فصل: تفسير الآيات (38- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (38- 39):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}
{مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا} عتاب لمن تخلف عن غزوة تبوك {اثاقلتم إِلَى الأرض} عبارة عن تخلفهم، وأصل اثاقلتم تثاقلتم {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ} شرط وجزاء وهو العذاب في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآية رقم (40):

{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} شرط وجواب، والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قيل: ارتبط هذا الشرط مع جوابه، فالجواب: أن المعنى؛ إن لم تنصروه أنتم فسينصره الله الذي نصره حين كان ثاني اثنين، فدل بقوله نصره الله على نصره في المستقبل {إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ} يعني خروجه من مكة مهاجراً إلى المدينة، وأسند إخراجه إلى الكفار، لأنهم فعلوا معه من الأذى ما اقتضى خروجه {ثَانِيَ اثنين} هو أبو بكر الصديق {إِذْ يَقُولُ لصاحبه لاَ تَحْزَنْ} يعني أبا بكر {إِنَّ الله مَعَنَا} يعني بالنصر واللطف {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: لأبي بكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل معه السكينة، ويضعف ذلك بأن الضمائر بعدها للرسول عليه السلام {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} يعني الملائكة يوم بدر وغيرهم {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى} يريد إذلالها ودحضها. {وَكَلِمَةُ الله هِيَ العليا} قيل هي: لا إله إلا الله، وقيل: الدين كله.

.تفسير الآيات (41- 42):

{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)}
{انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً} أمر بالنفير إلى الغزو، والخفة استعارة لمن يمكنه السفر بسهولة، والثقل من يمكنه بصعوبة، وقال بعض العلماء: الخفيف: الغني، والثقيل: الفقير، وقيل: الخفيف الشاب، والثقيل الشيخ، وقيل: الخفيف النشيط، والثقيل الكسلان، وهذه الأقوال أمثلة في الثقل والخفة، وقيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله: {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى} [التوبة: 91] الآية {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} الآية: نزلت هي وكثير مما بعدها في هذه السورة في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وذلك أنها كانت إلى أرض بعيدة وكانت في شدّة الحر وطيب الثمار والظلال، فثقلت عليهم فأخبر الله في هذه الآية أن السفر لو كان لعرض من الدنيا، أو إلى مسافة قريبة لفعلوه {بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} أي الطريق والمسافة {وَسَيَحْلِفُونَ بالله} إخبار بغيب وهو أنهم يعتذرون بأعذار كاذبة ويحلفون {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} أي يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذبة، أو تخلفهم عن الغزو.

.تفسير الآية رقم (43):

{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)}
{عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} الآية: كان بعض المنافقين قد استأذن النبي صلى الله عليه والسلام في التخلف عن غزوة تبوك فأذن لهم، فعاتبه الله تعالى على إذنه لهم، وقدم العفو على العتاب أكراماً له صلى الله عليه وسلم وقيل: إن قوله عفا الله عنك ليس لذنب ولا عتاب، ولكنه استفتاح كلام كما يقول: أصلحك الله {حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ الذين صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الكاذبين} كانوا قد قالوا: استأذنوه في القعود، فإن أذن لنا قعدنا، وإن لم يأذن لنا قعدنا، وإنما كان يظهر الصدق من الكذب لو لم يأذن لهم، فحينئذ كان يقعد العاصي والمنافق ويسافر المطيع.

.تفسير الآيات (44- 46):

{لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)}
{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الذين يُؤْمِنُونَ بالله} الآية: لا يستأذنك في التخلف عن الغزو لغير عذر من يؤمن بالله واليوم الآخر {وارتابت قُلُوبُهُمْ} أي شكت، ونزلت الآية في عبد الله بن سلول والجد بن قيس {وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج} الآية. أي لو كانت لهم نية في الغزو والاستعداد له قبل أوانه: {انبعاثهم} أي خروجهم {فَثَبَّطَهُمْ} أي كسر عزمهم وجعل في قلوبهم الكسل {وَقِيلَ اقعدوا} يحتمل أن يكون القائل لهم اقعدوا هو الله تعالى، وذلك عبارة عن قضائه عليهم القعود، ويحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض {مَعَ القاعدين} أي مع النساء والصبيان وأهل الأعذار، وفي ذلك ذم لهم لاختلاطهم في القعود مع هؤلاء.

