فصل: سورة الناس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.سورة الناس:

.تفسير الآيات (1- 6):

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} إن قيل لم أضاف الرب إلى الناس خاصة وهو رب كل شيء؟ فالجواب: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس، فخصهم بالذكر لأنهم المعوذين بهذا التعويذ والمقصودون هنا دون غيرهم {مَلِكِ الناس * إله الناس} هذا عطف بيان، فإن قيل: لم قدم وصفه تعالى برب ثم بملك ثم بإله؟ فالجواب أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى وذلك أن الرب قد يطلق على كثير من الناس، فيقال فلان رب الدار، وشبه ذلك فبدأ به لاشتراك معناه، وأما الملك فلا يوصف به إلا أحد من الناس، وهم الملوك ولا شك أنهم على أعلى من سائر الناس، فلذلك جاء به بعد الرب، وأما الإله فهو أعلى من الملك ولذلك لا يدعي الملوك أنهم آلهة فإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير فلذلك ختم به. فإن قيل: لم أظهر المضاف إليه وهو الناس في المرة الثانية والثالثة فهلا أضمره في المرتين لتقديم ذكره في قوله برب الناس أو هلا اكتفى بإظهاره في المرة الثانية؟ فالجواب أنه لما كان عطف بيان حسن فيه البيان وهو الإظهار دون الإضمار، وقصد أيضاً الاعتناء بالمكرر ذكره كقول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** يبغص الموت ذا الغنى والفقير

{الوسواس} وهو مشتق من الوسوسة وهي الكلام الخفي، فيحتمل أن يكون الوسواس بمعنى الموسوس فكأنه اسم فاعل وهذا يظهر من قول ابن عطية: الوسواس من أسماء الشيطان، ويحتمل أن يكون مصدراً وصف به الموسوس على وجه المبالغة، كعدَّل وصوَّم أو على حذف مضاف تقديره ذي الوسواس، وقال الزمخشري: إنما المصدر وسواس بالكفر {الخناس} معناه الراجع علىعقبه المستمر أحياناً وذلك متمكن في الشيطان فإنه يوسوس فإذا ذكر العبدُ الله وتعوذ به منذ تباعد عنه، ثم رجع إليه عند الغفلة عن الذكر، وهو يخنس في تباعده ثم في رجوعه بعد ذلك.
{الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس} وسوسة الشيطان في صدر الإنسان بأنواع كثيرة منها: إفساد الإيمان والتشكيك في العقائد فإن لم يقدر على ذلك أمره بالمعاصي، فإن لم يقدر على ذلك ثبَّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل عليه الرياء في الطاعات ليحبطها، فإن سلم من ذلك أدخل عليه العُجْب بنفسه، واستكثار عمله، ومن ذلك أنه يوقد في القلب نار الحسد، والحقد، والغضب، حتى يقود الإنسان إلى شر الأعمال وأقبح الأحوال.
وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء. واحدها: الإكثار من ذكر الله. وثانيها: الإكثار من الاستعاذة بالله منه ومن أنفع شيء في ذلك قراءة هذه السورة. وثالثها: مخالفته والعزم على عصيانه. فإن قيل: لم قال في صدور الناس ولم يقل: في قلوب الناس؟ فالجواب: أن ذلك إشارة إلى عدم تمكن الوسوسة، وأنها غير حالة في القلب بل هي محوِّمة في صدور حول القلب {مِنَ الجنة والناس} هذا بيان لجنس الوسواس وأن يكون من الجن، ومن الناس، ثم إن الموسوس من الإنس يحتمل أن يريد من يوسوس بخدعه، وأقواله الخبيثة، فإنه الشيطان كما قال تعالى:
{شياطين الإنس والجن} [الإنعام: 112] أو يريد به نفس الإنسان إذ تأمره بالسوء، فإنها أمّارة بالسوء والأول أظهر، وقيل: من الناس معطوف على الوسواس كأنه قال: أعوذ من شر الوسواس من الجنة ومن شر الناس، وليس الناس على هذا ممن يوسوس. والأول أظهر وأشهر.
فإن قيل: لم ختم القرآن بالمعوذتين وما الحكمة في ذلك؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: قال شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما كان القرآن من أعظم النعم على عباده، والنعم مظنة الحسد فختم بما يطفئ الحسد من الاستعاذة بالله. الثاني: يظهر لي أن المعوذتين ختم بهما «لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما: أنزلت عليّ آيات لم ير مثلهن قط» كما قال في فاتحة الكتاب: «لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها» فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها واختتم بسورتين لم يُرَ مثلهما ليجمع حسن الافتتاح والاختتام، ألا ترى أن الخطب والرسائل والقصائد وغير ذلك من أنواع الكلام إنما ينظر فيها إلى حُسن افتتاحها واختتامها. الوجه الثالث: يظهر لي أيضاً أنه لما أمر القارئ أن يفتتح قراءته بالتعوذ من الشيطان الرجيم، ختم القرآن بالمعوذتين ليحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة وعند آخر ما يقرأ من القراءة، فتكون الاستعاذة قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء، وليكون القارئ محفوظاً بحفظ الله الذي اسعتعاذ به من أول أمره إلى آخره وبالله التوفيق لا رب غيره.