فصل: تفسير الآية رقم (259):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (259):

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
{أَوْ كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ} تقديره: أو رأيت مثل الذي، فحذف لدلالة ألم تر عليه؛ لأن كلتيهما كلمتا تعجب، ويجوز أن يحمل على المعنى كأنه يقول: أرأيت كالذي حاج إبراهيم، أو كالذي مرّ على قرية وهذا المارّ قيل إنه عزير، وقيل الخضر، فقوله: {أنى يُحْيِى هذه الله} ليس إنكاراً للبعث ولا استبعاداً ولكنه استعظام لقدرة الذي يحيي الموتى، أو سؤال عن كيفية الإحياء وصورته، لا شك في وقوعه، وذلك مقتضى كلمة أنّ فأراه الله ذلك عياناً؛ ليزداد بصيرة، وقيل: بل كان كافراً وقالها إنكاراً للبعث واستبعاداً، فأراه الله الحياة بعد الموت في نفسه، وذلك أعظم برهان {وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} أي خالية من الناس، وقال السدّي: سقطت سقوفها وهي العروش، ثم سقطت الحيطان على السقف {أنى يُحْيِي هذه الله} ظاهر هذا اللفظ إحياء هذه القرية بالعمارة بعد الخراب، ولكن المعنى إحياء أهلها بعد موتهم؛ لأنّ هذا الذي يمكن فيه الشك والإنكار؛ ولذلك أراه الله الحياة بعد موته، والقرية كانت بيت المقدس لما أخربها بختنصر، وقيل: قرية الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف {كَمْ لَبِثْتَ} سؤال على وجه التقرير {قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقل مدّة موته، قيل: أماته الله غدوة يوم ثم بعثه قبل الغروب من يوم آخر بعد مائة عام؛ فظنّ أنه يوم واحد، ثم رأى بقية من الشمس فخاف أن يكذب في قوله: يوماً فقال: أو بعض يوم {فانظر إلى طَعَامِكَ} قيل كان طعامه تيناً وعنباً وأنّ شرابه كان عصيراً ولبناً {لَمْ يَتَسَنَّهْ} معناه: لم يتغير، بل بقي على حاله طول مائة عام، وذلك أعجوبة إلهية، واللفظ يحتمل أن يكون مشتقاً من قولك تسنن الشيء إذا فسد، ومنه الحمأ المسنون، ثم قلبت النون حرف علة كقولهم: قصيت أظفاري، ثم حذف حرف العلة للجازم، والهاء على هذا هاء السكت {وانظر إلى حِمَارِكَ} قيل: بقي حماره حياً طول المائة عام، دون علف ولا ماء، وقيل: مات ثم أحياه الله، وهو ينظر إليه {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} التقدير: فعلنا بك هذا لتكون آية للناس، وروي أنه قام شاباً على حالته يوم مات فوجد أولاده وأولادهم شيوخاً {وانظر إِلَى العظام} هي عظام نفسه، وقيل: عظام الحمار على القول بأنه مات {ننشرها} بالراء نحييها، وقرئ بالزاي، ومعناه نرفعها للإحياء {قَالَ أَعْلَمُ} بهمزة قطع وضم الميم أي: قال الرجل ذلك اعترافاً، وقرئ بألف وصل، والجزم على الأمر أي قال له الملك ذلك.

.تفسير الآية رقم (260):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
{وَإِذْ قَالَ إبراهيم} الآية، قال الجمهور: لم يشك إبراهيم في إحياء الموتى، وإنما طلب المعاينة، لأنه رأى دابة قد أكلتها السباع والحيات فسأل ذلك السؤال، ويدل على ذلك قوله: كيف، فإنها سؤال عن حال الإحياء وصورته لا عن وقوعه {وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} أي بالمعاينة {أَرْبَعَةً مِّنَ الطير} قيل هي الديك، والطاوس، والحمام، والغراب، فقطعها وخلط أجزاءها ثم جعل من المجموع جزءاً على كل جبل، وأمسك رأسها بيده، ثم قال: تعالين بإذن الله، فتطايرت تلك الأجزاء حتى التأمت، وبقيت بلا رؤوس، ثم كرر النداء فجاءته تسعى حتى وضعت أجسادها في رؤوسها وطارت بإذن الله {فَصُرْهُنَّ} أي ضمهن، وقيل: قطَّعهن على كل جبل، قيل: أربعة جبال، وقيل: الجبال التي وصل إليها حينئذٍ من غير حصر بعدد.

