فصل: تفسير الآيات (61- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (61- 68):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}
{هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض} لأن آدم خلق من تراب {واستعمركم فِيهَا} أي جعلكم تعمرونها. فهو من العمران للأرض، وقيل: هو من العمر نحو استبقاكم من البقاء {قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} أي: كنا نرجو أن ننتفع بك حتى قلت ما قلت، وقيل: المعنى كنا نرجو أن تدخل في ديننا {فِي دَارِكُمْ} أي بلدكم {ثلاثة أَيَّامٍ} قيل: إنها الخميس والجمعة والسبت، لأنهم عقروا الناقة يوم الأربعاء، وأخذهم العذاب يوم الأحد {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} معطوف على نجينا أي نجيناهم من خزي يومئذ {جاثمين} ذكر في الأعراف و{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ} أي: كأن لم يقيموا فيها والضمير للدار، وكذلك في قصة شعيب.

.تفسير الآيات (69- 70):

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}
{وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ} الرسل هنا الملائكة {إبراهيم بالبشرى} بشروه بالولد {قَالُواْ سلاما} نصب على المصدر والعامل فيه فعل مضمر تقديره سلمنا عليكم سلاما {قَالَ سلام} تقديره عليكم سلام وسلام عليكم، وهذا على أن يكون بمعنى التحية، وإنما رفع جوابه ليدل على إثبات السلام، فيكون قد حيَّاهم بأحسن مما حيَّوه، ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة، ونصب الأول لأنه بمعنى الطلب، ورفع الثاني لأنه في معنى الخبر {فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ} أي ما لبث مجيئه بل عجل وما نافية وأن جاء فاعل لبث {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أي مشوي، وفعيل هنا بمعنى مفعول {نَكِرَهُمْ} أي أنكرهم ولم يعرفهم، يقال: نكر وأنكر بمعنى واحد {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} قيل: إنه لم يعرفهم فخاف منهم لما لم يأكلوا طعامه، وقيل: عرف أنهم ملائكة ولكن خاف أن يكونوا أرسلوا بما يخاف فأمنوه بقولهم: لا تخف.

.تفسير الآيات (71- 73):

{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}
{وامرأته قَآئِمَةٌ} قيل: قائمة خلف الستر، وقيل: قائمة في الصلاة، وقيل: قائمة تخدم القوم، واسمها سارة {فَضَحِكَتْ} قيل: معناه حاضت، وهو ضعيف، وقال الجمهور: هو الضحك المعروف واختلفوا من أي شيء ضحكت، فقيل: سروراً بالولد الذي بشرت به؛ ففي الكلام على هذا تقديم وتأخير، وقيل: سروراً بالأمن بعد الخوف، وقيل: سروراً بهلاك قوم لوط {فبشرناها بإسحاق} أسند البشارة إلى ضمير الله تعالى، لأنها كانت بأمره {وَمِن وَرَآءِ إسحاق يَعْقُوبَ} أي من بعده وهو ولده، وقيل: الوراء ولد الولد ويعقوب بالرفع مبتدأ، وبالفتح معطوف على إسحاق {قَالَتْ ياويلتى} الألف فيه مبدلة من المتكلم، كذلك في يا لهفي ويا أسفي ويا عجباً، ومعناه التعجب من الولادة، وروي أنها كانت حينئذ بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم، ابن مائة سنة {رَحْمَتُ الله وبركاته عَلَيْكُمْ} يحتمل الدعاء والخبر {أَهْلَ البيت} أي أهل بيت إبراهيم، وهو منصوب بفعل مضمر على الاختصاص، أو منادى {حَمِيدٌ} أي محمود {مَّجِيدٌ} من المجد وهو العلو والشرف.

.تفسير الآيات (74- 76):

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}
{يجادلنا} هو جواب لما على أن يكون المضارع في موضع الماضي، أو على تقدير ظل أو أخذ يجادلنا ويكون: يجادلنا مستأنفاً والجواب محذوف، ومعنى جداله كلامه من الملائكة في رفع العذاب عن قوم لوط، وقد ذكر في اللغات {لَحَلِيمٌ} وفي براءة أواه.
{ياإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هاذآ} أي قلنا: يا إبراهيم أعرض عن هذا يعني عن المجادلة فيهم فقد نفذ القضاء بعذابهم.

