فصل: المقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف




.المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ميز مقادير الرتب، وقنن القوانين حتى لا يبقى سبيل لمن عتب، وبين قدر عظماء السلاطين بقدر معرفة من خاطب عنهم له عن كثب.
نحمده لما رزق من فواضل زادت محاسن العلوم، وعرفت تفاوت درجات الأولياء إذ قالوا: وما منا إلا له مقام معلوم، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة يعلو بها الإسلام ولا يعلى عليه، ويعنو لها وجه كل متكبر متكثر بقليل ما لديه، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أقرب من دنا مقاما من ربه، وأشرف من غزا الملوك بكتائبه، ودعاهم إلى الله بكتبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد. قد أغري أهل الفضل بحب التمام، وطبع كل رقيق الشمائل على الظماء إلى موارد الأدب الجمام، ولم يبق من لم يصرف إليه الاهتمام، أو ولع بالري ولوع الصب وكلف بالسجع كلف الحمام. وكان على الألسنة أني لم أطلع هذه الشعوب، وعدى وهو جزع شأو القارح اليعبوب، فذكرت بالدستور الذي كنت عملته في عنفوان الصبا بالأبواب السلطانية بديوان الإنشاء، وقربت منه لكل قاصر قصر الرشاء، وكنت كتبت:
يا طالب الإنشاء خذ علمه *** عني فعلمي غير منكور
ولا تقف في باب غيري فما *** تدخله إلا بدستوري
وألحوا علي في المسألة في الوقوف عليه، وفتح أبواب الأفهام المقفلة بالنظر إليه؛ وكان مما حالت دونه الأيدي الغاصبة، ومانعت عنه الأيام الغالبة، فقلت: أيها الشغف بي اسمع بي ولا ترني، وأيها الكلف بهذا الفن هذا زمانك إني قد مضى زمني! ولو تركت هذا الفن الذي أصبح الولع به مرضا، وهذا الفضل الذي ما عدت رأيت جوهره إلا عرضا، وشغلت نفسك بسوى هذا من العلم النافع والعمل الصالح، لكان أعود عليك، وأقر لك وأقرب إليك! فأبى إلا أن يكلفني غرامة ذلك الضائع، ويريد مني رد تلك الودائع. هذا وقد خلعت ذلك الرداء المعار، ومات سلطاننا- رحمه الله- وزال الشعار، وقد أهملت هذا الفن حتى نسيته، وزدت على سائلي في الجهل به أو أواسيه. ثم لم أجد لي راحة من دوام مطالبته إلا بأن أضع له دستورا، وأحرق خاطري له في التذكر لما فات وإن كنت لا أجد إلا فتورا. وسألته عن أربه لأعمل على مقتضى إرادته، وأدأب فيما يحصل به قدر إفادته، فاقترح أن أجعله لما يحتاج إليه في ذلك الديوان المباشر، ويكون له كالمعلم الحاضر، والجليس المباصر. وقد أتيت به على وفق اقتراحه، وملأته سرورا به وقت راحه؛ وأتيت فيه بزيادات على ما في الأول أين تلك منها، وإعادات في تلك العادات لو حصلت الآن لأعرض عنها، ومحاسن حسنت السماح بما بخل به العاجز الشحيح، وأمسكه بيده ولو وجد مع هذا لم يكن إلا كالطريح. وهيهات لا ينهض العاجز، ولا يتفتق الذهن المحجوب وبينه وبين ما جهد له ألف حاجز، وسميته: (التعريف بالمصطلح الشريف)، وجعلته سبعة أقسام:
الأول: في رتب المكاتبات.
الثاني: في عادات العهود، والتقاليد، والتفاويض، والتواقيع، والمراسيم، والمناشير.
الثالث: في نسخ الأيمان.
الرابع: في الأمانات، والدفن، والهدن، والمواصفات، والمفاسخات.
الخامس: في نطاق كل مملكة وما هو مضاف إليها من المدن والقلاع والرساتيق.
السادس: في مراكز البريد، والحمام، ومراكز هجن الثلج، والمراكب المسفرة به في البحر، والمناور، والمحرقات.
السابع: في أوصاف ما تدعو الحاجة إلى وصفه؛ وهو سبعة فصول.