.تفسير الآية رقم (261):

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
{فِي سَبِيلِ الله} ظاهرة الجهاد، وقد يحمل على جميع وجوه البر {كَمَثَلِ حَبَّةٍ} كل ما يزرع ويقتات وأشهره: القمح وفي الكلام حذف تقديره مثل نفقة الذين ينفقون كمثل حبة أو يقدر في آخر الكلام كمثل صاحب حبة {أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} بيان أن الحسنة بسبعمائة كما جاء في الحديث أن رجلاً جاء بناقة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة» {يضاعف لِمَن يَشَآءُ} أي يزيده على سبعمائة وقيل هو تأكيد وبيان للسبعمائة، والأول أرجح، لأنه ورد في الحديث ما يدل عليه.

.تفسير الآية رقم (262):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}
{الذين يُنْفِقُونَ} الآية: قيل نزلت في عثمان، وقيل في عليّ وقيل في عبد الرحمن بن عوف {مَنّاً وَلاَ أَذًى} المن: ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها، والأذى السبب.

.تفسير الآيات (263- 265):

{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}
{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} هو ردّ السائل بجميل من القول: كالدعاء له والتأنيس {وَمَغْفِرَةٌ} عفو عن السائل إذا وجد منه جفاء، وقيل: مغفرة من الله لسبب الردّ الجميل، والمعنى: تفضيل عدم العطاء إذا كان بقول معروف ومغفرة، على العطاء الذي يتبعه أذى {لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم} عقيدة أهل السنة أن السيئات لا تبطل الحسنات؛ فقالوا في هذه الآية: إنّ الصدقة التي يعلم من صاحبها أنه يمن أو يؤذي لا تقبل منه، وقيل: إنّ المن والأذى دليل على أن نيته لم تكن خالصة، فلذلك بطلت صدقته {كالذي يُنْفِقُ} تمثيل لمن يمنّ ويؤذي بالذي ينفق رياء وهو غير مؤمن {فَمَثَلُهُ} أي مثل المرائي في نفقته كحجر عليه تراب؛ يظنه من يراه أرضاً منبتة طيبة، فإذا أنزل عليها المطر انكشف التراب، فيبقى الحجر لا منفعه فيه، فكذلك المرائي يظن أن له أجراً، فإذا كان يوم القيامة انكشف سره ولم تنفعه نفقته {صَفْوَانٍ} حجر كبير {وَابِلٌ} مطر كثير {صَلْداً} أملس {يَقْدِرُونَ} أي لا يقدرون على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم وهو كسبهم {وَتَثْبِيتاً} أي تيقناً وتحقيقاً للثواب لأن أنفسهم لها بصائر تحملهم على الإنفاق، ويحتمل أن يكون معنى التثبيت أنهم؛ يثبتون أنفسهم لها بصائر تحملهم على الإنفاق، ويحتمل أن يكون معنى التثبيت أنهم؛ يثبتون أنفسهم على الإيمان باحتمال المشقة في بذلك المال، وانتصاب {ابتغآء} على المصدر في موضع الحال وعطف عليه {وَتَثْبِيتاً}، ولا يصح في تثبيتاً أن يكون مفعولاً من أجله، لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت فامتنع ذلك في المعطوف عليه وهو ابتغاء {كَمَثَلِ جَنَّةٍ} تقديره: كمثل صاحب حبة أو يقدر ولا مثل نفقة الذي ينفقون {بِرَبْوَةٍ} لأن ارتفاع موضع الجنة أطيب لتربتها وهوائها {فَطَلٌّ} الطل الرقيق الخفيف، فالمعنى يكفي هذه الجنة لكرم أرضها.

