فصل: تفسير الآيات (38- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآيات (38- 41):

{إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)}.
التفسير:
تعود هذه الآيات بالمشركين والكافرين، من عذاب جهنم، الذي ساقتهم إليه، الآيات السابقة، فتلقاهم بهذا الحديث الذي يكشف عن علم اللّه وقدرته، وأنه وحده- سبحانه- العالم بكل شيء، المالك لكل شيء، القائم على كل شيء.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}.
هو تقرير للحقيقة، التي غايت عن أهل الشرك والضلال، وهى أن اللّه سبحانه هو الإله الذي ينبغى أن يعبد.. إنه يعلم كل غائبة في السموات أو في الأرض، وإنه يعلم ما تنطوى عليه الصدور، وما تكنّه الضمائر.. ومن كان هذا شأنه، كان سلطانه قائما على كل شيء، وكانت عبادته وحده واجبة على كل مخلوق.
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً} أي أنه سبحانه قد أعلى قدر الإنسان، ورفع منزلته، وجعله خليفة في الأرض.. وكان مقتضى هذا أن يحتفظ الإنسان بهذا المقام الكريم، وأن يعرف للّه فضله عليه، وإحسانه إليه، وأن يذكر أنه خليفة للّه، وأنه بهذه الخلافة يعمل في الأرض التي هي ملك للّه.. فكيف يسوغ له أن يخرج عن سلطان اللّه، وأن يجعل ولاءه لغير اللّه، مما على الأرض من كائنات، يعبدها، ويتخذها آلهة له من دونه؟.
وقوله تعالى: {فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي فمن خرج على استخلاف اللّه إياه، وكفر به، فعليه كفره، وسيلقى الجزاء الذي يستحقه وقوله تعالى: {وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً} أي أن هذا الكفر الذي لبسه الكافرون بعد أن خلعوا نعمة الخلافة التي ألبسهم اللّه إياها، لا يزيدهم عند ربهم إلا، بغضا، وبعدا من رحمته، حيث ينزع عنهم ثوب الكرامة الذي خلعه عليهم، ويلبسهم الذلة والمهانة، ويلقى بهم في جهنم مذمومين مدحورين.
وقوله تعالى: {وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً} أي لا يزيدهم هذا الكفر الذي لبسوه إلا كفرا وضلالا، فهم مع هذا الكفر في كفر ينمو على الأيام.. فهم يزدادون كل يوم مع هذا الكفر، خسرانا، حيث تخف موازينهم يوما بعد يوم.. إنهم يحملون في كيانهم داء خبيثا، هو الكفر يمتص ماء الحياة منهم، قطرة قطرة، حتى يتحولوا إلى أعواد من الحطب لا نصلح إلّا وقودا للنار! قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً} أسئلة مطلوب من المشركين أن يوردوها على عقولهم- إن كانت لهم عقول- ثم ليجيبوا عليها، إن كانوا يجدون لها جوابا.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}؟
أي أنظرتم في وجه هؤلاء الشركاء الذين تعبدونهم من دون اللّه؟
وهل عرفتم ما هم عليه؟.
{ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أي أخلقوا شيئا مما ترون على هذه الأرض من مخلوقات؟ هل خلقوا ذبابة؟
{أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ} وإذا لم يكونوا قد خلقوا شيئا مما هو على الأرض، فهل لهم شيء مما في السموات؟ ذلك بعيد.. فإن من عجز عن أن يخلق أدنى المخلوقات في الأرض، لهو أعجز من أن يكون له أي شيء في السموات.
{أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ}.
سؤال إلى المشركين عن ذات أنفسهم هم.. وهو أنهم إذا لم يجدوا لهذا الذي سئلوا عنه في شأن آلهتهم، جوابا يقبله العقل، بأن لهم شيئا في هذا الوجود في أرضه وسماواته- إذا لم يجدوا في أنفسهم ما يحدّث عن آلهتهم تلك بأن لها شيئا أو شأنا في الملك- فهل أخذوا هذا الذي أضافوه إلى آلهتهم عن كتاب من عند اللّه، فهم لهذا على بينة وعلم في شأن آلهتهم، مما علموه من هذا الكتاب؟ ذلك ما لم يكن!.
