فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (18):

{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)}
{يَتَرَقَّبُ} في الموضعين أي يستحس هل يطلبه أحد {يَسْتَصْرِخُهُ} أي يستغيث به، لقي موسى الإسرائيليَّ الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل رجلاً آخر في من القبط، فاستغاث بموسى لينصره كما نصره بالأمس، فعظم ذلك على موسى وقال له: إنك لغوي مبين {فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بالذي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} الضمير في {أَرَادَ} في يبطش لموسى، وفي قال للإسرائيلي، والمعنى لما أراد موسى أن يبطش بالقبطي الذي هو عدوّ له للإِسرائيلي، ظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به إذ قال له {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ}، فقال الإسرائيلي لموسى: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس}؟ وقيل: الضمير في أراد للإسرائيلي، والمعنى فلما أراد الإسرائيلي أن يبطش موسى بالقبطي، ولم يفعل موسى ذلك لندامته على قتله الآخر بالأمس، فنصح الإسرائيلي، فقال له: أتريد أن تقتلني فاشتهر خبر قتله للآخر إلى أن وصل إلى فرعون.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)}
{وَجَآءَ رَجُلٌ} قيل: إنه مؤمن آل فرعون، وقيل: غيره {يسعى} أي يسرع في مشيه ليدرك موسى فينصحه {إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} يتشاورون: وقيل: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك كما قتلت القبطي.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)}
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ} أي قصد بوجهه ناحية مدين وهي مدينة شعيب عليه السلام {قَالَ عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل} أي وسط الطريق يعني طريق مدين، إذ كان قد خرج فارّاً بنفسه، وكان لا يعرف الطريق، وبين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام، وقيل: أراد سبيل الهدى وهذا أظهر، ويدل كلامه هذا على أنه كان عارفاً بالله قبل نبوته.

.تفسير الآيات (23- 24):

{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}
{وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ} أي وصل إليه وكان بئراً {يَسْقُونَ} أي يسقون مواشيهم {امرأتين} روى أن اسمهما ليا وصفوريا، وقيل: صفيرا وصفرا {تَذُودَانِ} أي تمنعان الناس عن غنمهما، وقيل: تذودان غنمهما عن الماء حتى يسقي الناس، وهذا أظهر لقولهما: {لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء}: أي كانت عادتهما ألا يسقيا غنمهما إلا بعد الناس لقوة الناس ولضعفهما، أو لكراهتهما التزاحم مع الناس {يُصْدِرَ} بضم الياء وكسر الدار فعل متعدّ، والمفعول محذوف تقديره حتى يصدر الرعاء مواشيهم، وقرأ أبو عمرو وابن عامر: يُصْدِرَ بفتح الياء وضم الدال أي ينصرفون عن الماء {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أي لا يستطيع أن يباشر سقي غنمه، وهذا الشيخ هو شعيب عليه السلام في قول الجمهور، وقيل: ابن أخيه، وقيل: رجل صالح ليس من شعيب بنسب {فسقى لَهُمَا} أي أدركته شفقته عليهما فسقى غنمهما وروي أنه كان على فم البئر صخرة لا يرفعها إلا ثلاثون رجلاً فرفعها وحده {تولى إِلَى الظل} أي جلس في الظل، وروي أنه كان ظل سَمُرَة {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} طلب من الله ما يأكله وكان قد اشتدّ عليه الجوع.

.تفسير الآية رقم (25):

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}
{فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا} قبل هذا كلام محذوف تقديره: فذهبتا إلى أبيهما سريعتين، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي، أخبرتاه بما كان من أمر سقي الرجل لهما، فأمر إحداهما أن تدعوه له فجاءته، واختلف هل التي جاءته الصغرى أو الكبرى {عَلَى استحيآء} رُويَ أنها سترت وجهها بكُم دِرْعِها والمجرور يتعلق بما قبله وقيل: بما بعده وهو ضعيف {وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أي ذكر له قصته {لاَ تَخَفْ} أي قد نجوت من فرعون وقومه.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)}
{استأجره} أي اجعله أجيراً لك {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين} هذا الكلام حكمة جامعة بليغة، روي أن أباها قال لها من أين عرفت قوته وأمانته، قالت أما قوته ففي رفعه الحجر عن فم البئر: وأما أمانته فإنه لم ينظر إليّ.