.تفسير الآيات (77- 83):

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سياء بِهِمْ} الرسل هم الملائكة ومعنى سيء بهم أصابه سوء وشجر لما ظن أنهم من بني آدم وخاف عليهم من قومه {يَوْمٌ عَصِيبٌ} أي شديد {وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي يسرعون وكانت امرأة لوط قد أخبرتهم بنزول الأضياف عنده، فأسرعوا ليعملوا بهم عملهم الخبيث {وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات} أي كانت عادتهم إتيان الفواحش في الرجال {قَالَ ياقوم هؤلاء بناتي} المعنى فتزوجوهن، وإنما قال ذلك ليقي أضيافه ببناته، وقيل: اسم بناته الواحدة رئيا، والأخرى غوثا وأن اسم امرأته الهالكة والهة، واسم امرأة نوح والقة {قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} أي: ما لنا فيهم أرب {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} يعنون نكاح الذكور {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} جواب لو محذوف تقديره: لو كانت لي قدرة على دفعكم لفعلت، ويحتمل أن تكون لو للتمني {أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} معنى آوي ألجأ، والمراد بالركن الشديد: ما يلجأ إليه من عشيرة وأنصار يحمونه من قومه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يرحم الله أخي لوطاً؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد يعني إلى الله والملائكة {قَالُواْ يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} الضمير في قالوا للملائكة، والضمير في لن يصلوا لقوم لوط، وذلك أن الله طمس على أعينهم حينئذ {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} أي اخرج بهم بالليل، فإن العذاب ينزل بأهل هذه المدائن، وقرئ فأسر بوصل الألف وقطعها، وهما لغتان يقال سرى وأسرى {بِقِطْعٍ مِّنَ الليل} أي قطعة منه {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} نُهوا عن الالتفات؛ لئلا تتفطر أكبادهم على قريتهم، وقيل: يلتفت معناه يلتوي {إِلاَّ امرأتك} قرئ بالنصب والرفع، فالنصب استثناء من قوله بأسر بأهلك، فيقتضي هذا أنه لم يخرجها مع أهله، والرفع بدل من ولا يلتفت منكم أحد، ورُوي على هذا أنه أخرجها معه، وأنها التفتت وقالت: يا قوماه فأصابها حجر فقتلها {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح} أي وقت عذابهم الصبح {أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ} ذكر أنهم لما قالوا: إن موعدهم الصبح قال لهم لوط: هلا عذبوا الآن فقالوا له: أليس الصبح بقريب {جَعَلْنَا عاليها سافلها} الضمير للمدائن رُوي أن جبريل أدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط، واقتلعها فرفعها حتى سمع أهل السماء صراخ الديكة ونباح الكلاب، ثم أرسلها مقلوبة {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً} أي على المدائن، والمراد أهلها. روي أنه من كان منهم خارج المدائن أصابته حجارة من السماء، وأما من كان في المدائن فهلك لما قلبت {مِّن سِجِّيلٍ} قيل: معناه من ماء وطين، وإنما كان من الآجر المطبوخ وقيل: من سجله إذا أرسله، وقيل: هو لفظ أعجمي {مَّنْضُودٍ} أي مضموم بعضه فوق بعض {مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} معناه: معلَّمة بعلامة، رُوي أنه كان فيها بياض وحمرة، وقيل كان في كل حجر اسم صاحبه {وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} الضمير للحجارة والمراد بالظالمين كفار قريش، فهذا تهديد لهم أي ليس الرمي بالحجارة ببعيد منهم لأجل كفرهم، وقيل: الضمير للمدائن، فالمعنى ليست ببعيدة منهم أفلا يعتبرون بها كقوله: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} [الفرقان: 40] وقيل: إن الظالمين على العموم.

.تفسير الآيات (84- 88):

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}
{إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} يعني رخص الأسعار وكثرة الأرزاق {عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} يوم القيامة أو يوم عذابهم في الدنيا {بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ} أي ما أبقاه الله لكم من رزقه ونعمته، {أصلاوتك تَأْمُرُكَ} الصلاة هي المعروفة ونسب الأمر إليها مجاز كقوله: {إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر} [العنكبوت: 45] والمعنى أصلاتك تأمرك أن نترك عبادة الأوثان، وإنما قال الكفار هذا على وجه الاستهزاء {أَوْ أَن نَّفْعَلَ في أموالنا مَا نَشَاءُ} يعنون ما كانوا عليه من بخس المكيال والميزان، وأن نفعل عطف على أن نترك {إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد} قيل: إنهم قالوا ذلك على وجه التهكم والاستهزاء، وقيل: معناه الحليم الرشيد عن نفسك {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} أي سالماً من الفساد الذي أدخلتم في أموالكم، وجواب أرأيتم محذوف يدل عليه المعنى وتقديره: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي أيصلح لي ترك تبليغ رسالته {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أخالفكم إلى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} يقال: خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه، وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده.

