فصل: تفسير الآيات (19- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآيات (19- 21):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21)}.
التفسير:
فى مقام التوبة، والتنديم على الذنوب والآثام، والرّغب إلى اللّه، والهرب من المآثم- في هذا المقام يذكّر اللّه سبحانه وتعالى بالنساء وما لهن من حقوق، وما في اهتضام هذه الحقوق والعدوان عليها من إثم يفسد على المؤمنين إيمانهم، ويعرضهم لنقمة اللّه، وعذاب اللّه.
فمن ذلك، الالتواء في معاشرة النساء، وأخذهنّ بالضرّ والأذى، للوصول من وراء ذلك إلى عرض من أعراض الدنيا، بحملهن على شراء الخلاص لأنفسهن بما يريده الأزواج منهن من ثمن.
فقد تكون المرأة غير ذات حظوة عند الرجل، وقد يكون الرجل كارها لها وهى كارهة له، ومع هذا فهو يمسكها، ولا يسرّحها بإحسان، كما أمر اللّه سبحانه وتعالى: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} [229: البقرة].
وهذا الإمساك للمرأة والمضارّة لها إنما يبغى الرجل من ورائهما أن تموت وهى في عصمته، حتى إذا ماتت ورثها. وهذا ما نهى اللّه عنه، وعدّه عدوانا على المرأة إذ يقول سبحانه: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً}.
وقد ينتظر الرجل من وراء هذا الإمساك بالمرأة على كره، أن تخالعه المرأة على ما في يدها من مهر كان أمهرها إياه، ولا تزال نفسه متطلعة إليه.. وهذا ما ينهى اللّه سبحانه وتعالى عنه بقوله: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ}.
والعضل الإمساك على الضرّ والأذى.
وقوله تعالى {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} هو استثناء من الإمساك الذي هو من بعض مفاهيم العضل، ففى هذه الحالة، وهى أن تأتى المرأة بفاحشة قامت عليها بيّنة- يجوز أن يمسك الرجل المرأة، تأديبا لها، فهذا الإمساك وإن كان عدوانا على المرأة، هو عدوان لردّ عدوان، وهو ما أجازه اللّه سبحانه وتعالى في قوله: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} [194: البقرة] ثم هو- أي العدوان هنا- إمضاء لأمر اللّه تعالى في اللائي يأتين الفاحشة من النساء.
وذلك في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}.
وفى قوله تعالى: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} دعوة إلى ما ينبغى أن تكون عليه حياة المرأة مع الرجل، وهو أن تعاشر بالمعروف، وأن تعامل بالإحسان، حتى وهى مأخوذة بجريرتها التي قضت عليها بالإمساك في البيت.
وفى قوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} وصية كريمة من اللّه، بالإحسان إلى المرأة، أيّا كانت نظرة الرجل إليها، وموقعها من قلبه.. فقد لا يجد في عشرته معها، والسكن إليها، ما يشرح صدره، فيحمله ذلك على الضجر بها، والتبرم منها، فيسيء عشرتها، ويرميها بالأذى، حتى يحملها على أن تترضاه من مالها ليطلقها.. وهنا يلقاه قوله تعالى: {فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}.
فيتقبل هذا المكروه، ويصبر عليه، ثم ينجلى الموقف عن غير ما كان يحسب ويقدر، وإذا المرأة التي كان يكرهها قد علقت بقلبه، وملأت حياته أنسا ومسرّة.
فإنه ما أكثر أن تجيء الأمور على غير حسابنا وتقديرنا. فما نحسبه خيرا قد يجيء من ورائه الشرّ، وما نراه مكروها قد يجيء بما نحبّ ونرضى! وفى هذه الوصاة الكريمة، تنفير من الطلاق، وتحذير من المبادرة إلى هوى النفس، الذي يدعو إلى الطلاق، على حساب أنه الخير، وقد يكون الشرّ كلّه كامنا وراءه.
وقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً}.
هو استكمال للوصاة التي أوصى اللّه بها الرجال بالنساء.. ألا يرثوهن كرها أو يعضلوهن، وأن يعاشروهن بالمعروف، وأن يصبروا على ما يشعرون به من ضيق أو أذى منهن، فقد يكون من وراء ذلك خير كثير.
ثم إنه إذا لم يكن بد من الفرقة والطلاق، فليكن كما أمر اللّه: {تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} فلا يعمل الرجل على أن يستردّ مما أعطاها من مهر شيئا، وألا يحملها حملا على أن تخلص من بين يديه، وأن تفتدى نفسها من عشرته بالمال.
وليقف عند أمر اللّه سبحانه: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} إن ذلك عدوان عليها، وسلب لحق وقع في يدها.. {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً} فذلك ما ينكره اللّه، ويجزى عليه جزاء الآثمين.. والبهتان: هو العدوان، وتبرير هذا العدوان بطلاء زائف من التمويه والخداع.
