فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآية رقم (2):

{وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2)}.
التفسير:
التطبيق العملي للتقوى بشقّيها- تقوى اللّه، وتقوى ذوى الأرحام- يكون أكثر ما يكون ظهورا في رعاية حقوق الضعفاء من ذى الأرحام، وهم اليتامى، حيث يكون اليتم غالبا في كفالة أحد أقاربه.
ولهذا كان أول اختبار عملىّ للتقوى التي دعا اللّه إليها في مطلع السورة هو الدعوة إلى رعاية حقوق اليتامى، واتقاء اللّه فيهم، وفى أموالهم التي هي أمانة في أيدى الأوصياء، كما أنهم هم أنفسهم أمانة في ذمة هؤلاء الأوصياء.
فلا تبرأ ذمة الوصىّ حتى يؤدّى تلك الأمانة على وجهها الذي أمر اللّه أن تؤدّى عليه.
وقد خصّ الأمر الإلهى المال بالذكر، لأن أكثر ما تطمح إليه نفوس الأوصياء وتطمع فيه، هو المال، وما سواه فهو تبع له.
فلو أن الوصىّ عفّ عن مال اليتيم، وراقب اللّه فيه، وبذل له من الجهد والرأى ما يبذل لماله هو- لو أنه فعل ذلك لا استقام أمره كلّه مع اليتيم، فبذل له من الحبّ والعطف، ما ينعش نفسه، ويطيّب خاطره، ويعدّل سلوكه.
والعكس صحيح، فإنه حين تمتد عين الوصىّ إلى مال اليتيم بالخيانة والغدر، فإنه لا يتحرج أبدا بعد هذا من أن يسوق البغض والكراهية لهذا اليتيم، وأن يسومه الخسف والهوان، وأن يرخى له الحبل في طريق الضلال والفساد، حتى يخلى له الطريق لأكل ماله الذي استباح أكله، واستمرأه.
وفى قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} أمر قاطع بأداء أموال اليتامى إليهم سليمة كاملة، سواء كان اليتيم لا يزال صغيرا تحت كفالة الوصىّ، أو بلغ رشده واستحق أن يتولىّ أمر نفسه.
وعلى هذا، فليذكر الوصىّ دائما أن مال اليتيم هو مال اليتيم، وأنه أمانة في يده، مطالب بأن يحاسب نفسه عليها في كل يوم، وأن يدفعها إلى اليتيم عند أي طلب.. وهذا ما يجعله في مراجعة ومحاسبة مع نفسه أبدا، غير منتظر هذا اليوم البعيد، الذي قد يمتد إلى سنين، حين يبلغ اليتيم رشده، ويحين وقت الحساب!.
{وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}.
نهى بعد أمر.. وفى هذا النهى، وبالامتثال له، يتحقق الأمر، ويجيء الوفاء به على وجه مرضى سليم.
والخبيث، هو أكل مال اليتيم، وتضييع حقوقه، وإفساد مصالحه أو تفويتها، إهمالا وتقصيرا.. عن عمد أو غير عمد.
والطيب، هو رعاية مال اليتيم، وحسن القيام عليه، وتحرّى أعدل الوجوه لإنمائه وتثميره.
وتبدّل الخبيث بالطيّب، أن يسلك الوصىّ بمال اليتيم مسالك التضييع والإهمال، والاغتيال.. فيكون بذلك قد ترك الطيب الذي أمره اللّه به، وأخذ الخبيث الذي دعته نفسه إليه، ومال به هواه نحوه.
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ}.
هو بيان لبعض المداخل التي يتبدل الأوصياء فيها الخبيث بالطيب، في شأن اليتامى الذين في أيديهم، وذلك بأن يضيفوا أموال اليتامى إلى أموالهم، ويحسبوا أنها من بعض ما يملكون، دون أن يكون في تقديرهم أن مال اليتيم لليتيم وحده، وأنهم أمناء عليه، حرّاس له.
{إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً}.
الحوب الذنب والإثم.. والضمير في {إنه} يعود إلى التصرف المعيب الذي يتصرفه الأوصياء في أموال اليتامى، وإضافتها إلى أموالهم.. وذلك جور غاشم، وعدوان مبين.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (3)}.
التفسير:
الذي ينظر في الآية الكريمة نظرة مجرّدة، تقطعها عن سابقها ولاحقها من الآيات، لا ينكشف له وجهها، ولا يستقيم له معناها.. ومن هنا كان اضطراب كثير من المفسّرين حيالها، وتخبطهم في التوفيق بين شرطها وجوابها.
فالشرط المشروط هنا وهو الخوف من ظلم اليتامى، أو بمعنى آخر طلب العدل والتماس الإحسان في اليتامى- هذا الشرط معلق تحقيقه بنكاح ما طاب للأوصياء من النساء.
والأمر في ظاهره، على النقيض من هذا الحكم الذي يجمع بين الشرط والجزاء.. فالعدل في اليتامى لا يقوم أبدا على نكاح ما طاب للأوصياء من النساء مثنى وثلاث ورباع، إذا أخذ على إطلاقه، بل إن ذلك ربما كان داعية إلى العدوان على اليتيم، والجور على ماله، وفاء لمطالب الزواج والأولاد الكثيرين، الذين يثمرهم هذا الزواج المتعدد.
ولكن وصل الآية بما قبلها وما بعدها من آيات، يجعلها بمكانها الصحيح من الصورة العامة التي ترسمها مجموعة الآيات الأولى، من السورة، تلك الصورة التي تدعو إلى تقوى اللّه في محارمه، وتقواه في ذوى الأرحام عامة، وفى الأيتام منهم خاصة.
وقد دعت الآية السابقة على هذه الآية- دعت الأوصياء على اليتامى أن يؤتوهم أموالهم، وأن يؤدوها إليهم كاملة، لا تفريط فيها، ولا عدوان عليها.
ثم يجيء بعد هذا قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} يجيء قول اللّه هذا، تأسيسا على ما أمر به في الآية السابقة، وتقريرا له.
فقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا...} الآية هو خطاب لمن استجاب لقوله سبحانه: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} أو لمن ترجى منه الاستجابة لهذا الأمر، أو هو خطاب للمؤمنين جميعا، وإلزام لهم أن يستجيبوا له، إن كانوا مؤمنين حقا، لأنه أصل من أصول الإيمان، ودعامة من دعائمه.
وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان من شأن المؤمنين أن يستجيبوا لهذا الأمر وأن يحققوه، فإن هناك أمرا آخر يلحق بهذا الأمر، إذا هم فعلوه، عظم أجرهم، واستقام على التقوى طريقهم، وهذا الأمر هو العدول عن زواج اليتيمات، إلى زواج غيرهن من النساء.. فذلك أبعد للشّبه، وأقطع لنوازع الطمع في ما لهنّ.
وعلى هذا يكون المعنى هكذا.
أما وقد خفتم أيها الأوصياء على اليتامى، أن تأكلوا أموالهم بالباطل، تريدون بهذا مرضاة اللّه، وتبتغون رضوانه- فإن من تمام هذا الأمر أن تخافوا ظلم اليتيمات في أنفسهن، بعد أن خفتم ظلمهن في مالهن.. فإن كنتم على خوف من ظلمهن وتريدون أن تجنبوا أنفسكم هذا الموقف، فدعوهن لشأنهن ولا تتزوجوهنّ وهنّ في أيديكم، لا يملكون من أمرهن شيئا، وإن لكم في غيرهن من النساء ما تشاءون.. مثنى وثلاث ورباع، ففى هذه التوسعة لكم في زواج أكثر من واحدة نعمة من نعم اللّه عليكم، ومن شكر هذه النعمة ألّا تطمح أعينكم إلى اليتيمات، وما في الزواج بهن من حرج.
