فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (18):

{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)}
{وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ} أراد المساجد على الاطلاق وهي بيوت عبادة الله، وروي أن الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة، وقيل: أراد الأعضاء التي يسجد عليها، واحدها مَسْجَد بفتح الجيم وهذا بعيد، وعطف أن المساجد لله على أوحي إليّ أنه استمع، وقال الخليل: معنى الآية: لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً، أي لهذا السبب فلا تعبدوا غير الله.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)}
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ} عبد الله هنا محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بالعبودية اختصاصاً له وتقريباً وتشريفاً، وقال الزمخشري: أنه سماه هنا عبد الله ولم يقل الرسول أو النبي؛ لأن هذا واقع في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، لأنه مما أوحي إليه فذكر صلى الله عليه وسلم نفسه على ما يقتضيه التواضع والتذلل، وهذا الذي قاله بعيد مع أنه إنما يمكن على قراءة أنه لما قام بفتح الهمزة فيكون عطفاً على أوحي إلي أنه استمع، وأما على القراءة بالكسر على الاستئناف فيكون إخباراً من الله، أو من جملة كلام الجن فيبطل ما قاله {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} اللبد الجماعات واحدها لبدة، والضمير في كادوا يحتمل أن يكون للكفار من الناس، أي كادوا يجتمعون على الردّ عليه وإبطال أمره، أو يكون للجن الذين استمعوا، أي كادوا يجتمعون عليه لاستماع القرآن، والبركة به.

.تفسير الآيات (22- 24):

{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)}
{مُلْتَحَداً} أي ملجأ {إِلاَّ بَلاَغاً} بدل من ملتحداً أي لا أحد ملجأ إلا بلاغ الرسالة، ويحتمل أن يكون استثناء منقطعاً {مِّنَ الله} قال الزمخشري: هذا الجار والمجرور ليس بصلة البلاغ إنما هو بمعنى بلاغاً كائناً من الله، ويحتمل عندي أن يكون متعلقاً ببلاغاً والمعنى بلاغ من الله {وَرِسَالاَتِهِ} قال الزمخشري: إنه معطوف على بلاغاً كأنه قال: إلا التبليغ والرسالة، ويحتمل أن يكون ورسالاته معطوفاً على اسم الله.
{وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} جمع خالدين على معنى من يعص لأنه في معنى الجمع، والآية في الكفار، وحملها المعتزلة على عصاة المؤمنين لأن مذهبهم خلودهم في النار. والدليل على أنها في الكفار وجهان: أحدهما أنها مكية والسورة المكية إنما الكلام فيها مع الكفار. والآخر دلالة ما قبلها وما بعدها على أن المراد بها الكفار {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} تعلقت حتى بقوله يكونون عليه لبدا وجعلت غاية لذلك. والمعنى: أنهم يكفرون ويتظاهرون عليه حتى إذا رأوا ما يوعدون، قال ذلك الزمخشري، وقال أيضاً: يجوز أن يتعلق بمحذوف يدل على المعنى، كأنه قيل: لا يزالون على ما هم عليه من الكفر حتى إذا رأوا ما يوعدون، وهذا أظهر.

.تفسير الآيات (25- 28):

