فصل: تفسير الآيات (20- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (20- 21):

{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)}
{أَمَّنْ هذا الذي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ} خطاب للكفار على وجه التوبيخ والتهديد وإقامة الحجة عليهم، ودخلت {أَمَّ} التي يراد بها الإنكار على {مَّنْ} فأدغمت فيها، وكذلك {أَمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُمْ} والضمير في أمسك: لله، أي من يرزقكم إن منع الله رزقه، {بَل لَّجُّواْ} أي تمادوا في العتوّ والنفور عن الإيمان.

.تفسير الآية رقم (22):

{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)}
{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ} الآية توقيف على الحالتين، أيهما أهدى والمراد بها توبيخ الكفار، وفي معناها قولان: أحدهما: أن المشي هنا استعارة في سلوك طريق الهدى والضلال في الدنيا، والآخر: أنه حقيقة في المشي في الآخرة لأن الكافر يحمل على المشي إلى جهنم على وجهه، فأما على القول الأول فقيل: إن الذي يمشي مكباً أبو جهل والذي يمشي سوياً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: حمزة وقيل؛ هي على العموم في كل مؤمن وكافر، وقد تمشي هذه الأقوال أيضاً على الثاني، والمكب هو الذي يقع على وجهه، يقال: أكب الرجل وكبه غيره، فالمعدي دون همزة والقاصر بالهمزة بخلاف الأفعال.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)}
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} الضمير للكفار والوعد يراد به البعث أو عذابهم في الدنيا.

.تفسير الآية رقم (27):

{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)}
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} ضمير الفاعل للكفار وضمير المفعول للعذاب الذي يتضمنه الوعد {زُلْفَةً} أي قريباً، وقيل: عياناً {سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} أي ظهر فيها السوء لما حل بها {وَقِيلَ هذا الذي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} تفتعلون من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون به، والقائلون لذلك الملائكة أو يقال لهم بلسان الحال.

.تفسير الآية رقم (28):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)}
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله} الآية. سببها أن الكفار كانوا يتمنون هلاك النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فأمره الله أن يقول لهم: إن أهلكني الله وأهلك من معي أو رحمنا؛ فإنكم لا تنجون من العذاب الأليم على كل حال، والهلاك هنا يحتمل أن يراد به الموت أو غيره، ومعنى {يُجِيرُ الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}: من يمنعهم من العذاب.

.تفسير الآية رقم (30):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً} الآية احتجاج على المشركين، والغور مصدر وصف به فهو بمعنى غاير أي ذاهب في الأرض، والمعين الكثير، واختلف هل وزنه فعيل أو مفعول؟ فالمعنى إن غار ماؤكم الذي تشربون هل يأتيكم غير الله بماء معين؟

.سورة القلم:

.تفسير الآيات (1- 3):

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)}
{ن} حرف من حروف الهجاء وقد تقدم الكلام عليها في البقرة، ويختص {ن} بأنه قيل: إنه حرف من الرحمن فإن حروف الرحمن ألف ولام وراء وحاء وميم، ون وقيل: إن نون هنا يراد به الحوت، ومنه؛ ذو النون يونس {والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ} اختلف فيه على قولين أحدهما: أنه القلم الذي كتب به اللوح المحفوظ، فالضمير في يسطرون للملائكة، والآخر: أنه القلم المعروف عند الناس، أقسم الله به لما فيه من المنافع والحكم، والضمير في {يَسْطُرُونَ} على هذا لبني آدم {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} هذا جوةاب القسم وهو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم معناه: نفي نسبة الكفار له من الجنون، وبنعمة ربك اعتراض بين ما وخبرها كما تقول: أنت بحول الله أفضل، والمجرور في موضع الحال، وقال الزمخشري: إن العامل فيه بمجنون {غَيْرَ مَمْنُونٍ} ذكر في [فصلت: 8].

