فصل: تفسير الآيات (74- 75):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (74- 75):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)}
{لأَبِيهِ آزَرَ} هو اسم أبي إبراهيم، فإعرابه عطف بيان أو بدل، ومنع من الصرف للعجمة والعلمية، لا للوزن لأنه وزنه فاعل نحو عابر وشالح، وقرئ بالرفع على النداء بالرفع على النداء، وقيل: أنه اسم صنم لأنه ثبت أن اسم أبي إبراهيم تارخ، فعلى هذا يحتمل أن يكون لقب به لملازمته له، أو أريد عابد آزر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وذلك بعيد، ولا يبعد أن يكون له اثنان {نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض} قيل: إنه فرج الله السموات والأرض حتى رأى ببصره الملك الأعلى والأسفل، وهذا يحتاج إلى صحة نقل، وقيل: رأى ما يراه الناس من الملكوت، ولكنه وقع له بها من الاعتبار والاستدلال ما لم يقع لأحد من أهل زمانه {وَلِيَكُونَ} متعلق بمحذوف تقديره: وليكون من الموقنين فعلنا به ذلك.

.تفسير الآيات (76- 79):

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل} أي ستره يقال: جنْ عليه الليل وأجنه {رَأَى كَوْكَباً قَالَ هذا رَبِّي} يحتمل أن يكون هذا الذي جرى لإبراهيم في الكوكب والقمر والشمس أن يكون قبل البلوغ والتكليف. وقد روي أن أمه ولدته في غار؛ خوفاً من نمروذ إذ كان يقتل الأطفال؛ لأن المنجمين أخبروه أن هلاكه على يد صبي، ويحتمل أن يكون جرى له ذلك بعد بلوغه وتكليفه، وأنه قال ذلك لقومه على وجه الرد عليهم والتوبيخ لهم، وهذا أرجح لقوله بعد ذلك {إِنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ} ولا يتصور أن يقول ذلك وهو منفرد في الغار لأن ذلك يقتضي محاجة وردّا على قومه، وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن يبين لهم الخطأ في دينهم، وأن يرشدهم إلى أن هذه الأشياء لا يصح أن يكون واحداً منها إلهاً، لقيام الدليل على حدوثها. وأن الذي أحدثها ودبر طلوعها وغروبها وأفولها هو الإله الحق وحده، وقوله: هذا ربي قول من ينصف خصمه، مع علمه أنه مبطل؛ لأن ذلك أدعى إلى الحق وأقرب إلى رجوع الخصم، ثم أقام عليه الحجة بقوله. {لا أُحِبُّ الآفلين}: أي لا أحب عبادة المتغيرين؛ لأن التغير دليل على الحدوث، والحدوث ليس من صفة الإله، ثم استمرّ على ذلك المنهاج في القمر وفي الشمس، فلما أوضح البرهان، وأقام عليهم الحجة، جاهرهم بالبراءة من باطلهم، فقال: {إِنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ}، ثم أعلن لعبادته لله وتوحيده له فقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض}، ووصف الله تعالى بوصف يقتضي توحيده وانفراده بالملك، فإن قيل: لم احتج بالأفول دون الطلوع، وكلاهما دليل على الحدوث لأنهما انتقال من حال إلى حال؟ فالجواب أنه أظهر في الدلالة، لأنه انتقال مع اختفاء واحتجاب.

.تفسير الآيات (80- 83):

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)}
{أتحاجواني فِي الله} أي في الإيمان بالله وفي توحيده، والأصل أتحاجونني بنونين وقرئ بالتشديد على إدغام أحدهما في الآخر، وبالتخفيف على حذف أحدهما واختلف هل حذفت الأولى أو الثانية {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} ما هنا الذي ويريد بها الأصنام، وكانوا قد خوفوه أن تصيبه أصنامهم بضر، فقال: لا أخاف منهم؛ لأنهم لا يقدرون على شيء {أولئك الذين هَدَى الله} [الأنعام: 90] استثناء منقطع بمعنى لكن: أي إنما أخاف من ربي إن أراد بي شيئاً {وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ} أي كيف أخاف شركاءكم الذين لا يقدرون على شيء؟ وأنتم لا تخافون ما فيه كل خوف، وهو إشراككم بالله وأنتم تنكرون عليّ الأمن في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف؟ ثم أوفقهم على ذلك بقوله فأيّ الفريقين أحق بالأمن؟ ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف؟ ثم أوفقهم على ذلك بقوله فأيّ الفريقين أحق بالأمن؟ يعني فريق المؤمنين، وفريق الكافرين، ثم أجاب عن السؤال بقوله: {الذين آمَنُواْ} الآية؛ وقيل: إن الذين آمنوا: استئناف وليس من كلام إبراهيم {وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} لما نزلت هذه الآية أشفق منها لابنه: {يابني لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ} إشارة إلى ما تقدم من استدلاله واحتجاجه.

