فصل: سورة التكاثر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.سورة التكاثر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)}
{أَلْهَاكُمُ التكاثر} هذا خبر يرا د به الوعظ والتوبيخ، ومعنى ألهاكم شغلكم والتكاثر المباهاة بكثرة المال والأولاد، وأن يقول هؤلاء: نحن أكثر ويقول هؤلاء: نحن أكثر، ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول ابن آدم مالي مالي وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت» {حتى زُرْتُمُ المقابر} فيه ثلاثة أقوال: أحدهما: أن معناه حتى متم فأراد بزيارة المقابر الدفن فيها. الثاني أن معناه حتى ذكرتم الموتى الذين في المقابر، فعبّر بزيارتها عن التفاخر بمن فيها؛ لأن بعض العرب تفاخر بآبائها الموتى. فالمعنى {أَلْهَاكُمُ التكاثر} حتى بلغتم فيه إلى ذكر الموتى. الثالث: أن معناها زيارة المقابر حقيقة لتعظيم أهلها والتفاخر بهم فيقال: هذا قبلا فلان ليشهر ذكره ويعظم قدره {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} زجر وتهديد، ثم كرره للتأكيد وعطفه بثم إشارة إلى أن الثاني أعظم من الأول، وقيل: الأول تهديد للكفار والثاني: تهديد للمؤمنين وحذف معمول تعلمون وتقديره ما يحل بكم، أو تعلمون أن القرآن حق، أو تعلمون أنكم كنتم على خطأ في اشتغالكم بالدنيا، وإنما حذفه لقصد التهويل فيقدر السامع أعظم ما يخطر بباله.

.تفسير الآيات (5- 8):

{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
{لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} جواب لو محذوف تقديره لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة فينبغي الوقف على اليقين، ومعمول لو تعلمون محذوف أيضاً، وعلم اليقين مصدر، ومعنى علم اليقين: العلم الذي لا يشك فيه. قال بعضهم: هو من إضافة الشيء إلى نفسه كقولك: دار الآخرة وقال الزمخشري: معناه علم الأمور التي تتيقنونها بالمشاهدة {لَتَرَوُنَّ الجحيم} هذا جواب قسم محذوف، وهو تفسير لمفعول لو تعلمون تقديره: لو تعلمون عاقبة أمركم ثم فسرها بأنها رؤية الجحيم، والتفسير بعد الإبهام يدل على التهويل والتعظيم. والخطاب لجميع الناس فهو كقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] وقيل: للكفار خاصة، فالرؤية على هذا يراد بها الدخول فيها {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} هذا تأكيد للرؤية المتقدمة وعطفه بثم للتهويل والتفخيم، والعين هنا من قولك: عين الشيء نفسه وذاته، أي لترونها الرؤية التي هي نفس اليقين {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} هذا إخبار بالسؤال في الآخرة عن نعيم الدنيا، فقيل: النعيم الأمن والصحة، وقيل: الطعام والشراب، وهذه أمثلة، والصواب العموم في كل ما يتلذذ به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيت يُكنّك وخرقه تواريك وكسرة تشدّ قلبك وما سوى ذلك فهو نعيم، وقال صلى الله عليه وسلم كل نعيم فمسؤول عنه إلا نعيم في سبيل الله، «وأكل صلى الله عليه وسلم يوماً مع أصحابه رطباً وشربوا عليه ماء، فقال لهم: هذا من النعيم الذي تسألون عنه».

.سورة العصر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
{والعصر} فيه ثلاثة أقوال: الأول أنه صلاة العصر أقسم الله بها لفضلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله» الثاني أنه العشيّ أقسم به كما أقسم بالضحى، ويؤيد هذا قول أبيّ بن كعب: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال: أقسم ربك بآخر النهار. الثالث أنه الزمان {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} الإنسان جنس، ولذلك استثنى منه الذين آمنوا فهو استثناء متصل {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} أي وصى بعضهم بعضاً بالحق وبالصبر، فالحق هو الإسلام وما يتضمنه، وفيه إشارة إلى كذب الكفار، وفي الصبر إشارة إلى صبر المؤمنين على إذاية الكفار لهم بمكة.