فإذا كان العقل يأبى أن يضيف إلى آلهتهم شيئا، أو يجعل لهم شأنا في هذا الوجود، وإذا لم يكن بأيدى هؤلاء المشركين كتاب من عند اللّه، أقامهم على هذا الرأى السقيم الباطل الذي رأوه في آلهتهم، فلم يبق إذن شيء يصل بين هؤلاء المشركين وآلهتهم، إلا ما تلقوه من ضلالات الضالين وأهواء ذوى الأهواء منهم.. {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً}.
إن هذا الذي هم فيه من ضلال مع هذه المعبودات التي يعبدونها، هو من وحي بعضهم إلى بعض بالباطل، ومن تزيين بعضهم لبعض بالخداع والغرور.
وفى الحديث عنهم بضمير الغائب، إعراض عنهم وإنزالهم منزلة الغائب، إذ لم يكونوا أهلا لأن يخاطبوا. وقد استرخصوا عقولهم، واستخفّوا بها.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} هو تهديد لهؤلاء المشركين، بأن يسقط اللّه عليهم السماء، أو يخسف بهم الأرض.. فهو سبحانه الذي يمسكهما بموضعيهما اللذين هما فيهما.
{وإن} في قوله تعالى {إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} نافية، بمعنى ما، أي إن زالتا ما أمسكهما أحد من بعد اللّه، لو رفع يده عنهما.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} إشارة إلى أن اللّه سبحانه قد وسع بحلمه الناس، ولم يأخذهم بظلمهم، ولولا هذا لأهلكهم، وأفسد عليهم حياتهم، وهو سبحانه مع حلمه، غفور، ينتظر رجعة الظالمين إليه، فيقبل توبتهم، ويغفر ذنوبهم.

.تفسير الآيات (42- 45):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً}.
أي أن هؤلاء المشركين، الذين استرخصوا عقولهم، واتبعوا أهواءهم، كانوا يقسمون بأعظم الأيمان عندهم وآكدها،- قبل أن يأتيهم النبي- {لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ} أي رسول، كما جاء إلى الأمم السابقة رسل- {لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} أي ليكونن أهدى من إحدى هذه الأمم، وهم بنو إسرائيل، إذ كانوا يتمثلون فيهم العلم، والدّين، لما كان بين أيديهم من كتاب، وما بينهم من علماء.
ولم يصرح القرآن ببني إسرائيل، مع أن المشركين لا يعنون غيرهم، وذلك- واللّه أعلم- للاستصغار بشأنهم، وأنهم ليسوا المثل الذي يحتذى به في الاستقامة والهدى.
وجهد الإيمان: أغلظها، وأشدها.
والاقتصار على وصف الرسول بأنه {نذير} إشارة إلى أن الإنذار هو أول ما يتلقاه الأقوام من رسلهم، إذ كان الرسل إنما يبعثون في أقوامهم، حين يكثر الفساد فيهم، وتختلط معالم الدين الصحيح في قلوبهم وعقولهم.. فيكون أول ما يلقى به الرسول قومه هو الإلفات إلى هذا الضلال الذي هم فيه، وتحذيرهم منه، وإنذارهم سوء عاقبته.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً} أي لما جاء الرسول الذي كانوا يتمنون الهدى عليه يديه، لم يزدهم إلا نفورا عن الحق، وإعراضا عن الهدى.
قوله تعالى: {اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}.
{اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ} هو بدل من قوله تعالى: {إِلَّا نُفُوراً} أي لم يزدهم إرسال الرسول إليهم إلا نفورا عن الحق، وإلا استكبارا في الأرض، واستعلاء على العباد، وإلا الإمعان في تدبير المكر السيّء للرسول، وتبييت الشر له وللمسلمين..
