فصل: سورة الكوثر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.سورة الكوثر:

نزولها: مكية نزلت بعد سورة العاديات عدد آياتها: ثلاث آيات عدد كلماتها: عشر كلمات عدد حروفها: اثنان وأربعون حرفا.
مناسبتها لما قبلها:
فى سورة الماعون، توعد اللّه الذين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤدّون الزكاة لأنهم مكذبون بالدين، غير مؤمنين بالبعث والحساب، والجزاء- توعد اللّه سبحانه هؤلاء، بالويل والهلاك، والعذاب الشديد في نار جهنم.
وفى مقابل هذا، جاءت سورة الكوثر تزفّ إلى سيد المؤمنين باللّه واليوم الآخر، هذا العطاء الجزيل، وذلك الفضل الكبير من ربه.. ومن هذا العطاء، وذلك الفضل، ينال كلّ مؤمن ومؤمنة نصيبه من فضل اللّه، وعطائه على قدر ما عمل.
بسم اللّه الرّحمن الرحيم.

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}.
التفسير:
الكوثر: مبالغة في الكثرة، والمراد بالكثرة هنا، الكثرة في العطاء من الخير والإحسان، والخطاب هنا للنبى صلوات اللّه وسلامه عليه.
والمراد بهذا الخبر هو التنويه بمقام النبيّ الكريم عند ربه جلّ وعلا، وبرضاه عنه، ذلك الرضا الذي لا حدود له، والذي تملأ القطرة منه وجوه الوجود، بشاشة، ومسرّة، وإسعادا.
وفى إطلاق لفظ الكوثر، دون قيده بنوع، أو قدر- إشارة إلى تناوله كل ما هو خير، وبلوغه إلى ما لا يعرف له نهاية أو حدّ، كما أنه إشارة أخرى إلى أنه خير، وخير مطلق، مصفّى من كل شائبة، خالص من كل كدر.. ذلك أنه عطاء، والعطاء لا يكون إلا مما هو خير، وإحسان، فكيف إذا كان عطاء من يد اللّه سبحانه وتعالى؟.. إن صفة هذا العطاء هي من صفات المعطى جلّ وعلا.. فلا تسل بعد هذا ما يكون هذا العطاء! {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ}.
وإنه لحسب المؤمن إذا دعا ربه أن يقول: اللهم أعطنى، ولا تحرمنى.
فإذا اللّه دعاءه، فليسعد السعادة كلها بما أعطى من عطاء ربه! فاللهم أعطنا ولا تحرمنا، واللهم استجب لنا ولا تردنا، فأنت خير من أعطى، وأكرم من سئل.
ولعلك تسأل: وماذا أعطى النبي الكريم؟.
لقد أعطى اللّه سبحانه وتعالى النبي الكريم خير ما أعطى عبدا من عباده.
وحسبه أنه خاتم النبيين، وحسبه القرآن الذي كمل به دين اللّه، وتمت به شريعته، وحسبه الدعوة التي قام عليها، وبلغ بها غايتها، وأقام بها دين اللّه في الأرض، وغرس مغارسه في مشارقها ومغاربها.. وحسبه أن رفع اللّه تعالى ذكره في العالمين إلى يوم الدين. وحسبه أن أسرى به مولاه إلى السموات العلا، واستضافه في الملأ الأعلى، وأراه من آيات ربه الكبرى.. {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ}.
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى}.
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [113: النساء].. {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}.
هذا بعض ما أعطى اللّه سبحانه نبيّه الكريم، وإنّ عطية واحدة من هذه العطايا لنملأ الدنيا كلها خيرا وبركة، وتسع الناس جميعا سعادة ورضا! وهذا هو ميزان الرسول الكريم عند ربه، دون الناس جميعا.. وإنه ميزان ليرجح كل ما أعطى الناس من جزيل عطايا اللّه سبحانه وتعالى ومننه.
