فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (11):

{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)}
{يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} مفعول من الدرّ وهو كثرة الماء، وفي الآية دليل على أن الاستغفار يوجب نزول الأمطار، ولذلك خرج عمر بن الخطاب إلى الاستسقاء فلم يزد على أستغفر ثم انصرف، فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: والله لقد استسقيت أبلغ الاستسقاء، ثم نزل المطر، وشكا رجل إلى الحسن الجدب فقال له: استغفر الله.

.تفسير الآيات (13- 16):

{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)}
{مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} فيه أربع تأويلات: أحدها أن الوقار بمعنى التوقير والكرامة، فالمعنى: مالكم لا ترجون أن يوقركم الله في دار ثوابه. قال ذلك الزمخشري. وقوله: {لله} على هذا بيان للموقر، ولو تأخر لكان صفة لوقاراً. الثاني أن الوقار بمعنى التؤدة والتثبت، والمعنى: مالكم لا ترجون لله وقاراً، متثبتين حتى تتمكنوا من النظر بوقاركم وقوله: {لله} على هذا مفعول دخلت عليه اللام اللام كقولك: ضربت لزيد، وإعراب وقاراً على هذا مصدر في موضع الحال. الثالث أن الرجاء هنا بمعنى الخوف، والوقار بمعنى العظمة والسطان، فالمعنى: مالكم لا تخافون عظمة الله وسلطانه ولله على هذا صفة للوقار في المعنى، الرابع: أن الرجاء بمعنى الخوف، والوقار بمعنى الاستقرار، من قولك: وقر بالمكان إذا استقر فيه، والمعنى: ما لكم لا تخافون الاستقرار في دار القرار إما في الجنة أو النار {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} أي طوراً بعد طور، يعني أن الإنسان كان نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى سائر أحواله، وقيل: الأطوار الأنواع المختلفة، فالمعنى أن الناس على أنواع في ألوانهم وأخلاقهم وألسنتهم وغير ذلك {طِبَاقاً} ذكر في [الملك: 3] {وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً} القمر إنما هو في السماء الدنيا، وساغ أن يقول فيهن لما كان في إحداهن فهو في الجميع كقولك: فلان في الأندلس، إذا كان في بعضها، وجعل القمر نوراً والشمس سراجاً، لأن ضوء السراج أقوى من النور، فإن السراج هو الذي يضيء فيبصر به والنور قد يكون أقل من ذلك.

.تفسير الآيات (17- 22):

{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)}
{والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} هذا عبارة عن إنشائهم من تراب الأرض، ونباتاً مصدر على غير المصدر أو يكون تقديره: أنبتكم فنبتم إنباتاً، ويحتمل أن يكون منصوباً على الحال {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} يعني بالبعث من القبور {والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً} شبه الأرض بالبساط في امتدادها واستقرار الناس عليها، وأخذ بعضهم في لفظ البساط أن الأرض بسيطة غير كروية، خلافاً لما ذهب إليه أهل التعديل، وفي ذلك نظر {سُبُلاً فِجَاجاً} ذكر في [الأنبياء: 31] {واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً} يعني اتبعوا أغنيائهم وكبراءهم، وقرئ وَلدُه بفتحتين وَوُلْد بضم الواو وسكون اللام وهما بمعنى واحد {وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً} الكبّار بالتشديد أبلغ من الكبار بالتخفيف، والكبار بالتخفيف أبلغ من الكبير.

.تفسير الآيات (23- 25):

{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)}
{وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} أي وصى بعضهم بعضاً بذلك {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً} هذه أسماء أصنامهم، كان قوم نوح يعبدونها، وروي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الدنيا، فلما ماتوا صوَّرهم أهل ذلك العصر من حجارة، وقالوا: ننظر إليها لنتذكر أعمالهم الصالحة، فهلك ذلك الجيل وكثر تعظيمهم من بعدهم لتلك الصور، حتى عبدوها من دون الله، ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها؛ وقيل: بل الأسماء فقط، إلى قبائل العرب، فكان وَدّاً لكلب بدومة الجندل، وكان سواع لهذيل، وكان يغوث لمراد، وكان يعوق لهمدان، وكان نسراً لذي الكلام من حمير. وقرئ وَداً بفتح الواو وضمها ووُدّاً وهما لغتان {وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً} الضمير للرؤساء من قوم نوح، والمعنى أضلوا كثيراً من أتباعهم، وهذا من كلام نوح عليه السلام، وكذلك {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً} من كلامه، وهو دعاء عليهم. وقال الزمخشري: إنه معطوف على قوله: {رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} [نوح: 21] والتقدير: قال: رب إنهم عصوني، وقال: {لا تزد الضالمين إلا ضلالاً} {مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ} هذا من كلام الله إخباراً عن أمرهم، وما زائدة للتأكيد وإنما قدم هذا المجرور للتأكيد أيضاً ليبين أن إغراقهم وإدخالهم النار، إنما كان بسبب خطاياهم وهي الكفر الكفر وسائر المعاصي {فَأُدْخِلُواْ نَاراً} يعني جهنم. وعبَّر عن ذلك بالفعل الماضي لأن الأمر محقق، وقيل: أراد عرضهم على النار وعبر عنه بالإدخال.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)}
{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} ديّاراً من الأسماء المستعملة في النفي العام، يقال: ما في الدار ديار، أي ما فيها أحد، ووزنه فيعال وكان أصله ديوار ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، وليس وزنه فعال لأنه لو كان كذلك لقيل: دوار، لأنه مشتق من الدور أو من الدار، وروي أن نوحاً عليه السلام لم يدع على قومه بهذا الدعاء إلا بعد أن يئس من إيمانهم، وبعد أن أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم.

