فصل: تفسير الآيات (112- 114):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (112- 114):

{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)}
{وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ} يعني: الكفار، وقيل: إنهم الظلمة من الولاة وغيرهم {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} مستأنف غير معطوف، وإنما قال: ثم لبعد النصرة {وَأَقِمِ الصلاوة} الآية: يراد بها الصلوات المفروضة، فالطرف الأول الصبح والطرف الثاني الظهر والعصر، والزلف من الليل المغرب والعشاء {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات} لفظه عام، وخصصه أهل التأويل بأن الحسنات الصلوات الخمس، ويمكن أن يكون ذلك على وجه التمثيل، رُوي أن رجلاً قبل امرأة ثم ندم، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه الصلاة؛ فنزلت الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين السائل، فقال هذا انذا؛ فقال قد غُفر لك، فقال الرجل: ألي خاصة أو المسلمين عامة، فقال للمسلمين عامة، والآية على هذا مدنية، وقيل: إن الآية كانت قبل ذلك ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للرجل مستدلاً بها، فالآية على هذا مكية كسائر السورة، وإنما تُذهب الحسنات عند الجمهور الصغائر إذا اجتنبت الكبائر {ذلك} إشارة إلى الصلوات، أو إلى كل ما تقدم من وعظ ووعد ووعيد.

.تفسير الآية رقم (116):

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
{فَلَوْلاَ} تحضيض بمعنى هلا {أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ} أي أولو خير ودين بقي لهم دون غيرهم {إِلاَّ قَلِيلاً} استثناء منقطع معناه: ولكن قليلاً ممن أنجينا من القرون ينهون عن الفساد في الأرض، وقيل: هو متصل فإن الكلام الذي قبله في حكم النفي كأنه قال: ما كان فيهم من ينهى عن الفساد في الأرض إلا قليلاً، على أن الوجه في مثل هذا البدل ويجوز فيه النصب {الذين ظَلَمُواْ} يعني الذين لم ينهو عن الفساد.

.تفسير الآيات (117- 122):

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)}
{بِظُلْمٍ} هذا المجرور في موضع الحال من ربك والمعنى أنه لا يهلك أهل القرى ظالماً لهم، تعالى الله عن ذلك {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني مؤمنة لا خلاف بينهم في الإيمان {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} يعني في الأديان والملل والمذاهب {ولذلك خَلَقَهُمْ} قيل: الإشارة إلى الاختلاف، وقيل: إلى الرحمة وقيل إليهما {وَكُلاًّ نَّقُصُّ} انتصب كلا بنقص وما بدل من كلا {وَجَآءَكَ فِي هذه الحق} الإشارة إلى السورة {اعملوا... وانتظروا} تهديد لهم وإقامة حجة عليهم.

.سورة يوسف:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}
{الكتاب المبين} يعني القرآن، والمبين يحتمل أن يكون بمعنى البيِّن، فيكون غير متعد، أو يكون متعدياً بمعنى أنه أبان الحق أي أظهره {لَّعَلَّكُمْ} يتعلق بأنزلناه أو بعربياً.

.تفسير الآية رقم (3):

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}
{أَحْسَنَ القصص} يعني قصة يوسف، أو قصص الأنبياء على الإطلاق، والقصص يكون مصدراً أو اسم مفعول؛ بمعنى المقصوص، فإن أريد به هنا المصدر فمفعول نقصّ محذوف، لأن ذكر القرآن يدل عليه {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} الضمير في قبله للقصص أي من الغافلين عن معرفته، وفي هذا احتجاج على أنه من عند الله؛ لكونه جاء به من غير تعليم.

