فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (17):

{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)}
{أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ} تقديره: {يَعِظُكُمُ} كراهة أن تعودوا لمثله، ثم عظم الأمر وأكده بقوله: {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ}.

.تفسير الآية رقم (19):

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)}
{إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة} الإشارة بذلك إلى المنافقين الذين أحبوا أن يشيع حديث الإفك، ثم هو عام في غيرهم ممن اتصف بصفتهم، والعذاب في الدنيا الحد، وأما عذاب الآخرة فقد ورد في الحديث: أن من عوقب في الدنيا على ذنب لم يعاقب عليه في الآخرة فأشكل اجتماع الحدّ مع عذاب الآخرة في هذا الموضع، فيحتمل أن يكون القاذف يعذب في الآخرة ولا يسقط الحدّ عنه عذاب الآخرة بخلاف سائر الحدود، أون يكون هذا مختصاً بمن قذف عائشة، فإنه روى عن ابن عباس أنه قال: من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة، أو يكون لمن مات مصراً غير تائب، أو يكون للمنافقين.

.تفسير الآية رقم (21):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)}
{خُطُوَاتِ الشيطان} في البقرة {بالفحشآء والمنكر} ذكر في النحل {زَكَا} أي تطهر من الذنوب، وصلح دينه.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)}
{وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى} معنى يأتل يحلف، فهو من قولك: آليت إذا حلفت، وقيل معناه: يقصر فهو من قولك: ألوت أي قصرت، ومنه {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118] والفضل هنا يحتمل أن يريد به الفضل في الدين، أو الفضل في المال، وهو أن يفضل له عن مقدار ما يكفيه، والسعة هي اتساع المال، ونزلت الآية بسبب أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح، لما تكلم في حديث الإفك، وكان ينفق عليه لمسكنته؛ ولأنه قريبه، وكان ابن بنت خالته، فلما نزلت الآية رجع إلى مسطح النفقة والإحسان، وكفر عن يمينه قال بعضهم: هذه أرجى آية في القرآن، لأن الله أوصى بالإحسان إلى القاذف، ثم إن لفظ الآية على عمومه في أن لا يحلف أحد على ترك عمل صالح {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} أي كما تحبون أن يغفر الله لكم، كذلك اغفروا أنتم لمن أساء إليكم، ولما نزلت قال أبو بكر رضي الله عنه: إني لأحب أن يغفر الله لي، ثم ردّ النفقة إلى مسطح.

.تفسير الآية رقم (23):

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)}
{المحصنات الغافلات} معنى المحصنات هنا العفائف ذوات الصون، ومعنى الغافلات السليمات الصدور، فهو من الغفلة عن الشر {لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة} هذا الوعيد للقاذفين لعائشة ولذلك لم يذكر فيه توبة، قال ابن عباس: كل مذنب تقبل توبته إذا تاب إلا من خاض في حديث عائشة وقيل: الوعيد لكل قاذف، والعذاب العظيم يحتمل أن يريد به الحدّ أو عذاب الآخرة.

.تفسير الآية رقم (24):

{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)}
{يَوْمَ تَشْهَدُ} العامل فيه يوفيهم، وكرر يومئذ توكيداً وقيل: العام فيه عذاب أو فعل مضمر.

.تفسير الآية رقم (25):

{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)}
{دِينَهُمُ الحق} أي جزاؤهم الواجب لهم {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} هذه الآية تدل على أن ما قبلها في المنافقين، لأن المؤمن قد علم في الدنيا أن الله هو الحق المبين، ومعنى المبين الظاهر الذي لا شك فيه.

.تفسير الآية رقم (26):

{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)}
{الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} الآية: معناها أن الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وأن الطيبات من النساء للطيبين من الرجال، ففي ذلك ردّ على أهل الأفك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أطيب الطيبين فزوجته أطيب الطيبات، وقيل: المعنى أن الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس، والطيبات من الأعمال للطيبين من الناس، ففيه أيضاً ردّ على أهل الإفك، وقيل: معناه أن الخبيثات من الأقوال للخبيثين من الناس، والإشارة بذلك إلى أهل الإفك: أي أن أقوالهم الخبيثة لا يقولها إلا خبيث مثلهم {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} الإشارة بأولئك إلى الطيبين والطيبات والضمير في يقولون للخبيثات والخبيثين، والمراد تبرئة عائشة رضي الله عنها مما رميت به.