.تفسير الآيات (84- 85):

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)}
{وَمِن ذُرِّيَّتِهِ} الضمير لإبراهيم أو لنوح عليهما السلام، والأول هو الصحيح لذكر لوط وليس من ذرية إبراهيم {دَاوُودَ} عطف على نوحاً أي وهدينا داود {وعيسى} فيه دليل على أن أولاد البنات يقال فيهم ذرية، لأن عيسى ليس له أب فهو ابن ابنة نوح.

.تفسير الآيات (87- 89):

{وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)}
{وَمِنْ آبَائِهِمْ} في موضع نصب عطف على كلا أي وهدينا بعض آبائهم {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤلاء} أي أهل مكة {وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً} هم الأنبياء المذكورون، وقيل: الصحابة، وقيل: كل مؤمن. والأول أرجح لدلالة ما بعده على ذلك، ومعنى توكيلهم بها: توفيقهم للإيمان بها والقيام بحقوقها.

.تفسير الآية رقم (90):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}
{أولئك الذين هَدَى الله} إشارة إلى الأنبياء المذكورين {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} استدل به من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا، فأما أصول الدين من التوحيد والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فاتفقت فيه جميع الأمم والشرائع، وأما الفروع ففيها وقع الاختلاف بين الشرائع؛ والخلاف هل يقتدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها بمن قبله أم لا؟ والهاء في اقتده للوقف فينبغي أن تسقط في الوصل، ولكن من أثبتها فيه راعى ثبوتها في خط المصحف.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عرفوه حق معرفته، في اللطف بعباده والرحمة لهم؛ إذ أنكروا بعثه للرسل وإنزاله للكتب، والقائلون هم: اليهود بدليل ما بعده، وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي أن الذي قالها منهم مالك بن الضيف، فرد الله عليهم بأن ألزمهم ما لابد لهم من الإقرار به وهو إنزال التوراة على موسى، وقيل: القائلون قريش، ولزموا ذلك لأنهم كانوا مقرين بالتوراة {وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تعلموا} الخطاب لليهود أو لقريش على وجه إقامة الحجة والرد عليهم في قولهم: ما أنزل الله على بشر من شيء، فإن كان لليهود، فالذي علموه التوراة، وإن كان لقريش فالذي علموه ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {قُلِ الله} جواب من أنزل واسم الله مرفوع بفعل مضمر تقديره أنزله الله أو مرفوع بالابتداء.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}
{وَلِتُنذِرَ} عطف على صفة الكتاب {أُمَّ القرى} مكة، وسميت أم القرى، لأنها مكان أوّل بيت وضع للناس، ولأنه جاء أن الأرض دحيت منها ولأنها يحج إليها أهل القرى من كل فج عميق.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}
{أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ} هو مسيلمة وغيره من الكذابين الذين ادّعوا النبوّة {وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ الله} هو النضر بن الحارث لأنه عارض القرآن، واللفظ عام فيه وفي غيره من المستهزئين {وَلَوْ ترى} جوابه محذوف تقديره: لرأيت أمراً عظيماً، والظالمون: من تقدّم ذكره من اليهود والكذابين والمستهزئين، فتكون اللام للعهد، وأعم من ذلك فتكون للجنس {باسطوا أَيْدِيهِمْ} أي تبسط الملائكة أيديهم إلى الكفار يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم، وهذه عبارة عن التعنيف في السياق والشدَّة في قبض الأرواح {اليوم تُجْزَوْنَ} يحتمل أن يريد ذلك الوقت بعينه أو الوقت الممتد من حينئذ إلى الأبد {الهون} الذلة.

.تفسير الآية رقم (94):

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}
{فرادى} منفردين عن أموالكم وأولادكم أو عن شركائكم، والأول يترجح لقوله: {وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم} أي ما أعطيناكم من الأموال والأولاد، ويترجح الثاني بقوله: {وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ} {تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} تفرق شملكم ومن قرأه بالرفع أسند الفعل إلى الظرف واستعمله استعمال الأسماء، ويكون البين بمعنى الفرقة، إو بمعنى الوصل، ومن قرأه بالنصب: فالفاعل مصدر الفعل، أو محذوف تقديره تقطع الاتصال بينكم.