فكل ما أعطى الناس بعد هذا، أو قبل هذا، من مال وبنين، ومن علم ومعرفة، ومن هدى ونور، وكل ما أصابوا من خير مادى أو معنوى- هو من بعض هذا الذي أعطى رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه.. فما أعظم هذا الغنى وما أطيبه، وما أبقاه وأخلده.. {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى} [131: طه] وهل يلتفت رسول اللّه بعد هذا إلى ما عند الناس مما رزقهم اللّه من مال وبنين؟ وهل يرى شيئا من حطام الدّنيا يجرى مع هذا الذي أعطاه اللّه، ويأخذ له مكانا فيه؟ وهل تشتهى نفس بين يديها مائدة حافلة بطيب الطعام، وصنوف المآكل، إلى فتات في مزبلة يتداعى عليها الذباب؟
وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.
الفاء هنا للسببية، والتعقيب على هذه البشرى المسعدة التي شرح سبحانه وتعالى بها صدر النبي الكريم، وملأ قلبه بها سعادة ورضا.. وإذن فليشكر ربّه، وليسبح بحمده، عرفانا بهذا العطاء الجزيل، وتقديرا لقدره.
والصلاة، هي أفضل القربات إلى اللّه، وأعظم وسائل الزّلفى إليه، والولاء له.. واللام في قوله تعالى: {لربك} لام الملكية، أي صل الصلاة للّه وحده، واجعلها خالصة له سبحانه، لا يدخل عليها شيء من الغفلة، أو الاشتغال بغير اللّه.
وقوله تعالى: {وانحر} أي أطعم الفقراء والمساكين.. فهذا من الزكاة التي هي أخت الصلاة.
وقد اختلف المفسرون في هذه الصلاة: أهي صلاة عيد الأضحى، أم هي الصلاة على إطلاقها.. وكذلك اختلفوا في النحر، وهل هو ما ينحر من الأضاحى، يوم عيد النحر، بعد الصلاة، أم هو النحر إطلاقا؟ والأولى عندنا أن تكون الصلاة مطلقة، لا يراد بها صلاة عيد الأضحى، بل المراد بالأمر بها المداومة عليها ولو كانت صلاة عيد الأضحى، لخفّ في مقابلها وزن هذا العطاء الجزيل الذي أعطاه اللّه نبيه، في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}.
فصلاة عيد الأضحى ركعتان لا غير في كل عام.. ثم إن صلاة العيد هذه ليست فرضا، وإنما هي سنة!! فهل هاتان الركعتان تتوازنان مع هذا العطاء الجزيل، وهل يقومان بواجب الشكر عليه؟
فالمراد بالصلاة إذن هي الصلاة مطلقة في فرائضها، وسننها.. ونوافلها.
وهى صلاة تكاد تكون مستغرقة معظم الأيام والليالى مدى العمر.. وهذا ما يمكن أن يكون في مقام الحمد والشكر على ما أعطى النبي الكريم من ربه، هذا العطاء الجليل الكثير، الذي لا حدود له.
وعلى هذا، فالقول بأن المراد بالنحر، هو نحر الأضحية بعد صلاة العيد، قول متهافت، وأولى منه أن يراد به مطلق النحر، وأن يراد بمطلق النحر، إطعام الفقراء والمساكين، وأن يراد بإطعام الفقراء والمساكين الزكاة، إذ كان من بعضها ما يطعم منه الفقراء والمساكين.. وعبّر عن إطعامهم بما ينحر من ذبائح، لأن ذلك خير ما يطعمونه إذ كان اللحم هو الطعام الذي يتشهاه الفقراء والمحرمون، ولا يجدون سبيلا إليه، وإن وجدوا السبيل إلى لقمة العيش!! وقوله تعالى: {إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.
الشانئ: هو المبغض، والمعادى، والمتجنب لمن يبغضه ويعاديه.
والأبتر: المنقطع عن كل خير، المحروم من كل ما فيه غناء ونقع.
وشانئ النبيّ، هو المكذّب له، الكافر بما يدعو إليه من الإيمان باللّه، واليوم الآخر، والعمل الصالح الذي يرضى اللّه، ويقرّب العبد من رحمته، فيخلص بهذا من عذاب الآخرة، وينجو من أهوالها وشدائدها.
وشانئ النبي، محروم من كل خير، منقطع عن موارد الهدى والنور، فهو إلى ضياع وهلاك، وإلى عذاب جهنم خالدا فيها أبدا.. إن شانئ النبي ومبغضه مصروف عن الإيمان باللّه، واليوم الآخر.. وحسبه بهذا هلاكا وضياعا، وحرمانا من كل خير.