.سورة الهمزة:

.تفسير الآيات (1- 9):

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
{ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} هو على الجملة الذي يعيب الناس ويأكل أعراضهم، واشتقاقه من الهمز واللمز، وصيغة فعلة للمبالغة، واختلف في الفرق بين الكلمتين فقيل: الهمز في الحضور، واللمز في الغيبة، وقيل: بالعكس. وقيل: الهمز باليد والعين، واللمز باللسان، وقيل: هما سواء. ونزلت السورة في الأخنس بن شريق لأنه كان كثير الوقيعة في الناس وقيل: في أمية بن خلف، وقيل في الوليد بن المغيرة. ولفظها مع ذلك على العموم في كل من اتصف بهذه الصفات {وَعَدَّدَهُ} أي أحصاه وحافظ على عدده أن لا ينقص فمنعه من الخيرات، وقيل: معناه استعدّه وادّخره عدّة لحوادث الدهر {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي يظن لفرط جهله واغتراره أن ماله يخلده في الدنيا، وقيل: يظن أن ماله يوصله إلى دار الخلد {كَلاَّ} رد على فيما ظنه {لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة} هذا جواب قسم محذوف والحطمة هي جهنم، وإنما سميت حُطَمة لأنها تحطم ما يلقى فيها، وتلتهبه وقد عظّمها بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ} ثم فسّرها بأنها {نَارُ الله الموقدة * التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} أي: تبلغ القلوب بإحراقها قال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى أنها تطلع على ما في القلوب من العقائد والنيّات باطلاع الله إياها {مُّؤْصَدَةٌ} مغلقة {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} العمد جمع عمود وهو عند سيبويه اسم جمع وقرئ في عُمُد بضمتين، والعمود هو: المستطيل من حديد أو خشب والمددة الطويلة، وفي المعنى قولان: أحدهما: أن أبواب جهنم أغلقت عليهم، ثم مدت على أبوابها عُمُدٌ تشديداً في الإغلاق والثقاف كما تثقف أبواب البيوت بالعمد، وهو على هذا متعلق بمؤصدة، والآخر أنهم موثوقون مغلولون في العمد، فالمجرور على هذا في موضع خبر مبتدأ مضمر تقديره: هم موثوقون في عمد.

.سورة الفيل:

.تفسير الآيات (1- 5):

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} معناه: ألم تعلم، وكيف في موضع نصب بفعل ربك لا بألم تر، والجملة معمول ألم تر {فِي تَضْلِيلٍ} أي إبطال وتخسير {أَبَابِيلَ} معناها جماعات شيئاً بعد شيء قال الزمخشري: واحدها أبالة، وقال جمهور الناس هو جمع لا واحد له من لفظه {بِحِجَارَةٍ} روي أن كل حجر منها كان فوق العدسة ودون الحمصة. قال ابن عباس: إنه أدرك عند أم هانئ نحو قفتين من هذه الحجارة، وأنها كانت مخططة بحمرة وروي أنه كان على كل حجر اسم من يقع عليه مكتوباً {سِجِّيلٍ} قد ذكر {كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} العصف ورق الزرع وتبنه والمراد أنهم صاروا رميماً، وفي تشبيههم به ثلاثة أوجه الأول أنه شبههم بالتبن إذا أكلته الدواب ثم راثته فجمع التلف والخسة، ولكن الله كنّى عن هذا على حسب آدب القرآن. الثاني أنه أراد ورق الزرع إذا أكلته الدود، الثالث أنه أراد كعصف ماكول زرعه وبقي هو لا شيء.

.سورة قريش:

.تفسير الآيات (1- 2):

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)}
{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف} قريش هم حيّ من عرب الحجاز الذين هم من ذرية معد بن عدنان، إلا أنه لا يقال قريشيّ إلا لمن كان من ذرية النضر بن كنانة، وهنم ينقسمون إلى أفخاذ وبيوت نحو بني هاشم، وبني أمية، وبني مخزوم، وغيرهم وإنما سميت القبيلة قريشاً لتقرشهم، والتقرّش التكسب وكانوا تجاراً، وعن معاوية أنه سأل ابن عباس لم سميت قريش قريشاً؟ قال: لدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتعلوا ولا تعلى، وكانوا ساكنين بمكة، وكان لهم رحلتان في كل عام للتجارة: رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، وقيل: كان الرحلتان جميعاً إلى الشام، وقيل: كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل، فيقيمون بها ويرحلون في الشتاء إلى مكة لسكناهم بها، والإيلاف مصدر من قولك آلفت المكان إذا ألفته وقيل: هو منقول منه بالهمزة يقال ألف الرجل الشيء، وألْفه إياه غيره، فالمعنى على القول الأول أن قريشاً ألفوا رحلة الشتاء والصيف، وعلى الثاني أن الله ألّفهم الرحلتين. واختلف في تعلق قوله لإيلاف قريش على ثلاثة أقوال: أحدهما أنه يتعلق بقوله: فليعبدوا والمعنى فليعبدوا الله من أجل إيلافهم الرحلتين فإن ذلك نعمة من الله علهيم: الثاني أنه يتعلق بمحذوف تقديره: أعجبوا لإيلاف قريش: الثالث أنه يتعلق بسورة الفيل، والمعنى أن الله أهلك أصحاب الفيل لإيلاف قريش، فهو يتعلق بقوله: {فَجَعَلَهُمْ} [الفيل: 5] أو بما قبله من الأفعال. ويؤيد هذا أن السورتين في مصحف أبيّ بن كعب سورة واحدة لا فصل بينهما، وقد قرأهما عمر في ركعة واحدة من المغرب، وذكر الله الإيلاف مطلقاً ثم أبدل منه الإيلاف المقيّد بالرحْلتين تعظيماً للأمر، ونصب رحلة لأنه مفعول بإيلافهم وقال: رحلة وأراد رحلتين، فهو كقول الشاعر:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