وقوله تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} أي لا يقع المكر السيّء الذي مكروه إلا بهم.. إنهم يحفرون الحفرة التي سيقعون فيها، ويفتلون الحبل الذي يشنقون به.
وقوله تعالى:- {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} أي فهل ينتظرون إلا أن يؤخذوا بما أخذ به الأولون الذي كذبوا رسل اللّه، من بلاء وهلاك؟.
وقوله تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}.
أي أن سنة اللّه قائمة على طريق مستقيم لا ينحرف أبدا.. وهى سنة مطردة، لا تتبدل اتجاها باتجاه، ولا تتحول من حال إلى حال.
وسنة اللّه، هو هذا النظام الذي أقام عليه الوجود، وربط المسببات بأسبابها.
ومن سنة اللّه في الظالمين أن يأخذهم بظلمهم، كما أن من سنته في المحسنين أن يجزيهم بإحسانهم.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً}.
هو دعوة إلى هؤلاء المشركين الضالين أن يسيروا في الأرض، وأن ينظروا بأعينهم سنة اللّه التي لا تتبدل، ولا تتحول.. إنهم سيرون أقواما كانوا قبلهم، وكانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، فأخذهم اللّه بذنوبهم، وقلب عليهم دورهم.
{وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} أي وما كان لقوة هؤلاء وبأسهم أن تردّ عنهم بأس للّه إذا جاءهم.. فماذا يعصم هؤلاء للمشركين من بأس اللّه، وقد ساروا مسيرة الهالكين من قبلهم؟ إنهم هالكون لا محالة.. إن اللّه يعلم ما هم عليه، لا تخفى عليه- سبحانه- خافية من أمرهم، وهو قادر على إهلاكهم.
ولقد أتوا الجرم الذي يوجب الهلاك، وهم في قبضة اللّه. وعلمه يكشف عن كل ما اقترفوا.. ولم يبق إلا إمضاء العقوبة فيهم.. فلينظروا، وسيرون عاقبة أمرهم!.
قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً}.
هو جواب على سؤال يقع في نفوس المشركين، عند سماعهم التهديد الذي حملته إليهم الآية السابقة، وهو: أين هو العذاب الذي نهدّد به؟.
فكان قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ} جوابا على مثل هذا السؤال.. وهو أن اللّه سبحانه لو يؤاخذ الناس في الدنيا بذنوب المذنبين منهم، وما يحاربون به اللّه سبحانه، من كفر، وإلحاد، ومجاهرة بالمعاصي- لو يؤاخذهم بهذا، ما ترك على ظهر هذه الأرض، من دابة.. فإن ذنوب المذنبين- لجسامتها، وشناعتها- لا يغسل دنسها ورجسها إلا طوفان من العذاب، يأتى على كل حياة قائمة على هذه الأرض.
{وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي لكن يؤخر حساب الناس إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة.

.سورة يس:

نزولها: مكية.
عدد آياتها: ثلاث وثمانون آية.
عدد كلماتها: سبعمائة وتسع وعشرون.
عدد حروفها: ثلاثة آلاف.
مناسبتها لما قبلها جاء في الآيات التي ختمت بها سورة فاطر السابقة قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً} ثم جاءت الآيات الثلاث التي تلت هذه الآية والتي ختمت بها السورة- تعقيبا على تلك الآية، وبيانا لموقف المشركين من هذا القسم الذي أقسموه.
وقد بدئت سورة يس بالقسم بالقرآن الكريم، الذي جاءهم النبيّ الكريم به، ثم وقوع هذا القسم على الإخبار بأن محمدا هو رسول اللّه، وأنه على صراط مستقيم، وأن تكذيب المشركين له، ورفضهم لدعوته، لم يكن إلا عن ضلال وعمى، وإلا عن استكبار وحسد.. لقد كانوا يتمنون أن يبعث اللّه فيهم رسولا، وأن يأتيهم بكتاب، مثل كتب أهل الكتاب، وها هو ذا الرسول، والكتاب.. فماذا هم فاعلون؟ ستكشف الأيام عن جواب هذا السؤال.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرحيم.

