فصل: تفسير الآيات (87- 89):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآيات (87- 89):

{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)}.
التفسير:
{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} البيوت هنا: هي بيوت العبادة، لا بيوت السّكنى.
والتّبوّء: يقال تبوأ المكان أي اتخذه مباءة له وسكنا، وهو من البوء، بمعنى الرجوع.. يقال: باء يبوء، أي رجع، وسمى المنزل مباءة، لأنه المرجع الذي يرجع إليه الإنسان آخر مطافه.. فقد أوحى اللّه سبحانه وتعالى، إلى موسى وهرون، أن يدعوا قومهما إلى اتخاذ بيوت لعبادة اللّه.. يجعلونها خاصة لعبادته، فلا يدخل فيها ما يدخل في بيوت السكنى من لهو وعبث.. ذلك أن للمكان أثره في إثارة المشاعر الطيبة والخبيثة.. فإن كان المكان طيبا أشاع في النفس السكينة والرضا، وملأ القلب جلالا وخشوعا، وعلى عكس هذا ما يكون من المكان الخبيث.
روى أن الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، نام وهو في غزوة تبوك حتى طلعت عليه الشمس، ولم يدرك صلاة الصبح حتى طلعت الشمس.. فلما استيقظ قال لبلال: «ألم أقل يا بلال.. اكلأ لنا الفجر؟ فقال يا رسول اللّه ذهب بي من النوم مثل الذي ذهب بك!! فانتقل النبي من ذلك المكان غير بعيد.. ثم صلّى» فقد كره صلى اللّه عليه وسلم أن يصلى في مكان أجلب عليه النوم، وفوّت عليه الصلاة في وقتها، فاعتزله كما يعتزل الإنسان إخوان السوء.
وفى قوله تعالى: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} إشارة إلى أن يكون متوجه الصلاة في هذه البيوت إلى القبلة، وهى الكعبة كما يقول بذلك كثير من المفسرين.
ولكنا نخالف هذا الرأى، ولنا على مخالفتنا إياه أكثر من دليل:
فأولا: القبلة في اللغة ليس معناها الكعبة.. وإنما هي بمعنى الوجهة، أو الاتجاه، الذي يتجه إليه الإنسان.. وهى مشتقة من الاستقبال، لأن الإنسان في توجهه إلى اللّه يستقبل الرحمة والمغفرة والرضوان.
وثانيا: في قوله تعالى للرسول الكريم: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها} فتنكير القبلة هنا دليل على أنها واحدة من كثير غيرها.. ولهذا أيضا وصفها اللّه سبحانه وتعالى بقوله: {تَرْضاها} وقد كان متّجه النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل، ذلك، وقبلته، هو بيت المقدس.
والمراد بجعل بيوتهم قبلة، هو أن يجعلوا متوجّههم إليها حين يريدون الصلاة فيها، فتكون مقصدا لكل من يريد الصلاة منهم.
قوله تعالى: {وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ}.
العطف هنا {وَقالَ مُوسى} هو عطف على قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ} إذ كان معنى الوحى القول.
أي قال اللّه لموسى وأخيه هرون تبوّءا لقومكما بمصر بيوتا.. وقال موسى ربنا.. فهو عطف قول على قول.
وفى قوله تعالى: {رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}.
يرى أكثر المفسرين أن هذا دعاء من موسى على فرعون.. وقد تكلّفوا لهذا التخريج والتأويل، حتى يخرجوا بلام التعليل عن معناها إلى المعنى الذي أرادوه لها.
واللام هنا لام تعليل- كما هو ظاهر- وأن قول موسى: {رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} هو علة لما طلبه موسى بعد هذا من ربه، وهو قوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ}.
والطمس على أموالهم، هو ذهلبها من أيديهم، وغروبها عن أعينهم، والشدّ على قلوبهم، هو الختم عليها وربطها ربطا محكما، على ما انعقد فيها من كفر وضلال، فلا تقبل خيرا أبدا.