.تفسير الآيات (3- 4):

{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
{فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت} هذا إقامة حجة عليهم بملاطفة واستدعاء لهم وتذكير بالنعم، والبيت هو المسجد الحرام {الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} يحتمل أن يريد إطعامهم بسبب الرحتلين، فقد روي أنهم كانوا قبل ذلك في شدة وضيق حال حتى أكلوا الجيف ويحتمل أن يريد إطعامهم على الإطلاق، فقد كان أهل مكة ساكنين بواد غير ذي زرع، ولكن الله أطعمهم مما يجلب إليهم من البلاد، بدعوة أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو قوله: {وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات} [البقرة: 126] {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} يحتمل أن يريد: آمنهم من خوف أصحاب الفيل، ويحتمل أن يريد آمنهم في بلدهم بدعوة إبراهيم في قوله: {رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً} [البقرة: 126] وقد فسرناه في موضعه، أو يعني آمنهم في أسفارهم لأنهم كانوا في رحلتهم آمنين، لا يتعرض لهم أحد بسوء، وكان غيرهم من الناس تؤخذ أموالهم وأنفسهم. وقيل: آمنهم من الجذام فلا يرى بمكة مجذوماً. قال الزمخشري: التنكير في جوع وخوف؛ لشدتهما.

.سورة الماعون:

.تفسير الآيات (1- 7):

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}
{أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين} قيل: إن هذه نزل في أبي جهل وأبي سفيان بن حرب، وقيل: هو مطلق والدين هنا الملة أو الجزاء {فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم} أي يدفعه بعنف، وهذا الدفع يحتمل أن يكون عن إطعامه، والإحسان إليه أو عن ماله وحقوقه، وهذا أشدّ والذي لا يحض على طعام المسكين لا يطعمه من باب أولى. وهذه الجملة هي جواب أرأيت لأن معناها: أخبرني، فكأنه سؤال وجواب والمعنى: انظر الذي كذب بالدين، تجد فيه هذه الأخلاق القبيحة، والأعمال السيئة، وإنما ذلك لأن الدين يحمل صاحبه على فعل الحسنات. وترك السيئات فمقصود الكلام ذمّ الكفار وأحوالهم {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} قيل: إن هذا نزل في عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق، والسورة على هذا نصفها مكي ونصفها مدني قاله أبو زيد السهيلي. وذلك أن ذكر أبي جهل وغيره من الكفار أكثر ما جاء في السور المكية، وذكر السهو عن الصلاة والرياء فيها، إنما هو من صفة الذين كانوا بالمدينة، لاسيما على قول من قال: أنها في عبد الله بن أبيّ، وقيل: إنها مكية كلها وهو الأشهر، ونزل آخرها على هذا في رجل أسلم بمكة ولم يكن صحيح الإيمان، وقيل: مدنية، والسهو عن الصلاة هو تركها أو تأخيرها تهاوناً بها.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون، قال: الذين يؤخرونها عن وقتها. وقال عطاء بن يسار: الحمد لله الذي قال: {هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ} ولم يقل في صلاتهم. {الذين هُمْ يُرَآءُونَ} هو من الرياء أي صلاتهم رياء للناس لا لله {وَيَمْنَعُونَ الماعون} وصف لهم بالبخل وقلة المنفعة للناس. وي الماعون أربعة أقوال: الأول أنه الزكاة، والثاني أنه المال بلغة قريش. الثالث أنه الماء، الرابع أنه ما يتعاطاه الناس بينهم كالآنية والفأس والدلو والمقص، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ فقال الماء والنار والملح وزاد في بعض الطرق: الإبرة والخميرة.

