فصل: تفسير الآيات (20- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآيات (20- 26):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)}.
التفسير:
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}.
هو إلفات منه سبحانه إلى المؤمنين، ودعوة لهم إلى طاعته وطاعة رسوله، بعد أن أراهم نصره وتأييده، وأطلعهم على ما لقى المشركون وما سيلقون من خزى وخزلان.
وقوله تعالى: {وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} تحذير للمؤمنين من أن يخرجوا عن طاعة اللّه، وأن يخالفوا الرسول فيما يسمعون من آيات اللّه، التي يتلوها عليهم.. وأن يكونوا كالمشركين أو المنافقين الذين يقولون سمعنا {وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}.
أي لا يستجيبون للرسول، ولا يمتثلون لما يسمعون منه، من أمر أو نهى.
وفى قرن الإيمان بالطاعة {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.
إشارة إلى أن الإيمان لا تقوم حقيقته إلا على الطاعة لما تحمل دعوة الإيمان من أوامر ونواه.. فالإيمان ليس مجرد إقرار باللسان، فإن الإقرار باللسان إذا لم يصدّقه العمل، كان نفاقا.. واللّه سبحانه وتعالى يقول في ذم المنافقين:
{يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [167 آل عمران] ويقول سبحانه محذرا المؤمنين من هذا الموقف: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ} [3: الصف] والرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، يكشف عن حقيقة الإيمان فيقول: «ليس الإيمان بالتّمنّى، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل.. وإن قوما خدعتهم الأمانى وغرهم باللّه الغرور.. يقولون: إنا نؤمن باللّه!! وكذبوا.. لو صدقوا القول لصدقوا العمل».
وقوله سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} هو عرض لتلك الصورة المنكرة التي عليها هؤلاء المشركون، الذين يسمعون كلمات اللّه تتلى عليهم ثم لا يزيدهم ذلك إلّا ظلما وبغيا وفسادا.
فهم شرّ ما يدبّ على هذه الأرض من أحياء.. إذ كان شأن كلّ دابّة أن تسمع لصوت داعيها، وتستجيب لنداء من يهتف بها، داعيا أو زاجرا.
أما هؤلاء فهم شرّ من الدوابّ.. إذ هم صمّ: لا يسمعون، بكم:
لا ينطقون، بهائم لا يعقلون.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [7- 8: الجاثية].
ويقول سبحانه: {وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [26: الأحقاف] وقوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
أي أن هؤلاء المشركين ممن ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة.. هكذا خلقهم اللّه، لا يقبلون خيرا، ولا يهتدون إلى خير.. {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ} أي لو علم سبحانه أنهم يتقبلون الخير وينتفعون به، ويستقيمون عليه، لفتح أسماعهم إلى كلمات اللّه، ولأمسك آذانهم الشاردة على مورد هذه الكلمات.. ولكنهم لا ينتفعون بشيء مما يسمعون من كلمات اللّه التي تتلى عليهم، إذ كانت تلك الكلمات لا تعرف طريقها إلى مواطن الوعى والإدراك من قلوبهم وعقولهم، بل ترتدّ عنها كما يرتد مسيل الماء يصطدم بسد منيع.. {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} أي لو سمعوا كلمات اللّه، ونفذت إلى آذانهم، لما استقبلوها إلّا بالجد في مجانبتها، والتولي عنها والفرار من بين يديها.. فهم لا يلتقون بها إلا وهم معرضون عنها، فإذا صافحت آذانهم نفروا وتولوا معرضين.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [49- 51: المدثر].
وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} هو نداء بعد نداء للمؤمنين، أن يقبلوا على اللّه، ويستجيبوا للّه ولرسوله، وقد رأوا إعراض المشركين عن اللّه، ونفورهم من دعوته، فكانوا عند اللّه شر الدواب وأنكدها حظّا.
فالمطلوب من المؤمنين أن يستجيبوا لأمر اللّه وأمر رسوله، فيما يدعوهم إليه الرسول من أمر ربه. وهذا يعنى التسليم للرسول بالطاعة والولاء، في كل ما يجيئهم به، ويدعوهم إليه.
وفى قوله تعالى: {إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} إشارة إلى أن ما يدعو به الرسول هو حياة للناس، واستنقاذ لهم من الهلاك والضياع.