ويكون معنى الآية هكذا: ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدّنيا فكفروا بنعمتك، وحاربوك بها، وكانت تلك الأموال سببا في عتوّهم وضلالهم {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ}.
فيكون سلب هذه النعم، وذهاب هذه الأموال من أيديهم، ضربا من العقاب المعجل لهم، يأخذ اللّه به الظالمين والضالين، الذين يكفرون باللّه ورسله، فيمطرهم حجارة، أو يرسل عليهم صاعقة من السماء، أو يغرقهم.. وبهذا الذي ينزل بفرعون وملائه، من سلب النعم، وذهاب الأموال، يكون العقاب الذي يذلّ كبرياءه، ويذهب بسلطانه، ويريه سوء عمله في الدنيا، ثم لا يكون له منه عبرة وعظة، تفتح قلبه إلى اللّه، وإلى الإيمان به بعد أن ختم اللّه على قلبه، بل إنه سيمضى على طريق الضلال والكفر هو ومن معه، حتى يروا العذاب الأليم، عذاب يوم القيامة {فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}.
وهذه الصورة التي يصورها القرآن الكريم لمن يطغيهم الغنى، ويفتنهم الجاه والسلطان، ويفسد عليهم تفكيرهم، ويطمس على أبصارهم وبصائرهم- هذه الصورة تقابلها صورة أخرى للمال، حين يقع في يد من يؤمن باللّه، ويلتزم حدوده، إذ المال هنا، قوة تعين على قضاء حقوق اللّه، وأداء ما افترض على عباده من عبادات وطاعات.
يقول اللّه سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:
{ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [37: إبراهيم].
هذا، ويلاحظ ما بين النظم القرآنى في الصورتين من اتفاق في الأسلوب الذي جاء عليه النظم هنا وهناك.. وذلك واضح لا يحتاج إلى بيان.
{قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
هذا إعلام من اللّه سبحانه وتعالى لموسى وهرون، بأن اللّه- سبحانه- قد استجاب لهما ما دعواه به، في أمر فرعون وملائه.. وقد ذكر القرآن الكريم في أكثر من موضع منه، ما أخذ اللّه به فرعون وآله من بأساء وضراء.. فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [130: الأعراف].
وقال سبحانه: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ} [133. الأعراف].
وفى قوله تعالى: {فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} إشارة إلى ما ينبغى أن يكون لهما من عبرة وعظة، فيما وقع لفرعون وملائه، وأن عليهما أن يستقيما على طريقهما المستقيم، وأن يحتملا في سبيل اللّه كل ما يعرض لهما من ضر وأذى، فقد رأيا بأعينهما كيف كان عاقبة المنحرفين، الذين لا يقفون عند عبرة، ولا ينتفعون بموعظة.. إذ غطّى الجهل على أبصارهم، وران الضلال على قلوبهم، فهم لا يعلمون، ولا ينتفعون بعلم العالمين.

.تفسير الآيات (90- 92):

{وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92)}.
التفسير:
جاز الوادي، والنهر: أي قطعه، وبلغ جانبه الآخر.. وجاوزه: أي بعد عنه بعد أن جازه.. وتجاوز عن فعلة فلان: أي غفرها له، وتخطاها، ولم يحاسبه عليها.
العدو: العدوان والتعدّى والظلم.
{وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
العطف هنا في قوله تعالى {وَجاوَزْنا} يدل على معطوف عليه، محذوف، إذ جاء ذكره في مواضع أخرى من القرآن الكريم، عند عرض جوانب من تلك القصة.. وهو خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ليلا، وخروج فرعون بجنوده وراءهم ومداناته لهم وهم في مواجهة البحر، ثم اضطرابهم وحيرتهم وهم بين فرعون وبين البحر، ثم ضرب موسى بعصاه البحر، وانفلاق البحر، وكشفه عن طريق يبس لهم، وركوبهم هذا الطريق حتى بلغوا العدوة الأخرى منه.. ثم مجيء فرعون، وركوب هذا الطريق.