{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
{قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ} إن هنا نافية. والمعنى قل: لا أدري أقريب ما توعدون أم بعيد وعبر عن بُعده بقوله: أم يجعل له ربي أمداً ويعني بما توعدون قتلهم يوم بدر، أو يوم القيامة. {فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ} أي لا يطلع أحداً على علم الغيب {إِلاَّ مَنِ ارتضى}، وهم الرسل فإنه يطلعهم على ما شاء من ذلك. ومن في قوله: {مِن رَّسُولٍ} لبيان الجنس لا للتبعيض، والرسل هنا يحتمل أن يراد بها الرسل من الملائكة، وعلى هذا حملها ابن عطية، أو الرسل من بني آدم، وعلى هذا حملها الزمخشري. واستدل بها على نفي كرامات الأولياء الذين يدعون المكاشفات، فإن الله خص الاطلاع على الغيب بالرسل دون غيرهم. وفيها أيضاً دليل على إبطال الكهانة والتنجيم وسائر الوجوه التي يدعي أهلها الاطلاع على الغيب؛ لأنهم ليسوا من الرسل {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} المعنى أن الله يسلك من بين يدي الرسل ومن خلفه ملائكة يكونون رصداً يحفظونه من الشياطين، وقد ذكرنا رصداً في هذه السورة، قال بعضهم: ما بعث الله رسولاً إلا ومعه ملائكة يحرسونه حتى يبلغ رسالة ربه {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ} في الفاعل بيعلم ثلاثة أقوال: الأولى أي ليعلم الله أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم، أي يعلمه موجوداً وقد كان علم ذلك قبل كونه. الثاني ليعلم محمد أن الملائكة الرصد أبلغوا رسالات ربهم. الثالث ليعلم من كفر أن الرسل قد بلغوا الرسالة. والأول أظهر، وجَمَعَ الضمير في أبلغوا في ربهم حملاً على المعنى، لأن من ارتضى من رسول يراد به جماعة {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} أي أحاط الله بما عند الرسل من العلوم والشرائع، وهذه الجملة معطوفة على قوله: ليعلم، لأن معناه أنه قد علم، قال ذلك ابن عطية، ويحتمل أن تكون هذه الجملة في موضع الحال {وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} هذا عموم في جميع الأشياء، وعدداً منصوب على الحال أو تمييز أو مصدر من معنى أحصى.

.سورة المزمل:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)}
{ياأيها المزمل} نداء للنبي صلى الله عليه وسلم، ووزن المزمل متفعل فأصله متزمل. ثم سكنت التاء وأدغمت في الزاي.
وفي تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بالمزمل ثلاثة أقوال؛ أحدها أنه كان في وقت نزول الآية متزملاً في كساء أو لحاف، والتزمل الالتفاف في الثياب بضم وتشمير، هذا قول عائشة والجمهور، والثاني أنه كان قد تزمل في ثيابه للصلاة، الثالث أن معناه المتزمل للنبوّة أي المتشمر، المجدّ في أمرها، والأول هو الصحيح لما ورد في البخاري ومسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملك وهو في غار حراء في ابتداء الوحي رجع صلى الله عليه وسلم إلى خديجة ترعد فرائصه فقال: زملوني زملوني، فنزلت {يا أيها المدثر}»، وعلى هذا نزلت يا أيها المزمل على هذا تزمله من أجل الرعب الذي أصابه أول ما جاء جبريل. وقال الزمخشري: كان نائماً في قطيفة فنودي: يا أيها المزمل، ليبين الله الحالة التي كان عليها من التزمل في القطيفة، لأنه سبب للنوم الثقيل المانع من قيام الليل. وهذا القول بعيد غير سديد.
وقال السهيلي: في ندائه بالمزمل فائدتان: إحدهما الملاطفة فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: قم أبا تراب، والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد بالليل ليتنبه إلى ذكر الله، لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه المخاطب وكل من اتصف بتلك الصفة.

.تفسير الآيات (2- 4):