.تفسير الآيات (4- 6):

{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)}
{وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} هذا ثناء على خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن» تعني التأدب بآدابه وامتثال أوامره، وعبر ابن عباس عن الخلق بالدين والشرع وذلك رأس الخلق، وتفصيل ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع كل فضيلة، وحاز كل خصلة جميلة، فمن ذلك شرف النسب ووفور العقل وصحة الفهم، وكثرة العلم، وشدّة الحياء، وكثرة العبادة والسخاء والصدق والشجاعة والصبر والشكر والمروءة والتودد والاقتصاد والزهد والتواضع والشفقة والعدل والعفو وكظم الغيظ وصلة الرحم وحسن المعاشرة وحسن التدبير وفصاحة اللسان وقوة الحواس وحسن الصورة وغير ذلك، حسبما ورد في أخباره وسيره صلى الله عليه وسلم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال الجنيد: سمى خلقه عظيماً، لأنه لم تكن له همة سوى الله عز وجل: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ المفتون} قيل: إن المفتون هنا بمعنى المجنون، ويحتمل غير ذلك من معاني الفتنة، والخطاب في قوله: {فَسَتُبْصِرُ} للنبي صلى الله وعليه وسلم وفي قوله: {وَيُبْصِرُونَ} لكفار قريش، واختلف في الباء التي في قوله: {بِأَييِّكُمُ} على أربعة أقوال: الأول أنها زائدة، الثاني أنها غير زائدة والمعنى بأيكم الفتنة، فأوقع المفتون موقع الفتنة كقولهم: ماله معقول أي عقل، الثالث أن الباء بمعنى في والمعنى في أي فريق منكم المفتون واستحسن ابن عطية هذا، الرابع: أن المعنى بأيكم فتنة المفتون ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

.تفسير الآيات (9- 16):

{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)}
{وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} المداهنة هي الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي، ورُوي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لو عبدت آلهتنا لعبدنا إلهك، فنزلت الآية ولم ينتصب فيدهنون في جواب التمني؛ بل رفعه بالعطف على تدهن قاله ابن عطية، وقال الزمخشري: هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فهم يدهنون {حَلاَّفٍ} كثير الحلف في الحق والباطل {مَّهِينٍ} هو الضعيف الرأي والعقل قال ابن عطية: هو من مهن إذا ضعف، فالميم فاء الفعل، وقال الزمخشري: هو من المهانة وهي الذلة والحقارة وقال ابن عباس: المهين الكذاب {هَمَّازٍ} هو الذي يعيب الناس {مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ} أي كثير المشي بالنميمة، يقال: نميم ونميمة بمعنى واحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام» {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} أي شحيح، لأن الخير هنا هو المال. وقيل: معناه مناع من الخير، أي يمنع الناس من الإسلام، والعمل الصالح {مُعْتَدٍ} هو من العدوان وهو الظلم {أَثِيمٍ} من الإثم وهو ارتكاب المحرمات {عُتُلٍّ} أي غليظ الجسم، قاسي القلب بعيد الفهم، كثير الجهل {زَنِيمٍ} أي ولد زنا؛ وقيل: هو الذي في عنقه زنمة كزنمة الشاة التي تتعلق في حلقها، وقيل: معناه مريب قبيح الأفعال. وقيل: ظلوم، وقيل: لئيم وقوله: {بَعْدَ ذَلِكَ} أي بعد ما ذكرنا من عيوبه، فهذا الترتيب في الوصف لا في الزمان، واختلف في الموصوف بهذه الأوصاف الذميمة، فقيل: لم يقصد بها شخص معين، بل كل من اتصف بها، وقيل: المقصود بها الوليد بن المغيرة، لأنه وصفه بأنه ذو مال وبنين، وكذلك كان، وقيل: أبو جهل، وقيل: الأخنس بن شريق، ويؤيد هذا أنه كانت له زنمة في عنقه، قال ابن عباس: عرفناه بزنمته وكان لقيطاً من ثقيف، ويعدُّ في بني زهرة، فيصح وصفه بزنيم على القولين، وقيل: الأسود بن عبد يغوث {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} في موضع مفعول من أجله يتعلق بقوله: {لاَ تُطِعْ} أي لا تطعه بسبب كثرة ماله وبنيه، ويجوز أن يتعلق بما بعده، والمعنى على هذا أنه قال في القرآن أساطير الأولين، لأنه ذو مال وبنين، يتكبر بماله وبنيه، والعامل في {أن كان} على هذا فعل من المعنى، ولا يجوز أن يعمل فيه قال الذي هو جواب إذا، لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، والأول أظهر، وقد تقدم معنى أساطير الأولين {سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم} أصل الخرطوم: أنف السبع ثم استعير للإنسان استخفافاً به، وتقبيحاً له والمعنى نجعل له سمة. وهي العلامة على الخرطوم، واختلف في هذه السمة قيل: هي الضربة بالسيف يوم بدر، وقيل: علامة من نار تجعل على أنفه في جهنم. وقيل: علامة تجعل على أنفه يوم القيامة ليعرف بها.

