فصل: تفسير الآيات (49- 50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (49- 50):

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
{وَإِذْ نجيناكم} تقديره: اذكروا إذ نجيناكم أي: نجينا آباءكم، وجاء الخطاب للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم ذرّيتهم وعلى دينهم ومتبعون لهم، فحكمهم كحكمهم، وكذلك فيما بعد هذا من تعداد النعم، لأن الإنعام على الآباء إنعام على الأبناء، ومن ذكر مساويهم لأنّ ذرّيتهم راضون بها {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} المراد من فرعون وآله، وحذف لدلالة المعنى، وآل فرعون هم جنوده وأشياعه وآل دينه لا قرابته خاصة، ويقال إنّ اسمه الوليد بن مصعب، وهو من ذرّية عمليق، ويقال فرعون لكل من ولي مصر، وأصل آل: ثم هل أبدلت من الهاء همزة وأبدل من الهمزة ألف.
فائدة: كل ما ذكره في هذه الصور من الأخبار معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر بها من غير تعلم.
{يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب} أي يلزمونهم به، وهو استعارة من السوم في البيع، وفسر سوء العذاب بقوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} ولذلك لم يعطفه هنا، وأما حيث عطفه في سورة إبراهيم فيحتمل أن يراد بسوء العذاب غير ذلك؛ بل فيكون عطف مغايرة، أو أراد به ذلك، وعطف لاختلاف اللفظة، وكان سبب قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل، وقيل إنّ آل فرعون تذاكروا وعد الله لإبراهيم؛ بأن يجعل في ذرّيته ملوكاً وأنبياء فحسدوهم على ذلك، وروي أنه وكل بالنساء رجالاً يحفظون من تحمل منهنّ، وقيل: بل وكَّل على ذلك القوابل، ولأجل هذا قيل معنى يستحيون: يفتشون الحياة ضدّ الموت {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} فصلناه وجعلناه فرقاً اثني عشر طريقاً، على عدد الأسباط، والباء سببية أو للمصاحبة، والبحر المذكور هنا: هو بحر القُلْزُم.

.تفسير الآيات (51- 54):

{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)}
{وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} هي شهر ذي القعدة وعشر ذي الحجة، وإنما خصّ الليالي بالذكر لأنّ العام بها، والأيام تابعة لها، والمراد أربعين ليلة بأيامها {ثُمَّ اتخذتم العجل} اتخذتموه إلهاً، فحذف لدلالة المعنى {مِن بَعْدِهِ} أي بعد غيبته في الطور {الكتاب} هنا التوراة {والفرقان} أي المفرق بين الحق والباطل، وهو صفة التوراة وآتينا محمداً الفرقان، وهذا بعيد لما فيه من الحذف من غير دليل عليه {فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} أي يقتل بعضكم بعضاً كقوله: {سَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} [النور: 61]، وروي أنّ الظلام ألقي عليهم فقتل بعضهم بعضاً، حتى بلغ القتلى سبعون ألفاً فعفى الله عنهم. وإنما خص هنا اسم الباري: الخالق {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} قبله محذوف لدلالة الكلام عليه، وهو فحوى الخطاب، أي: ففعلتم ما أمرتم به من القتل فتاب عليكم.

.تفسير الآيات (55- 58):

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)}
{لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} تعدى باللام لأنه تضمن معنى الانقياد {جَهْرَةً} عياناً {الصاعقة} الموت، وكانوا سبعين وهم الذين اختارهم موسى وحملهم إلى الطور، فسمعوا كلام الله، ثم طلبوا الرؤية فعوقبوا لسوء أدبهم، وجراءتهم على الله {وَظَلَّلْنَا} أي جعلنا الغمام فوقهم كالظلة يقيهم حرّ الشمس، وكان ذلك في التيه، وكذا أنزل عليه فيه المنّ والسلوى، تقدّم في اللغات {كُلُواْ} معمول لقول محذوف {هذه القرية} بيت المقدس، وقيل أريحاء، وقيل قريب من بيت المقدس {فَكُلُواْ} جاء هنا بالفاء التي للترتيب، لأن الأكل بعد الدخول، وجاء في الأعراف بالواو بعد قوله: اسكنوا، لأنّ الدخول لا يتأتى معه السجود، وقيل متواضعين {حِطَّةٌ} تقدّم في اللغات {وَسَنَزِيدُ} أي نزيدهم أجراً إلى المغفرة.

.تفسير الآية رقم (59):

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}
{فَبَدَّلَ} روي أنه قالوا: حنطة، وروي: حبة في شعرة {الذين ظَلَمُواْ} يعني المذكورين، وضع الظاهر موضع المضمر لقصد ذمّهم بالظلم، وكرره زيادة في تقبيح أمرهم {رِجْزاً} روي أنهم أصابهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً.