ومع هذا الإيجاز الذي أجملت فيه الآية الكريمة كل هذه الأحداث وطوتها، فإن الذي أمسكت به الآية من عناصر القصة، هو الوجه البارز منها، والملامح المميزة لها.
فهؤلاء هم بنو إسرائيل يجاوزون البحر.. وهذا هو فرعون وجنوده يلاحقونهم، ويريدون أن يمسكوا بهم قبل أن يفلتوا.. ثم إذ يرى فرعون طريقا يبسا في البحر لا يتوقف، ولا يسأل نفسه: كيف كان هذا الطريق؟
وهل هناك قوة بشرية قادرة على أن تشقه هكذا بين الأمواج المتلاطمة؟
إنه لو توقف قليلا وتدبّر الأمر لعلم أنه أمام معجزة قاهرة، وأن عليه أن يراجع نفسه، وأن يؤمن باللّه الذي يدعوه موسى إلى الإيمان به.. ولكنه يمضى فيركب هذا الطريق، غير ملتفت إلى شيء، إلا النقمة من بنى إسرائيل، الذين هربوا بليل، وخرجوا عن سلطانه، وأفلتوا من يده.. ثم هاهو ذا البحر يطبق عليه، ويدركه الغرق، ويطل عليه شبح الموت، فيصرخ من أعماقه طالبا الغوث والنجاة.. ثم تخطر له خاطرة يرى في التعلق بها نجاته من هذا الموت المحقق.. إن بنى إسرائيل قد ركبوا هذا الطريق، فوصل بهم إلى شاطئ النجاة، وإن الذي فعل بهم هذا هو إلههم الذي آمنوا به، وأنه لو آمن بهذا الإله لنجّاه كما نجاهم.. هكذا فكّر وقدّر وهو في هذا البلاء: {حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} لقد تخلّى عن آلهته التي كان يعبدها، إذ تخلت هي عنه في هذه الشدة، وإنه ليؤمن بالإله الذي آمنت به بنو إسرائيل.. إنه الإله الحق، وكل آلهة غيره باطل وضلال..! هكذا يقول.. وهكذا يلقى الجواب:
{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}؟. الاستفهام هنا إنكارى، ينكر على فرعون هذه الدعوى، وأن إيمانه باللّه غير مقبول منه، إذ جاء وقد بلغت الروح الحلقوم، وأشرفت به على العالم الآخر، فرأى الحق عيانا.
واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً} [18: النساء].
لقد آمن فرعون، ولكنه إيمان المضطر المكره، وإنه {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ}.
، ولا حساب لمثل هذا الإيمان.. وقد كان هذا الإيمان الباطل، هو الذي طلبه موسى لفرعون من ربه في قوله: {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ}.
وقد آمن فرعون، وآمن معه كثيرون من الغرقى من قومه، وذلك بعد أن رأوا العذاب الأليم الذي ينتظرهم يوم الحساب! فكان إيمانهم هذا لغوا باطلا.
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ}.
الخطاب هنا لفرعون، وهو يعالج سكرات الموت، أو وهو ميت، إذ هو حىّ يسمع ويبصر كل شيء يجرى في هذه الدنيا.. وقد تحدث الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه.. إلى قتلى المشركين في بدر، وهم في القليب، فسأله أصحابه: أيسمع الموتى؟ فقال صلوات اللّه وسلامه عليه: ما أنتم بأسمع منهم في قبورهم! ونجاة فرعون ببدنه، وإلقاء البحر له جثّة هامدة متعفنة على الشاطئ، فيه عبرة لمعتبر.. فهذا الإنسان الذي كان يملأ الأرض بغيا وعدوانا، ويقول في الناس: {يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} [38: القصص] ويقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} [24: النازعات]. هذا الإنسان قد صار في لحظات جثة هامدة، وكوما من لحم بارد! فأين ملكه؟ وأين سلطانه؟ وأين بطشه وجبروته؟ لقد ذهب كل ذلك عنه، وتعرّى من كل شيء كان بين يديه! {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ}.