.تفسير الآيات (17- 24):

{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)}
{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الجنة} أي بلونا قريشاً كما بلونا أصحاب الجنة، وكانوا إخوه من بني إسرائيل لهم جنة، روي أنها بمقربة من صنعاء، فحلفوا أن لا يعطوا مسكيناً منها شئياً، وباتوا عازمين على ذلك، فأرسل الله على جنتهم طائفاً من نار فأحرقتها، وعلموا أن الله عاقبهم فيها بما قالوا، فندموا وتابوا إلى الله، ووجه تشبيه قريش بأصحاب الجنة؛ أن الله أنعم على قريش ببعث محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنعم على أصحاب الجنة بالجنة، فكفر هؤلاء بهذه النعمة كما فعل أولئك، فعاقبهم الله كما عاقبهم، وقيل: شبَّه قريشاً لما أصابهم الجوع بشدة القحط، حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحاب الجنة لما هلكت جنتهم {إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} أي حلفوا أن يقطعوا غلة جنتهم عند الصباح وكانت الغلة ثمراً {وَلاَ يَسْتَثْنُونَ} في معناه ثلاثة أقوال: أحدها لم يقولوا إن شاء الله حين حلفوا ليصرمنها، والآخر لا يستثنون شيئاً من ثمرها إلا أخذوه لأنفسهم، والثالث لا يتوقفون في رأيهم ولا ينتهون عنه لا يرجعون عنه {فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ} قال الفراء: الطائف الأمر الذي يأتي بالليل {فَأَصْبَحَتْ كالصريم} فيه أربعة أقوال: الأول أصبحت كالليل لأنها اسودَّتْ لِما أصابها، والصريم في اللغة الليل، الثاني أصبحت كالنهار لأنها ابيضت كالحصيد ويقال: صريم لليل والنهار. الثالث أن الصريم: الرماد الأسود بلغة بعض العرب، الرابع أصبحت كالمصرومة أي المقطوعة {فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ} أي نادى بعضهم بعضاَ حين أصبحوا وقال بعضهم لبعض: {اغدوا على حَرْثِكُمْ} أي جنتكم {إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ} أي حاصدين لثمرتها {يَتَخَافَتُونَ} يكلم بعضهم بعضاً في السر ويقولون: {أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليوم عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ} وأن في قوله: أن اغدوا وأن لا يدخلنها حرف عبارة وتفسير.

.تفسير الآيات (25- 30):

{وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)}
{وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ} في الحرد أربعة أقوال: الأول أنه المنع، الثاني أنه القصد، الثالث أنه الغضب، الرابع: أن الحرد اسم الجنة، و{قَادِرِينَ} يحتمل أن يكون من القدرة، أي قادرين في زعمهم أو من التقدير: بمعنى التضييق أي ضيقوا على المساكين {إِنَّا لَضَآلُّونَ} أي أخطأنا طريق الجنة. قالوا ذلك لما لم يعرفوها، فلما عرفوها ورأوا ما أصابها قالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي حرمنا الله خيرها {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي خيرهم وأفضلهم ومنه: أمة وسطاً، أي خياراً: {لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} أي تقولون: سبحان الله، وقيل: هو عبارة عن طاعة الله وتعظيمه، وقيل: أراد الاستثناء في اليمين كقولهم: إن شاء الله. والأول أظهر لقولهم بعد ذلك {سُبْحَانَ رَبِّنَآ}. والمعنى أن هذا الذي هو أفضلهم كان قد حضهم على التسبيح {يَتَلاَوَمُونَ} أي يلوم بعضهم بعضاً على ما كانوا عزموا عليه من منع المساكين، أو على غفلتهم عن التسبيح بدليل قوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ}.