{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)}
{قُمِ اليل} هذا الأمر بقيام الليل اختلف هل هو واجب أو مندوب، فعلى القول بالندب فهو ثابت غير منسوخ، وأما على القول بالوجوب ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، ولم يزل فرضاً عليه حتى توفي، الثاني أنه فرض عليه وعلى أمته فقاموا حتى انتفخت أقدامهم، ثم نسخ بقوله في آخر السورة: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} [المزمل: 20] الآية: وصار تطوعاً، هذا قول عائشة رضي الله عنها وهو الصحيح، واختلف كما بقي فرضاً فقالت عائشة: عاماً وقيل: ثمانية أشهر وقيل: عشرة أعوام فالآية الناسخة على هذا مدنية، الثالث أنه فرض عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته وهو ثابت غير منسوخ، ولكن ليس الليل كله إلا ما تيسر منه، وهو مذهب الحسن وابن سيرين {إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} في معنى هذا الكلام أربعة أقوال: الأول وهو الأشهر والأظهر أن الاستثناء من الليل، وقوله نصفه بدل من الليل أو من قليلاً، وجعل النصف قليلاً بالنسبة إلى الجميع والضميران في قوله: أو انقص منه، أو زد عليه: عائدان على النصف. والمعنى أن الله خيَّره بين ثلاثة أحوال: وهو أن يقوم نصف الليل، أو ينقص من النصف قليلاً أو يزد عليه. الثاني: قال الزمخشري: إلا قليلاً استثناء من النصف كأنه قال نصف الليل إلا قليلاً. فخيّره على هذا بين حالتين وهما أن يقوم أقل من النصف أو أكثر منه. وهذا ضعيف، لأن قوله أو انقص منه قليلاً تضمن معنى النقص من النصف فلا فائدة زائدة في استثناء القليل من النصف، القول الثالث قاله الزمخشري أيضاً: يجومز أن يريد بقوله أو انقص منه قليلاً نصف النصف، وهو الرابع ويكون الضمير في قوله: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} يعود على ذلك، أي زد على الربع فيكون ثلثاً، فيكون التخيير على هذا بين قيام النصف أو الثلث أو الربع، وهذا ايضاً بعيد، القول الرابع قاله ابن عطية: يحتمل أن يكون معنى إلا قليلاً الليالي التي يمنعه العذر من القيام فيها، والمراد بالليل على هذا: الليالي، فهو جنس. وهذا بعيد، لأنه قد فسر هذا القليل المستثنى بما بعد ذلك من نصف الليل أو النقص منه أو الزيادة عليه، فدل ذلك على أن المراد بالليل المستثنى بعض أجزاء الليل، لا بعض الليالي، إن قيل: لم قيد النقص من النصف بالقلة فقال: أو انقص منه قليلاً، وأطلق في الزيادة فقال: أو زد عليه، ولم يقل قليلاً؟ فالجواب: أن الزيادة تحسن فيها الكثرة فلذلك لم يقيدها بالقلة بخلاف النقص، فإنه لو أطلقه لاحتمل أن ينقص من النصف كثيراً.
{وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً} الترتيل هو التمهل والمد وإشباع الحركات وبيان الحروف، وذلك مُعينٌ على التفكر في معاني القرآن، بخلاف الهذر الذي لا يفقه صاحبه ما يقول، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَطِّع قراءته حرفاً حرفاً، ولا يمرُّ بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب، إلا وقف وتعوَّذ.

.تفسير الآية رقم (5):

{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)}
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} هذه الآية اعتراض بين أية قيام الليل، والقول الثقيل هو القرآن. واختلف في وصفه بالثقل على خمسة أقوال؛ أحدها: أنه سمى ثقيلاً لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقاه من الشدة عند نزول الوحي عليه، حتى أن جبينه ليتفصَّد عرقاً في اليوم الشديد البرد، وقد كان يثقل جسمه عليه الصلاة والسلام بذلك حتى إنه إذا أُوحي إليه وهو على ناقته بركت به، وأوحي إليه وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فكادت أن ترض فخذ زيد، والثقل على هذا حقيقة، الثاني أنه قيل على الكفار بإعجازه ووعيده، الثالث أن ثقيل في الميزان، الرابع أنه كلام له وزن ورجحان، الخامس أنه ثقيل لما تضمن من التكاليف والأوامر والنواهي، وهذا اختيار ابن عطية. وعلى هذا يناسب الاعتراض بهذه الآية، قيام الليل لمشقته.

.تفسير الآية رقم (6):

{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)}
{إِنَّ نَاشِئَةَ الليل} في الناشئة سبعة أقوال: الأول أنه النفس الناشئة بالليل، أي التي تنشأ من مضجعها وتقوم للصلاة، الثاني الجماعات الناشئة الذين يقومون للصلاة، الثالث العبادة الناشة بالليل أي تحدث فيه، الرابع الناشئة القيام بعد النوم فمن قام أول الليل قبل أن ينام فلم يقم ناشئة، الخامس الناشئة القيام أو الليل بعد العشاء، السادس الناشئة بعد المغرب والعشاء، السابع ناشئة الليل ساعاته كلها {هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} يحتمل معنيين أحدهما: أثقل وأصعب على المصلي ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أشدد وطأتك على مضر»، والأثقل أعظم أجراً، فالمعنى تحريض على قيام الليل لكثرة الأجر. الثاني أشدّ ثبوتاً من أجل الخلوة وحضور الذهن والبعد عن الناس، ويقرب هذا من معنى {أَقْوَمُ قِيلاً} وقرأ أبو عمرو وابن عامر وِطاءَ بكسر الواو على وزن فِعال ومعناه موافقة. أي يوافق القلب اللسان بحضور الذهن.