والسؤال هنا هو:
ما معنى {إذا} وهل هي شرطية، بمعنى أن المؤمنين لا يستجيبون للنبي إلا على هذا الشرط، وهو أن يدعوهم للذى فيه حياة لهم؟ وهل يدعو الرسول بغير ما يحمل الحياة إلى الناس من أمر اللّه؟ وهل للمؤمن أن يتوقّف عند أي أمر يدعوه الرسول إليه حتى يختبره ويصدر حكمه عليه، بعد أن يرى: إن كان فيه حياة له، أو لم يكن؟ وكيف واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [36: الأحزاب].. فما تأويل هذا؟.
والجواب- واللّه أعلم-: أن هذا القيد الوارد على دعوة الرسول، والأمر بالاستجابة لتلك الدعوة على هذا الوصف، وهى أن تكون دعوة فيها حياة وخير، يصيب الإنسان في جانبيه الروحي والمادي معا- نقول إن هذا القيد يحقق أمرين:
أولهما: الدعوة إلى إيقاظ العقل، وحمله على النظر في كل أمر يواجهه، أو يدعى إليه، ليزنه بميزان الحق والخير، حتى ولو كان هذا الأمر واردا من جهة لا يرد منها إلا الحق المشرق، والخير الخالص.
فذلك لا يحول بين العقل وبين أن يتفحص الأمر، ويقلّبه على وجوهه، ليعرف مدى الخير الذي يحصله، إذا هو أخذ بهذا الأمر، وجعله معتقدا، له، يعمل في ظله، ويسير على هواه.. فهذا من شأنه أن يجعل لهذا الأمر سلطانا متمكنا في كيان الإنسان إذ أقامه بيده، ومكّن له بإرادته، ونزل على حكمه طائعا مختارا، يرجو منه الخير، ويتوقع السلامة والعافية.
ومن أجل هذا كان الإيمان الذي آمن عليه المسلمون الأولون، إيمانا راسخا متمكنا، جعل منهم أوتاد هذا الدين، وعمده، التي قام عليها صرحه، وامتدّت عليها ظلال دوحته.
وهذا يعنى احترام العقل الإنسانى، وإعطاءه الحق في البحث والنظر حتى فيما يصدر إليه من أحكم الحاكمين، رب العالمين.. وليس بعد هذا عذر لإنسان يمتهن إنسانيته، ويبيع عقله، ويسلم مقوده لكل داع يدعوه، من غير أن يعمل فيه نظره، ويوجه إليه عقله، كما هو حال أولئك المشركين الذين لا يبصرون إلى ما يدعوهم إليه شياطينهم، أو تمليه عليهم أهواؤهم، وإن كان فيه هلاكهم.
وثانى هذين الأمرين: أن ما تحمله أوامر الشريعة وأحكامها هو الخير المطلق الذي لا يزداد على البحث والنظر إلا وضوحا وألقا.
فمن المطلوب إذن أن تتعلق الأنظار بهذه الأوامر وتلك الأحكام، وأن تتحكك بها العقول، وتتردد عليها الأفهام، حتى تتعرف إلى أسرارها، وتنشق العبير الطيب من أريجها، وبهذا تعرف قدرها، فيشتدّ حرصها عليها، وتمسكها بها.. وهكذا كل شيء طيب كريم، تتغذّى الأنظار من ترداد النظر فيه، وتنتعش النفوس من كثرة لقاء العقل له.
يزيدك وجهه عجبا ** إذا ما زدته نظرا

وفى قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
إشارة إلى ما للّه سبحانه وتعالى من قدرة وعلم، وأنه بقدرته قادر على كل شيء، وبعلمه محيط بكل شيء.
فالإنسان لا يملك من أمر نفسه شيئا مع ما للّه عليه من سلطان، حتى إن قلبه الذي هو بين جنبيه، والذي هو الجهاز الممسك بزمام الحياة فيه، واقع تحت سلطان اللّه، يصرفه كيف يشاء، ويحوّله إلى حيث يريد.. وإذا الإنسان في واد، وقلبه في واد آخر.
وإذ كان ذلك كذلك، فإن من السّفه أن يتحدى الإنسان أمر اللّه، ولا يستجيب له إذا دعاه إليه، ولا يطيع رسول اللّه إذا بلغه رسالة ربه، فإنه بهذا يهلك نفسه، إذ يحول بينها وبين الخير الذي يدعوها اللّه ورسوله إليه، ويقطع عنها شريان الحياة، كما يقطع اللّه سبحانه وتعالى عنه أسباب الحياة، حين يمسك قلبه فلا يخفق أبدا.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ}.