وأدخلت في كل قسم من ذلك ما يفتقر إليه ويحسب فيه؛ وهيهات قد ذهبت مني شرة الصبا وشرة الفطنة، وعدمت الرغبة، وعقمت القرائح، وانصرفت إلى غير ذلك الركائب الطلائح، وسماء الشبيبة بضحى المشيب قد تجلت، والنفس قد ألقت ما فيها وتخلت، واستدركت الفارط، وألقيت القلم من يدي وقلت: وما كاتب بالكف إلا كشارط.

.القسم الأول: في رتب المكاتبات:

وأول ما نبدأ بما يكتب إلى الأبواب الشريفة الخليفيتية- زادها الله شرفا- جريا على قديم العادة، ورجاء لملاحظة السعادة.
والكتابة إليها من الملوك والسوقة لا يختلف؛ وهي: (أدام الله أيام الديوان العزيز، المولوي، السيدي، النبوي، الإمامي، الفلاني) ثم الدعاء المعطوف، والصدر بالتعظيم المألوف.
وقد يفتتح بغير هذا الدعاء، نحو: (أدام الله سلطان، وخلد الله سلطان، أو أيام...) أو غير ذلك مما يقتضي العزة والدوام.
والصدر نحو: (العبد، أو المملوك، يقبل الأرض أو العتبات أو مواطئ المواقف) أو غير ذلك.
ويختم الكتاب تارة بالدعاء وتارة بـ (طالع) أو (أنهى) أو غيرهما مما فيه معنى الإنهاء.
ويخاطب الخليفة في أثناء الخطاب: بالديوان العزيز، وبالمواقف المقدسة أو المشرفة، والأبواب الشريفة، والباب العزيز، والمقام الأشرف، والجانب الأعلى أو الشريف، وبأمير المؤمنين- مجردة عن (سيدنا ومولانا) ومرة غير مجردة- مع مراعاة المناسبة والتسديد والمقاربة.
وسبب الخطاب بالديوان العزيز الخضعان عن مخاطبة الخليفة نفسه، وتنزيل الخطاب منزلة من يخاطب نفس الديوان؛ والمعني به ديوان الإنشاء: إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردة وعنه صادرة.
فأما خطاب المكاتب عنه (بالعبد) أو (المملوك) أو (الخادم) فاختلف بحسب من كتب عنه: فكتب صلاح الدين بن أيوب: (الخادم)، وكتب بنوه والعادل أخوه: (المملوك)، وكتب الكامل ابن العادل: (العبد)، وجرى هذا ابنه الصالح، وكتب الناصر بن العزيز (أقل المماليك)، وكتب الناصر داود: (أقل العبيد). وكان علاء الدين خوارزم شاه لا يكتب إلا (الخادم المطواع). وكتب هكذا ابنه جلال الدين. وكانت أم جلال الدين تكتب: (الأمة الداعية). هذا على شمم أنوف الخوارزمية وعلاء شأنهم.

.صدر مكاتبة إلى الأبواب الشريفة الخليفية:

أدام الله أيام الديوان العزيز، ولازالت سيوف أوليائه في رقاب أعدائه محكمة، وصنوف الكفار في أيدي عسكره الجرار بالنهاب مقسمة، وصفوف أهل الشرك مزلزلة بخوافق أعلامه المطهرة وسنابك جياده المطهمة؛ ولا برحت ملائكة النصر من أمداده، وملوك العصر بيض الوجوه بتعظيم شعار سواده.
الخادم ينتهب ثرى العتبات الشريفة بالتقبيل، وينتهي في قصارى الطلبات على الوقوف على تلك الرحاب وهو وكل ابن سبيل، ويكلل ربي تلك الساحات بلآلئ الدموع، خضوعا في ذلك الموقف الذي تنكر القلوب فيه الصدور، وتلصق منه الترائب بالنحور، ويظهر سيماء الجلالة في الوجود، ويغدق على الأولياء فيعرفون بسيماهم من أثر السجود، وينهي أن ولاءه القديم، وبلاءه العظيم، وأيامه السالفة، وأفعاله التالدة والطارفة، وسوابق خدمه في امتثال الأوامر الشريفة التي لم يزل يتسارع إليها، ويقارع عليها، ويصارع غلب الأسود على تنفيذ مراسمها، وإقامة مواسمها، وإطارة صيتها، ودوام تثبيتها، تحمل الخادم على الاسترسال. وتجمل له السؤال، والذي ينهيه كيت وكيت.