.تفسير الآية رقم (32):

{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)}
{عسى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ} يحتمل أنهم طلبوا البدل في الدنيا، أو في الآخرة. والأول أرجح لأنه رُوي عن ابن مسعود أن الله أبدلهم جنة يحمل البغل منها عنقوداً {كَذَلِكَ العذاب} أي مثل هذا العذاب الذي ينزل بأهل الجنة ينزل بقريش.

.تفسير الآيات (35- 38):

{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)}
{أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين} الهمزة للإنكار أي كيف يُسوِّي الله بين المسلمين والمجرمين؟ بل يجازي كل أحد بعمله، والمراد بالمجرمين هنا الكفار {مَا لَكُمْ} توبيخ للكفار وما مبتدأ و{لَكُمْ} خبره، وتم الكلام هنا فينبغي أن يوقف عليه {كَيْفَ تَحْكُمُونَ} توبيخ آخر، أي كيف تحكمون بأهوائكم وتقولون ما ليس لكم به علم؟ {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} هذه الجملة معمول {تَدْرُسُونَ}، وكان أصل إن الفتح وكسرت لأجل اللام التي في خبرها. و{تَخَيَّرُونَ} معناه تختارون لأنفسكم، ومعنى الآية: هل لكم كتاب، من عند الله تدرسون فيه أن لكم ما تختارونه لأنفسكم.

.تفسير الآية رقم (39):

{أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)}
{أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلى يَوْمِ القيامة إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} المعنى هل حلفنا لكم إيماناً أن لكم ما تحكمون؟ ومعنى بالغة ثابتة واصلة إلى يوم القيامة، وقوله: {إِنَّ لَكُمْ} هو جواب القسم الذي يقتضيه الأيمان، ولذلك أكده بإن واللام و{لَمَا تَحْكُمُونَ} هو اسم إن دخلت عليه اللام المؤكدة.

.تفسير الآية رقم (40):

{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)}
{سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ} أي يا محمد اسأل قريشاً أيهم زعيم بهذه الأمور، والزعيم: هو الضامن للأمر القائم به.

.تفسير الآية رقم (41):

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)}
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ} هذا تعجيز للكفار، ومعناه: إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء فأتوا بهم، واختلف هل قوله: {فليأتوا} بهم في الدنيا، أي أحضروهم حتى يرى حالهم، أو يقال لهم ذلك يوم القيامة؟ والشركاء هم المعبودون من الأصنام وغيرها. وقال الزمخشري: معناه أم لكم ناس يشاركونكم في هذا القول، ويوافقونكم عليه فأتوا بهم. يعني أنهم لا يوافقهم أحد عليه، والأول أظهر.

.تفسير الآية رقم (42):

{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)}
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} قال المتأولون: ذلك عبارة عن هول يوم القيامة وشدّته، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينادي منادٍ يوم القيامة: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع الشمس من كان يعبد الشمس، ويتبع القمر من كان يعبد القمر، ويتبع كل أحد ما كان يعبد، ثم تبقى هذه الأمة وغبرات من أهل الكتاب معهم منافقوهم فيقال لهم: ما شأنكم؟ فيقولون: ننتظر ربنا. قال: فيجيئهم الله في غير الصورة التي عرفوه، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، قال فيقول: أتعرفونه بعلامة ترونها. فيقولون: نعم. فيكشف لهم عن ساق، فيقولون: نعم أنت ربنا ويخرون للسجود فيسجد كل مؤمن، وترجع أصلاب المنافقين عظماً واحداً فلا يستطيعون سجوداً» وتأويل الحديث كتأويل الآية {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السجود} تفسير في الحديث الذي ذكرنا.
فإن قيل: كيف يُدعون في الآخرة إلى السجود وليست الآخرة دار تكليف؟
فالجواب: أنهم يدعون إليه على وجه التوبيخ لهم على تركهم السجود في الدنيا لا على وجه التكليف والعبادة.