فصل: تفسير الآيات (1- 2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (22- 24):

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)}
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
هَوَّنا قراءَتَه وحِفْظَه؛ فليس كتابٌ من كُتُبِ الله تعالى يُقْرَأُ ظهراً إلاََّ القرآن.
قوله جلّ ذكره: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُذُّرِ فَقَالُوآ أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِى ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ}.
هم قوم صالح. وقد مضى القولُ فيه، وما كان من عقرهم للناقة.. إلى أن أرسل الله عليهم صيحةً واحدةً أوجبت هذا الهلاك، فَصيَّرَهم كالهشيم، وهو اليابس من النبات، {الْمُحْتَظِرِ}: أي: المجعول في الحظيرة، أو الحاصل في الحظيرة.

.تفسير الآيات (33- 35):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)}
فأرسلنا عليهم {حَاصِباً}: أي: حجارةً رُمُوا بها.
{كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ}: أي: جعلنا إنجاءَهم في إِهلاك أعدائهم.
وهكذا نجزي من شكر؛ فمثل هذا نعامِلُ به مَن شَكَرَ نعمتنا.
والشُّكْرُ على نِعَم الدفع أتمُّ من الشكر على نِعَم النفع- ولا يَعْرِفُ ذلك إلا كلُّ مُوَفَّق كَيِّس.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)}
جاء جبريلُ ومَسَحَ بجناحه عَلى وجوههم فَعمُوا، ولم يهتدوا للخروج- وكذلك أجرى سُنَّتَه في أوليائه أنْ يَطْمِسَ على قلوبِ أعدائهم حتى يلبس عليهم كيف يؤذون أولياءَه ثم يُخَلِّصُهم من كيدهم.

.تفسير الآية رقم (45):

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)}
أخبر أنه يفعل هذا بأعداء الرسول صلىلله عليه وسلم، وحقٌّق ذلك يوم بَدر، فصار ذلك معجزاته صلوات الله عليه وسلامه.

.تفسير الآية رقم (48):

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)}
سَحْبُهم على الوجوهِ أمارةٌ لإذْلالهم، ولو كان ذلك مرةً واحدةً لكانت عظيمة- فيكيف وهو التأبيد والتخليد؟!
وكما أنََّ أمارةَ الذُلِّ تظهر على وجوههم فعلامةُ إعزازِ المؤمنين وإكرامهم تظهر على وجوههم، قال تعالى: {وُجُوةٌ يَؤمَئِذٍ نَّاَضِرَةٌ} [القيامة: 22]. وقال: {تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24].

.تفسير الآيات (49- 55):

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}
قوله جلّ ذكره: {إِنَّا كُلَّ شَئ خَلَقْنَاهُ بِقَدرٍ}.
أي بِقَدَرٍ مكتوب في اللوح المحفوظ.
ويقال: خلقناه بقدر ما عَلِمْنا وأردْنا وأخبرْنا.
قوله جلّ ذكره: {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ}.
أي إذا أردنا خَلْقَ شيءٍ لا يتعسَّرُ ولا يتعَذَّرُ علينا، نقول له: كُنْ- فيكون بقدرتنا. ولا يقتضي هذا استئناف قولٍ في ذلك الوقت ولكن استحقاق أن يقال لقوله القدم أن يكون أمراً لذلك المكون إنما يَحصل في ذلك الوقت.
{كَلَمْحِ بِالْصَبرِ}: أي كما ان هذا القَدْرَ عندكم أي قَدْرَ ما يلمح أحدُكم ببصره لا تلحقكم به مشقةٌ- كذلك عندنا: إذا أردنا نخلق شيئاً- قلّ أو كَثُرَ، صَغُرَ أو كَبُرَ لا تلحقنا فيه مشقة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
أي أهلكنا القرونَ التي كانت قبلكم فكلُّهم أمثالكم من بني آدم...
{وَكُلُّ شَئٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ}.
في اللوح المحفوظ مكتوبٌ قبل أن يعمله. وفي صحيفة الملائكة مكتوب. لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها..
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ}.
كلُّ صغيرٍ من الخَلْق، وكلُّ كبيرٍ من الخَلْقِ- تخترمه المنيَّةُ.
ويقال: كلُّ صغيرٍ من الأعمال وكبيرٍ مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، وفي ديوان الملائكة.
وتعريف الناس عما يكتبه الملائكة هوعلى جهة التخويف؛ لئلا يتجاسر العبدُ على الزَّلَّةِ إذا عرف المحاسبة عليها والمطالبة بها.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الْمُتَقِينَ في جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ في مَقْعَدٍ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر}
لهم بساتين وأنهار، والجمعُ إذا قوبل بالجمع فالآحادُ تُقابَلُ بالآحاد.
فظاهرُ هذا الخطاب يقتضي أن يكون لكل واحدٍ من المتقين جنةٌ ونَهْرٌ.
{فِى مَقْعَدٍ صِدْقٍ}: أي في مجلس صِدْقٍ.
{عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ}: أراد به عِنْديََّةَ القْرْبة والزلفة.
ويقال: مقعد الصدق أي مكان الصدق، والصادق في عبادته مَنْ لا يتعبَّدُ على ملاحظة الأطماع ومطالعة الأعواض.
ويقال: مَنْ طلب الأعواض هَتَكَتْه الأطماع، ومَنْ صَدَقَ في العبوديَّة تحرَّرَ عن المقاصد الدَّنِيَّة.
ويقال: مَنْ اشتغل بالدنيا حَجَبَتْه الدنيا عن الآخرة، ومَنْ أَسَرَه نعيمُ الجنة حُجِبَ عن القيامة بالحقيقة، ومَنْ قام بالحقيقة شُغِلَ عن الكوْن بجملته.