هو دعوة إلى التناصح بين المؤمنين، وإلى التناهى فيما بينهم عن المنكر، وإلا فإن سكوت الساكتين منهم، عن ظلم الظالمين وبغى الباغين، هو اعتراف ضمنى بهذا الظلم، وذلك البغي، وإجازة لهما، ومن هنا لم يكن ما يحل بالظالمين من بلاء اللّه ونقمته واقعا بهم وحدهم، بل يصيبهم ويصيب من رآهم ولم ينكر عليهم تلك المنكرات، ولهذا عمّ اللّه بنى إسرائيل جميعا باللعنة، لأنهم لم ينصحوا الظلمة فيهم، ولم ينكروا ظلمهم، وفى هذا يقول اللّه تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ} [78- 79: المائدة].
وهنا سؤال:
كيف يؤخذ المحسنون بظلم الظالمين، واللّه سبحانه وتعالى يقول:
{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [18: فاطر] ويقول سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [105: المائدة].. ويقول في هذه الآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
فكيف يكون مع المتقين ثم يأخذهم بما أخذ به الظالمين؟.
والجواب- واللّه أعلم-:
أولا: أن سكوت غير الظالمين عن الظالمين هو وزر، له عقابه، فهم وإن لم يظلموا أحدا، فقد ظلموا أنفسهم بحجزها عن هذا المنطلق الذي تنطلق منه إلى رضوان اللّه، وإلى حماية أنفسهم وحماية المجتمع الذي هم فيه مما يشيعه الظالمون من فساد وضلال، وشر مستطير.
وثانيا: أن قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} هو حماية للمؤمنين من أن يجرفهم تيار المفسدين، وأن يسلموا زمامهم لهم، ويسلكوا معهم الطريق الذين سلكوه حين يستشرى الفساد ويغلب المفسدون.. فهنا يكون واجب المؤمن حيال نفسه أن يحميها أولا من هذا الوباء، وأن يمسك عليه دينه حتى لا يفلت منه في زحمة هذا الفساد الزاحف بخيله ورجله.
ومع هذا، فإنه لن يعفى المؤمنين استشراء الشرّ من أن يقوموا بما يجب عليهم في تلك الحال، من النصح، والتوجيه، والدعوة إلى اللّه، فهم أساة المجتمع لهذا الوباء الذي نزل به.
فإذا قصّروا في أداء هذا الواجب كانوا بمعرض المؤاخذة والجزاء.
وثالثا: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} هو توكيد لما يجب على المؤمنين من التناصح، والتناهى عن المنكر فيما بينهم، وإلا لم يكونوا من المتقين، ولم يحسبوا فيهم.. إذ كيف يكون المؤمن ممن اتقى اللّه، وهو يرى المنكر ولا ينكره، ويرى الظلم ولا يقف في وجهه؟
ورابعا: إن المجتمع الإنسانى جسد واحد، وما يصيب بعضه من فساد وانحلال، لابد أن يتأثر به المجتمع كله، كما يتأثر الجسد بفساد عضو من أعضائه وإنه كما يعمل المجتمع على حماية نفسه من الأمراض المعدية والآفات الجائحة، فيحشد كل قواه لدفع هذا الوباء، بتطبيب المرضى أو عزلهم- كذلك ينبغى أن يعمل على إخماد نار الفتن المشبوبة فيه، والضرب على أيدى مثيريها. وإلا امتد إليهم لهيبها، والتهمتهم نارها.
فحيث كان شر، فإنه لا يصيب من تلبّس به وحده، بل لابد أن ينضح منه شيء على من حوله.. فكان من الحكمة دفع الشر ومحاربته في أي مكان يطل بوجهه منه.
قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
هو تذكير للمؤمنين بنعم اللّه، وأفضاله عليهم، إذ ألبسهم لباس الأمن والعافية، بعد أن كانوا قلة مستضعفين، تنالهم يد أعدائهم بالضرّ والأذى، فآواهم، وأيدهم بنصره، ومكّن لهم من عدوهم، وملأ أيديهم من المغانم.
وفى هذا ما يدعو المسلمين إلى الدعوة إلى اللّه، وإلى إصلاح الفاسدين، وإقامة المنحرفين، وهداية الضالين، حتى يكثر جمعهم، ويصبحوا أصحاب الكلمة في مجتمعهم، فقد عرفوا القلّة، وما فيها من ذلة وهوان.