.تفسير الآية رقم (28):

{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}
{رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ} يؤخذ من هذا أن سنة الدعاء أن يقدم الإنسان الدعاء لنفسه على الدعاء لغيره، وكان والدا نوح عليه السلام مؤمنين قال ابن عباس: لم يكن لنوح أب كافر ما بينه وبين آدم عليهما السلام واسم والد نوح لمك بن متوشلخ وأمه شمخا بيت أنوش، حكاه الزمخشري {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً} قيل: بيته المسجد، وقيل: السفينة. وقيل: شريعته، سماها بيتاً استعارة وهذا بعيد، وقيل: داره وهذا أرجح لأنه الحقيقة {وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} هذا دعاء بالمغفرة لكل مؤمن ومؤمنة على العموم، وفيه دليل على جواز ذلك خلافاً لمن قال من المتأخرين: إنه لا يجوز الدعاء بالمغفرة، وفيه دليل على جواز ذلك خلافاً لمن قال من المتأخرين: إنه لا يجوز الدعاء بالمغفرة لجميع المؤمنين على العموم، وهذا خطأ وتضييق لرحمة الله الواسعة، قال بعض العلماء: إن الإله الذي استجاب لنوح عليه السلام فأغرق بدعوته جميع أهل الأرض الكفار حقيق أن يستجيب له فيرحم يدعوته جميع المؤمنين والمؤمنات {تَبَاراً} أي هلاكاً والله أعلم.

.سورة الجن:

.تفسير الآية رقم (1):

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)}
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن} تقدمت في [الأحقاف: 29] قصة هؤلاء الجن الذين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا {فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} أي قال بعضهم لعض، وعجباً مصدر وصف به للمبالغة لأن العجب مصدر قولك: عجبت عجباً. وقيل: هو على حذف مضاف تقديره ذا عجب.

.تفسير الآيات (3- 4):

{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)}
{وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا} جدُّ الله: جلاله وعظمته، وقيل: معناه من قولك: فلان مجدود إذا استغنى، وقرئ أنه في هذا الموضع بفتح الهمزة، وقرأ نافع بكسرها، وكذلك فيما بعده إلى قوله: وأنا منا المسلمون. فأما الكسر فاستئناف أو عطف على إنا سمعنا، لكنه كسر في معمول القول، فيكون عطف عليه من قول الجن، وأما الفتح فقيل: إنه عطف على قوله: إنه استمع نفر وهذا خطأ من طريق المعنى؛ لأن قوله: استمع نفر في موضع معمول أُوحي، فيلزم أن يكون المعطوف عليه مما أوحى وأن لا يكون من كلام الجن. وقيل: إنه معطوف على الضمير المجرور في قوله: آمنا به وهذا ضعيف، لأن الضمير المجرور لا يعطف عليه إلا بإعادة الخافض.
وقال الزمخشري: هو معطوف على محل الجار والمجرور في آمنا به، كأنه قال: صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا، وكذلك ما بعده، ولا خلاف في فتح ثلاث مواضع هي: أنه استمع، وأن لو استقاموا، وأن المساجد لله؛ لأن ذلك مما أوحي لا من كلام الجن {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطاً} هذا من كلام الجن، وسفيههم أبوهم إبليس، وقيل: هو اسم جنس لكل سفيه منهم، واختبار ذلك ابن عطية، والشطط: التعدي ومجاوزة الحد.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)}
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً} أي ظننا أن الأقوال التي كان الإنس والجن يقولونها على الله صادقة وليست بكذب؛ لأنا ظننا أنه لا يكذب أحد على الله.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن} تفسير هذا ما روي أن العرب كانوا إذا حل أحد منهم بواد صاح بأعلى صوته: يا عزيز هذا الوادي إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك، ويعتقد أن ذلك الجن الذي بالوادي يحميه {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} ضمير الفاعل للجن، وضمير المفعول للإنس، والمعنى: أن الجن زادوا الإنس ضلالاً وإثماً لما عاذوا بهم، أو زادوهم تخويفاً لما رأوا ضعف عقولهم، وقيل: ضمير الفاعل للإنس، وضمير المفعول للجن: والمعنى إن الإنس زادوا الجن تكبراً وطغياناً لما عاذوا بهم، حتى كان الجن يقول: أنا سيد الجن والإنس.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)}
{وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً} الضمير في ظنوا لِكفار الإنس، وظننتم خطاب الجن بعضهم لبعض، فالمعنى أن كفار الإنس والجن ظنوا أن لن يبعث الله أحداً، والبعث هنا يحتمل أن يريد به بعث الرسل أو البعث من القبور.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)}
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} هذه إخبار عن ما حدث عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من منع الجن من استراق السمع من السماء ورجمهم، واللمس المس، واستعير هنا للطلب، والحرس اسم مفرد في معنى الحراس كالخدم في معنى الخدام، ولذلك وُصِفَ بشديد وهو مفرد، ويحتمل أن يريد به الملائكة الحراس، النجوم الحارسة، وكرر الشهب لاختلاف اللفظ.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)}
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} المقاعد جمع مقعد، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحداً فوق واحد، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها، ثم يزيد الكهان للكلمة مائة كذبة، {فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} الرصد اسم جمع للراصد، كالحراس للحارس وقال ابن عطية: هو مصدر وصف به ومعناه منتظر، قال بعضهم: إن رمي الجن بالنجوم إنما حدث بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، واختار ابن عطية والزمخشري أنه كان قبل المبعث قليلاً، ثم زاد بعد المبعث وكثر حتى منع الجن من استراق السمع بالكلية، والدليل أنه كان قبل المبعث «قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد رأى كوكباً انقض: ما كنتم تقولون لهذا في الجاهلية؟ قالوا: كنا نقول ولد ملك أو مات ملك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الأمر كذلك، ثم وصف استراق الجن للسمع، وقد ذكر شعراء الجاهلية ذلك في أشعارهم».