.تفسير الآيات (7- 9):

{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)}
{إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً} السبح هنا عبارة عن التصرف في الاشتغال، والمعنى: يكفيك النهار للتصرف في أشغالك وتفرغ بالليل لعبادة ربك، وقيل: المعنى إن فاتك شيء من صلاة الليل فإدّهِ بالنهار فإنه طويل يسع ذلك {واذكر اسم رَبِّكَ} قيل: معناه قل: بسم الله الرحمن الرحيم، في أول صلاتك. واللفظ أعم من ذلك {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} أي انقطع إليه بالعبادة والتوكل عليه وحده. وقيل: التبتل رفض الدنيا. وتبتيلاً مصدر على غير قياس {فاتخذه وَكِيلاً} الوكيل هو القائم بالأمور والذي توكل إليه الأشياء، فهو أمر بالتوكل على الله.

.تفسير الآيات (10- 14):

{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)}
{واصبر على مَا يَقُولُونَ} أي على ما يقول الكفار. والآية منسوخة بالسيف، وقيل: إنما المنسوخ المهادنة التي يقتضيها قوله: {واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً} وأما الصبر فمأمور به في كل وقت {وَذَرْنِي والمكذبين} هذا تهديد لهم، وانتصب المكذبين على أنه مفعول معه أو معطوف {وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة} أي التنعم في الدنيا، وروي أن الآية نزلت في بني المغيرة وهم قوم من قريش كانوا متنعمين في الدنيا {أَنكَالاً} جمع نِكْل وهو القيد من الحديد. رُوي أنها قيود سود من نار {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} شجرة الزقوم، ومعنى ذا غصة: أي يغُصُّ به آكلوه، وقيل: هو شوك يعترض في حلقوهم لا ينزل ولا يخرج، ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق {يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض} أي تهتز وتتزلزل والعامل في يوم معنى الكلام المتقدم وهو {إن لدينا أنكالاً} {وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً} الكثيب كدس الرمل، والمهيل اللين الرخو، الذي تهيله الريح أي تنشره وزنه مفعول، والمعن أن الجبال تصير إذا نسفت يوم القيامة مثل الكثيب.

.تفسير الآيات (15- 16):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)}
{إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً} خطاب لجميع الناس، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة، وقال الزمخشري: هو خطاب لأهل مكة {شَاهِداً عَلَيْكُمْ} أي يشهد على أعمالكم من الكفر والإيمان والطاعة والمعصية، وإنما يشهد على من أدركه لقوله صلى الله عليه وسلم: أقول كما قال أخي عيسى: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} يعني موسى عليه السلام وهو المراد بقوله: {فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} فاللام للعهد {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} أي عظيماً شديداً.

.تفسير الآيات (17- 19):

{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)}
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً} {يوماً} مفعول به، وناصبه تتقون أي: كيف تتقون يوم القيامة وأهواله إن كفرتم، وقيل: هو مفعول به، على أن يكون كفرتم بمعنى جحدتم، وقيل، هو ظرف، أي كيف لكم بالتقوى يوم القيامة، ويحتمل أن يكون العامل فيه محذوف تقديره: اذكروا قوله: {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} {يَجْعَلُ الولدان شِيباً} الولدان جمع وليد وهو الطفل الصغير، والشيب بكسر الشين جمع أشيب ووزنه فُعُل بضم الفاء وكسرت لأجل الياء، ويجعل يحتمل أن يكون مسنداً إلى الله تعالى أو إلى اليوم، والمعنى أن الأطفال يشيبون يوم القيامة، فقيل: إن ذلك حقيقة، وقيل: إنه عبارة عن هول ذلك اليوم، وقيل: إنه عبارة عن طوله {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} الانفطار: الانشقاق، والضمير المجرور يعود على اليوم، أي: تتفطر السماء لشدة هوله ويحتمل أن يعود على الله أن تنفطر بأمره وقدرته. والأول أظهر، والسماء مؤنثة، وجاء منفطر بالتذكير لأن تأنيثها غير حقيقة أو على الإضافة تقديره: ذات انفطار أو لأنه أراد السقف {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} الضمير في وعده يحتمل أن يعود على اليوم أو على الله والأول أظهر؛ لأنه ملفوظ به {إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ} الإشارة إلى ما تقدم من المواعظ والوعيد {فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً} يريد سبيل التقرب إلى الله، ومعنى الكلام حض على ذلك وترغيب فيه.