.تفسير الآيات (27- 29):

{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)}
{قَالَ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي} زوجته التي دعته، واختلف هل زوّجه الكبرى أو الصغرى، واسم التي زوجه صفور، وقيل: صفوريا، ومن لفظ شعيب حَسُنَ أن يقال في عقود الأنكحة، أنكحه إياها أكثر من أن يقال أنكحها إياه {على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} أيّ أزوجك بِنتي على أن تخدمني ثمانية أعوام، قال مكي: في هذه الآية خصائص في النكاح، منها أنه لم يعين الزوجة، ولا حدّ أول الأمد، وجعل المهر إجارة، قلت: فأما التعيين فيحتمل أن يكون عند عقد النكاح بعد هذه المراودة، وقد قال الزمخشري: إن كلامه معه لم يمكن عقد نكاح، وإنما كان مواعدة وأما ذكر أول الأمد، فالظاهر أنه من حيث العقد، وأما النكاح بالإجازة فظاهر من الآية، وقد قرر شرعنا حسبما ورد في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم للرجل: «قد زوجكتها على ما معك من القرآن»؛ أي على أن تعلمها ما عندك من القرآن، وقد أجاز النكاح بالإجازة الشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة للآية والحديث، ومنعه مالك {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ} جعل الأعوام الثمانية شرطاً، ووكل العامين إلى مروءة موسى، فوفى له العشر، وقيل: وفي العشرة وعشراً بعدها، وهذا ضعيف لقوله. {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} أي الأجل المذكور {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} الأهل هنا الزوجة مشى بها إلى مصر {جَذْوَةٍ} أي قطعة، ويجوز كسر الجيم وضمها، وقد ذكر آنس، والطور، وتصطلون.

.تفسير الآيات (30- 32):

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}
{شَاطِىءِ الوادي} جانبه والأيمن صفة للشاطئ اليمين، ويحتمل أن يكون من اليمن فيكون صفة للوادي {مِنَ الشجرة} روي: أنها كانت عوسجة {جَآنٌّ} ذكر من النمل {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أي أدخلها فيه، والجيب هو فتح الجبة من يحث يخرج الإنسان رأسه {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} الجناح اليد أو الإبط أو العضد، أمره الله لما خاف من الحية أن يضمه إلى جنبه ليخفَّ بذلك خوفه، فإن من شاء الإنسان إذا فعل ذلك في وقت فزعه أن يخف خوفه، وقيل: ذلك على وجه المجاز، والمعنى أنه أمر بالعزم على ما أمر به: كقوله اشدد حيازيمك واربط جأشك.
{مِنَ الرهب} أي من أجل الرَّهْب، وهو الخوف، وفيه ثلاثة لغات: فتح الراء والهاء، وفتح الراء وإسكان الهاء، وضم الراء وإسكان الهاء {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} أي حجتان والإشارة إلى العصا واليد {إلى فِرْعَوْنَ} يتعلق بفعل محذوف يقتضيه الكلام.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)}
{رِدْءاً} أي معيناً، وقرئ بالهمز وبغير همز على التسهيل من المهموز أو يكون من: أرديت أي زدت {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} استعارة في المعونة {بِآيَاتِنَآ} يحتمل أن يتعلق بقوله: نجعل أو يصلون أو بالغالبون.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)}
{فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين} أي اصنع الآجر لبنيان الصرح الذي رام أن يصعد منه إلى السماء، ورُوي أنه أول من عمل الآجر، وكان هامان وزير فرعون وانظر ضعف عقولهما وعقول قومهما، وجهلهم بالله تعالى في كونهم طمعوا أن يصلوا إلى السماء ببنيان الصرح، وقد روي أنه عمله وصعد عليه ورمى بسهم إلى السماء فرجع مخضوباً بدم، وذلك فتنة له ولقومه وتهكم بهم، ثم قال {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين} يعني في دعوة الرسالة، والظن هنا يحتمل أن يكون على بابه أو بمعنى اليقين.

