فصل: تفسير الآيات (62- 63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (62- 63):

{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)}
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} الكاف من أرأيتك للخطاب، لا موضع لها من الإعراب، وهذا مفعول بأرأيت، والمعنى؛ أخبرني عن هذا الذي كرمته علي أي فضلته وأنا خير منه، فاختصر الكلام بحذف ذلك، وقال ابن عطية: أرأيتك هذا بمعنى: أتأملت ونحوه لا بمعنى أخبرني {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} معناه لأستولين عليهم ولأقودنهم، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشدّ على حنكها بحبل فتنقاد {قَالَ اذهب} قال ابن عطية، وما بعده من الأوامر: صيغة أمر على وجه التهديد، وقال الزمخشري: ليس المراد الذهاب الذي هو ضدّ المجيء، وإنما معناه: امض لشأنك الذي اخترته خذلاناً له وتخلية، ويحتمل عندي: أن يكون معناه للطرد والإبعاد {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ} كان الأصل أن يقال جزاؤهم بضمير الغيبة، ليرجع إلى من اتبعك، ولكنه ذكره بلفظ المخاطب تغليباً للمخاطب على الغائب، وليدخل إبليس معهم {جَزَاءً مَّوْفُوراً} مصدر في موضع الحال والموفور المكمل.

.تفسير الآية رقم (64):

{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}
{واستفزز} أي اخدع واستخف {بِصَوْتِكَ} قيل: يعني الغناء والمزامير، وقيل: الدعاء إلى المعاصي {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} أي هوّل، وهو من الجلبة وهي الصياح {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} الخيل هنا يراد بها الفرسان الراكبون على خيل، والرجل: جمع راجل وهو الذي يمشي على رجليه فقيل: هو مجاز واستعارة بمعنى: افعل جهدك، وقيل: إن له من الشيطان خيلاً ورجلاً، وقيل: المراد فرسان الناس ورجالتهم المتصرفون في الشر {وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد} مشاركته في الأموال بكسبها من الربا، وإنفاقها في المعاصي وغير ذلك، ومشاركته في الأولاد هي بالاستيلاد بالزنا وتسمية الولد عبد شمس وعبد الحارث وشبه ذلك {وَعِدْهُمْ} يعني: المواعدة الكاذبة من شفاعة الأصنام وشبه ذلك.

.تفسير الآية رقم (65):

{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)}
{إِنَّ عِبَادِي} يعني المؤمنين الذين يتوكلون على الله بدليل قوله بعد ذلك: وكفى بربك وكيلاً ونحوه: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سلطان على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].

.تفسير الآيات (66- 67):

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)}
{يُزْجِي لَكُمُ الفلك} أي يجريها ويسيرها والفلك هنا جمع، وابتغاء الفضل في التجارة وغيرها {الضر فِي البحر} يعني خوف الغرق {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} ضل هنا بمعنى تلف وفقد: أي تلف عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه إلا الله وحده، فلجأتم إليه حينئذ دون غيره. فكيف تعبدون غيره وأنتم لا تجدون في تلك الشدة إلا إياه {وَكَانَ الإنسان كَفُوراً} أي كفوراً بالنعم، والإنسان هنا جنس.

.تفسير الآيات (68- 70):

{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
{أَفَأَمِنْتُمْ} الهمزة للتوبيخ والفاء للعطف أي أنجوتم من البحر فأمنتم الخسف في البر {حَاصِباً} يعني حجارة أو ريحا شديدة ترمي بالحصباء {وَكِيلاً} أي قائماً بأموركم وناصراً لكم {قَاصِفاً مِّنَ الريح} أي الذي يقصف ما يلقى أي يكسره {تَبِيعاً} أي مطالباً يطالبنا بما فعلنا بكم: أي لا تجدون من ينصركم منا كقوله: {وَلاَ يَخَافُ عقباها} [الشمس: 15] {وفضلناهم على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} يعني فضلهم على الجن وعلى سائر الحيوان، ولم يفضلهم على الملائكة، ولذلك قال: على كثير وأنواع التفضيل كثيرة لا تحصى: وقد ذكر المفسرون منها كون الإنسان يأكل بيده، وكونه منتصب القامة، وهذه أمثلة.