.تفسير الآيات (60- 61):

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}
{استسقى} طلب السقيا لما عطشوا في التيه {الحجر} كان مربعاً ذراعاً في ذراع: تفجر من كل جهة ثلاث عيون، وروي أنّ آدم كان أهبطه من الجنة، وقيل هو جنس غيرمعين، وذلك أبلغ في الإعجاز {فانفجرت} قبله محذوف تقديره: فضربه فانفجرت {مَّشْرَبَهُمْ} أي موضع شربهم، وكانوا اثني عشر سبطاً لكل سبط عين {كُلُواْ} أي من المنّ والسلوى، واشربوا من الماء المذكور {وَفُومِهَا} هي الثوم، وقيل: الحنطة {أدنى} من الدنيء الحقير، وقيل: أصله أدون، ثم قلب بتأخير عينه وتقديم لامه {مِصْراً} قيل البلد المعروف وصرف لسكون وسطه. وقيل: هو غير معين فهم نكرة؛ لما روي أنهم نزلوا بالشام. {وَضُرِبَتْ} أي قضى عليهم بها، وألزموها. وجعله الزمخشري استعارة من ضرب القبة لأنها تعلو الإنسان وتحيط به {والمسكنة} الفاقة، وقيل: الجزية {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} الإشارة إلى ضرب الذلة والمسكنة والغضب، والباء للتعليل {بِآيَاتِ الله} الآيات المتلوات أو العلامات {بِغَيْرِ الحق} معلوم أنه لا يقتل نبي إلاّ بغير حق، وذلك أفصح- وقرأ نافع وحده: النبيئين-.
فائدة: قال هنا {بِغَيْرِ الحق} بالتعريف باللام للعهد، لأنه قد تقررت الموجبات لقتل النفس، وقال في الموضع الآخر من آل عمران {بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 21] بالتنكير لاستغراق النفي، لأن تلك نزلت في المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم. {ذلك بِمَا عَصَواْ} يحتمل أن يكون تأكيداً للأول، وتكون الإشارة بذلك إلى القتل والكفر، والباء للتعليل. أي اجترأوا على الكفر وقتل الأنبياء لما انهمكوا في العصيان والعدوان.

.تفسير الآية رقم (62):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
{إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ} الآية. قال ابن عباس: نسختها {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] وقيل معناها: لأن هؤلاء الطوائف من آمن منهم إيماناً صحيحاً فله أجره فيكون في حق المؤمنين الثبات إلى الموت، وفي حق غيرهم الدخول في الإسلام، فلا نسخ، وقيل: إنها فيمن كان قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم فلا نسخ {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} مبتدأ، خبر أن.

.تفسير الآيات (63- 66):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}
{وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور} لما جاء موسى بالتوراة أبوا أن يقبلوها فرفع الجبل فوقهم وقيل لهم: إن لم تأخذوها وقع عليكم {بِقُوَّةٍ} جدُّ في العلم بالتوراة أو العمل بها {اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت} اصطادوا فيه الحوت وكان محرماً عليهم {كُونُواْ قِرَدَةً} عبارة عن مسخهم، وخاسئين صفة أو خير ثان، ومعناه مبعدين كما يخسأ الكلب {فجعلناها} الضمير للفعلة وهي المسخ {نكالا} أي عقوبة لما تقدّم من ذنوبهم وما تأخر، وقيل: عبرة لمن تقدّم ومن تأخر.

.تفسير الآيات (67- 73):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}
{أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} قصتها أن رجلاً من بني إسرائيل قتل قريبه ليرثه، وادّعى على قوم أنهم قتلوه، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل ببعضها، ففعلوا فقام وأخبر بمن قتله، ثم عاد ميتاً {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} جفاء وقلة أدب، وتكذيب {فَارِضٌ} مسنة {بِكْرٌ} صغيرة {عَوَانٌ} متوسطة {بَيْنَ ذلك} أي بين ما ذكر، ولذلك قال ذلك مع الإشارة إلى شيئين: {صَفْرَآءُ} من الصفرة المفروقة، وقيل سوداء: وهو بعيد، والظاهر صفراء كلها. وقيل: القرن والظلف فقط، وهو بعيد {فَاقِعٌ} شديد الصفرة {تَسُرُّ الناظرين} لحسن لونها، وقيل لسمنها ومنظرها كله {لاَّ ذَلُولٌ} غير مذللة للعمل {تُثِيرُ الأرض} أي تحرثها وهو داخل تحت النفي على الأصح {لاَ تَسْقِى} لا يسقى عليها {مُسَلَّمَةٌ} من العمل أو من العيوب {لاَّ شِيَةَ} لا لمعة غير الصفرة، وهو في من وشى ففاءه واو محذوفة كعِدة {الآن جِئْتَ بالحق} العامل في الضرب جئت بالحق، وقي: العامل فيه مضمر تقديره الآن تذبحوها، والأول أظهر فإن كان قولهم: أتتخذنا هزوا: هكذا؛ فهذا تصديق وإن كان غير ذلك، فالمعنى الحق المبين {وَمَا كَادُواْ} لعصيانهم وكثرة سؤالهم، أو لغلاء البقرة، فقد جاء بأنها كانت ليتيم وأنهم اشتروها بوزنها ذهباً، أو لقلة وجود تلك الصفة، فقد روي أنهم لو ذبحوا أدنى بقرة أجزأت عنهم، ولكنه شدّدوا فشدّد عليهم {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} هو أوّل قصة البقرة فمرتبته التقديم {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ} قال الزمخشري: إنما أخر لتعدّد توبيخهم لقصتين وهما: ترك المسارعة إلى الأمر، وقتل النفس، ولو قدّم لكان قصة واحدة بتوبيخ واحد {فادارأتم} أي اختلفتم وهو من المدارأة أي المدافعة {مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} من أمر القتيل ومن قتله {اضربوه} القتيل أو قريبة {بِبَعْضِهَا} مطلقاً، وقيل: الفخذ وقيل: اللسان، وقيل الذنب {كَذَلِكَ} إشارة إلى حياة القتيل، واستدلالٌ بها على الإحياء للبعث، وقبله محذوف لابد منه تقديره: ففعلوا ذلك فقام القتيل.
فائدة: استدل المالكية بهذه القصة على قبول المقتول: فلان قتلني، وهو ضعيف، لأن هذا المقتول قام بعد موته ومعاينة الآخرة، وقصته معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يتأتى أن يكذب المقتول، بخلاف غيره، واستدلوا أيضاً بها على أن: القاتل لا يرث، ولا دليل فيها على ذلك.

.تفسير الآية رقم (74):

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
{قَسَتْ قُلُوبُكُمْ}: خطاباً لبني إسرائيل {مِّن بَعْدِ ذلك} أي بعد إحياء القتيل وما جرى في القصة من العجائب، وذلك بيان لقبح قسوة قلوبهم بعد ما رأوا تلك الآيات {أَوْ أَشَدُّ} عطف على موضع الكاف أو خبر ابتداء، أي: هي أشدّ، أدلّ على فرط القسوة {وَإِنَّ مِنَ الحجارة} الآية؛ تفضيل الحجارة على قلوبهم {يَهْبِطُ} أي يتردّى من علو إلى أسفل، والخشية عبارة عن انقيادها، وقيل: حقيقة، وأن كل حجر يهبط فمن خشية الله.

.تفسير الآيات (75- 77):

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}
{أَفَتَطْمَعُونَ} خطاب المؤمنين أن {يُؤْمِنُواْ} يعني: اليهود، وتعدّى باللام لما تضمن معنى الانقياد {فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} السبعون الذي يسمع كلام الله على الطور ثم حرفوه، وقيل بنو إسرائيل حرفوا التوراة {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بيان لقبح حالهم {قالوا} قالها رجل ادعى الإسلام من اليهود، وقيل: قالوها ليدخلوا إلى المؤمنين ويسمعوا إلى أخبارهم {أَتُحَدِّثُونَهُم} توبيخ {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} فيه ثلاثة أوجه؛ بما حكم عليهم من العقوبات، وبما في كتبهم من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، وبما فتح الله عليهم من الفتح والإنعام، وكل وجه حجة عليهم، ولذلك قالوا: {لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} قيل: في الآخرة وقيل: أي في حكم ربكم وما أنزل في كتابه، فعنده بمعنى حكمه {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} من بقية كلامهم توبيخاً لقولهم.
{أَوَلاَ يَعْلَمُونَ} الآية من كلام الله رداً عليهم وفضيحة لهم.

.تفسير الآيات (78- 83):

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} أي الذين لا يقرأون ولا يكتبون فهم {لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب} والمراد قوم من اليهود وقيل: من المجوس وهذا غير صحيح، لأن الكلام عن اليهود {إِلاَّ أَمَانِيَّ} تلاوة بغير فهم، أو أكاذيب، وما تتمناه النفوس {بِأَيْدِيهِمْ} تحقيق لافترائهم {ثَمَناً قَلِيلاً} عرض الدنيا من الرياسة والرشوة وغير ذلك مما يكسبون من الدنيا أو هي الذنوب {أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} أربعين يوماً عدد عبادتهم العجل وقيل سبعة أيام {أَتَّخَذْتُمْ} الآية: تقرير يقتضي إبطال {بلى} تحقيق لطول مكثهم في النار، لقولهم ما لا يعلمون {أَتَّخَذْتُمْ} الآية: في الكفار لأنها ردّ على اليهود، ولقوله بعدها {والذين آمَنُواْ} فلا حجة فيها لن قال بتخليد العصاة في النار {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله} جواب لقسم يدل عليه الميثاق، وقيل: خبر بمعنى النهي، ويرجحه قراءة لا يعبدون وقيل: الأصل: ب {أن لا تعبدوا} ثم حذفت الباء. وأن {وبالوالدين} يتعلق بإحسان، أو يمحذوف تقديره: أحسنوا، ووكد بإحساناً {وَذِي القربى} القرابة {واليتامى} جمع يتيم: وهو من فقد والده قبل البلوغ، واليتيم من سائر الحيوان من فقد أمه، وجاء الترتيب في هذه الآية بتقديم الأهم، فقدم الوالدين لحقهما الأعظم، ثم القرابة لأن فيهم أجر الإحسان وصلة الرحم، ثم اليتامى لقلة حيلتهم، ثم المساكين.