هذا هو حظ شانئ النبي ومبغضه، في كل زمان ومكان.. إنه البعد عن كل خير، والحرمان من كل طيّب، ثم العذاب الأليم في نار جهنم.
والروايات التي تحدّث عن أن هذه السورة نزلت في العاص بن وائل، أو عقبة بن أبى معيط، أو أبى جهل، أو أبى لهب، وأنهم كانوا يعيّرون النبي صلى اللّه عليه وسلم بموت ولديه، القاسم، وعبد اللّه، وأنه لا نسل له غير هما من الذكور، وأن عقبه قد بتر وانقطع- هذه الروايات إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن نزول هذه السورة الكريمة، كان في هذا الوقت الذي تتحدث به قريش بهذا الحديث المنكر، وأن ذلك كان مناسبة جاءت في وقتها، لا أن هذا الحديث كان سببا باعثا لنزولها، إذ كانت محامل السورة أعظم قدرا، وأكبر شأنا، من أن تلتقى مع هذا الحديث عن الولد، وحفظ النسل به، وإن كان ذلك مما تعنزّ به قريش، وتحرص عليه.

.سورة الكافرون:

نزولها: مكية.. نزلت بعد سورة الماعون.
عدد آياتها: ست آيات.
عدد كلماتها: ثمان وعشرون كلمة.
عدد حروفها: أربعة وتسعون حرفا.
مناسبتها لما قبلها:
الكوثر الذي أعطاه اللّه سبحانه وتعالى النبيّ صلوات اللّه وسلامه عليه- كان في مقابله البتر والحرمان من كل خير لمن يشنأ هذا النبي، الذي وضع اللّه سبحانه وتعالى، الخير كله في يده.. وهذا مجمل ما تحدثت عنه سورة الكوثر وفى سورة الكافرون التي تأتى بعد هذه السورة، موقف بين النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- وما أعطاه اللّه سبحانه من خير كثير، يفيض من النبع الأعظم، وهو الإيمان باللّه- وبين المشركين الذين عزلوا أنفسهم عن هذا الخير، وحرموا أن ينالوا شيئا منه.. وفى هذا الموقف يعلن النبي عن هذا الخير الذي من اللّه به عليه، وأنه ممسك به، مقيم عليه، لا يصرفه عنه شيء من هذه الدنيا.
فهو لا يعبد غير اللّه سبحانه وتعالى، ولا يتحول عن عبادته أبدا، ولا ينظر إلى شيء وراءه من مال وبنين!!
بسم اللّه الرّحمن الرحيم.

.تفسير الآيات (1- 6):

{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}.
التفسير:
كان مما يلقى به المشركون النبيّ لصرفه عن دعوته- أن يجمعوا له مالا، إن كان يريد مالا، حتى يكون أكثرهم مالا، وأوسعهم غنى، أو يقيموه رئيسا عليهم، إن كان يطمع في الرياسة، أو يزوجوه أجمل بناتهم، وأكرمهم نسبا، إن كان يرغب في ذلك.. فلما لم يلقوا من النبي الكريم إلا تساميا عن هذه المطالب الرخيصة، وإلا إعراضا عنها، وأنه لا يتحول عن الدّين الذي يدعو إليه، ولو وضعوا الشمس في يمينه، والقمر في يساره!- لمّا لم يجدوا استجابة من النبيّ في ترك دعوته، جاءوه يعرضون عليه أن يخلطوا دينهم بدينه، وأن يجمعوا بينهما، فيعبدون هم ما يعبده النبيّ إلى جانب ما يعبدون ويعبد هو ما يعبد المشركون إلى جانب معبوده الذي يعبده فإن كان الذي جاء به خيرا مما معهم شاركوه فيه، وأخذوا حظهم منه، وإن كان الذي هم عليه خيرا مما جاء به شاركهم فيه، وأخذ حظه منه.. وبهذا تنقطع أسباب الشقاق، والعداوة، بينهم وبينه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ} [64: الزمر].