.تفسير الآيات (4- 6):

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}
{إِذْ قَالَ} العامل فيه اذكر المضمر، أو القصص {ياأبت} أي يا أبي والتاء للمبالغة، وقيل: للتأنيث وكسرت دلالة على ياء المتكلم والتاء عوض من ياء المتكلم {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجدين} كرر الفعل لطول الكلام، وأجرى الكواكب والشمس والقمر مجرى العقلاء في ضمير الجماعة لما وصفها بفعل من يعقل، وهو السجود وتأويل الكواكب في المنام إخوته، والشمس والقمر أبواه؛ وسجودهم له تواضعهم له ودخولهم تحت كنفه وهو ملك {لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ} إنما قال ذلك لأنه علم أن تأويلها ارتفاع منزلته فخاف عليه من الحسد {يَجْتَبِيكَ} يختارك {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} قيل: هي عبارة الرؤيا، واللفظ أعم من ذلك {ءَالِ يَعْقُوبَ} يعني ذريته.

.تفسير الآيات (7- 8):

{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)}
{آيات لِّلسَّائِلِينَ} أي لمن سأل عنها، رُوي أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف أو أمروا قريشاً أن يسألوه عنها، فهم السائلون على هذا، واللفظ أعم من ذلك {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} هو بنيامين، وهو أصغر من يوسف، ويقال إنه شقيق يوسف، وكان أصغر أولاد يعقوب {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: جماعة نقدر على النفع والضر بخلاف الصغيرين، والعصبة: العشرة فما فوقها إلى الأربعين {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي: خطأ وخروج عن الصواب بإفراط حبة ليوسف وأخيه.

.تفسير الآيات (9- 10):

{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
{يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} أي: لا يشارككم غيره في محبته لكم وإقباله عليكم {قَوْماً صالحين} أي: بالتوبة والاستقامة وقيل: هو صلاح حالهم مع أبيهم {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ} هو يهوذا، وقيل: روبيل {غيابت الجب} غوره وما غاب منه {السيارة} جمع سيار، وهم القوم الذين يسيرون في الأرض للتجارة، وغيرها {إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} أي هذا هو الرأي إن فعلتموه.

.تفسير الآيات (11- 12):

{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
{مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ} أي: لم تخاف عليه منا، وقرأ السبع تأمنا، بالإدغام والإشمام لأن أصله بضم النون الأولى {يَرْتَعْ} من قرأه بكسر العين فهو من الرعي أي من رعي الإبل، أو من رعي بعضهم لبعض، وحراسته، ومن قرأ بالإسكان، فهو من الرتع وهو الإقامة في الخصب والتنعم، والتاء على هذا أصلية، ووزن الفعل يفعل، ووزنه على الأول نفتعل، ومن قرأ: يرتع ويلعب بالياء فالضمير ليوسف، ومن قرأ بالنون فالضمير للمتكلمين وهم إخوته، وإنما قالوا: نلعب، لأنهم لم يكونوا حينئذ أنبياء، وكان اللعب من المباح للتعلم كالمسابقة بالخيل.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}
{وأجمعوا} أي: عزموا، وجواب لما محذوف، وقيل: إنه أجمعوا، أو وأوحينا على زيادة الواو {وَأَوْحَيْنَآ} يحتمل أن يكون هذا الوحي بواسطة ملك، أو بإلهام، والضمير في إليه ليوسف، وقيل: ليعقوب والأول هو الصحيح، {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} في موضع الحال من لتنبئنهم أي: لا يشعرون حين تنبئهم فيكون خطاباً ليوسف عليه السلام، أو من أوحينا لا يشعرون حين أوحينا إليه فيكون خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (17- 18):

{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)}
{نَسْتَبِقُ} أي: نجري على أقدامنا لننظر أينا يسبق {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} أي بمصدّق لمقالتنا {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي لا تصدّقنا ولو كنا عندك من أهل الصدق، فكيف وأنت تتهمنا، وقيل: معناه لا تصدقنا وإن كنا صادقين في هذه المقالة، فذلك على وجه المغالطة منهم، والأول أظهر {وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي: ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة، وروي أنهم لطخو قمصه بدم جَدْي، وقالوا ليعقوب: هذا دمه في قميصه فقال لهم: ما بال الذئب أكله ولم يخرق قميصه، فاستدل بذلك على كذبهم {سَوَّلَتْ} أي زينت {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} وعد من نفسه بالصبر، وارتفاعه على أنه مبتدأ تقديره: صبر جميل أمثل، أو خبر مبتدأ تقديره: شأني صبر جميل.