صدر آخر: أدام الله أيام الديوان العزيز ولازالت أيامه محفوظة، وراياته بالنصر محظوظة، وأعداؤه بمصارع بعضها بعضا موعوظة، ولا برح شعاره المرقوم أشرف ما دارت عليه المحاجر، ورعبة المعلوم أفتك مما صالت به الخناجر، ورضاه أعظم ما ادخر إذا بلغت القلوب الحناجر، وسطاه يفلل الجيوش ويلبس كل مقنع من الأبطال ما تلبسه النساء من المعاجر، وعلاه تري الجوزاء دون الثواب ما هو على طاعته آجر، ونهاه يبطل غي كل غاو ويرد كيد كل فاجر، وتقاه لو جهد النير الأعلى لما ارتقاه ولو قرع به البحر لما احتاج إلى ساجر، وهداه يدل النجم على سراه ويكفي في الكف به كل زاجر، وثباته في السؤدد العريق يزلزل كل طوط لا يزول ويسئم كل مضاجر، وأناته لا تقدر بزمان ولا ما تألق به في معلم أعلامه الشريفة العباسية النهار وشمخت بالسواد ذوائب الدياجر الخادم يشافه ثرى الأرض المقدسة التي جعلت مسجدا وترابها طهورا، ويقبل ربى تلك العتبات المشرفة التي زادت آياتها على الشمس ظهورا، ويعفر جبينه في تلك الربوات فيزداد نور ولائه القديم نورا؛ ويدين بعبودية هي من وصايا آبائه أول مال وعته أذنه، ومن إرث ولائه أولى ما كان عليه ظنه، ومن تحقيق الشكر لآلائه ما لم يخب فيه ظنه، وينهي كيت وكيت.
صدر آخر: أدام الله سلطان الديوان العزيز، ولازالت الخلائق بكرمه مضيفة، والكتائب في هجير وطيسه مصيفة، والأيام في نصر أنصاره مصنفة، والمواضي بأوامره في قبضات عساكره مصرفة، والنقود- إلا ما تشرف باسمه- مزيفة، والقلوب في صدور الأعداء بخواطف رعبه مسيفة، والوعود- إلا ما تنجزه مواهبه- مسوفة، والوغى لا ترى إلا برماحه المثقفة، والسماء- وإن علت- لا تكون إلا لأذيال بيوته مسجفة، والمهابة بسطاه إما للمعاقل فاتحة وإما عما يطمع أن تناله الأيدي منها مجحفة، والأمم على اختلافها تحت راياته المنصورة مقاتلة وأخرى له محالفة، والأعلام التي يأوي إليها الإسلام به جواز الجوزاء أولها مخلفة، والأبطال لقتال الكفار ببوارق سيوفه قبل مضايق صفوفه ومخانق زحوفه مخوفة.
الخادم يقبل بولائه إلى ذلك الجناب، ويقبل الأرض وكتابه يحسن المناب، ويقيل عثراته إذ كان به قد لاذ، ويقيم معاذيره إذ كان به قد عاذ، ويتسربل بطاعته سرابيل تقيه إذا خاف من سهام الدهر إلى مهجته النفاذ، ويصول بانضمامه إلى تلك العصابة المنصورة لا بما يطبع من الفولاذ، ويجل تلك المواقف المقدسة أن يبل مواطيها بدمعه، وأن يحل مواطنها بقلبه قبل أن يعاجل كل عدو بقمعه، ويعد ما هدي إليه من الاعتصام بسببها سببا لفوزه، وموجبا لملك رق عنق كل عاص وحوزه، وينهي كيت وكيت.
صدر آخر: خلد الله سلطان الديوان العزيز ولازالت أيامه شامخة الذوائب، شارخة الصبا حتى حيث يلحق الشيب الشوائب، راسخة الفخار في الظهور بالعجائب، نافخة في فحم الليل جمر الكتائب، صارخة والرعد ترتعد فرائصه بين السحائب، ناسخة دولة كل علياء بما تأتي به من الغرائب، وتبذله كل الرغائب، فاسخة عقد كل خالع يرده الله ردة خائب، باذخة له على ماضي كل زمان ذاهب، من عصور الخلفاء الشرفاء وآيب، سالخة لجلدة كل أيم ظن أن في أنياب رمحه النوائب.