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
فهذه يد القدرة القادرة، تحفظ موسى وليدا، وتحمله على اليمّ رضيعا، ثم تضعه على الشاطئ، كما تضع الأم وليدها، وهو يشق طريقه إلى الحياة.
فتتلقفه القابلة، وتصلح من شأنه، وتهيئ له أسباب الحياة في عالمه الجديد.
ثم هذه يد القدرة القادرة، تدفع بفرعون إلى اليم، وتميته فيه غرقا، وتدفنه في أعماقه، ثم تلقى به إلى الشاطئ، جثة باردة متآكلة متعفنة..!
وهكذا يلتقى ميلاد موسى بهلاك فرعون، كما يلتقى الحق بالباطل، والنور بالظلام!

.تفسير الآيات (93- 95):

{وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95)}.
التفسير:
المبوّأ: المنزل، الذي يبوء إليه الإنسان، أي يرجع إليه بعد مطافه للسعى وراء رزقه.
والآية تتحدث عن نعمة اللّه على بنى إسرائيل، بعد أن نجّاهم من فرعون، وأطلقهم من يده، وأخرجهم من منزل الهوان والذلة، إلى دار أمن، وسلام، واطمئنان.. فملكوا أمر أنفسهم، وعرفوا طعم الحرية، وتنسموا ريحها الطيب.
العلم وأسلوب تحصيله:
وفى قوله تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ}.
اختلف المفسرون في هذا المقطع من الآية الكريمة.. في العلم الذي جاء إلى بنى إسرائيل، وفى الاختلاف الذي وقع بينهم.
فذهب بعضهم إلى أن العلم الذي جاءهم، وأوقع الاختلاف بينهم، هو التوراة.. ويعلّلون لهذا بأنهم كانوا قبل ذلك على حال واحدة من الضلال، فلما جاءتهم التوراة، اختلفوا، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر.
وذهب آخرون إلى أن العلم هو النبي صلى اللّه عليه وسلم، وما عرفوا من صفته في التوراة، وأنهم كانوا على اتفاق بأن نبيا قد يظهر من العرب، وأن زمانه قد أظلّهم، فلما جاءهم ما عرفوا، تفرق رأيهم فيه واختلفوا: فكفر به أكثرهم، وآمن به قليل منهم.
والرأى عندنا.. أن يكون المراد بالعلم، هو العلم على إطلاقه.
ذلك أن العلم، وهو نعمة من نعم اللّه، وهدى من هداه، من شأنه أن يكون مصدر خير وهدى للناس، ولكنه- شأنه شأن كل نعمة- كثيرا ما يكون سببا في الخلاف والتفرق.. الخلاف في الرأى، والتفرق شيعا وأحزابا، تبعا للاختلاف في الرأى.
وتلك حقيقة واقعة في ماديات الحياة ومعنوياتها.
المجتمعات الفقيرة، التي تعيش على فطرتها وطبيعتها، مجتمعات متوحدة المشاعر والعواطف، متماسكة البناء.. ليس فيها طبقات ولا شيع ولا أحزاب.
كلها لون واحد، وصبغة واحدة.
فإذا كثر رزقها، وفاض الخير فيها، وقع التمزق، وانحلّت الروابط، وتمايز الناس طبقات، بعضها فوق بعض، وأصبح الجسد الاجتماعى أشلاء ممزقة.. كل عضو فيه منفصل عن بقية الجسد.. فهنا عيون الناس، وهناك رءوسهم.. وهنالك أيديهم.. وأرجلهم! والعلم، شأنه كهذا الشأن.. العلماء والحكماء والفلاسفة في واد، والجهلة والعامّة في واد.. هؤلاء في عالم وأولئك في عالم آخر.