.تفسير الآية رقم (71):

{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}
{بإمامهم} قيل: يعني بنبيهم، يقال: يا أمة فلان، وقيل: يعني كتابهم الذي أنزل عليهم، وقيل: كتابهم الذي فيه أعمالهم {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} الفتيل هو الخيط الذي في شق نواة التمرة، والمعنى أنهم لا يظلمون من أعمالهم قليلاً ولا كثيراً، فعبر بأقل الأشياء تنبيهاً على الأكثر.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
{وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى} الإشارة بهذه إلى الدنيا، والعمى يراد به عمى القلب: أي من كان في الدنيا أعمى عن الهدى، والصواب فهو في يوم القيامة أعمى: أي حيران يائس من الخير، ويحتمل أن يريد بالعمى في الآخرة عمى البصر: كقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} [طه: 124]، وإنما جعل الأعمى في الآخرة أضل سبيلاً، لأنه حينئذ لا ينفعه الاهتداء، ويجوز في أعمى الثاني: أن يكون صفة للأول، وأن يكون من الأفعال التي للتفضيل، وهذا أقوى لقوله وأضل سبيلاً فعطف أضل الذي هو من أفعل من كذا على ما هو شبهه، قال سيبويه. لا يجوز أن يقال: هو أعمى من كذا، ولكن إنما يمتنع ذلك في عمى البصر، لا في عمى القلب.

.تفسير الآيات (73- 75):

{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}
{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} الآية: سببها أن قريشاً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اقبل بعض أمرنا ونقبل بعض أمرك، وقيل: إن ثقيفاً طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات والعزى، والآية على هذا القول مدنية {لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} الافتراء هنا يراد به المخالفة لما أوحى إليه من القرآن وغيره {وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} أي لو فعلت ما أرادوا منك لاتخذوك خليلاً {وَلَوْلاَ أَن ثبتناك لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} لولا تدل على امتناع شيء لوجود غيره، فدلت هنا على امتناع مقاربة النبي صلى الله عليه وسلم الركون إليهم لأجل تثبيت الله له وعصمته، وكدت تقتضي نفي الركون، لأن معنى كاد فلان يفعل كذا أي: إنه لم يفعله فانتفى الركون إليهم ومقاربته، فليس في ذلك نقص من جانب النبي صلىلله عليه وسلم، لأن التثبيت منعه من مقاربة الركون، ولو لم يثبته الله لكانت مقاربته للركون إليهم شيئاً قليلاً، وأما منع التثبيت فلم يركن قليلاً ولا كثيراً، ولا قارب ذلك {إِذاً لأذقناك ضِعْفَ الحياوة وَضِعْفَ الممات} أي عذابهما لو فعل ذلك.

.تفسير الآيات (76- 77):

{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}
{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض} الضمير لقريش، كانوا قد هموا أن يخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من مكة؛ وذلك قبل الهجرة، فالأرض هنا يراد بها مكة لأنها بلدة {وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً} أي لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك بمكة إلا قليلاً، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً من مكة إلى المدينة لأجل إذاية قريش له ولأصحابه، لم يبقوا بعد ذلك إلا قليلاً، وقتلوا يوم بدر {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} انتصب سنة على المصدر، ومعناه العادة أي هذه عادة الله مع رسله.

.تفسير الآية رقم (78):

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}
{أَقِمِ الصلاوة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ اليل وَقُرْآنَ الفجر} هذه الآية إشارة إلى الصلوات المفروضة فدلوك الشمس زوالها، والإشارة إلى الظهر والعصر، وغسق الليل ظلمته وذلك إشارة إلى المغرب والعشاء، وقرآن الفجر صلاة الصبح، وانتصب قرآن الفجر بالعطف على موضع اللام في قوله: {لدلوك الشمس}، فإن اللام فيه ظرفية بمعنى علم، كذا وقيل: هو عطف على الصلاة وقيل: مفعول بفعل مضمر تقديره: اقرأ قرآن الفجر، وإنما عبر عن صلاة الصبح بقرآن الفجر، لأن القرآن فيها أكثر من غيرها لأنها تصلى بسورتين طويلتين {إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً} أي تشهده ملائكة الليل والنهار، فيجتمعون فيه إذ تضعد ملائكة الليل وتنزل ملائكة النهار.

.تفسير الآيات (79- 80):

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}
{وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً} لما أمر بالفرائض أمر بعدها بالنوافل، ومن للتبعيض، والضمير في به للقرآن والتهجد والسهر هو ترك الهجود ومعنى الهجود: النوم فالتفعل هنا للخروج عن الشيء كالتحرج والتأثم: في الخروج عن الإثم والحرج {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} يعني الشفاعة يوم القيامة، وانتصب مقاماً على الظرف {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الآية: المدخل: دخولة إلى المدينة، والمخرج خروجه من مكة، وقيل: المدخل في القبر، والمخرج إلى البعث، واختار ابن عطية أن يكون على العموم في جميع الأمور {سلطانا نَّصِيراً} قيل: معناه حجة تنصرني بها ويظهر بها صدقي، وقيل: قوة ورياسة تنصرني بها على الأعداء وهذا أظهر.