.تفسير الآيات (19- 20):

{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)}
{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} رُوي أن هؤلاء السيارة من مَدْين، وقيل: هم أعراب {وَارِدَهُمْ} الوارد هو الذي يستقي الماء لجماعة، ونقل السهيلي أن اسم هذا الوارد مالك بن دعر من العرب العاربة، ولم يكن له ولد فسأل يوسف أن يدعو له بالولد فدعا له، فرزقه الله اثني عشر ولداً، أعقب كل واحد منهم قبيلة {قَالَ يابشرى} أي نادى البشرى كقولك: يا حسرة، وأضافها إلى نفسه، وقرئ يا بشرى بحذف ياء المتكلم، والمعنى كذلك وقيل: على هذه القراءة نادى رجلاً منهم اسمه بشرى، وهذا بعيد، ولما أدلى الوارد الحبل في الجب تعلق به يوسف فحينئذ قال: يا بشراي هذا غلام {وَأَسَرُّوهُ بضاعة} الضمير الفاعل للسيارة والضمير المفعول ليوسف أي أخفوه من الرفقة، أو قالوا لهم: دفعة لنا قوم لنبيعه لهم بمصر {وَشَرَوْهُ} أي باعوه، والضمير أيضاً للذين أخذوه، وقيل: الضمير لإخوة يوسف وأنهم رجعوا إليه فقالوا: للسيارة هذا عبدنا {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي ناقص عن قيمته، وقيل: البخس هنا الظلم {دراهم مَعْدُودَةٍ} عبارة عن قلتها {وَكَانُواْ} الضمير للذين أخذوه أو لإخوته.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)}
{وَقَالَ الذي اشتراه} يعني العزيز، وكان حاجب الملك وخازنه، وقال السهلي: اسمه قطفير {مِن مِّصْرَ} هو البلد المعروف، ولذلك لم ينصرف، وكان يوسف قد سيق إلى مصر فنودي عليه في السوق حتى بلغ ثمنه وزنه ذهباً، وقيل: فضة فاشتراه العزيز {تَأْوِيلِ الأحاديث} قد تقدم {والله غالب على أَمْرِهِ} في عود الضمير وجهان: أحدهما أن يعود على الله فالمعنى أنه يفعل ما يشار لا رادّ لأمره، والثاني: أنه يعود على يوسف أي يدبر الله أمره بالحفظ له والكرامة.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)}
{بَلَغَ أَشُدَّهُ} قيل: الأشدّ البلوغ، وقيل: ثماني عشرة سنة؛ وقيل: ثلاث وثلاثون، وقيل: أربعون {حُكْماً} هي الحكمة والنبوة {وراودته التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} أي: طلبت منه ما يكون من الرجل إلى المرأة وهي زليخا امرأة العزيز {وَغَلَّقَتِ الأبواب} روي أنها كانت سبع أبواب {هَيْتَ لَكَ} اسم فعل معناه تعال وأقبل، وقرئ بفتح الهاء وكسرها وبفتح التاء وضمها، والمعنى في ذلك كله واحد، وحركة التاء للبناء، وأما من قرأ بالهمز فهو فعل من تهيأتُ كقولك: جئت {مَعَاذَ الله} منصوب على المصدرية، والمعنى أعوذ بالله {إِنَّهُ ربي} يحتمل ان يكون الضمير لله تعالى، أو للذي اشتراه، لأن السيد يقال له رب، فالمعنى لا ينبغي لي أن أخونه {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} الضمير للأمر والشأن، ويحتمل ذلك في الأوّل أي الضمير. رقم الصفحة

.تفسير الآية رقم (24):