.تفسير الآيات (1- 12):

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12)}.
التفسير:
قوله تعالى: {يس} اختلف في تأويلها، فقيل فيها كل ما قيل في الحروف التي بدئت بها بعض سور القرآن.. وقيل إنها اسم للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم.. ولا نقول إلا أنها من المتشابه، الذي لا يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم!.
قوله تعالى: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
هو قسم بالقرآن الحكيم، وفى هذا القسم تشريف لمقامه، وتأكيد وتنويه بمنزلته.. وكيف لا يكون في قمة التشريف والتكريم، وهو آيات اللّه، وكلمات اللّه؟
وفى وصف القرآن بالحكمة هنا، إلفات لما اشتمل عليه من فرائد الحكمة، التي هي مورد العقول، ومطلب الحكماء.. وأن الذي ينظر في آيات اللّه ينبغى أن ينظر فيها بعقل متفتح، وبصيرة متطلعة، وقلب مشوق، حتى يظفر ببعض ما يتحدث به هذا القرآن الحكيم، فإنه لا ينتفع بحكمة الحكيم، إلا من كان ذا حكمة وبصيرة.
وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} خطاب للنبىّ، وتوكيد للصفة التي له عند اللّه. وأنه من المرسلين، الذين اصطفاهم اللّه لرسالته إلى عباده.
وقوله تعالى: {عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
هو خبرثان، عن النبيّ، وأنه قائم على صراط مستقيم، من اتبعه فقد اهتدى، ومن اتخذ سبيلا غير سبيله فقد ضلّ وهلك.
قوله تعالى: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} {تنزيل} منصوب على المصدر، أي إنك لمن المرسلين.. وإنك على صراط مستقيم، نزّل {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}.
ويكون المراد بالصراط المستقيم هنا هو القرآن الكريم، كما يقول اللّه تعالى: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [153: الأنعام] ويكون قوله تعالى: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} جملة وقعت صفة.
قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ}.
أي إنك من المرسلين، وإنك على صراط مستقيم بهذا الكتاب المنزل من العزيز الرحيم: {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ}.
فهذا الحشد العظيم من الصفات العظيمة للنبىّ، هو وإن كانت تكريما للنبىّ، وامتنانا عليه بإحسان ربّه إليه- هو أيضا تكريم لهؤلاء الجاهليين، وامتنان بفضل اللّه عليهم، إذ بعث فيهم خير رسله، وخاتم أنبيائه، ومجتمع كتبه.. وفى هذا حثّ لهم على أن يقبلوا على هذا الخير الكثير المرسل إليهم، وأن يأخذوا حظهم منه.
وفى قوله تعالى: {ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ}.
إشارة إلى أنهم لم يبعث فيهم رسول قبله.. أما رسالة إسماعيل عليه السلام، فهى رسالة كانت مقصورة على أهله، كما يقول تعالى: {وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ} [55: مريم] وإذا كان لهذه الرسالة أثر، فقد اندثر، وعفّى عليه الزمن وسط ظلام الجاهلية وضلالها.
وفى قوله تعالى: {فَهُمْ غافِلُونَ}.
إشارة أخرى إلى ما كان عليه القوم من جهل وغفلة، فكانوا بهذا في أشد الحاجة إلى من يعالج هذا الداء المتمكن فيهم.
قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} هذا حكم قاطع على هؤلاء المشركين، وهم في لقاءاتهم الأولى مع الدعوة.