.تفسير الآيات (81- 84):

{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
{وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل} الحق الإيمان والباطل الكفر {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ} من للتبعيض، أو لبيان الجنس، والمراد بالشفاء أنه يشفى القلوب من الريبة والجهل، ويحتمل أن يريد نفعه من الأمراض بالرقيا به والتعويذ {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان} الآية: المراد بالإنسان هنا الجنس، لأن ذلك من سجية الإنسان، وقيل: إنما يراد الكافر لأنه هو الذي يعرض عن الله {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي بعُد، وذلك تأكيد وبيان للإعراض، وقرأ ابن عامر ناءٍ وهو بمعنى واحد {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} أي مذهبه وطريقته التي تشاكله.

.تفسير الآيات (85- 87):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)}
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} السائلون اليهود، وقيل: قريش بإشارة اليهود، والروح هنا عند الجمهور هو الذي في الجسم، وقد يقال فيه: النفس وقيل: الروح هنا جبريل، وقيل: القرآن، والأول هو الصواب لدلالة ما بعده على ذلك {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي من الأمور التي استأثر الله بها ولم يطلع عليها خلقه، وكانت اليهود قد قالت لقريش اسألوه عن الروح، فإن لم يجبكم فيه بشيء فهو نبيّ، وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه، وقال ابن بريدة: لقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم وما يعرف الروح، ولقد كثر اختلاف الناس في النفس والروح، وليس في أقوالهم في ذلك ما يعول عليه {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً} خطاب عام لجميع الناس، لأن علمهم قليل بالنظر إلى علم الله. وقيل: خطاب لليهود خاصة، والأول أظهر، لأن فيه إشارة إلى أنهم لا يصلون إلى العلم بالروح {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} أي إن شئنا ذهبنا بالقرآن فمحوناه من الصدور والمصاحف، وهذه الآية متصلة المعنى بقوله: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً: أي في قدرتنا أن نذهب بالذي أوحينا إليك فلا يبقى عندك شيء من العلم {وَكِيلاً} أي من يتوكل بإعادته وردّه بعد ذهابه {إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} يحتمل أن يكون استثناء متصلاً، فمعنى أن رحمة ربك ترد القرآن بعد ذهابه لو ذهب، أو استثناء منقطعاً بمعنى أن رحمة ربك تمسكه عن الذهاب.

.تفسير الآية رقم (88):

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}
{قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} عجز الخلف عن الإتيان بمثله لما تضمنه من العلوم الإلهية، والبراهين الواضحة والمعاني العجيبة التي لم يكن الناس يعلمونها، ولا يصلون إليها، ثم جاءت فيه على الكمال، وقال أكثر الناس: إنهم عجزوا عنه لفصاحته وحسن نظمه. ووجوه إعجازه كثيرة قد ذكرنا في غير هذا منها خمسة عشر وجهاً {ظَهِيراً} أي معيناً.

.تفسير الآيات (89- 92):

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)}
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} أي بينا لهم كل شيء من العلوم النافعة، والبراهين القائمة، والحجج الواضحة، وهذا يدل على إن إعجاز القرآن بما فيه من المعاني والعلوم كما ذكرنا {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً} الكفور: الجحود، وانتصب بقوله أبى لأنه في معنى النفي {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً} الذين قالوا هذا القول هم أشراف قريش طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أنواعاً من خوارق العادات، وهي التي ذكرها الله في هذه الآية، وقيل: إن الذي قاله عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، وكان ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم بعد ذلك والينبوع العين، قالوا له: إن مكة قليلة الماء ففجر لنا فيها عيناً من الماء {أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً} إشارة إلى قوله تعالى: {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء} [سبأ: 9]، وكسفاً بفتح السين جمع كسفة وهي القطعة، وقرئ بالإسكان: أي قطعاً واحداً {قَبِيلاً} قيل معناه مقابلة ومعاينة وقيل: ضامنا شاهداً بصدقك، والقبالة في اللغة: الضمان.

.تفسير الآيات (93- 96):

{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)}
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} أي من ذهب {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى} تعجب من اقتراحاتهم، أو تنزيه لله عن قولهم: تأتي بالله، وعن أن يطلب منه هذه الأشياء التي طلبها الكفار، لأن ذلك سوء أدب {هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} أي: إنما أنا بشر، فليس في قدرتي شيء مما طلبتم، وأنا رسول فليس علي إلا التبليغ {إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً} المعنى أن الذي منع الناس من الإيمان إنكارهم لبعث الرسول من البشر.
{قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة} الآية: معناها أنه لو كان أهل الأرض ملائكة لكان الرسول إليهم ملكاً، ولكنهم بشر، فالرسول إليهم بشر من جنسهم، ومعنى مطمئنين: ساكنين في الأرض {شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} ذكر في [الأنعام: 19].