وفى قوله تعالى: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} ما يشير إلى أن اليتيمات المرغوب عن زواج الأوصياء منهن، هن الصغيرات اللاتي لا يصلحن للزواج، ولهذا كان الأمر الإرشادى بالزواج: من {ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} أي البالغات، الصالحات للزواج، اللائي تشتهين النفس.
وفى قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً} دعوة إلى العدل بين الزوجات، والتسوية بينهن في الحقوق والواجبات، وفى هذا ضمان لسلامة الأسرة واستقرارها، ورفع كثير من أسباب الخلاف بينها.
وإذا كانت التسوية بين الزوجات تسوية مطلقة، والعدل بينهن عدلا كاملا- أمرا غير ممكن، وإن أمكن في حال فلن يمكن في جميع الأحوال- إذا كان ذلك كذلك، فقد أشار الإسلام إلى الدواء الناجع لسلامة الإنسان في دينه، فلا يظلم، وسلامته في نفسه، فلا يقع بين مهاب العواصف من الشقاق والخلاف- هذا الدواء هو الاقتصار على زوجة واحدة والاكتفاء بها: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً}.
وفى قوله تعالى: {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} إشارة إلى دواء آخر يتداوى به من يرغب في التزوج بأكثر من زوجة! فهناك الإماء وهن ما ملك المرء من الجواري، فله أن يتمتع بما شاء منهن.
وفى قوله سبحانه: {ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا} بيان للحكمة من الاقتصار على زوجة واحدة، أو التسرى بالإماء.
والعول: الميل، يقال عال الميزان عولا، أي مال.
والعول: الزيادة، وتحمل الزيادة هنا على الزيادة في الظلم، أو الزيادة في كثرة الأولاد والنفقات.
وعلى هذا يمكن أن يحمل العول هنا على هذه المعاني كلها.. الزيادة في الظلم، والزيادة في العيال والنفقة، ثم الحاجة والفقر! وقد يسأل سائل: أليس في التسرى بالإماء كثرة في العيال، وكثرة في النفقة؟ فكيف تكون الدعوى إلى التسرى بهن، ثم يكون التعليل لذلك ما علل به وهو عدم العول؟
والجواب على هذا، هو أن التسرّى بما ملكت اليمين، لا يزيد في أعباء الحياة على من تسرّى بما ملكت يمينه منهن، إذ كنّ في كفالته، قبل التسرى وبعده.
وقد أجيب عن كثرة العيال، بأن الإنسان لا يحرص على طلب الولد من أمته، ولا يتحرّج في العزل عنها، برضاها أو بغير رضاها.
ولابد هنا من كلمة حول تعدد الزوجات، وإباحة الإسلام له، ومقولات الذين يرجمون الإسلام بمفترياتهم عليه، في شأن هذا التعدد.
تعدد الزوجات: ضوابطه، وحكمته:
إن الذين يشغبون على الإسلام، ويشوشون عليه.. يقولون فيما يقولون عن هذا التعدد: لما ذا يباح للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة، وأن يجمع بين أكثر من واحدة إلى أربع، ولا يباح للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل، وأن تجمع بين أكثر من رجل إلى أربعة؟ أليس هذا هو العدل والمساواة.. إن كان عدل ومساواة؟
ونقول: إنه لكى ننظر إلى هذه المسألة، نظرا صحيحا مستقيما، ينبغى أن ننظر إليها من جانبيها معا.. جانب المرأة وجانب الرجل، كلّ على حدة، ثم كلّ في مقابل الآخر:
ففى جانب المرأة نجد:
أولا: أن الطبيعة قد جعلت مواليدها من الإناث أكثر من الذكور، سواء ذلك في عالم الإنسان، أو الحيوان والطير.. وحتى في النبات.