.تفسير الآية رقم (266):

{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} الآية: مثلٌ ضرب للإنسان يعمل صالحاً، حتى إذا كان عند آخر عمره ختم له بعمل السوء، أو مثلٌ للكافر أو المنافق أو المرائي المتقدّم ذكره آنفاً أو ذي المن والأذي، فإنّ كل واحد منهم يظن أنه ينتفع بعمله، فإذا كان وقت حاجة إليه لم يجد شيئاً، فشبههم الله بمن كان له جنة، ثم أصابتها الجائحة المهلكة، أحوج ما كان إليها لشيخوخته، وضعف ذريته، قالوا في قوله: {وَأَصَابَهُ الكبر} للحال {إِعْصَارٌ} أي ريح فيها سموم محرقة.

.تفسير الآية رقم (267):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
{مِن طيبات مَا كَسَبْتُمْ} والطيبات هنا عند الجمهور: الجيد غير الرديء، فقيل: إنّ ذلك في الزكاة فيكون واجباً؛ وقيل: في التطوع فيكون مندوباً لا واجباً؛ لأنه كما يجوز التطوع بالقليل يجوز بالرديء {وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا} من النبات والمعادن وغير ذلك {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} أي لا تقصدوا الرديء {مِنْهُ تُنْفِقُونَ} في موضع الحال {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} الواو للحال. والمعنى: أنكم لا تأخذونه في حقوقكم وديونكم، إلاّ أن تتسامحوا بأخذه وتغمضوا من قولك: أغمض فلان عن بعض حقه: إذا لم يستوفه وإذا غض بصره.

.تفسير الآية رقم (268):

{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}
{الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر} الآية: دفع لما يوسوس به الشيطان من خوف الفقر، ففي ضمن ذلك حض على الإنفاق، ثم بين عداوة الشيطان بأمره بالفحشاء، وهي المعاصي، وقيل: الفحشاء البخل، والفاحش عند العرب البخيل، قال ابن عباس: في الآية اثنتان من الشيطان واثنتان من الله، والفضل هو الرزق والتوسعة.

.تفسير الآيات (269- 271):

{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قيل: هي المعرفة بالقرآن، وقيل: النبوة، وقيل: الإصابة في القول والعمل {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ} الآية. ذكر نوعين، وهما ما يفعله الإنسان تبرعاً، وما يفعله بعد إلزامه نفسه بالنذر، وفي قوله: {فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ} وعد بالثواب، وقوله: {وَمَا للظالمين مِنْ أَنْصَارٍ} وعيد لمن يمنع الزكاة أو ينفق لغير الله {إِن تُبْدُواْ الصدقات} هي التطوع عند الجمهور لأنها يحسُن إخفاؤها وإبداء الواجبة كالصلوات {فَنِعِمَّا هِيَ} ثناء على الإظهار، ثم حكم أن الإخفاء خير من ذلك الإبداء وما من نعما في موضع نصب تفسير للمضمر؛ والتقدير: فنعم شيء إبداؤها.

.تفسير الآية رقم (272):

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}
{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} قيل: إنّ المسلمين كانوا لا يتصدقون على أهل الذمة، فنزلت الآية مبيحة للصدقة على من ليس على دين الإسلام، وذلك في التطوع، وأما الزكاة فلا تدفع لكافر أصلاً، فالضمير في هداهم على هذا القول للكافر، وقيل: ليس عليك أن تهديهم لما أمروا به من الإنفاق، وترك المن والأذى والرياء، والإنفاق من الخبيث، إنما عليك أن تبلغهم والهدى بيد الله فالضمير على هذا للمسلمين {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ} أي إن منفعته لكم لقوله: {مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46] {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ الله} قيل: إنه خبر عن الصحابة أنهم لا ينفقون إلاّ ابتغاء وجه الله، ففي ذلك حض على الإخلاص.

.تفسير الآية رقم (273):

{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
{لِلْفُقَرَآءِ} متعلق بمحذوف تقديره: الإنفاق للفقراء وهم هنا المهاجرون {أُحصِرُواْ} حبسوا بالعدو، وبالمرض {فِي سَبِيلِ الله} يحتمل الجهاد والدخول في الإسلام {ضَرْباً فِي الأرض} هو التصرف في التجارة وغيرها {يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَآءَ} أي يظن الجاهل بحالهم أنهم أغنياء لقلة سؤالهم. والتعفف هنا هو عن الطلب. ومن سببية، وقال ابن عطية: لبيان الجنس {تَعْرِفُهُم بسيماهم} علامة وجوههم وهي ظهور الجهد والفاقة، وقلة النعمة. وقيل: الخشوع، وقيل: السجود {لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً} الإلحاف: هو الإلحاح في السؤال، والمعنى: أنهم إذا سألوا يتلطفون ولا يلحون، وقيل: هو نفي السؤال والإلحاح معاً وباقي الآية وعد.