الخادم يقبل العتبات الشريفة ساجدا بجبينه، وشاهدا يستأديه له على يمينه، وجاحدا كل ولاء سوى ولائه المعقود بيمينه، وعاقدا بشرف الانتساب إليه عقد دينه، وحامدا الله الذي جعله من طاعة أمير المؤمنين عند حسن يقينه، وعائدا بأمله إلى كرم تثمر به الآمال، وتقمر به الليالي لأنه شعاره الذي تضرب به الأمثال، وتمطر به السحب الجهام فتمحو بها آية الإمحال؛ وينهي ورود المثال الشريف الذي طلع نيره فأنار، وسطع متضاده فألف بين الليل والنهار؛ وأقبل فما رآه إلا كتابه الذي أوتيه باليمين، وسحابه الذي أعطيه يندى من الجبين، ونصره أكثر من الألوف، وصرفه أعجل من السيوف، وزاحم به الدهر فضلا عن الصفوف، وزار به الوغى لا يهابها وخطيات القنا وقوف؛ فتشرف به وطار بغير جناح، وقاتل بغير سلاح، وقرأ وبات قرى له في السماح، وتسلمه كأنما تسنم به المعاقل وتسلم منه المفتاح.
صدر آخر: خلد الله أيام الديوان العزيز، ولا زالت سطواته تجمد برعبها الأبطال المدججة، وتخمد بفيضها النيران المؤججة، وتخمل بركز نفاذها إلى القلوب الرماح المزججة، وتبخل معها بعوائد كرمها السحب المثججة، وتخف لديها أوقار الجبال المفججة، وتخربل تخور خوفا أن تترقى إليها الأصوات المضججة، وتخص بالغرق من خاطر في بحارها الملججة، وتحلف بسلطانها: للموت أشهى من البقاء إلى طرائد سيوفها المهججة، وتخلد النصر بحججها القائمة على الخصماء المتحججة.
الخادم يقلب وجهه في سماء الشرف بتقبيل الأرض التي طالت السماء، فأطالت النعماء، وفضلت النجوم اللوامع، وأوتيت بمالكها- أعز الله سلطانه- كلم الفضل الجوامع، وأحلت شوامخ المجد من حلها، وأجلت قدر من جد فأجلها، وأعطت مفاتيح الكنوز- كنوز الشرف- لمن قبلها كما يقبل الحجيج الحجر، أو أملها كما يؤمل الساري طلوع القمر، وينهي. . .
صدر آخر غريب الأسلوب: أدام الله أيام العدل والإحسان، والنعم الحسان، والفضل المشكور بكل لسان، الأيام التي أشرق صباحها السافر، وعم سماحها الوافر، وآمن بيمنها كل مسلم ضرب عليه سرادق الليل الكافر، وعلت شموسها وقد جنحت العصور الذواهب، وقدحت أشعتها فأضاءت بين لابتي الغياهب، أيام الديوان العزيز المولوي، السيدي، النبوي، الإمامي، الحاكمي، لا برحت أيامه مفننه، وأحكامه مقننه، وسحبه على الظماء محننه، وقربه بفقد ما حوته مجننه، وحقائقه غير مظننه، وطرائقه للخير مسننه، والخلائق تحت جناح رأفته ورحماه مكننه؛ ولا زال ولأوه ضمير من اعتقد، وممير من أخذ من الدهر ما نقد، ومبير الأسود المتضائلة لديه كالنقد، وسمير من تنبه وضجيع من رقد، ومعير البرق ندى كرمه وقد وقد، ومغير متعالي الصباح من راياته العالية بما عقد، ومجير من لاذ به حتى لا يضره من فقد، ومبير عداه براده الذي إن تأخر إلى حين فقد.
الخادم يخدم تلك العتبات الشريفة التي إن تاهت على السماء فما، وإن دنت للتقبيل فإن الثريا تود أن تكون فما، وينهب تراب تلك الأرض التي هي مساجد، ويقبل ذلك البساط الذي لا موضع فيه إلا مكان لاثم أو ساجد؛ وينزهها عن سواكب دمعه لأن ذلك الحرم الآمن لا تطل فيه الدماء، ويجلها عن مواقع لثمه لأنها لا تلثم السماء، ويرفع صالح الدعاء، وإنما إلى سمائها يرفعه، وينهي صادق الولاء، وما ثم من يدفعه، ويدخر من صحيح العبودية ما يرجو أنه ينفعهن ويطالع العلوم الشريفة بكذا وكذا.