وقد يكون هذا التدبير المتصل بأصل الحياة، لكى تتكاثر المواليد، وتعمر هذه الأرض، إذ كانت الإناث هي الوعاء الحامل للمواليد، وعلى قدر هذه الأوعية وكثرتها يكون النسل وكثرته.
ثانيا: هذه الحروب- وهى سنّة من سنن الحياة البشرية- تذهب بكثير من الرجال، الأمر الذي إذا أضيف إلى سابقه قلّت به نسبة الرجال إلى النساء، إلى درجة بالغة الخطر، إن لم يكن هناك عامل آخر، يوازن هذا العامل ويقلل من خطره.
ونسأل: إذ لم يكن هناك عامل معدّل لهذا التفاوت البعيد، في النسبة بين أعداد النساء وأعداد الرجال- فأين يذهب هذا العدد العديد من النساء، اللائي لا مقابل لهن من الرجال؟
جواب واحد لا غير لهذا السؤال: هو أن يمتن عانسات إذا تعفّفن- وقليل ما هنّ، أو يحيين حياة بهيمية، مباحات لكل رجل، إذا استجبن لغريزتهن- وما أكثرهن! أفهذا؟ أو أن تسكن المرأة إلى رجل مع أخرى غيرها أو أخريات، متحصنة في بيت الزوجية، مستظلة تحت جناح رجل يحميها، ويغار عليها، ويخرس قالة السوء فيها؟
ثم لنسأل:
وهل مع هذه الإباحة المطلقة، وجد الرجال فرص الحياة وظروفها، مؤاتية لهم، فسكن الواحد منهم إلى أكثر من واحدة؟
إن الواقع يشهد بأن أفرادا قلة- يعدّون في حكم الشاذ- هم الذين استعملوا حق الإباحة هذا.. أما الغالبية العظمى من الرجال فقد رغبوا عن هذا المباح، واكتفوا بامرأة واحدة، قطعوا الحياة معها.. بل وما أكثر الذين تتوفى زوجاتهم ثم لا يتزوجون بعدهن، وفيهم بقية شباب وصحة! إن التعدد- الذي أباحه الإسلام- لم يمكن على سبيل الإلزام، وإنما كان بابا من أبواب الرحمة، تفيد منه المرأة- غالبا- أكثر مما يستفيد منه الرجل، حين لا تجد المرأة طريقا تسكن فيه إلى رجل، إلّا مع أخرى أو أخريات، يشاركنها الحياة الزوجية معه.. فهى في هذه الحياة- على ما بها- خير من حياتها بلا رجل! ثم نسأل أيضا:
أهناك- في هذه الإباحة- ما يرغم المرأة على أن تشارك غيرها في الزوج، أو يشاركها غيرها فيه؟
إن للمرأة الأولى أن تطلب الطلاق إذا تضررت من المرأة الثانية، كما أن للمرأة التي يراد لها أن تكون ثانية- لها أن ترفض الزواج من هذا الزوج.
وهكذا في الثالثة والرابعة! ثم إن لأىّ امرأة أن تشترط عند الزواج أن تكون العصمة بيدها.
الأمر الذي يفتح لها الطريق إلى الخلاص من الزواج إذا تضررت منه! وندع المرأة.. وننظر في جانب الرجل، فنجد:
أولا أن الرجل يحتفظ بقوته وحيويته مدة أطول من المرأة، التي تسبقه إلى الوهن والضعف، بما تعانى من الحمل، والولادة، والرضاع، والتربية.
وفى هذه الحال، قد يرى بعض الرجال أن يمسكوا بالزوجة- على ما بها- وأن يحصنوا أنفسهم، ويحفظوا دينهم ومروءتهم بزوجة أخرى.
وثانيا: قد تصاب المرأة بمرض يعجزها عن الوفاء بحاجة الزوج والقيام على شئون البيت، وهنا تبدو الحاجة إلى امرأة أخرى، تؤدى الوظيفة التي عجزت عنها صاحبتها، وعندئذ يكون من الإعنات والحرج معا أن يحجر على الرجل، فلا يجد سبيلا إلى الخروج من هذا الوضع الأليم!