ثم العلماء والحكماء والفلاسفة.. كل له رأيه، وعلمه وحكمته، وفلسفته.. كل له متجه في تفكيره، وفى نظره إلى الوجود، وقربه، وبعده من الحقيقة.. {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
وبنو إسرائيل ليسوا وحدهم هم الذين يثير العلم خلافا بينهم، ويجعلهم أحزابا وشيعا.. بل هذا هو شأن الناس جميعا- كما قلنا- وإذن فالسؤال الوارد هنا هو:
لما ذا اختصّ بنو إسرائيل بالذّكر هنا، وعرضوا في معرض اللوم والتقريع؟
والجواب على هذا، هو أن ذلك تحذير للمسلمين من الخلاف الذي يجيئهم من واردات العلم، كما اختلف الذين من قبلهم من بعد ما جاءهم العلم.
وقد نبه النبي الكريم في هذا، وحذر منه.. فقال صلوات اللّه وسلامه عليه:
«لتتّبعنّ سنن الذين من قبلكم شيرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لا تبعتموهم».
ويقول النبي الكريم أيضا؟ وقد تنبأ بهذا الخلاف «اختلف اليهود على ثلاث وسبعين فرقة، واختلف النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتختلف أمتى على إحدى وسبعين فرقة.. كلها في النار إلا فرقة واحدة، قالوا يا رسول اللّه: من هى؟ قال: ما عليه أنا وأصحابى».
وقد صدق اللّه العظيم، وصدق رسوله الكريم.. فما أن ورد المسلمون موارد العلم، وأخذوا بحظهم من الحكمة والفلسفة والمنطق وغيرها، حتى أجلبوا بكل هذا الذي أخذوه، إلى كتاب اللّه، وخرّجوا آياته عليه، فوقع بينهم هذا الخلاف الذي عرفته الحياة، وسجله التاريخ.. فقالوا بالجبر والاختيار، وقالوا بالتنزيه والتجسيد، وقالوا بخلق القرآن، وبقدم القرآن، وقالوا بإمكان رؤية اللّه، وبعدم إمكان الرؤية.. وهكذا كان لهم في كل مسألة آراء، ينقض بعضها بعضا.. وكانوا فرقا بلغت إحدى وسبعين فرقة، كما قال الرسول الكريم.
ولكن هنا سؤال أيضا:
كيف يتفق هذا، ودعوة الإسلام إلى العلم، وطلبه طلبا مفروضا في بعض الأحيان، ومندوبا إليه في بعض الأحيان الأخرى؟ وكيف يتفق هذا وقد رفع الإسلام من قدر العلماء، ونوّه بهم في أكثر من موضع من القرآن الكريم، وفى أكثر من حديث من أحاديث الرسول؟
والجواب على هذا، هو أن دعوة القرآن إلى العلم وطلبه، والجدّ في تحصيله لا يمنع من التحذير منه.. فهو سلاح ذو حدين.. إن لم يكن مع العلم تقوى وخشية من اللّه، قتل به صاحبه نفسه، وقتل كثيرا من الناس به.
والخلاف في الرأى- إذا تجرد من الهوى- خلاف لا ينكره الإسلام بل يزكّيه، لأنه اجتهاد في طلب الحقيقة، وتقليب للنظر في التماسها، وتعاون بين المختلفين على الوصول إليها.. يحيئون إليها من طرق شتّى، وقد يلتقون عندها، وقد لا يلتقون، ولكنهم جميعا ينشدونها، ويباركون من يدلّهم عليها، ويحمدون له اجتهاده وسبقه.
وقد اختلف صحابة رسول اللّه فيما بينهم على كثير من المسائل.. ولكن هذا الاختلاف، كان تمحيصا للرأى، وطلبا للحق، وبلوغا بالقلب والعقل إلى مقام اليقين والاطمئنان.
فهذا هو العلم الذي يدعو إليه الإسلام، ويبارك على أهله، ويفتح لأبصارهم وبصائرهم صفحات الكون كله، ينظرون فيها نظرا مطلقا غير مقيد بقيد.. وغاية ما يطلبه الإسلام من العالم هنا، هو أن يطوّف ما يطوف في آفاق العلم، ومعه إيمانه وتقواه.. ثم يعود آخر المطاف، ومعه إيمانه وتقواه.