وهذا هو السرّ- واللّه أعلم- في عطف هذه الآية على قبلها، إذ كانت الآية السابقة تدعو إلى التناصح والتواصي بالخير فيما بين المؤمنين، وكانت هذه الآية تذكيرا بما كان فيه المسلمون وهم قلة، وكيف صار بهم الحال بعد أن كثروا، وتضاعفت أعدادهم.. وهكذا كلّما ازدادوا كثرة، وازدادوا صلاحا وتقوى، كلّما مكّن اللّه لهم في الأرض، وملأ أيديهم من طيباتها.

.تفسير الآيات (27- 31):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}.
التفسير:
نبّه اللّه المؤمنين في الآية السابقة، ولفتهم إلى ما كانوا فيه من قلّة وذلّة، وما أصبحوا فيه من كثرة ومنعة وعزّة.. وذلك ليذكروا فضل اللّه عليهم، وليجعلوا ولاءهم خالصا له.
وفى قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} دعوة للمؤمنين إلى القيام بأمر اللّه، والتزام طاعته وطاعة رسوله، والوقوف عند الحدود التي بينها اللّه تعالى، فيما أنزل على رسوله من آياته وكلماته.
فالخروج على أمر اللّه، والخلاف لرسوله، هو خيانة للّه ولرسوله، بعد أن علموا، وتثبتوا مما أمرهم اللّه به، أو نهاهم عنه.. ثم هو خيانة للمرء نفسه، إذ نقض العهد، وخان الأمانة التي ائتمنه اللّه عليها.
وهذا مقابل لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}.
ففى هذه الآية دعوة إلى طاعة اللّه ورسوله، والاستجابة لما يدعوهم الرسول إليه، ويندبهم له، متى بلغت أسماعهم دعوته.. فالموقف هنا هو فيما بين المؤمنين والنبىّ، حال حياته منهم.
أما ما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فهو امتثال لأوامر اللّه، وما بيّنه الرسول الكريم للمؤمنين في أقواله وأفعاله من أمورهم، وذلك فيما بينهم وبين أنفسهم، حيث لا يكون الرسول معهم، أو يكون الرسول قد أخلى مكانه من هذه الدنيا.
وحينئذ تكون أوامر الشريعة، وأحكامها أمانة أؤتمن الإنسان عليها، فإذا ضيع تلك الأمانة بخروجه على أحكام الشريعة، والعدوان على حدودها، فقد خان الأمانة، وخان اللّه ورسوله، وخان نفسه، التي هي أمانة عنده، والتي يكون قد ضيّعها، حين عرضها في معرض التهلكة، إذ عصى اللّه ورسوله.
قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
هو تنبيه للمؤمنين إلى مكمن الخطر، الذي تهبّ منه عليهم ريح السّموم، التي تعصف بإيمانهم، وتنحرف بهم عن الصراط المستقيم.
وفى الأموال والأولاد يكمن هذا الداء، الذي يجور على إيمان المؤمن، ويحمله على مركب الفتنة والضلال، إن لم يأخذ حذره، ويحرس نفسه من هذا العدو المتربص به.
فللمال سلطان على النفوس، وشهوة غالبة على القلوب.. حيث لا حدّ للمال الذي يبلغ عنده الإنسان مبلغ الرضا والشبع، بل إنه كلّما ازداد الإنسان جمعا للمال كلما ازداد نهمه وجوعه، بل ازداد سعاره وكلبه، بحيث يصبح جمع المال همّه وغايته، فلا يبغى المال لتحقيق رغبة، أو إشباع شهوة.. وإنما رغبته هو المال نفسه، وشهوته هو المال، لا شيء سواه.. ومن كان هذا شأنه فلن يملأ عينه مال الدنيا كلها، لو اجتمع ليده.
كالحوت لا يكفيه شيء يلقمه ** يصبح ظمآن والماء في فمه

وهذا هو موطن الفتنة، ومهبّ الشر من جانب المال.. فإذا لم يأخذ الإنسان.. حذره، ويصحب المال على خوف ومحاذرة، جرفته شهوة المال إلى لحجج الفتنة والضلال، فلا يعرف شاطئ الأمن والسلامة بعد هذا أبدا.
وللأولاد مثل ما للمال، من سلطان على الوالد، ومن تمكّن في قلبه، واستيلاء على مشاعره، بحيث يحمله ذلك على أن يؤثرهما على نفسه، وأن يسوق إليهما كل ما وسعه جهده وحيلته، من ألوان البرّ والخير.