وهذا من ضلال القوم وسفه أحلامهم، وسوء معتقدهم.. فإن الحق كلّ لا يتجزأ، ولا يتبعّض.. فإما أن يكون ما يعبدون حقا، وإذن فإنّ خلطه بشيء دخيل عليه يغيّر من صورته، ويفسد حقيقته، فلا يكون حقا، ولا يكون باطلا، وإنما هو حق وباطل معا.. وإما أن يكون باطلا، وإذن فلم يمسكون به، ويحرصون عليه؟.. وإن في تفريطهم في معتقدهم على هذا الوجه لدليلا على أنه معتقد فاسد، وأنهم هم أنفسهم لا يجدون فيه ما يقيمهم منه على يقين به، واطمئنان إليه، وأنه من السهل الميسور عندهم أن يبيعوه بالثمن البخس لأول عارض يعرض لهم.
فالمخاطبون من قريش هنا هم الكافرون الذين حكم عليهم بالكفر حكما مؤبّدا، وأنهم لن يؤمنوا أبدا، ولهذا أخذوا هذا الوضع في سورة خاصة بهم.
قوله تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ}.
الكافرون هنا، هم المشركون من قريش.
وقوله تعالى: {لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ} أي أنا لا أعبد المعبودات التي تعبدونها. إن لى معبودا لا أعبد سواه.
وقوله تعالى: {وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ} أي وأنتم لا تعبدون الإله الذي أعبده أنا.. إن لكم آلهة تعبدونها، غير الإله الذي أعبده.
فهناك إذن اختلاف بعيد بينى وبينكم، في ذات المعبود الذي أعبده، وذوات المعبودات التي تعبدونها. هذا هو حالى وحالكم الآن.. وهذا هو الحكم فيما أعبد، وفيما تعبدون.. وتلك حقيقة لا خلاف بيننا عليها.. أنا لا أعبد معبوداتكم، وأنتم لا تعبدون معبودى.
وقوله تعالى: {وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ}.
هو تعقيب على هذا الحكم العام المطلق، وينبنى عليه: أننى لا أنا عابد ما عبدتم، في أي حال من أحوالى، لا حاضرا ولا مستقبلا.. ولا أنتم عابدون في المستقبل الإله الذي أعبده.. فأنا على ما أنا عليه من عبادة الإله الذي أعبده، لا أتحول عن عبادته، وأنتم على ما أنتم عليه من عبادة ما تعبدون من معبودات لا تتحولون عن عبادتها.
وهذا يعنى أن الذين خوطبوا بهذا الخطاب من المشركين، لم يدخلوا في الإسلام، ولم يؤمنوا باللّه، بل ماتوا على شركهم.. وهذا ما يفهم من قوله تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ} ففى وصف المشركين بالكفر إشارة إلى أنهم من الذين استبدّ بهم العناد، وركبهم الضلال، فانتقلوا- بدعوة النبيّ لهم إلى الإيمان باللّه- انتقلوا من الشرك إلى الكفر الصريح.
يقول الطّبرسى في تفسيره: يريد (أي بالكافرين) قوما معينين، لأن الألف واللام للعهد.
والقرآن الكريم، حين يلقى رءوس المشركين، ومن غلبت عليه الشّقوة منهم ممن لا يدخلون في دين اللّه أبدا- كان يخاطبهم بوصف الكافرين لا المشركين، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [15- 17 الطارق].. ويقول سبحانه في أحد رءوس هؤلاء المشركين: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا} [77- 79 مريم].
فهؤلاء المخاطبون بوصف الكفر من المشركين، قد ماتوا على الكفر، وسيلقون جزاء الكافرين في الآخرة.. إنهم قبل دعوتهم إلى الإسلام كانوا مشركين، فلما لم يستجيبوا لهذه الدعوة انتقلوا من الشرك إلى الكفر.. وكذلك أهل الكتاب، كانوا قبل دعوة النبيّ لهم ضلّالا، فلما دعاهم وأبوا أن يؤمنوا، صاروا كفارا.
وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
هو فصل الخطاب، ومقطع الأمر فيما بين النبيّ، وهؤلاء الكافرين.
إن لهم دينهم الذي يدينون به ويحاسبون عليه، وهو له دينه الذي يدين به، ويلقى ربه عليه.
{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [41: يونس].