.سورة الكوثر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
{إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والكوثر بثاء مبالغة من الكثرة وفي تفسيره سبعة أقوال: الأول حوض النبي صلى الله عليه وسلم: الثاني أنه الخير الكثير الذي أعطاه الله له في الدنيا والآخرة. قاله ابن عباس وتبعه سعيد بن جبير، فإن قيل: إن النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله فالمعنى أنه على العموم. الثالث أن الكوثر القرآن. الرابع أنه كثرة الأصحاب والأتباع. الخامس أنه التوحيد. السادس أنه الشفاعة، السابع أنه نور وضعه الله في قلبه، ولا شك أن الله أعطاه هذه الأشياء كلها، ولكن الصحيح أن المراد بالكوثر الحوض لما ورد في الحديث الصحيح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الكوثر هو نهر أعطانيه الله وهو الحوض آنيته عدد نجوم السماء».
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} فيه خمسة أقوال: الأول أنه أمره بالصلاة على الاطلاق وينحر الهدي والضحايا، الثاني أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي قبل صلاة العيد فأمره أن يصلي ثم ينحر، فالمقصود على هذا تأخير نحر الأضاحي عن الصلاة الثالث أن الكفار يصلون مكاء وتصدية وينحرون للأصنام فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: صل لربك وحده وانحر له، أي ولجهه لا لغيره، فهو على هذا أمر بالتوحيد والإخلاص. الرابع أن معنى انحر ضع يدك اليمنى على اليسى عند صدرك في الصلاة فهو على هذا من النحر وهو الصدر. الخامس أن معاه ارفع يديك عند نحرك في افتتاح الصلاة {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} الشانئ هو المبغض، وهو الشنآن بمعنى العداوة، نزلت هذه الآية في العاصي بن وائل، وقيل: في أبو جهل على وجه الرد عليه إذ قال: إن محمداً أبتر أي لا ولد له ذكر، فإذا مات استرحنا منه وانقطع أمره بموته، فأخبر الله أن هذا الكافر هو الأبتر وإن كان له أولاد لأنه مبتور من رحمة الله أي مقطوع عنها، ولأنه لا يذكر إذا ذكر إلا باللعنة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذكره خالد إلى آخر الدهر، مرفوع على المنابر والصوامع مقرون بذكر الله والمؤمنون من زمانه إلى يوم القيامة أتباعه فهو كوالدهم.

.سورة الكافرون:

.تفسير الآيات (1- 6):

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
سبب هذه السورة «أن قوماً من قريش منهم الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاصي بن وائل وأبو جهل ونظراؤهم قالوا: يا محمد اتبع ديننا ونتبع دينك، أعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة. فقال: معاذ الله أن نشرك بالله شيئاً، ونزلت السورة» في معنى البراءة من آلهتهم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأها برئ من الشرك {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} هذا إخبار أنه لا يعبد أصنامهم، فإن قيل: لم كرر هذا المعنى بقوله: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ}؟ فالجواب من وجهين أحدهما قاله الزمخشري وهو أن قوله: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} يريد في الزمان المستقبل وقوله: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} يريد به فيما مضى، أي ما كنت قط عابداً ما عبدتم فيما سلف، فكيف تطلبون ذلك مني الآن. الثاني قاله ابن عطية: وهو أن قوله: لا أعبد ما تعبدون لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} أي: أبداً ما عشت. لأن لا النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال فقوله: لا أعبد لا يحتمل أن يراد به الحال. ويحتمل عندي أن يكون قوله: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} يراد به في المستقبل. على حسب ما تقتضيه لا من الاستقبال، ويكون قوله: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} يريد به في الحال، فيحصل من المجموع نفي عبادته الأصنام في الحال والاستقبال. ومعنى الحال في قوله: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} ثم أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري، ومن معنى الاستقبال فإن قولك: ما زيد بقائم ينفي الجملة الاسمية يقتضي الحال.
{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} هذا إخبار أن هؤلاء الكفار لا يعبدون الله، كما قيل لنوح: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود: 36] إلا أن هذا في حق قوم مخصوصين ماتوا على الكفر، وقد روي أن هؤلاء الجماعة المذكورين هم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبيّ بن خلف وابن الحجاج وكلهم ماتوا كفاراً، فإن قيل: لم قال ما أعبد بما دون من التي هي موضوعة لمن يعقل؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدهما أن ذلك لمناسبة قوله: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فإن هذا واقع على الأصنام التي لا تعقل ثم جعل ما أعبد على طريقته لتناسب اللفظ. الثاني أنه أراد الصفة كأنه قال: لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، قال الزمخشري. الثالث أن ما مصدرية والتقدير: لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي وهذا ضعيف، فإن قيل لم كرّر هذا المعنى واللفظ فقال بعد ذلك: {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} مرة أخرى؟ فالجواب من وجهين: أحدهما قول الزمخشري: وهو أن الأوّل في المستقبل والثاني فيما مضى والآخر قاله ابن عطية وهو أن الأول في الحال والثاني في الاستقبال فهو حتم عليهم أن لا يؤمنوا أبداً {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذه براءة منهم، وفيها مسالمة منسوخة بالسيف.