.تفسير الآيات (27- 29):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)}
{لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا} هذه الآية أمر بالاستئذان في غير بيت الداخل، فيعم بذلك بيوت الأقارب وغيرهم، وقد جاء في الحديث الأمر بالاستئذان على الأم خيفة أن يراها عُريانة، ومعنى {تَسْتَأْنِسُواْ}: تستأذنوا وهو مأخوذ من قولك: آنست للشيء إذا علمته، فالاستئناس: أن يستعلم هل يريد أهل الدار الدخول أم لا؟ وقيل هو مأخوذ من الأنس ضد الوحشة؛ وقرأ ابن عباس حتى تستأذنوا، والاستئذان واجب، وأما السلام فلا ينتهي إلى الوجوب، واختلف أيهما يقدّم، فقيل يقدّم السلام ثم يستأذن فيقول: السلام عليكم، ثم يقول أأدخل، وقيل يقدم الاستئذان لتقديمه في الآية، وليس في الآية عدد الاستئذان، وجاء في الحديث أن يستأذن ثلاث مرات، وهو تفسير الآية: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} سبب هذه الآية أنه لما نزلت آية الاستئذان تعمق قوم فكانوا يأتون المواضع غير المسكونة فيسلمون ويستأذنون، فأباحت هذه الآية دخولها بغير استئذان، واختلف في البيوت غير المسكونة في هذه الآية، فقيل: هي الفنادق التي في الطرق ولا يسكنها أحد، بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، والمتاع على التمتع بالنزول فيها والمبيت وغير ذلك، وقيل هي الخرب التي تدخل للبول والغائط، والمتاع على هذا حاجة الإنسان، وقيل: هي حوانيت القيسارية، والمتاع على هذا الثياب والبسط وشبهها، وهذا القول خطأ لأن الاستئذان في الحوانيت واجب بإجماع.

.تفسير الآيات (30- 31):