{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ} والقول الذي حق على أكثرهم هو الحكم الذي قضى اللّه سبحانه وتعالى به في سابق علمه، على الكثرة من هؤلاء المشركين، من أنهم لا يؤمنون، ولا ينزعون عنهم الشرك الذي لبسوه.. {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} لسابق قضاء اللّه فيهم..
وقد صدق ما أخبر به القرآن، ووقع كما أخبر به.. فإن أكثر هؤلاء المشركين الذين شهدوا مطالع الدعوة الإسلامية، لم يدخلوا في الإسلام، فإنه خلال ثلاث وعشرين سنة- وهى مدة الرسالة الإسلامية- مات كثير من هؤلاء المشركين على شركه، ومن لم يمت منهم على فراش الموت مات قتيلا في ميدان القتال مع المسلمين.. ومن امتدّ به الأجل وأدرك الفتح، ودخل في دين اللّه مع الداخلين- ظل ممسكا بشركه في صدره، حتى مات عليه، أو مات في حروب الردّة مع المرتدّين.
أما لما ذا حقّ القول عليهم؟ فهذا سؤال لا يسأله مؤمن باللّه.. إنه اعتراض على مشيئة الخالق فيما خلق! {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} [54: الأعراف].
قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} هو بيان للأسباب التي أقامها اللّه سبحانه، لتصرف في هؤلاء المشركين عن الحق، وتمسك بهم على الشرك والضلال.
لقد جعل اللّه {فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا} أي أطواقا من حديد، أشبه بالقلادة، تطوق بها أعناقهم.
{فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ} أي وهذه الأغلال أو القلائد تشتمل على العنق كله، حتى لتصل إلى الأذقان.
{فَهُمْ مُقْمَحُونَ} أي مشدود والرءوس إلى أعلى.. فهم لا يستطيعون أن يحركوا رءوسهم يمينا أو شمالا، أو إلى تحت أو فوق.
والصورة التي تبدو ممن طوّق بهذا الطوق، أنه تمثال جامد، وأنه لا يستطيع أن يرى غير الطريق القائم بين يديه، أما ما حوله، عن يمين وشمال، فلا يرى منه شيئا والطريق الذي بين يدى هؤلاء المشركين الذين حق عليهم القول، هو طريق الضلال.. وإذن فلا طريق لهم غيره.
والأغلال التي جعلها اللّه في أعناق هؤلاء المشركين، هي أغلال معنوية.
فإن الذي ينظر إليهم، وهم ماضون على طريق الشرك، لا يلتفتون إلى هذا النور الذي عن يمينهم وعن شمالهم، ومن أمامهم ومن خلفهم- يخيّل إليه أن في أعناق القوم أطواقا من حديد، قد شلت حركة رءوسهم، فلم يقدروا على إلفاتها يمينا أو شمالا.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} هو من تمام الصورة التي جعل اللّه المشركين عليها، حتى لا يهتدوا حين جاءهم الهدى، لما سبق من قضاء اللّه فيهم فهم- بالأغلال التي في أعناقهم- مقمحون، قد دفعت رءوسهم إلى أعلى، بحكم المخنقة التي في أعناقهم.. وهم في هذا الوضع لا يستطيعون التفاتا يمينا أو شمالا، ولكنهم مع ذلك يستطيعون أن يروا ما أمامهم، وأن يستدبروا ليروا ما خلفهم.
وفى قوله تعالى: {وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} هو سدّ لهذين المنفذين اللذين يمكنانهما من الرؤية من أمام ومن خلف.. وأما وقد جعل اللّه- سبحانه- سدّا من بين أيديهم أي من أمامهم، وسدّا من خلفهم، فقد أحكم سد المنافذ عليهم من جميع الجهات، وأصبحوا وقد أغلقت عليهم منافذ النظر إلى العالم الخارجي، وصاروا محصورين في عالمهم الذي لا شيء فيه غير الضلال والظلام.. فيمينهم وشمالهم مغلق عليهم أبدا بحكم هذا الطوق الذي طوقوا به.. وأمامهم وخلفهم.. مسدودان.. فإذا أداروا وجوههم إلى أي اتجاه، لم يتغير حالهم، ولم يرتفع عنهم سد من هذه السدود المضروبة عليهم، حيث يلازمهم هذان السدان المضروبان عليهم من أمام ومن خلف.. فعلى أي اتجاه يكونون، يكون السدان من خلفهم ومن أمامهم.. أما عن أيمانهم وعن شمائلهم، فالطوق قائم بوظيفته فيهم في كل حال.