وفى قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً} إنكار بعد إنكار لأن تمتد يد إلى هذا الذي في يد المرأة، التي أصبحت هي ومالها أمانة في يد الزوج.. فكيف يخون الرجل أمانة من عاشره، واختلط به، وأصبح في حال ما، بعضا منه؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ}.
والإفضاء إلى الشيء الوصول إليه، والتغلغل في صميمه.
والميثاق الغليظ: هو العهد القوىّ المؤكد، وهو ما أخذه اللّه على الرجال للنساء في قوله تعالى: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وقد وضع اللّه هذا الميثاق الغليظ المؤكد في يد المرأة. ليكون لها أن تقاضى الرجل به عند اللّه! وفى هذا تغليظ لهذا الميثاق الغليظ!

.تفسير الآية رقم (22):

{وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (22)}.
التفسير:
بعد أن بين اللّه سبحانه وتعالى ما ينبغى أن تقوم عليه الحياة بين الرجل والمرأة من توادّ وتعاطف وتراحم، وأن تصفو من الكيد، وتبرأ من الدّخل وتبييت السوء، حتى تتآلف تلك الخليلة الأولى في الجسد الاجتماعى، وتتلاحم، وتصبح قوة عاملة في الحياة لخيرها، ولخير المجتمع كله.
بعد هذا البيان الكاشف للحياة الزوجية، وللأسس السليمة التي ينبغى أن تقوم عليها- جاء بيان سماوى آخر يقيم الحدود بين ما يحلّ وما يحرم على الرجال من النساء، حتى إذا رغب الرجل في الزواج من امرأة تخيرها من بين من أحل اللّه له منهن! وقد يبدو- في ظاهر الأمر- أن الترتيب الطبيعي كان يقضى بأن يجيء البيان الخاص بالحلّ والحرمة أولا، ثم يجيء بعد ذلك ما يوصى به في المعاشرة بين الزوجين، بعد أن يصبحا زوجين. هكذا يبدو الأمر في ظاهره! ولكن اللّه سبحانه وتعالى أراد أن يرفع نظرنا فوق هذا المستوي الذي ننظر منه إلى الأمور ونزنها به.
فليست مشكلة الحياة الزوجية في التعرف على من تحلّ ومن تحرم من النساء لمن يرغب في الزواج، فذلك أمر لا يحتاج إلى أكثر من إشارة، تخطّ خطا فاصلا بين الحلال والحرام.. بل إن الأمر لأهون من هذا.. فالحلال بينّ والحرام بينّ، والمشكلة كلها في التزام الحلال، وتجنب الحرام.
ومشكلة الحياة الزوجية ليست الزواج، ولكن فيما بعد الزواج، وفى القدرة على الوفاء بالحقوق والواجبات فيها!
من أجل هذا، كان هذا الإلفات الكريم من اللّه أولا إلى ما بعد الزواج، إذ هو ملاك الأمر كله، وعليه تبنى الحياة الزوجية، ويجنى منها الثمر الطيب المرجو فيها.
وإذن فليكن في حساب الرجل أولا إعداد نفسه إعدادا كاملا لحمل هذه الأمانة العظيمة التي سيحملها، وليروّض نفسه مقدّما على الصبر والاحتمال، والتنازل عن كثير من حياته الخاصة، ليصل بما يقتطع من تلك الحياة حياة جديدة، تقوم بينه وبين شخص آخر، جاء يشاركه حياته، وينازعه وجوده الذاتي الفردىّ.
أما ما بعد ذلك- وهو الزواج- فأمره هين.. فالنساء كثيرات وله فيما أحلّ اللّه له منهن ما لا حصر له.. فليختر منهن من يشاء، ولكن الحذر الحذر كله، والمحظور المحظور جميعه، فيما بعد الزواج! وقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} بيان لأول ما يحرم على الإنسان التزوج بهن من النساء.. وهى امرأة الأب.
إذ هي بمنزلة الأم، ثم هي من جهة أخرى بمكان الأب من الاحترام والتوقير.
فكيف تقبل نفس كريمة أن تكون امرأة الأب- وهذا شأنها- زوجا بعاشرها، وتكون يده فوق يدها؟ أو حتى تكون يده مع يدها؟
وفى التعبير القرآنى عن زوجات الآباء بكلمة ما التي تدل على الإبهام والتنكير- ما يشير إلى أن هؤلاء الزوجات ينبغى أن يكنّ في نظر الأبناء، وفى شعورهم شيئا مبهما غامضا، لا تتملّاه العين، ولا تتفحصه، ولا تقيم له حسابا فيما يقام من حساب بين الرجل والمرأة! إنهن- بالنسبة للأبناء- شيء محجب وراء ستر كثيفة من التحرج والتأثم، فلا يكاد يقع في تصور الأبناء صورة سويّة لهنّ كصور النساء اللاتي يريدون الزواج بهن! وقوله تعالى: {إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} استثناء وارد على ما وقع في الجاهلية من رجال دخلوا في الإسلام، ووقعوا في هذا المنكر.. فإنه لا إثم عليهم الآن بعد أن صححوا وضعهم، وأخذوا بما جاء الإسلام به.