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} أكثرَ الناسُ الكلام في هذه الآية حتى ألفوا فيها التآليف، فمنهم مُفْرِط ومفرّط، وذلك أن منهم من جعل همّ المرأة وهمّ يوسف من حيث الفعل الذي أرادته، وذكروا في ذلك روايات من جلوسه بين رجليها، وحلت التكة وغير ذلك، مما لا ينبغي أن يقال به لضعف نقله، ولنزاهة الأنبياء عن مثله، ومنهم من جعل أنها همت به لتضربه على امتناعه وهمّ بها ليقتلها أو يضربها ليدفعها وهو بعيد، يرده قوله: لولا أن رأى برهان ربه، ومنهم من جعل همها به من حيث مرادها وهمه بها ليدفعها، وهذا أيضاً بعيد، لاختلاف سياق الكلام، والصواب إن شاء الله: إنها همت به من حيث مرادها وهمّ بها كذلك، لكنه لم يعزم على ذلك، ولم يبلغ إلى ما ذكر من حل التكة وغيرها؛ بل كان همه خطرة خطرت على قلبه لم يطعها ولم يتابعها، ولكنه بادر بالتوبة والإقلاع عن تلك الخطرة حتى محاها من قلبه لما رأى برهان ربه، ولا يقدح هذا في عصمة الأنبياء لأن الهمّ بالذنب ليس بذنب ولا نقص عليه في ذلك، فإنه من همَّ بذنب ثم تركه كتبت له حسنة {لولا أَن رَّأَى برهان رَبِّهِ} جوابه محذوف تقديره: لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، وإنما حذف لأن قوله همّ بها يدل عليه، وقد قيل: إن {هم بها} هو الجواب، وهذا ضعيف لأن جواب لولا لا يتقدم عليها، واختلف في البرهان الذي رآه، فقيل ناداه جبريل يا يوسف أتكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء، وقيل: رأى يعقوب ينهاه، وقيل: تفكر فاستبصر، وقيل: رأى زليخا غطت وجه صنم لها حياء منه، فقال: أنا أولى أن أستحي من الله {كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ} الكاف في موضع نصب متعلقة بفعل مضمر، التقدير: ثبتناه مثل ذلك التثبيت، أو في موضع رفع تقديره: الأمر مثل ذلك {السواء والفحشآء} خيانة سيده والوقوع في الزنا {المخلصين} قرئ بفتح اللام حيث وقع أي الذين أخلصهم الله لطاعته، وبالكسر أي الذي أخلصوا دينهم لله.

.تفسير الآيات (25- 29):

{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
{واستبقا الباب} معناه: سبق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب فقصد هو الخروج والهروب عنها، وقصدت هي أن تردّه، فإن قيل: كيف قال هنا الباب بالإفراد وقد قال بالجمع وغلقت الأبواب فالجواب أن المراد هنا الباب البرّاني الذي هو المخرج من الدار {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} أي قطعته من وراء، وذلك أنها قبضت قميصه من خلفه لتردّه فتمزق القميص، والقدّ القطع بالطول، والقّطُّ القطع بالعرض {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} أي وجدا زوجها عند الباب {قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ} لما رأت الفضيحة عكست القضية، وادعت أن يوسف راودها عن نفسها، فذكرت جزاء كل من فعل ذلك على العموم، ولم تصرح بذكر يوسف لدخوله في العموم، وبناء على أن الذنب ثابت عليه بدعواها، وما جزاء يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} برّأ نفسه من دعواها {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} قيل: هو ابن عمها وقيل: كان طفلاً في المهد فتكلم، وكونه من أهلها أوجبُ للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف، وكونه لم يتكلم قط، ثم تكلم بذلك كرامة ليوسف عليه السلام، والتقدير شهد شاهد فقال: أو ضمنت الشهادة معنى القول {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} لأنها كانت تدافعه فتقدّ قميصه من قبل {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ} لأنها جذبته إلى نفسها حين فرّ منها فقدّت قميصه من دبر {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} فاعل رأى زوجها أو الشاهد {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} الضمير للأمر أو لقولها ما جزاء {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} أي اكتمه ولا تحدث به، ويوسف منادى حذف منه حرف النداء لأنه قريب، وفي حذف الحرف إشارة إلى تقريبه وملاطفته {واستغفري لِذَنبِكِ} خطاب لها، وذلك من كلام زوجها أو من كلام الشاهد {مِنَ الخاطئين} جاء بلفظ التذكير، ولم يقل من الخاطئات تغليباً للذكور.