير للدنيا، والمراد برحمة ربك هنا النبوة وقيل: الجنة.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)}
{وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} الآية: تحقير أيضاً للدنيا، ومعناها لولا أن يكفر الناس كلهم، لجعلنا للكفار سُقُفاً من فضة، وذلك لهوان الدنيا على الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها جرعة ماء {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} المعارج: الأدراج والسلالم، ومعنى يظهرون يرتفعون، ومنه: {فما استطاعوا أن يظهروه} والسرور جمع سرير، والزخرف الذهب، وقيل أثاث البيت من الستور والنمارق، وشبه ذلك وقيل: هو التزويق والنقش وشبه ذلك من التزيين؛ كقوله: {حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت} [يونس: 24].

.تفسير الآية رقم (36):

{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} يعشُ من قولك: عَشِيَ الرجل إذا أظلم بصره، والمراد به هنا ظلمة القلب والبصيرة، وقال الزمخشري: يَعْشَى بفتح الشين إذا حصلت الآفة في عينيه، ويعشو بضم الشين إذا نظر نظرة الأعشى، وليس به آفة، فالفرق بينهما كالفرق بين قولك: عمي وتعامى، فمعنى القراءة بالضم: يتجاهل ويجحد معرفته بالحق، والظاهر أن ذلك عبارة عن الغفلة وإهمال النظر، و{ذِكْرِ الرحمن}، قال الزمخشري يريد به القرآن، وقال ابن عطية: يريد به ما ذكر الله به عباده من المواعظ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، ويحتمل عندي أن يريد ذكر العبد لله، ومعنى الآية: أن من غفل عن ذكر الله يَسَّرَ الله له شيطاناً يكون له قريناً، فتلك عقوبة على الغفلة عن الذكر بتسليط الشيطان، كما أن من داوم على الذكر تباعد عنه الشيطان.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)}
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل} الضمير في إنهم للشياطين، وضمير المفعول في يصدونهم لمن يَعْشُ عن ذكر الرحمن، وجمع الضميرين لأن المراد جمع {حتى إِذَا جَآءَنَا} قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر جاءانا بضمير الاثنين وهما من يعش وشيطانه، وقرأ الباقون بغير ألف على أنه ضمير واحد وهو من يعش، والضمير في قال: {وَمَن يَعْشُ} [الزخرف: 36]، وقيل: للشيطان {بُعْدَ المشرقين} فيه قولان: أحدهما أنه يعني المشرق والمغرب، وغُلِّبَ أحدهما في التشبيه، كما قيل: القمران، والآخر: أنه يعني المشرقين والمغربين، وحذف المغربين لدلالة المشرقين عليه.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)}
{وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} هذا كلام يقال للكفار في الآخرة، ومعناه أنهم لا ينفعهم اشتراكهم في العذاب، ولا يجدون راحة التأسي التي يجدها المركوب في الدنيا، إذا رأى غيره قد أصابه مثل الذي أصابه، والفاعل في ينفعكم قوله: {أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ}، وإذ ظلمتم: تعليل معناه: بسبب ظلمكم، وقيل: الفاعل مضمر، وهو التبري الذي يقتضيه قوله: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} وأنكم على هذا تعدليل، والأول أرجح.

.تفسير الآيات (40- 41):

{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)}
{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم} الآية: خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بالصُم والعُمي الكفار؛ إذ كانوا لا يعقلون براهين الإسلام {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} إما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة، ومقصد الآية وعيد للكفار، والمعنى إن عجلنا وفاتك قبل الانتقام منهم فإنا سننتقم منهم بعد وفاتك، وإن أخرنا وفاتك إلى حين الانتقام منهم فإنا عليهم مقتدرون، وهذا الانتقام يحتمل أن يريد به قتلهم يوم بدر، وفتح مكة وشبه ذلك من الانتقام في الدنيا، أو يريد به عذاب الآخرة، وقيل: إن الضمير في {مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} للمسلمين، وأن معنى ذلك أن الله قضى أن ينتقم منهم بالفتن والشدائد، وإنه أكرم نبيه عليه السلام بأن توفاه قبل أن يرى الانتقام من أمته، والأول أشهر وأظهر.

.تفسير الآية رقم (44):

{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)}
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} الضمير في {إِنَّهُ} للقرآن أو للإسلام، والذكر هنا بمعنى الشرف، وقوم النبي صلى الله عليه وسلم هم قريش وسائر العرب، فإنهم نالوا بالإسلام شرف الدنيا والآخرة، ويكفيك أن فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وصارت فيهم الخلافة والملك، وورد عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمر بعده لقريش، ويحتمل أن يريد بالذكر التذكير والموعظة، فقومه على هذا أمته كلهم وكل من بعث إليهم {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} أي تسألون عن العمل بالقرآن وعن شكر الله عليه.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}
{وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} إن قيل: كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الرسل المتقدّمين وهو لم يدركهم؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول أنه رآهم ليلة الإسراء. الثاني أن المعنى اسأل أمة من أرسلنا قبلك. والثالث أنه لم يرد سؤالهم حقيقة، وإنما المعنى أن شرائعهم متفقة على توحيد الله، بحيث لو سألوا: هَلْ مع الله آلهة يعبدون؛ لأنكروا ذلك ودانوا بالتوحيد.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}
{وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} الآيات هنا المعجزات؛ كقلب العصا حية، وأخراج اليد بيضاء وقيل: البراهين والحجج العقلية، والأول أظهر ومعنى أكبر من أختها أنها في غاية الكبر والظهور، ولم يرد تفضيلها على غيرها من الآيات، إنما المعنى أنها إذا نظرت وجدت كبيرة، وإذا نظرت غيرها وجدت كبيرة فهو كقول الشاعر:
من تَلْقَ منهم تقلْ لا قيتُ سَيِّدَهم ** مثل النجوم التي يسري بها الساري

هكذا قال الزمخشري، ويحتمل عندي أن يريد ما نريهم من آية إلا هي أكبر مما تقدمها، فالمراد أكبر من أختها المتقدّمة عليها.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)}
{وَقَالُواْ ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ} ظاهر كلامهم هذا التناقض، فإن قولهم: {ياأيه الساحر} يقتضي تكذيبهم له، وقولهم: {ادع لَنَا رَبَّكَ} يقتضي تصديقه، والجواب من وجهين: أحدهما أن القائلين لذلك كانوا مكذبين، وقولهم {ادع لَنَا رَبَّكَ} يريدون على قولك وزعمك، وقولهم: {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} وعد نَوَوْا خلافه، والآخر: أنهم كانوا مصدّقين، وقولهم: يا أيها الساحر؛ إما أن يكون عندهم غير مذموم، لأن السحر كان علم أهل زمانهم، وكأنهم قالوا: يا أيها العالم، وإما أن يكون ذلك اسماً قد ألفوا تسمية موسى به من أول ما جاءهم، فنطقوا به بعد ذلك من غير اعتقاد معناه.