وتلك غريزة طبيعية في الإنسان، بل وفى الحيوان.. وليس مما يحمد في الإنسان أن تخمد هذه الغريزة أو تضعف، ولكن الذي لا يحمد، هو أن تجنح هذه الغريزة إلى جانب المغالاة، وتعدل بالإنسان عن الطريق السّوىّ، فيحمله ذلك على أن يقتطع من حقوق الناس، ليملأ يد أبنائه مما يشاءون، أو يشاء هو لهم.
ومن هنا كانت لفتة القرآن الكريم إلى هاتين الشهوتين: شهوة المال، وشهوة البنين، وإلفات الناس إلى الحذر منهما، ومن الوقوع تحت سلطانهما.
وفى سبيل هذا الجهاد الذي يجاهد به المرء نفسه، في مغالبة هاتين الشهوتين، يلقى المثوبة والرضوان من اللّه في الآخرة، عوضا عما فاته من إشباع شهواته، في الدنيا {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
الفرقان: ما يفرّق به بين الشيئين، والمراد به هنا، القوة التي يفرق بها بين الحق والباطل.. وهذه الفرقان، أو تلك القوة إنما يمدّ بها اللّه أولئك الذين يتقونه، ويحرسون أنفسهم ويراقبونها من أن تتعدى حدوده.
ومن تقوى اللّه، حراسة النّفس من الشهوات المسلطة عليها، كشهوة المال والبنين، التي نبّهت إليها الآية السابقة.
وفى تقوى اللّه قوّة يجد منها الإنسان العون على مغالبة الأهواء، ودفع الشهوات أو كسر حدّتها.
وفى تقوى اللّه نور يهتدى به الإنسان، إلى مواطن الحق والخير، حيث يبدو له وجه الحق واضحا وضيئا، يدعوه إليه، ويغريه بالإقبال عليه، على حين يرى وجه الباطل كاسفا كئيبا، فيعرض عنه، ويفرّ منه.
ومن هنا كان مع تقوى اللّه دائما، الهدى والنور، والمغفرة والرحمة، والفضل العظيم من رب العالمين.. حيث يكون الإنسان في صحبة التقوى، على نور من ربّه، يميز به الحق من الباطل، فلا تتفرق به السبل، ولا يضل الطريق إلى اللّه أبدا.
قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ}.
الواو، هنا للاستئناف.. والخبر الذي بعدها مستأنف.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها، هي أن تقوى اللّه تعين الإنسان على اجتياز الصعاب، ومغالبة النزعات، واحتمال الأرزاء.. وقد كان هذا هو موضوع الآية السابقة.
وفى هذه الآية، المثل الكامل في التزام طريق الحق، حيث يتصدّى النبيّ- وهو سيد المتقين- لما يسوق إليه المشركون من ألوان البلاء، وما يرمونه به من صنوف الإعنات والكيد، فيلقى ذلك صامدا صابرا، لا يثنيه الإغراء، ولا ينهنه الوعيد، حتى ليلقى قومه بتلك الكلمة الحاسمة الفاصلة، حين عرضوا عليه ما عرضوا من مال وسلطان: «واللّه لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته، أو أهلك دونه»!! فقد صمد النبيّ الكريم أمام تلك الفتن العاصفة، التي كانت تهب من آفاق المشركين، ولم ينحرف عن طريقه القويم قيد شعرة.
ومن مكر الذين كفروا بالنبيّ ما كشفه اللّه تعالى في تلك الآية، وهو أنهم أرادوا به أكثر من شر، فإمّا أن يثبثوه، أي يفسدوا عليه أمره، ويعجزوه عن القيام بدعوته. أو يقتلوه إن هو أبى إلا أن يمضى في طريقه، ويستمر في دعوته، وأعجزتهم الوسائل المتاحة لهم عن الإمساك به دون أن يتحرك.. وإما أن يحملوه على أن يخرج من بينهم، ويترك موطنه الذي نشأ فيه.
هذا كان مكرهم، وذلك كان كيدهم.
وقد أبطل اللّه هذا المكر، وأفسد هذا الكيد.. فجاء أمر النبيّ على خلاف ما أرادوا وقدّروا.
لقد حملوه على أن يهاجر من بينهم، ففاتهم بذلك حظّهم من نور اللّه، الذي جعله اللّه إلى قوم هم أولى به وأحق منهم.. ثم إن من دخل منهم في الإسلام من بعد هذا، لم يكن في المنزلة التي أخذها الذين سبقوا إلى الإسلام وهاجروا، أو أولئك الأنصار، الذين آووا ونصروا.