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
{قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} إعرابها كإعراب {يُقِيمُواْ الصلاة} في [إبراهيم: 31] وقد ذكر ومن أبصارهم للتبعيض، والمراد غض البصر عما يحرم، والاقتصار به على ما يحل، وقيل: معنى التبعيض فيه أن النظرة الأولى لا حرج فيها، ويمنع ما بعدها، وأجاز الأخفش أن تكون من زائدة، وقيل: هي لابتداء الغاية، لأن البصر مفتاح القلب والغض المأمور به هو عن النظر إلى العورة، أو إلى ما لا يحل من النساء، أو إلى كتب الغير وشبه ذلك مما يستر، وحفظ الفروج المأمور به: هو عن الزنا، وقيل: أراد ستر العورة، والأظهر أن الجميع مراد {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} تؤمر المرأة بغض بصرها عن عورة الرجل وعن عورة المرأة إجماعاً، واختلف هل يجب عليها غض بصرها عن سائر جسد الرجل الأجنبي أم لا، وعن سائر جسد المرأة أم لا، فعلى القول بذلك تشتمل الآية عليه، والكلام في حفظ فروج النساء كحفظ فروج الرجال {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} نهى عن إظهار الزينة بالجملة ثم استثنى الظاهر منها، وهو ما لابد من النظر إليه عند حركتها أو إصلاح شأنها وشبه ذلك، فقيل: إلا ما ظهر منها يعني الثياب؛ فعلى هذا يجب ستر جميع جسدها، وقيل: الثياب والوجه والكفان، وهذا مذهب مالك لأنه أباح كشف وجهها وكفيها في الصلاة، وزاد أبو حنيفة القدمين {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} الجيوب هي التي يقول لها العامة أطواق، وسببها أن النساء كن في ذلك الزمان يلبسن ثياباً واسعات الجيوب، ويظهر منها صدورهن، وكن إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة، سدلنها، من وراء الظهر، فبيقى الصدر والعنق والأذنان لا ستر عليها، فأمرهن الله بلي الأخمرة جمع خمار على الجيوب ليستر جميع ذلك {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ} الآية: المراد بالزينة هنا الباطنة، فلما ذكر في الآية قبلها ما أباح أن يراه غير ذوي المحرم من الزينة الظاهرة، وذكر في هذه ما أباح أن يراه الزوج وذوي المحارم من الزينة الباطنة، وبدأ بالبعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا، ثم ثنّى بذوي المحارم وسوّى بينهم في أبداء الزينة، ولكن مراتبهم تختلف بحسب القرب، والمراد بالآباء كل من له ولادة من والد وجدّ، وبالأبناء كل من عليه ولادة من ولد وولد ولد، ولم يذكر في هذه الآية من ذوي المحارم: العم والخال ومذهب جمهور العلماء جواز رؤيتهما للمرأة، لأنهما من ذوي المحارم، وكره ذلك قوم، وقال الشافعي: إنما لم يذكر العم والخال لئلا يصفا زينة المرأة لأولادهما {أَوْ نِسَآئِهِنَّ} يعني جميع المؤمنات، فكأنه قال أو صنفهن ويخرج عن ذلك نساء الكفار {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} يدخل في ذلك الإماء المسلمات والكتابيات، وأما العبيد: ففيهم ثلاثة أقوال: منع رؤيتهم لسيدتهم وهو قول الشافعي، والجواز: وهو قول ابن عباس وعائشة، والجواز بشرط أن يكون العبد وغداً وهو مذهب مالك، وإنما أخذ جوازه من قوله: {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة} واختلف هل يجوز أن يراها عبد زوجها وعبد الأجنبيّ أم لا؟ على قولين {أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة} شرط في رؤية غير ذوي المحارم شرطين: أحدهما أن يكونا تابعين، ومعناه أن يتبع لشيء يعطاه كالوكيل والمتصرف، ولذلك قال بعضهم هو الذي يتبعك وهمه بطنه، والآخر: أن لا يكون لهم إربة في النساء كالخصي والمخنث والشيخ الهرم والأحمق، فلا يجوز رؤيتهم للنساء إلا باجتماع الشرطين، وقيل بأحدهما، ومعنى الإربة الحاجة إلى الوطء {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء وَلاَ يَضْرِبْنَ} أراد بالطفل الجنس، ولذلك وصفه بالجمع، ويقال: طفل ما لم يراهق الحلم، و{يَظْهَرُواْ} معناه يطلعون بالوطء على عورات النساء، فمعناه الذين لم يطأوا النساء، وقيل: الذي لا يدرون ما عورات النساء وهذا أحسن {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} روي أن امرأة كان لها خلخالان، فكانت تضرب بهما ليسمعهما الرجال، فنهى الله عز وجل عن ذلك، قال الزجاج: إسماع صوت الزينة أشد تحريكاً للشهوة من إبدائها.
{وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون} التوبة واجبة على كل مؤمن مكلف بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وفرائضها ثلاثة: الندم على الذنب من حيث عصي به ذو الجلال، لا من حيث أضر ببدن أو ما، والإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان، والعزم أن لا يعود إليها أبداً ومهما قضى عليه بالعود أحدث عزماً مجدّداً، وآدابها ثلاثة: الاعتراف بالذنب مقروناً بالانكسار، والإكثار من التضرع والاستغفار، والإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات، ومراتبها سبع: فتوبة الكفار من الكفر، وتوبة المخلطين من الذنوب والكبائر، وتوبة العدول من الصغائر وتوبة العابدين من الفترات، وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات، وتوبة أهل الورع من الشبهات، وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات. والبواعث على التوبة سبعة: خوف العقاب، ورجاء الثواب، والخجل من الحساب، ومحبة الحبيب، ومراقبة الرقيب القريب، وتعظيم بالمقام، وشكر الإنعام.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)}
{وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} الأيامى جمع أيَّم ومعناه الذين لا أزواج لهم رجالاً كانوا أو نساء أبكاراً أو ثيبات، والخطاب هنا للأولياء الحكام أمرهم الله بتزويج الأيامى، فاقتضى ذلك النهي عن عضلهن من التزويج، وفي الآية دليل على عدم استقلال النساء بالإنكاح؛ واشتراك الولاية فيه، الولاية فيه، وهو مذهب مالك والشافعي خلافاً لأبي حنيفة {والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} يعني الذين يصلحون للتزويج من ذكور العبيد وإناثهم، وقال الزمخشري: الصالحين بمعنى الصلاح في الدين، قال وإنما خصهم الله بالذكر ليحفظ عليهم صلاحهم والمخاطبون هنا ساداتهم؛ ومذهب الشافعي أن السيد يجبر على تزويج عبيده على هذه الآية خلافاً لمالك، ومذهب مالك أن السيد يجبر عبده وأمته على النكاح خلافاً للشافعي {إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} وعد الله بالغنى للفقراء الذين يتزوجون لطلب رضا الله، ولذلك قال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح.