.تفسير الآية رقم (274):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
{بالليل والنهار سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} تعميم لوجوه الإنفاق وأوقاته، قال ابن عباس: نزلت في عليّ فإنه تصدق بدرهم بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم سراً وبدرهم علانية وقال أبو هريرة: نزلت في علف الخيل.

.تفسير الآية رقم (275):

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}
{الذين يَأْكُلُونَ الرباوا} أي ينتفعون به، وعبر عن ذلك بالأكل لأنه أغلب المنافع. وسواء من أعطاه أو من أخذه، والربا في اللغة الزيادة، ثم استعمل في الشريعة في بيوعات ممنوعة أكثرها راجع إلى الزيادة، فإنّ غالب الربا في الجاهلية قولهم للغريم: أتقضي أم تربي، فكان الغريم يزيد في عدد المال، ويصبر الطالب عليه، ثم إن الربا على نوعين: ربا النسيئة، وربا التفاضل وكلاهما يكون في الذهب والفضة، وفي الطعام، فأما النسيئة؛ فتحرم في بيع الذهب بالذهب وبيع الفضة بالفضة وفي بيع الذهب بالفضة، وهو الصرف، وفي الطعام بالطعام مطلقاً، وأما التفاضل: فإنما يحرم في بيع الجنس الواحد بجنسه من النقدين ومن الطعام، ومذهب مالك أنه يحرم التفاضل في المقتات المدخر من الطعام، ومذهب الشافعي أنه يحرم في كل طعام، ومذهب أبي حنيفة أنه يحرم في المكيل والموزون من الطعام وغيره {لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس} أجمع المفسرون أن المعنى لا يقومون من قبورهم في البعث إلاّ كالمجنون، ويتخبطه يتفعله من قولك: خبط يخبط، والمس الجنون، ومن تتعلق بيقوم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} تعليل للعقاب الذي يصيبهم، وإنما هذا للكفار، لأن قولهم: إنما البيع مثل الربا: ردّ على الشريعة وتكذيب للإثم وقد يأخذ العصاة بحظ من هذا الوعيد، فإن قيل: هلا قيل إنما الربا مثل البيع، لأنهم قاسوا الربا على البيع في الجواز، فالجواب: أن هاذ مبالغة، فإنهم جعلوا الربا أصلاً حتى شبهوا به البيع {وَأَحَلَّ الله البيع} عموم يخرج منه البيوع الممنوعة شرعاً، وقد عددناها في الفقه ثمانين نوعاً {وَحَرَّمَ الرباوا} ردّ على الكفار وإنكار للتسوية بين البيع والربا، وفي ذلك دليل على أن القياس يهدمه النص، لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم تحليل الله وتحريمه {فَلَهُ مَا سَلَفَ} أي له ما أخذ من الربا، أي لا يؤاخذ بما فعل منه قبل نزول التحريم {وَأَمْرُهُ إِلَى الله} الضمير عائد على صاحب الربا، والمعنى أن الله يحكم فيه يوم القيامة، فلا تؤاخذوه في الدنيا، وقيل: الضمير عائد على صاحب الربا، والمعنى أن الله يحكم فيه يوم القيامة، فلا تؤاخذوه في الدنيا، وقيل: الضمير عائد على الربا، والمعنى أن أمر الربا إلى الله في تحريم أو غير ذلك {وَمَنْ عَادَ} الآية: يعني من عاد إلى فعل الربا وإلى القول: إنما البيع مثل الربا، ولذلك حكم عليه بالخلود في النار، لأن ذلك القول لا يصدر إلاّ من كافر، فلا حجة فيها لمن قال بتخليد العصاة لكونها في الكفار {يَمْحَقُ الله الرباوا} ينقصه ويذهبه {وَيُرْبِي الصدقات} ينميها في الدنيا بالبركة، وفي الآخرة بمضاعفة الثواب {كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي من يجمع بين الكفر والإثم بفعل الربا، وهذا يدل على أن الآية في الكفار