.تفسير الآيات (41- 42):

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)}
{أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} أي كانوا يدعون الناس إلى الكفر المودجب للنار {مِّنَ المقبوحين} من المطرودين المبعدين، وقيل: قبحت وجوههم، وقيل: قبح ما فعل بهم وما يقال لهم.

.تفسير الآية رقم (44):

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44)}
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي} خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمراد به إقامة حجة لإخباره بحال موسى، وهو لم يحضره والغربي المكان الذي في غربي الطور، وهو المكان الذي كلم الله فيه موسى، والأمر المقضي إلى موسى هو النبوة. ومن الشاهدين: معناه من الحاضرين هناك.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)}
{وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر} المعنى لم تحضر يا محمد للاطلاع على هذه الغيوب التي تخبر بها، ولكنها صارت إليك بوحينا فكان الواجب على الناس المسارعة إلى الإيمان بك، ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها، فغابت عقولهم واستحكمت جهالتهم، فكفروا بك، وقيل: المعنى لكنا أنشأنا قروناً بعد زمان موسى فتطاول عليهم العمر، وطالت الفترة فأرسلناك على فترة من الرسل {ثَاوِياً} أي مقيماً.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)}
{إِذْ نَادَيْنَا} يعني تكليم موسى، والمراد بذلك إقامة حجة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لإخباره بهذه الأمور مع أنه لم يكن حاضراً حينئذ {ولكن رَّحْمَةً} انتصب على المصدر، أو على أنه مفعول من أجله والتقدير: ولكن أرسلناك رحمة منا لك ورحمة للخلق بك.

.تفسير الآيات (47- 48):

{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)}
{ولولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} لو هنا حرف امتناع ولولا الثانية عرض وتحضيض، والمعنى لولا أن تصيبهم مصيبة بكفرهم لم نرسل الرسل، وإنما أرسلناهم على وجه الإعذار وإقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا: {رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} {فَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق} يعني القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم {قَالُواْ لولا أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ موسى} يعنون إنزال الكتاب عليه من السماء جملة واحدة، وقلب العصا حية وفلق البحر وشبه ذلك {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ} هذا ردّ عليهم فيما طلبوه، والمعنى أنهم كفروا بما أوتي موسى فلما آتينا محمداً مثل ذلك لكفروا به، {مِن قَبْلُ} على هذا يتعلق بقوله: {أُوتِيَ موسى}، ويحتمل أن يتعلق بقوله: {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ}، إن كانت الآية في بني إسرائيل، والأول أحسن {قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} يعنون موسى وهارون، أو موسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم والضمير في {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ} وفي {قَالُواْ} لكفار قريش وقيل: لآبائهم، وقيل لليهود والأول أظهر وأصح لأنهم المقصودون بالرد عليهم.

.تفسير الآيات (49- 50):

{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)}
{فَأْتُواْ بِكِتَابٍ} أمر على وجه التعجيز لهم {أهدى مِنْهُمَآ} الضمير يعود على كتاب موسى وكتاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ} قد علم أنهم لا يستجيبون للاتيان بكتاب هو أهدى منهما أبداً، ولكنه ذكره بحرف إن مبالغة في إقامة الحجة عليهم: كقوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} [البقرة: 24]، فاعلم أنما يتبعون أهواهم: المعنى إن لم يأتوا بكتاب فاعلم أن كفرهم عناد واتباع أهوائهم، لا بحجة وبرهان.

.تفسير الآية رقم (51):

{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)}
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول} الضمير لكفار قريش، وقيل: لليهود والأول أظهر؛ لأن الكلام من أوله معهم، والقول هنا القرآن، و{وَصَّلْنَا لَهُمُ}: أبلغناه لهم، أو جعلناه موصلاً بعضه ببعض.

.تفسير الآيات (52- 53):

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)}
{الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ} يعني من أسلم من اليهود، وقيل: النجاشي وقومه، وقيل: نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهم عشرون رجلاً فآمنوا به، والضمير في قبله القرآن، وقولهم إنه الحق: تعليل لإيمانهم، وقولهم: {إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}: بيان لأن إسلامهم قديم، لأنهم وجدوا ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم قبل أن يبعث.