وفى قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} إشارة إلى أن هذا الخلاف الذي وقع بينهم، سواء كان عن طلب حقّ وهدى، أو كان جريا وراء هوى ومكر بالناس، فإن اللّه يعلم المحقّ من المبطل، وسيجزى كلّا بما انعقدت عليه نيته.
قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ}.
لم يكن الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه في شكّ مما أنزل عليه من ربه، ولم يكن يطوف به أي طائف من الشكّ أو الامتراء، أو التكذيب.. وكيف وهو يرى ملكوت السماء عيانا؟ وكيف وقد ثبّت اللّه قلبه، وأخلاه من كل وسواس؟. وهل يشك صاحب الرسالة في رسالة تلقّاها من ربه، وأقرأه إياها ملك كريم من ملائكته.. يغدو ويروح إليه أياما، وشهورا، وسنين، وكيف يكون منه أثارة من شك أو تكذيب؟ وهو الذي احتمل في سبيل رسالته تلك ما لا تحتمل الجبال من ضر وأذى؟ أيكون من شكّ أو تكذيب، ممن يساوم على هذا الذي بين يديه بالمال والسلطان، فيقول: «واللّه لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر أو أهلك فيه ما تركته!».
وإذن فما تأويل ما نجد في الآيتين الكريمتين، من هذا الحديث الموجّه إلى النبي الكريم من ربه سبحانه وتعالى، من التحذير من أن يكون من الممترين أو من المكذبين؟.
والجواب- واللّه أعلم- أن ذلك تعريض بأولئك الذين يكذبون بآيات اللّه ويمترون فيها، من المشركين، وأهل الكتاب، ثم هو تهديد لهم، ووعيد بالخيبة والخسران، إن هم لم يبادروا ويأخذوا بحظهم من هذا الخير المرسل من اللّه، إلى عباد اللّه!.
ومن جهة أخرى، فإن خطاب النبي من ربه هذا الخطاب، يضع النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- بضعه والناس جميعا على سواء بالنسبة للقرآن الكريم، وأنه ليس له فيه شيء.. إنه من عند اللّه، ومن كلام اللّه، وليس من كلام النبي، ولا من كلام أحد من البشر، وإنه علم يحمل إلى الناس في آيات اللّه وكلماته. وأنه إذا كان للناس أن يشكّوا في هذا العلم ويضعوه موضع الاختبار فليشكّوا، وانه إذا كان لهم أن يختلفوا على معطيانه فيما بينهم فليختلفوا- ولكن على شريطة أن يكون ذلك في سبيل الاهتداء إلى الحق والتعرف على ما يملأ العقل نورا به، والقلب اطمئنانا وسكنا إليه.. وإلا فهو اختلاف يفرّق ولا يجمع، ويضر ولا ينفع، كاختلاف بنى إسرائيل حين جاءهم العلم.
وإذن، فالنبى- صلوات اللّه وسلامه عليه، والناس جميعا- هم على سواء أمام تلك الحقيقة العليا، المنزلة من السماء.. ينظرون فيها، ويتعرفون وجه الحق منها، وأنه يمكن فرضا- وإن كان مستحيلا واقعا- أن يشكّ النبي في هذا القرآن، وأن يلقى نظرة فاحصة عليه، ليتثبّت من الحقائق التي يدعى إلى الإيمان بها.. وهذا حق مشروع له، كإنسان، قبل ألا يكون نبيا.
وفى هذا- كما قلنا- ردّ مفحم على المشركين والكافرين الذين يدّعون أن هذا القرآن من عند محمد، ومن مقولاته.. إذ مستحيل فرضا وواقعا أن يشكّ إنسان في قول صدر منه، أو يمترى ويكذّب بقول، يعرضه على الناس، ويدعوهم إلى التصديق به!!- وفى قوله تعالى: {فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ}.