وهذه الصورة إعجاز من إعجاز القرآن، في تجسيد المعاني، وفى بعث الحياة، والحركة في الجمادات والساكنات.. حيث نرى الكافر هنا وقد أدخل في سجن محكم، مطبق عليه، لا يرى منه النور أبدا.
وفى قوله تعالى: {فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} إشارة إلى ما يقع لهؤلاء المشركين من هذه الآيات التي سلطها اللّه عليهم، من الأغلال والسدود، فلقد أقامت هذه الآفات غشاوة على عيونهم، فهم لا يبصرون.. وكيف يبصر من عاش في هذه الحدود التي لا تتجاوز محيط جسده؟ وما ذا يبصر لو كان له أن يبصر؟.
قوله تعالى: {وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} وهذا ما يقضى به الوضع الذي عليه هؤلاء المشركون.. إنهم لن يتحولوا عن حالهم التي هم فيها، فلقد جمدوا على حالتهم تلك، كما تحنط الموتى في توابيتها {وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [101 يونس].. وإذا فلا يقف النبي كثيرا عن هؤلاء المشركين الذين وقفوا من الدعوة هذا الموقف المحادّ لها، المتربص بها.
قوله تعالى: {إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} أي إنما تنفع النذر، والعظات، من استمع إلى آيات اللّه، فاتبعها، وآمن بها، وخاف ربه، وعمل ليوم القيامة، مصدّقا بما وعد به، وإن لم يره.
وعلى هذا، فليوجه النبي وجهه كله إلى المؤمنين، وليعطهم جهده كله، ففى هذا الميدان يثمر عمله، ويقع موقعه من أهله.
وفى قصر الإنذار على من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب- في هذا إشارة إلى الاستعداد الفطري للإيمان عند هؤلاء المنذرين، وأنهم بفطرتهم السليمة كانوا والإيمان الذي يدعون إليه على موعد، بل إنهم في انتظار له، وشوق إليه، قبل أن يطلع عليهم.
وفى جعل الخشية، للرحمن، إشارة إلى أنها خشية إجلال وتعظيم،.. خشية حب وتوقير، لا خشية جبروت وقهر.. إنها خشية الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء.
وقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}.
هو ما يلقى به النبي هؤلاء المؤمنين الذين استجابوا له بمجرد أن دعاهم إلى اللّه.
قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ} هو عرض لبعض مظاهر قدرة اللّه، وهى من الغيب الذي آمن به المؤمنون، والذي كان مضلّة للمشركين، وهو الحياة بعد الموت.
والحساب والجزاء.
وفى هذا التقرير يتأكد للمؤمنين إيمانهم بهذا الغيب، وتزداد خشيتهم للّه.
وقوله تعالى: {وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا} أي نحصى على الموتى ما قدموا بين أيديهم من أعمال لهذا اليوم، من حسن أو سيئ، ونسجلها في كتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها.
وقوله تعالى {وَآثارَهُمْ} معطوف على {ما} الموصولة، وهى مفعول به لنكتب- أي نكتب ما قدموا ونكتب آثارهم، أي ما خلفوه وراءهم من آثار صالحة أو فاسدة.
والآثار هنا، هي ما يبقى للأموات في الحياة بعد موتهم من آثار في الناس، فتكون منارات هدى، أو سبل ضلال.. وفى هذا يقول الرسول الكريم: «ومن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
والإمام المبين، هو اللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب.