فصل: تفسير الآية رقم (80):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (80):

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
{مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} هذه الآية من فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت طاعته كطاعة الله لأنه يأمر وينهى عن الله {وَمَن تولى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} أي من أعرض عن طاعتك، فما أنت عليه بحفيظ تحفظ أعماله، بل حسابه وجزاؤه على الله، وفي متاركة وموادعة منسوخة بالقتال.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي أمرنا وشأننا طاعة لك، وهي في المنافقين بإجماع {بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الذي تَقُولُ} بيت أي: تدبر الأمر بالليل، والضمير في {تَقُولُ} للمخاطب، وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو للطائفة {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي لا تعاقبهم.

.تفسير الآية رقم (82):

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} حض على التفكير في معانية لتظهر أدلته وبراهينه {اختلافا كَثِيراً} أي تناقضاً كما في كلام البشر أو تفاوتاً في الفصاحة لكن القرآن منزّه عن ذلك، فدل على أنه كلام الله، وإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافاً في شيء من الرآن فالواجب أن يتهم نظره ويسأل أهل العلم ويطالع تآليفهم، حتى يعلم أن ذلك ليس باختلاف.

.تفسير الآية رقم (83):

{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}
{وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف أَذَاعُواْ بِهِ} قيل: هم المنافقون وقيل: قوم من ضعفاء المسلمين، كانوا إذا بلغهم خبر عن السرايا والجيوش أو غير ذلك أذاعوا به، أي تكلموا به وشهروه قبل أن يعلموا صحته، وكان في إذاعتهم له مفسدة على المسلمين مع ما في ذلك من العجلة وقلة التثبيت، فأنكر الله ذلك عليهم {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ} أي: لو ترك هؤلاء القوم الكلام بذلك الأمر الذي بلغهم، وردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلىأولي الأمر؛ وهم كبراء الصحابة وأهل البصائر منهم، لعلمه القوم الذين يستنبطونه أي يستخرجونه من الرسول وأولي الأمر؛ فالذين يستبطونه على هذا طائفة من المسلمين؛ يسألون عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر، وحرف الجر في قوله يستنبطونه منهم لابتداء الغاية وهو يتعلق بالفعل، والضمير المجرور يعود على الرسول وأولي الأمر، وقيل: الذين يستنبطونه هم أولوا الأمر، كما جاء في الحديث عن عمر رضي الله عنه؛ أنه سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فدخل عليه، فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: لا، فقام على باب المسجد، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه، فأنزل الله هذه القصة، قال: وأنا الذي استنبطته، فعلى هذا؛ يستنبطونه هم أولوا الأمر، والضمير المجرور يعود عليهم، ومنهم لبيان الجنس، واستنباطه على هذا هو: سؤالهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم أو بالنظر والبحث، واستنباطه على التأويل الأول وهو سؤال الذين أذاعوه للرسول عليه الصلاة والسلام ولأولي الأمر {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: هداه وتوفيقه، أو بعثه للرسل، وإنزاله للكتب، والخطاب في هذه الآية للمؤمنين {إِلاَّ قَلِيلاً} أي إلا اتباعاً قليلاً فالاستثناء من المصدر، والمعنى: لولا فضل الله ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا في أمور قليلة كنتم لا تتبعونه فيها، وقيل: إنه استثناء من الفاعل في اتبعتم أي إلاّ قليلاً منكم، وهو الذي يقتضيه اللفظ، وهم الذين كانوا قبل الإسلام غير متبعين للشيطان؛ كورقة بن نوفل، والفضل والرحمة على بعث الرسول وإنزال الكتاب، وقيل: إن الاستثناء من قوله أذاعوا به.

.تفسير الآية رقم (84):

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}
{لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} لما تثاقل بعض الناس عن القتال قيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي إن أفردوك فقاتل وحدك فإنما عليك ذلك {وَحَرِّضِ المؤمنين} أي ليس عليك في شأن المؤمنين إلاّ التحريض {عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ} قيل: عسى من الله واجبة، والذين كفروا هنا قريش، وقد كفهم الله بهزيمتهم في بدر وغيرها وبفتح مكة {وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} أي عقاباً وعذاباً.

.تفسير الآية رقم (85):

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}
{شفاعة حَسَنَةً} هي الشفاعة في مسلم لتفرج عنه كربة، أو تدفع مظلمة أو يجلب إليه خيراً، والشفاعة السيئة بخلاف ذلك وقيل: الشفاعة الحسنة هي الطاعة والشفاعة السيئة هي المعصية، والأول أظهر، والكفل هو النصيب {مُّقِيتاً} قيل: قديراً، وقيل: حفيظاً، وقيل: الذي يقيت الحيوان أي يرزقهم القوت.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}
{فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} معنى ذلك الأمر برد السلام، والتخيير بين أن يرد بمثل ما سلم عليه أو بأحسن منه، والأحسن أفضل، مثل أن يقال له: سلام عليك فيردّ السلام ويزيد الرحمة والبركة، وردّ السلام واجب على الكفاية عند مالك والشافعي، وقال بعض الناس: هو فرض عين، واختلف في الرد على الكفار، فقيل: يردّ عليهم لعموم الآية، وقيل: لا يرد عليهم، وقيل: يقال لهم عليكم، حسبما جاء في الحديث، وهو مذهب مالك ولا يُبتدؤن بالسلام.

.تفسير الآية رقم (87):

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}
{لَيَجْمَعَنَّكُمْ} جواب قسم محذوف، وتضمن معنى الحشر ولذلك تعدّى بإلى {وَمَنْ أَصْدَقُ} لفظه استفهام، ومعناه لا أحد أصدق من الله.

.تفسير الآية رقم (88):

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}
{فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ} ما استفهامية بمعنى التوبيخ، والخطاب للمسلمين، ومعنى فئتين: أي طائفتين مختلفتين، وهو منصوب على الحال، والمراد بالمنافقين هنا ما قال ابن عباس أنها نزلت في قوم كانوا بمكة مع المشركين؛ فزعموا أنهم آمنوا ولم يهاجروا، ثم سافر قوم منهم إلى الشام بتجارات، فاختلف المسلمون هل يقاتلونهم لغنموا تجارتهم لأنهم لم يهاجروا؟ أو هل يتركونهم لأنهم مؤمنين؟ وقال زيد بن ثابت: نزلت في المنافقين الذين رجعوا عن القتال يوم أحد، فاختلف الصحابة في أمرهم، ويرد هذا قوله: حت يهاجروا. {أَرْكَسَهُمْ} أي أضلهم، وأهلكهم.

.تفسير الآيات (89- 90):

{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} الضمير للمنافقين أي تمنوا أن تكفروا {فَخُذُوهُمْ} يريد به الأسر {إِلاَّ الذين يَصِلُونَ} الآية: استثناء من قوله: {فَخُذُوهُمْ واقتلوهم} ومعناها: أن من وصل من الكفار غير المعاهدين إلى الكفار المعاهدين وهم الذين بينهم وبين المسلمين عهد ومهادنة فحكمه كحكمهم في المسالمة وترك قتاله، وكان ذلك في أول الإسلام، ثم نسخ بالقتال في أول سورة براءة، قال السهيلي وغيره: الذين يصلون هم بنو مدلج بن كنانة {إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} بنو خزاعة، فدخل بنو مدلج في صلح خزاعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعنى يصلون إلى قوم: ينتهون إليهم، ويدخلون فيما دخلوا فيه من المهادنة وقيل: معنى يصلون أي ينتسبون، وهذا ضعيف جداً بدليل قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش، وهم أقاربه وأقارب المؤمنين فكيف لا يقاتل أقارب الكفار المعاهدين {أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}، عطف على يصلون أو على صفة قوم وهي: بينكم وبينهم ميثاق، والمعنى يختلف باختلاف ذلك، والأول أظهر، وحصرت صدورهم: في موضع الحال بدليل قراءة يعقوب حصرت، ومعناه ضاقت عن القتال وكرهته، ونزلت الآية في قوم جاؤوا إلى المسلمين، وكرهوا أن يقاتلوا المسلمين، وكرهوا أيضاً أن يقاتلوا قومهم، وهم أقاربهم الكفار، فأمر الله بالكف عنهم. ثم نسخ أيضاً ذلك بالقتال {فَإِنِ اعتزلوكم} أي إن سالموكم فلا تقاتلوهم، والسلم هنا الانقياد.

.تفسير الآية رقم (91):