.تفسير الآيات (10- 13):

{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)}
{وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض} الآية: قال ابن عطية: معناه لا ندري أيومن الناس بهذا النبي صلى فيرشدوا، أو يكفرون به فينزل بهم الشر؟ وقال الزمخشري: معناه لا ندري هل أراد الله بأهل الأرض خيراً أو شراً من عذاب أو رحمة من خذلان أو من توفيق؟ {وَأَنَّا مِنَّا الصالحون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي منا قوم دون ذلك فحذف الموصوف وأراد به الذين ليس صلاحهم كاملاً، أو الذين ليس لهم صلاح، فإن دون تكون بمعنى أقل أو بمعنى غير {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} الطرائق: المذاهب والسير وشبهها، والقدد المختلفة وهو جمع قدة. وهذا بيان للقسمة المذكورة قبل، وهو على حذف مضاف إي كنا ذوي طرائق {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض} الظن هنا بمعنى العلم، وقال ابن عطية: هذا إخبار منهم عن حالهم بعد إيمانهم، ويحتمل أن يكونوا اعتقدوا هذا الاعتقاد قبل إسلامهم {سَمِعْنَا الهدى} يعنون القرآن {فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} البخص النقص والظلم، والرهق تحمل ما لا يطاق، وقال ابن عباس: البخص نقص الحسنات، والرهق الزيادة في السيئات.

.تفسير الآيات (14- 17):

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)}
{وَمِنَّا القاسطون} يعني الضالمين، يقال قسط الرجل إذا جار، وأقسط بالألف إذا عدل.
هاهنا انتهى ما حكاه الله من كلام الجن، وأما قوله: {فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً} يحتمل أن يكون من بقية كلامهم. أو يكون ابتداء كلام الله تعالى وهو الذي اختاره ابن عطية، وأما قوله: {وَأَلَّوِ استقاموا} فهو من كلام الله باتفاق وليس من كلامهم.
{تَحَرَّوْاْ} أي قصدوا الرشد {وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} الماء الغدق الكثير وذلك استعارة في توسيع الرزق، والطريقة هي طريقة الإسلام وطاعة الله، فالمعنى لو استقاموا على ذلك لوسع الله أرزاقهم فهو كقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} [الأعراف: 96] وقيلأ: هي طريقة الكفر، والمعنى على هذا: لو استقاموا على الكفر لوسع الله عليهم في الدنيا أملاكهم استدراجاً، ويؤيد هذا قوله: {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} والأول أظهر، والضمير في {استقاموا} يحتمل أن يكون للمسلمين أو القاسطين المذكورين، أو لجميع الجن أو للجن الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم أو لجميع الخلق {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} إن كانت الطريقة الإيمان والطاعة، فمعنى الفتنة الاختبار هل يسلمون أم لا؟ وإن كانت الطريقة الكفر فمعنى الفتنة الإضلال والاستدراج {يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} معنى نسلكه ندخله والصعد الشديد المشقة، وهو مصدر صعد يصعد، ووصف بالمصدر للمبالغة يقال: فلان في صعد أي في مشقة. وقيل: صعداً جبل في النار.