.تفسير الآيات (47- 48):

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)}
{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} أي شراً وفساداً {ولأَوْضَعُواْ} أي أسرعوا السير، والإيضاع سرعة السير، والمعنى أنهم يسرعون للفساد والنميمة {خلالكم} أي بينكم {يَبْغُونَكُمُ الفتنة} أي يحاولون أن يفتنوكم {سماعون لَهُمْ} وقيل: يسمعون أخبارهم وينقلونها إليهم {لَقَدِ ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ} أي طلبوا الفساد، وروى أنها نزلت في عبد الله بن أبي سلول وأصحابه من المنافقين {وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور} أي دبروها من كل وجه، فأبطل الله سعيهم.

.تفسير الآيات (49- 51):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
{وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك قال الجد بن قيس وكان من المنافقين: ائذن لي القعود ولا تفتني برؤية بني الأصفر فإني لا أصبر عن النساء {أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} أي وقعوا في الفتنة التي فروا منها {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} الحسنة هنا النصر والغنيمة وشبه ذلك {يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ} أي قد حذرنا وتأهبنا من قبل {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} أي ما قدر وقضى، وهذا رد على المنافقين.

.تفسير الآيات (52- 53):

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)}
{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين} أي هل تنتظرون بنا إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله وكل واحد من الخصلتين حسن {بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ} المصائب وما ينزل من السماء أو عذاب الآخرة {أَوْ بِأَيْدِينَا} يعني القتل {فتربصوا} تهديد {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ} تضمن الأمر هنا معنى الشرط، فاحتاج إلى جواب، والمعنى: لن يتقبل منكم سواءٌ أنفقتم طوعاً أو كرهاً، والطوع والكره عموم في الإنفاق أي: لن يتقبل على كل حال.

.تفسير الآيات (54- 57):

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نفقاتهم إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} تعليل لعدم قبول نفقاتهم بكفرهم، ويحتمل أن يكون إنهم كفروا فاعل ما منعهم، أو في موضع مفعول من أجله والفاعل الله {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا} قيل: العذاب في الدنيا بالمصائب، وقيل: ما ألزموا من أداء الزكاة {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كافرون} إخبار بأنهم يموتون على الكفر {وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ} أي من المؤمنين {يَفْرَقُونَ} يخافون {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً} أي ما يلجأ إليه من المواضع {أَوْ مغارات} هي الغيران في الجبال {أَوْ مُدَّخَلاً} وزنه مفتعل من الدخول ومعناه نفق أو سرب في الأرض {يَجْمَحُونَ} أي يسارعون.

.تفسير الآيات (58- 59):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}
{وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات} أي يعيبك على قسمتها، والآية في المنافقين كالتي قبلها وبعدها؛ وقيل: في ذي الخويصرة الذي قال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويلك إن لم أعدل فمن يعدل» الحديث {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ} الآية: ترغيب لهم فيما هو خير لهم، وجواب لو محذوف تقديره: لكان ذلك خيراً لهم.

.تفسير الآيات (60- 61):

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}
{إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين} الآية: إنما هو هنا تقتضي حصر الصدقات وهي الزكاة في هذه الأصناف الثمانية، فلا يجوز أن يعطى منها غيرهم، ومذهب مالك أن تفريقها في هؤلاء الأصناف إلى اجتهاد الإمام، فله أن يجعلها في بعض دون بعض، ومذهب الشافعي: أنه يجب أن تقسم على جميع هذه الأصناف بالسواء، واختلف العلماء هل الفقير أشد حاجة من المسكين ليس كذلك أو بالعكس؟ فقيل: هما سواء، وقيل الفقير الذي يسأل الناس ويعلم حاله، والمسكين ليس كذلك {والعاملين عَلَيْهَا} أي الذين يقبضونها ويفرقونها {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} كفار يعطون ترغيباً في الإسلام، وقيل: هم مسلمون يعطون ليتمكن إيمانهم، واختلف هل بقي حكمهم أو سقط للاستغناء عنهم {وَفِي الرقاب} يعني العبيد يشترون ويعتقون {والغارمين} يعني من عليه دين، ويشترط أن يكون استدان في غير فساد ولا سرف {وَفِي سَبِيلِ الله} يعني الجهاد فيعطى منها المجاهدون ويشتري منها آلات الحرب، واختلف هل تصرف في بناء الأسوار وإنشاء الأساطيل؟ {وابن السبيل} هو الغريب المحتاج {فَرِيضَةً} أي حقاً محموداً: ونصبه على المصدر، فإن قيل. لم ذكر مصرف الزكاة في تضاعيف ذكر المنافقين؟ فالجواب أنه حصر مصرف الزكاة في تلك الأصناف ليقطع طمع المنافقين فيها، فاتصلت هذه الآية في المعنى بقوله: ومنهم من يلزمك في الصدقات الآية {وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي} يعني من المنافقين وإذايتهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالأقوال والأفعال {وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أي يسمع كل ما يقال له ويصدّقه، ويقال: إنّ قائل هذه المقالة هو نبتل بن الحارث وكان من مرده المنافقين، وقيل: عتاب بن قيس {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} أي يسمع الخير والحق {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي يصدقهم يقال: آمنت لك إذا صدقتك، ولذلك تعدّى هذا الفعل بإلى وتعدّى يؤمن بالله بالباء {وَرَحْمَةٌ} بالرفع عطف على أذن، وبالخفض على خير.

.تفسير الآيات (62- 65):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)}
{يَحْلِفُونَ} يعني المنافقين {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} تقديره: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، فهما جملتان حذف الضمير من الثانية لدلالة الأولى عليها، وقيل: إنما وحد الضمير لأن رضا الله ورسوله واحد {مَن يُحَادِدِ الله} يعني من يعادي ويخالف {فَأَنَّ لَهُ} إن هنا مكررة تأكيداً للأولى، وقيل: بدل منها، وقيل التقدير فواجب أن له، فهي في موضع خبر مبتدأ محذوف {يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} يعني في شأنهم سورة على النبي صلى الله عليه وسلم، والضمائر في عليهم وتنبئهم وقلوبهم تعود على المنافقين، وقال الزمخشري: إن الضمير في عليهم وتنبئهم للمؤمنين، وفي قلوبهم للمنافقين، والأول أظهر {قُلِ استهزءوا} تهديد {إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} صنع ذلك بهم في هذه السورة، لأنها فضحتهم {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} نزلت في وديعة بن ثابت بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: هذا يريد أن يفتح قصور الشام هيهات هيهات، فسأله عن ذلك فقال: إنما كنا نخوض ونلعب.

.تفسير الآيات (66- 68):

{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}
{إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ} كان رجل منهم اسمه مخشن تاب ومات شهيداً {بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} نفي لأن يكونوا من المؤمنين {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} كناية عن البخل {نَسُواْ الله} أي غفلوا عن ذكره {فَنَسِيَهُمْ} تركهم من رحمته وفضله {وَعَدَ الله المنافقين} الأصل في الشر أن يقال أوعد، وإنما يقال فيه وعد إذا صرح بالشر {والكفار} يعنى المجاهرين بالكفر.

.تفسير الآية رقم (69):

{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)}
{كالذين مِن قَبْلِكُمْ} خطاب للمنافقين، والكاف في موضع نصب، والتقدير، فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم، أو في موضع خبر مبتدأ تقديره: أنتم كالذين من قبلكم {وَخُضْتُمْ} أي خلطتم وهو مستعار من الخوض في الماء، ولا يقال إلا في الباطل من الكلام {كالذي خاضوا} تقديره كالخوض الذي خاضوا، وقيل: كالذين خاضوا، فالذي هنا على هذا بمعنى الجميع.

.تفسير الآية رقم (70):

{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)}
{أَلَمْ يَأْتِهِمْ} الآية: تهديد لهم بما أصاب الأمم المتقدمة {والمؤتفكات} يعني مدائن قوم لوط {بالبينات} أي بالمعجزات.