وفى إباحة الزواج للرجل بامرأة أخرى، ما يتيح له في تلك الحال أن يفكر تفكيرا هادئا عاقلا، وأن يتخيّر لنفسه أي الأمرين أصلح له.
الزواج بامرأة أخرى أو الصبر على ما هو فيه؟ وكثيرا ما يكون الأمر الأخير هو الرأى الراجح، الذي يميل إليه، ويأخذ به في أغلب الأحوال، رعاية للعشرة الزوجية، ووفاء لحقّ ما بين الزوجين، من ألفة ومودة.. وذلك حين يكون للرجل- بسبب هذه الإباحة- فضل، يتعزّى به، ويترضّى إنسانيته، بما كان منه من إيثار وتضحية!! بقي أن ننظر إلى هذا الموقف من جانب آخر، وهو أن يغلق في وجه الرجل باب الخلاص من هذا الضيق، الذي يعيش فيه تحت سلطان الإلزام والقهر، دون أن يكون للإختيار، والشعور بمعاني التضحية والإيثار، مكان هنا، إزاء هذا الإلزام القاهر، الذي يحكم عليه فيه بأن يعيش مع امرأة مريضة، عاجزة، أو عقيم لا تلد! ونسأل: كيف تكون حياة الرجل في هذا السجن الرهيب المخيف؟
بل كيف تكون حياة المرأة نفسها مع هذا الرجل، الذي يراها في تلك الحال حكما أبديا عليه بالشقاء والبلاء؟ إن المرأة في هذه الحال تكون أشقى من الرجل، إذ تجد نفسها أنها لعنة مفروضة على الرجل، وأنه لو كان لها الخيار في إفساح الطريق له لما ترددت في حلّ الرباط الذي يربطها به، ولطالبته بذلك قبل أن يطالبها هو به! ثم انظر ما ذا يكون من العواطف الإنسانية، التي يوقظها هذا الشعور الذي يسيطر على الزوجين في ظل التشريع الإسلامى الذي أباح لهما الانفصال، في تلك الحال، كما أباح للرجل أن يتزوج بأخرى، يضمها إلى زوجه الأولى.
إن كلّا منهما يجد أنه في سعة من أمره، وأنه يملك وجوده وإرادته، كما أنه يحتفظ بمروءته وشخصيته.. فالرجل إذا احتفظ بامرأته في حالها تلك، ولم يتزوج عليها، أرضى جوانب كثيرة من عواطفه، تعوّضه كثيرا مما يلقى من ضيق وضرر معها.. والمرأة تشعر بأنها غير مفروضة عليه، وأنه أمسك بها بمحض اختياره، وآثر ألا يضارّها بأخرى حسب إرادته وتقديره.
وأن الجانب الإنسانى فيهما هو الذي يمسك برباط الحياة الزوجية بينهما.
وإذن، فهذا التعدّد الذي يشنّع به أعداء الإسلام على الإسلام، وينادون به على الملأ أنه من الموروثات البهيمية التي ورثها الإنسان عن الحيوان- هذا التعدد هو دواء لأدواء كثيرة، في محيط المرأة خاصة.. في أغلب الأحيان، كما أنه شفاء لبعض العلل التي تصاب بها الحياة الزوجية في بعض الأحيان! وهذا الدواء الذي يقدّمه الإسلام هنا ليس مفروضا فرضا لازما على كل إنسان، وفى كل حال، بل إنه- شأنه شأن كل دواء- محكوم بحكم الحاجة، وبحسب الحالة.
فمن خرج به عن هذا الحكم- حكم الدواء عند الحاجة- فقد ظلم نفسه، وجاوز حدود اللّه، وليس على الإسلام، ولا على شريعة الإسلام شيء من عدوانه وظلمه.