.تفسير الآيات (33- 34):

{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} أمر بالأستعفاف وهو الاجتهاد في طلب العفة من الحرام لمن لا يقدر على التزويج، فقوله: {لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً} معناه لا يجدون استطاعة على التزويج بأي وجه تعذر التزويج، وقيل: معناه لا يجدون صداقاً للنكاح، والمعنى الأول أعم، والثاني: أليق بقوله: {حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ}.
{والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} الكتاب هنا مصدر بمعنى الكتابة، وهي مقاطعة العبد على مال منجم فإذا أدّاه خرج حرّاً وإن عجز بقي رقيقاً، وقيل: إن الآية نزلت بسبب حويطب ابن عبد العزى سأل مولاه أن يكابته فأبى عليه، وحكمها مع ذلك عام فأمر الله سادات العبيد أن يكاتبوهم إذا طلبوا الكتابة، وهذا الامر على الندب عند مالك والجمهور، وقال الظاهرية وغيرهم. هو على الوجوب وذلك ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنس بن مالك حين سأله مملوكه سيرين الكتابة فتلكأ أنس، فقال له عمر: لتكاتبنه أو لأوجعنك بالدرة، وإنما حمله مالك على الندب لأن الكتابة كالبيع، فكما لا يجبر على البيع لا يجبر عليها، واختلف هل يجبر السيد عبده على الكتابة أم لا؟ على قولين في المذهب {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ} الخير هنا القوة على أداء الكتابة بأي وجه كان، وقيل: هو المال الذي يؤذي منه كتابته من غير أن يسأل أموال الناس، وقيل هو الصلاح في الدين.
{وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ} هذا أمر بإعانة المكاتب على كتابته، واختلف فيمن المخاطب بذلك فقيل: هو خطاب للناس أجمعين، وقيل للولاة، والأمر على هذين القولين للندب، وقيل: هو خطاب لسادات المكاتبين، وهو على هذا القول ندب عند مالك: وللوجوب عند الشافعي فإن كان الأمر للناس، فالمعنى أن يعطوهم صدقات من أموالهم، وإن كان للولاة فيعطوهم من الزكاة، وإن كان للسادات فيحطوا عنهم من كتابتهم، وقيل: يعطوهم من أموالهم من غير الكتابة، وعلى القول بالحط من الكتابة اختلف في مقدار ما يحط، فقيل: الربع، وروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: الثلث، وقال مالك والشافعي: لا حد في ذلك، بل أقل ما ينطلق عليه اسم شيء، إلا أن الشافعي يجبره على ذلك، ولا يجبره مالك، وزمان الحط عنه في آخر الكتابة عند مالك، وقيل في أول نجم.
{وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء} معنى البغاء الزنا، نهى الله المسلمين أن يجبروا مملوكاتهم على ذلك، وسبب الآية أن عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق كان له جاريتان، فكان يأمرهما بالزنا للكسب منه وللولادة، ويضربهما على ذلك، فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فيه وفيمن فعل مثل فعله {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} هذا الشرط راجع إلى إكراه الفتيات على الزنا، إذ لا يتصور إكراههن إلا إذا أردن التحصن وهو التعفف، وقيل: هو راجع إلى قوله: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى} وذلك بعيد {لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياة الدنيا} يعني ما تكسبه الأمة بفرجها، وما تلده من الزنا؛ ويتعلق {لِّتَبْتَغُواْ} بقوله: {وَلاَ تُكْرِهُواْ} {يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} المعنى غفور لهن رحيم بهن لا يؤاخذهن بالزنا لأنهن أكرهن عليه، ويحتمل أن يكون المعنى غفور رحيم للسيد الذي يكرههن إذا تاب من ذلك {آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} بفتح الياء: أي بينها الله؛ وبالكسر مبينات للأحكام والحلال والحرام {وَمَثَلاً} يعي ضرب لكم الأمثال بمن كان قبلكم في تحريم الزنا، لأنه كان حراماً في كل ملة أو في براءة عائشة كما برأ يوسف ومريم.