وفى قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا} تشنيع غليظ على هذا المنكر، وإلقاء بكل ما في الفاحشة والمقت وسوء العاقبة من ثقل وبلاء على من يقارف هذا المنكر، ويركب ذلك الضلال السفيه!

.تفسير الآية رقم (23):

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23)}.
التفسير:
فى هذه الآية بيان الأصناف من المحرمات على الرجال التزوج بهن، بعد أن بينت الآية التي قبلها حرمة التزوج ممن تزوج بهن الآباء.. وبيان المحرمات هنا على الوجه الآتي:
1- {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ}.
أي أم الرجل، وأصولها.
2- {وبناتكم}.
أي بنت الرجل، وفروعها.
3- {وأخواتكم} أي الأخت سواء أكانت شقيقة، أم لأب، أم لأم.
4- {وعماتكم} والعمة أخت الأب.
5- {وخالاتكم} والخالة هي أخت الأم.
6- {وبنات الأخ} أي ويحرم على الرجل بنات أخيه سواء أكان شقيقا، أم لأب، أم لأم وكذلك فروعهن.
7- {وبنات الأخت} سواء أكانت أختا شقيقة أم لأب، أم لأم، وكذلك فروعهن.
8- {وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} أي وتحرم على الرجل المرأة التي أرضعته، فهى بالنسبة له أم، لها حرمة أمه التي ولدته، وكذلك لأصولها وفروعها، كما لأصول أمه وفروعها.. وفى الحديث الشريف: {يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب}.
9- {وأخواتكم من الرضاعة} فكل من أرضعتهم المرأة هم أخوة، ولو لم تكن قد ولدتهم.. ويحرم عليهم التزوج من بعض، حرمة الأخوة من الميلاد.
10- {وأمّهات نسائكم} أي أم الزوجة.. سواء أكان معقودا على ابنتها ولم يدخل بها أم مدخولا بها.. فلها حينئذ حرمة الأم، على من تزوج ابنتها، تحرم عليه حرمة مؤبدة.
11- {وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} والربيبة: الصغيرة المربّاة في بيت الرجل المتزوج بأمها.. ويراد بها هنا مطلق بنات الزوجة.. فإنهن يحرمن على زوج الأم، سواء تربين في بيت الزوج أم نشأن بعيدا عنه.. وذلك بشرط أن تكون الأم مدخولا بها، أما العقد عليها فلا يحرّم زواج بناتها ممن عقد عليها ثم طلقها ولم يدخل بها.
والتعبير عن بنات الزوجة بالربائب، لأنهن على صلة مع أمّهن، وهى في بيت زوجها.. إذ أن من شأن البنات ألا ينقطعن عن أمهن، ولو كنّ في بيت غير بيت أبيهن.. ومن هنا كان التعبير عنهن بالربائب اللائي في الحجور، حتى ينظر إليهن الرجل نظرته إلى بناته الصغيرات، فلا تمتد عينه إلى النظر إليهن نظر شهوة.
12- {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} وهن زوجات الأبناء الحقيقيين الرجل، لا الأبناء بالتبني.. فهؤلاء الأبناء بالتبني لا يحرم على مثل هذا الأب زواج من تزوج بهن أبناؤه بالتبنىّ بعد طلاقهن وانقضاء عدتهن.
وقد كان العرب في الجاهلية، يلحقون الابن المتبنّى بالابن من الصلب في هذا، فلما جاء الإسلام فرق بين الحالين في قوله تعالى: {وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ} [4- 5: الأحزاب].
وبهذا وضع الإسلام حدّا لفوضى الأنساب التي كانت شائعة في الجاهلية، حيث يخلط الرجل من يتبّنى من أبناء الغير بأبنائه، ليكتسب بهم كثرة وقوة! 13- {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً} فلا يحل الرجل أن يجمع بين الأختين في عصمته، وله أن يتزوج الثانية بعد أن تنقطع علاقته بالأولى، بالطلاق أو الوفاة.
وذلك صيانة للعلاقة بين الأختين أن تفسدها الحياة الزوجية التي تجمعهما تحت سقف واحد، وليد رجل واحد، فتكون المرأة ضرّة أختها، كما يحدث بين زوجتى الرجل أو زوجاته، المتباعدات نسبا وقرابة.
ولهذا، فقد ألحق النبيّ الكريم بتحريم الجمع بين الأختين، الجمع بين البنت وعمتها، والبنت وخالتها، في قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تنكح البنت على عمتها أو خالتها فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم».
وقد عفا اللّه عما سلف في الجاهلية من الجمع بين هذه المحارم، قبل أن يجيء أمر اللّه بتحريم هذا الجمع.. {إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً}.