هو دعوة لأهل الكتاب أن ينظروا في هذا الكتاب العجيب، الذي يشكّ فيه صاحبه، وواضعه، كما يزعمون!.
إن ذلك إغراء لهم بدراسة هذا الكتاب وتفحّصه، إذا كان كتابا شأن صاحبه معه، هو هذا الشأن.
ولا تطلب الدعوة الإسلامية إليهم وإلى غيرهم من المنكرين المكذبين أكثر من أن ينظروا في هذا الكتاب نظر تفحص، وإمعان.
وإنهم لو فعلوا، لعرفوا أنه الحق من ربهم.. وأنه إذا كان هذا الكتاب منزّلا على محمد، هو منزل إليهم أيضا.. كما يقول اللّه تبارك وتعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ} [136: البقرة] ومن جهة ثالثة، فإننا إذ نقرأ قوله تعالى، للنبى الكريم: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ} نلمح في وجه الآية الكريمة دعوة إلى البحث والنظر، وتقليب حقائق الأمور، وعرضها على العقل، ووزنها بميزانه، قبل الأخذ بها، وألّا يقبلها قبول استسلام وإذعان من غير اقتناع قائم على الدراسة والتأمل، ومهما كانت ثقة الإنسان في مصدرها، فإن هذا لا يحرم العقل حقه من النظر فيها، نظر بحث وتفحص!.
إن الشك- كما يقولون- هو أول مراتب اليقين.
والمراد بالشك هنا هو الشك المثمر، الذي يلقّح العقل بلقاح حب المعرفة والبحث عن الحقيقة، وارتياد مظانّها، وكشف وجهها سافرا مشرقا.. فهذا شك ولود للمعارف، يضع بين يدى صاحبه محصولا وافرا من العلم الراسخ، والحقائق الموثّقة.
أما الشك الذي يصدر عن وسواس ووهم، فهو داء، يقيم صاحبه دائما على عداء مع كل حقيقة واردة، أو علم مستحدث.. وهذا هو الشك الذي ينكره العلم، كما يبغضه الدين، ويبغض أهله.
الشك الذي تتحدث عنه الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ} هو الشك الذي يدعو العقل إلى البحث الجادّ، والنظر المدقق في الحقيقة التي بين يديه، فلا يهدأ، ولا يستقر حتى يقع من الحقيقة على ما يملأ عقله وقلبه يقينا بها، واطمئنانا إليها.. ولقد جاء قوله تعالى بعد ذلك: {فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ}.
ثم جاء قوله تعالى بعد هذا.: {لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} تثبيتا لهذا اليقين الذي يقع في القلب من النظر في آيات اللّه.. ثم جاء بعد ذلك قوله تعالى: {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ} دعوة إلى تجنب الامتراء والجدل في البحث عن الحقيقة.. فإن هذا الامتراء هو الآفة التي تمسك يد الإنسان عن أن تصل إلى حقيقة أبدا.. ثم جاء بعد ذلك قوله تعالى: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ} دعوة أخرى إلى تجنب التكذيب بالحقيقة حين يسفر وجهها.. فذلك من شأنه أن يحرم الإنسان ثمرة بحثه عنها، وسعيه من أجل الحصول عليها.. وفى ذلك خسران أىّ خسران.
فمراحل البحث عن الحقيقة، كما تصورها الآيتان الكريمتان.. هي ثلاث مراحل:
مرحلة الشك.. وفيها يتجه المرء بوجوده كله، إدراكا، وشعورا، ونيّة- للبحث عن الحقيقة، والعمل في إخلاص ودأب على الوصول إليها.
ومرحلة التمحيص لما يقع في مجال النظر، من حقائق، تمحيصا معزولا عن المراء والجدل- لمجرد الجدل.
ومرحلة الأخذ بما يؤدّى إليه النظر من البحث والتمحيص.. سلوكا وعملا.
ولا شك أن هذه هي أقوم السبل، وأعدل المناهج في البحث عن الحقيقة في مجال العلم، والفنّ، والدين.
{واللّه يقول الحق وهو يهدى السبيل}.