وفى قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} إشارة إلى أن اللّه سبحانه وتعالى إنما أخذهم بمثل فعلهم، وقتلهم بالسلاح الذي حاربوا اللّه ورسوله به.
والمكر: التدبير للأمر، وأخذ الوسائل المحققة له.. وقد يكون المكر شرّا، حيث يراد للشر والضلال، وقد يكون حسنا، إذا أريد به إحقاق حق، أو إبطال باطل.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.
فالمكر الذي مكره المشركون بالنبيّ، هو من المكر السيّء، ولا حاجة إلى وصفه بالسوء، لأنه مما أبطله اللّه، وقلب على أهله تدبيرهم الذي دبروه.
وكفى بهذا شناعة وسوءا له.
وقوله تعالى: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.
أي إن هؤلاء الكافرين الذين يمكرون بالنبيّ هذا المكر، ويدبّرون له هذا التدبير، لا يستمعون لكلمات اللّه ولا يعقلونها، ولو أنهم سمعوها وعقلوها لما كان منهم هذا الضلال الذي هم فيه، ولرأوا أن النبيّ لا يحمل إليهم إلا الهدى، ولا يدعوهم إلا للخير.
فهؤلاء الكافرون، إذا تتلى عليهم آيات اللّه لم يعطوها آذانا صاغية، بل تقع الكلمات على آذانهم كأنها أصوات لا مفهوم لها، ولهذا إذا قيل لهم استمعوا إلى كلمات اللّه، قالوا: قد سمعنا ما يكفى، ولسنا في حاجة إلى أن نسمع جديدا، فما هذا الذي نسمعه إلا كلام من كلامنا، ولو أردنا أن نقول مثله لقلنا، وما يقصّه علينا من قصص: إن هو إلا أساطير الأولين، وخرافات السابقين، وإن عندنا من هذا شيئا كثيرا.. فليس يعجزنا- والأمر كذلك- أن نقول مثل هذا الذي يسمعنا إيّاه محمد من هذا الكلام الذي يقول إنه من عند اللّه، أو إنه من كلام اللّه!.
والأساطير: جمع أسطور، وأسطورة، وهو ما كان من واردات شتّى، للخيالات والخرافات، وأصلها مما سطّره الأولون، وخلّفوه وراءهم مكتوبا في ألواح مسطورة.. ولأن الأولين كانت لهم نظرة إلى الحياة وإلى الوجود غير نظرة من جاءوا بعدهم، والذين رأوا فيما كان للأولين من علوم ومعارف، أنها أوهام وخيالات، لا تثبت لتجربة، ولا تستقيم على منطق.
وقد وقع في تقديرهم الخاطئ أن اللّه سبحانه إذا خاطبهم بكلماته، جاءت هذه الكلمات على غير الكلام الذي ألفوه، حتى يكون كلام اللّه شيئا يخالف منطق البشر! ولو فكروا قليلا في هذا المنطق السقيم، لعرفوا أن أبلغ الخطاب ما جاء مطابقا لمقتضى الحال، وأن من أولى مقتضيات الحال في مخاطبة الإنسان، أن يجيء الكلام على مستوى فهمه ومدركاته، وعلى حدود تصوراته وتخيلاته، وقبل هذا كله أن يكون باللسان الذي يحسن الفهم والإفهام به.
ولو أنهم فكروا قليلا في هذا الكلام الذي خاطبهم اللّه به، لوجدوا أنه وإن صيغ من لغتهم، ونظم من كلماهم، فإنه ينفرد وحده من بين كل ما نطقوا به من كلام، وما تحدثوا به من لغة، وأنه- وهو كلام، وكلام معروف لهم وجهه، وجار على ألسنتهم التعامل به- هو معجز مفحم، يتحدّى على الزمن كلّه، أرباب البلاغة، وسادة البيان أن يأتوا بسورة من مثله.
وقد نازلهم القرآن في هذا الميدان، ودعاهم مرة بعد مرة، أن يلقوه على هذا الطريق، وأن يجيئوا بسورة أو بعض سورة من تلك الأساطير التي يقولون إنها مادة هذا الكلام، ونظام عقده، وقد ردّ اللّه تعالى عليهم بقوله: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ} [33- 34: الطور].
وقد خرسوا، وخرس معهم كل بليغ منطبق إلى يوم القيامة!.