.تفسير الآيات (89- 92):

{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)}
{وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} أي لا يكسبنكم عدواتي أن يصيبكم مثل عذاب الأمم المتقدمة، وشقاقي فاعل، وأن يصيبكم مفعول {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} يعني في الزمان لأنهم كانوا أقرب الأمم الهالكين إليهم، ويحتمل أن يراد ببعيد في البلاد {مَا نَفْقَهُ} أي ما نفهم {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} أي: ضعيف الانتصار والقدرة، وقيل: نحيل البدن، وقيل: أعمى {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لرجمناك} الرهط: القرابة والرجم بالحجارة أو بالسب {قَالَ ياقوم أرهطي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله} هذا توبيخ لهم فإن قيل: إنما وقع كلامهم فيه وفي رهطه وأنهم هم الأعزة دونه فكيف طابق جوابه كلامهم؟ فالجواب أن تهاونهم به وهو رسول الله تهاون بالله فلذلك قال: أرهطي أعزُّ عليكم من الله {واتخذتموه وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} الضمير في اتخذتموه لله تعالى أو لدينه وأمره، والظهري ما يطرح وراء الظهر ولا يعبأ به، وهو منسوب إلى الظهر بتغيير النسب.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)}
{اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} تهديد ومعنى مكانتكم تمكنكم في الدنيا وعزتكم فيها {مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} عذاب الدنيا والآخرة {وارتقبوا} تهديد.

.تفسير الآيات (96- 103):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)}
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} أي بالمعجزات {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي برهان بين {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} أي يتقدم قدّامهم في النار كما كانوا في الدنيا يتبعونه على الضلال والكفر {فَأَوْرَدَهُمُ النار} الورود هنا بمعنى: الدخول، وذكره بلفظ الماضي لتحقق وقوعه {وَيَوْمَ القيامة} عطف على في هذه فإن المراد به في الدنيا {بِئْسَ الرفد المرفود} أي العطية المعطاة {قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} باق وداثر {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ} حجة على التوحيد ونفي الشريك {تَتْبِيبٍ} أي تخسير {يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس} أي يجمعون فيه للحساب والثواب والعقاب، وإنما عبر باسم المفعول دون الفعل ليدل على ثبوت الجمع لذلك اليوم، لأن لفظ مجموع أبلغ من لفظ يجمع {يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} أي يحضره الأولون والآخرون.

.تفسير الآيات (105- 108):

{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
{يَوْمَ يَأْتِ} العامل في الظرف لا تكلم أو فعل مضمر؛ وفاعل يأت ضمير يعود على يوم مشهود وقال الزمخشري يعود على الله تعالى كقوله: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158] ويعضده عود الضمير عليه في قوله بإذنه {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} الضمير يعود على أهل الموقف الذي دل عليهم قوله: لا تكلم نفس {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} الزفير: إخراج النفس، والشهيق ردّه، وقيل: الزفير صوت المحزون، والشهيق صوت الباكي، وقيل: الزفير من الحلق، والشهيق من الصدر {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض} فيه وجهان أحدهما أن يراد به سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة أبداً، والآخر أن سكون عبارة عن التأبيد كقول العرب: ما لاح كوكب وما ناح الحمام وشبه ذلك مما يقصد به الدوام {إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ} في هذا الاستثناء ثلاثة أقوال: قيل إنه على طريق التأدب مع الله كقولك: إن شاء الله، وإن كان الأمر واجباً، وقيل: المراد به زمان خروج المذنبين من النار، ويكون الذين شقوا على هذا يعم الكفار والمذنبين، وقيل: استثنى مدة كونهم في الدنيا وفي البرزخ، وأما الاستثناء في أهل الجنة فيصح فيه القول الأول والثالث دون الثاني {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع.

.تفسير الآيات (109- 111):

{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)}
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هؤلاء} المرية الشك والإشارة إلى عبدة الأصنام، أي لا تشك في فساد دين هؤلاء {مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم} أي: هم متبعون لآبائهم تقليداً من غير برهان {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} يعني من العذاب {كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} يعني: القدر، وذلك أن الله قضى أن يفصل بينهم يوم القيامة فلا يفصل في الدنيا {وَإِنَّ كُلاًّ} قرئ بتشديد إن وبتخفيفها، وإعمالها عمل الثقيلة، والتنوين في كل عوضاً من المضاف إليه يعني كلهم، واللام في لما موطئة للقسم، وما زائدة، وليوفينّهم خبر إن، وقرئ لما بالتشديد على أن تكون إن نافية، ولمّا بمعنى إلا {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أعمالهم} اي جزاء أعمالهم.