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} الآية: نزلت في قوم مخادعين، وهم من أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا من المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا ليأمنوا قومهم، والفتنة هنا الكفر على الأظهر، وقيل: الاختبار.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً} نزلت بسبب قتل عياش بن ربيعة للحارث بن زيد وكان الحارث يعذبه على الإسلام، ثم أسلم وهاجر ولم يعلم عياش بإسلامه فقتله، وقيل: إنّ الاستثناء هنا منقطع، والمعنى: لا يحل لمؤمن أن يقتل مؤمناً بوجه، لكن الخطأ قد يقع، والصحيح أنه متصل، والمعنى لا ينبغي لمؤمن ولا يليق به أن يقتل مؤمناً على وجه الخطأ من غير قصد ولا تعد؛ إذ هو مغلوب فيه، وانتصاب خطأ على أنه مفعول من أجله أو حال أو صفة لمصدر محذوف {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ} هذا بيان ما يجب على القاتل خطأ فأوجب الله عليه التحرير والدية، فأما التحرير ففي مال القاتل. وأما الدية ففي مال عاقلته، وجاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان للآية إذ لفظها يحتمل ذلك أو غيره، وأجمع الفقهاء عليه، واشترط مالك في الرقبة التي تعتق أن تكون مؤمنة، ليس فيها عقد من عقود الحرية، سالمة من العيوب أما إيمانها فنص هنا، ولذلك أجمع العلماء عليه هنا، واختلفوا في كفارة الظهار وكفارة اليمين، وأما سلامتها من عقود الحرية فيظهر من قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، لأن ظاهره أنه ابتداء عتق عند التكفير بها وأما سلامتها من العيب، فزعموا أن إطلاق الرقبة يقتضيه وفي ذلك نظر، ولم يبين في الآية مقدار الدية وهي عند مالك مائة من الإبل على أهل الإبل، وألف دينار شرعية على أهل الذهب، واثنا عشر ألف درهم شرعية على أهل الورق، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب {مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ} أي مدفوعة إليهم، والأهل هنا الورثة، واختلف في مدة تسليمها، فقيل: هي حالة عليهم، وقيل: يؤدونها في ثلاث سنين، وقيل: في أربع، ولفظ التسليم مطلق وهو أظهر في الحلول لولا ما جاء من السنة في ذلك {إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} الضمير يعود على أولياء المقتول أي إذا أسقطوا الدية سقطت، وإذا أسقطها المقتول سقطت أيضاً عند مالك والجمهور، خلافاً لأهل الظاهر، وحجتهم عود الضمير على الأولياء، وقال الجمهور، إنما هذا إذا لم يسقطها المقتول {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} معنى الآية: أن المقتول خطأ إن كان مؤمناً وقومه كفاراً أعداء وهم المحاربون، فإنما في قتله التحرير خاصة دون الدية فلا تدفع لهم لئلا يتقووا بها على المسلمين، ورأى ابن عباس أن ذلك إنما هو فيمن آمن وبقي في دار الحرب لم يهاجر، وخالفه غيره ورأى مالك أن الدية في هذا لبيت المال فالآية عنده منسوخة، {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاق} الآية: معناها أن المقتول خطأ إن كان قومه كفاراً معاهدين ففي مثله تحرير رقبة والدية إلى أهله لأجل معاهدتهم، والمقتول على هذا مؤمن، ولذلك قال مالك: لا كفارة في قتل الذمي، وقيل: إن المقتول في هذه الآية كافر، فعلى هذا تجب الكفارة في قتل الذميّ، وقيل: هي عامة في المؤمن والكافر، ولفظ الآية مطلق إلا أن قيده قوله: وهو مؤمن في الآية التي قبلها وقرأ الحسن هنا وهو مؤمن {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} أي من لم يجد العتق ولم يقدر عليه فصيام الشهرين المتتابعين عوض منه {تَوْبَةً مِّنَ الله} منصوب على المصدرية ومعناه رحمة منه وتخفيفاً.

.تفسير الآيات (93- 94):

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خالدا} الآية: نزلت بسبب مِقْيَس بن صبابة كان قد أخذ دية أخيه هشام المقتول خطأ، ثم قتل رجلاً من القوم الذين قتلوا أخاه وارتدّ مشركاً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله والمعتمد عند الجمهور هو الذي يقصد القتل بحديدة أو حجر أو عصا أو غير ذلك، وهذه الآية معطلة على مذهب الأشعرية وغيرهم ممن يقول: لا يخلد عصاة المؤمنين في النار، واحتج بها المعتزلة وغيرهم ممن يقول بتخليد العصاة في النار لقوله: خالداً فيها وتأولها الأشعرية بأربعة أوجه: أحدها: أن قالوا إنها في الكافر إذا قتل مؤمناً، والثاني: قالوا معنى المتعمد هنا المستحل للقتل، وذلك يؤول إلى الكفر، والثالث: قالوا الخلود فيها ليست بمعنى الدوام الأبدي، وإنما هو عبارة عن طول المدة، والرابع: أنها منسوخة بقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ} [النساء: 116] وأما المعتزلة فحملوها على ظاهرها ورأوا أنها ناسخة لقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ} [النساء: 116]، واحتجوا على ذلك بقول زيد بن ثابت نزلت الشديدة بعد الهينة وبقول ابن عباس: الشرك والقتل من مات عليهما خلد، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلاّ الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً» وتقتضي الآية وهذه الآثار أن للقتل حكماً يخصه من بين سائر المعاصي، واختلف الناس في القاتل عمداً إذا تاب، هل تقبل توبته أم لا؟ وكذلك حكى ابن رشد الخلاف في القاتل إذا اقتص منه هل يسقط عنه العقاب في الآخرة أم لا؟ والصحيح أنه يسقط عنه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصاب ذنباً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة» وبذلك قال جمهور العلماء {ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله} أي سافرتم في الجهاد {فَتَبَيَّنُواْ} من البيان وقرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة من الثبات والتفعل فيها بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الأمر وثبوته {ألقى إِلَيْكُمُ السلام} بغير ألف أي انقاد وألقى بيده، وقرأ نافع وغيره السلام بمعنى التحية، ونزلت في سرية لقيت رجلاً فسلم عليهم، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحمل عليه أحدهم فقتله، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان القاتل علم بن جثامة والمقتول عامر بن الأغبط، وقيل: القاتل أسامة بن زيد والمقتول مرداس بن نهيك {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياوة الدنيا} يعني الغنيمة، وكان للرجل المقتول غنم {فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} وعد وتزهيد في غنيمة من أظهر الإسلام {كذلك كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ} قيل: معناه كنتم كفاراً فهداكم الله للإسلام، وقيل: كنتم تخفون إيمانكم من قومكم {فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ} بالعزة والنصر حتى أظهرتموه.