.تفسير الآية رقم (95):

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}
{فَالِقُ الحب والنوى} أي: يفلق الحب تحت الأرض لخروج النبات منها، ويفلق النوى لخروج الشجر منها وقيل: أراد الشقين الذين في النواة والحنطة، والأول أرجح لعمومه في أصناف الحبوب {يُخْرِجُ الحي} تقدّم في آل عمران {وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} معطوف على فالق.

.تفسير الآية رقم (96):

{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}
{فَالِقُ الإصباح} أي الصبح فهو مصدر سمي به الصبح، ومعنى فلقة: أخرجه من الظلمات، وقيل: إن الظلمة في التي تنفلق عن الصبح، فالتقدير فالق ظلمة الإصباح {سَكَناً} أي يسكن فيه عن الحركات ويستراح {حُسْبَاناً} أي يعلم بهما حساب الأزمان والليل والنهار {ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم} ما أحسن ذكر هذين الإسمين هنا لأن العزيز يقلب كل شيء ويقهره، وهو قد قهر الشمس والقمر وسخرهما كيف شاء، والعليم لما في تقدير الشمس والقمر والليل والنهار من العلوم والحكمة العظيمة وإتقان الصنعة.

.تفسير الآية رقم (97):

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}
{فِي ظلمات البر والبحر} أي في ظلمات الليل في البر والبحر، وأضاف الظلمة إليها لملابستها لهما، أو شبه الطرق المشتبهة بالظلمات.

.تفسير الآية رقم (98):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}
{فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} من كسر القاف من مستقر فهو اسم فاعل، ومستودع اسم مفعول، والتقدير: فمنكم مستقرّ ومستودع، والاستقرار في الرحمن والاستيداع في الصلب، وقيل: الاستقرار فوق الأرض والاستيداع تحتها.

.تفسير الآية رقم (99):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}
{فَأَخْرَجْنَا بِهِ} الضمير عائد على الماء {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ} الضمير عائد على النبات {خَضِراً} أي أخضر غضاً، وهو يتولد من أصل النبات من الفراخ {نُّخْرِجُ مِنْهُ} الضمير عائد على الخضر {حَبّاً مُّتَرَاكِباً} يعني السنبل لأن حبه بعضه على بعض، وكذلك الرمان وشبهه {قِنْوَانٌ} جمع قنو، وهو العنقود من التمر، وهو مرفوع بالابتداء وخبره من النخل، ومن طلعها بدل، والطلع أول ما يخرج من التمر في أكمامه {دَانِيَةٌ} أي قريبة سهلة التناول، وقيل: قريبة بعضها من بعض {وجنات مِّنْ أعناب} بالنصب عطف على نبات كل شيء وقرئ في غير السبع بالرفع عطف على قنوان {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ متشابه} نصب على الحال من الزيتون والرمان، أو من كل ما تقدم من النبات، والمشتبه والمتشابه بمعنى واحد أي: من النبات ما يشبه بعضه بعضاً في اللون والطعم والصورة، ومنه ما لا يشبه بعضه بعضاً، وفي ذلك دليل قاطع على الصانع المختار القدير العليم المريد {انظروا إلى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} أي انظروا إلى ثمره أول ما يخرج ضعيفاً لا منفعة فيه، ثم ينتقل من حال إلى حال حتى يينع أي ينضج ويطيب.

.تفسير الآية رقم (100):

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}
{شُرَكَآءَ الجن} نصب الجنّ على أنه مفعول أول لجعلوا وشركاء مفعول ثان، وقدم لاستعظام الإشراك، أو شركاء مفعول أول، والله في موضع المفعول الثاني والجنّ بدل من شركاء والمراد بهم هنا: الملائكة، وذلك رداً على من عبدهم؛ وقيل: المراد الجن، والإشراك بهم طاعتهم {وَخَلَقَهُمْ} الواو للحال، والمعنى الرد عليهم: أي جعلوا لله شركاء، وهو خلقهم، والضمير عائد على الجنّ، أو على الجاعلين، والحجة قائمة على الوجهين {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وبنات} أي اختلفوا وزوّروا، والبنين: قول النصارى في المسيح، واليهود في عزير، والبنات قول العرب في الملائكة {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي قالوا ذلك بغير دليل ولا حجة؛ بل مجرد افتراء.