.سورة الرحمن:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)}
أي الرحمن الذي عَرَفَه الموحِّدون وجَحَدَه الكافرون هو الذي علَّم القرآن. ويقال: الرحمن الذي رحمهم، وعن الشِّرك عَصَمَهم، وبالإيمان أكرمهم، وكلمةَ التقوى ألزمهم- هو الذي عرَّفهم بالقرآن وعلَّمهم.
ويقال: انفرد الحقُّ عرَّفهم بالقرآن لعِباده.
ويقال: أجرى اللَّهُ سُنَّتَه أنه إذا أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم شيئاً أَشْرَكَ أُمتَّه فيه على ما يليق بصفاتهم؛ فلمَّا قال له (صلى الله عليه وسلم): {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ} [النساء: 113].
قال لأمته: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ}.
ويقال: علَّم الله آدمَ الأسماءَ كلَّها ثم أمره بِعَرْضها على الملائكة وذكر آدمُ ذلك لهم- قال تعالى: {أنبئني بأسماء هؤلاء} [البقرة: 33] يا آدم، وعلَّمَ (نبيُّنا صلى عليه وسلم) المسلمين القرآنَ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، والمُصَلِّي مُناجٍ ربه» قال لآدم: أُذْكُرْ ما علَّمْتُكَ للملائكة. وقال لنا: ناجِنِي يا عبدي بما عَلَّمْتُك. وقد يُلاطَفُ مع أولاد الخَدم بما لا يُلاطَفُ به آباؤهم.
ويقال: لمَّا علَّم آدمَ أسماء المخلوقاتِ قال له: أَخْبِرْ الملائكة بذلك، وعلَّمَنَا كلامَه وأسماءَه فقال: اقْرأوا عليَّ وخاطِبوا به معي.
ويقال: علَّم الأرواحَ القرآن- قَبْلَ تركيبها في الأجساد بلا واسطة، والصبيانُ إنما يُعَلَّمُونَ القرآن- في حالِ صِغَرِهم- قبل أَنْ عَرَفَتْ أرواحُنا أحداً، أو سَمِعْنا من أحدٍشيئاً.. علَّمَنَا أسماءَه.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادَفَ قلبي فارغاً فَتَمَكَّنا

ويقال: سقياً لأيامٍ مضت- وهو يُعلِّمنا القرآن.
ويقال: برحمته علّمَهم القرآن؛ فبرحمته وصلوا إلى القرآن- لا بقراءة القرآن يَصِلُون إلى رحمته.

.تفسير الآيات (4- 6):

{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)}
قوله جلّ ذكره: {خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ}.
{الإِنْسَانَ}: هاهنا مجَنْسُ الناس؛ عَلَّمَهم البيانَ حتى صاروا مُمَيزَّين- فانفصلوا بالبيان عن جميع الحيوان. وعَلَّمَ كُلَّ قومٍ لسانَهم الذي يتكلمون ويتخاطبون به.
والبيانُ ما به تبينُ المعاني- وشَرْحُه في مسائل الأصول.
ويقال: لمَّا قال أهلُ مكة إنما يُعلِّمه بَشَرٌ ردَّ الله- سبحانه- عليهم وقال: بل عَلَّمَه اللَّهُ؛ فالإنسانُ على هذا القول هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل هو آدم عليه السلام.
ويقال: البيان الذي خُصَّ به الإنسان (عموماً) يعرِفُ به كيفيةَ مخاطبةِ الأغيار من الامثال والأشكال. وأمَّا أهل الإيمان والمعرفة فبيانُهم هو عِلْمُهم كيفيةَ مخاطبةِ مولاهم- وبيانُ العبيدِ مع الحقِّ مختلفٌ: فقومٌ يخاطِبونه بلسانهم، وقومٌ بأنفاسهم، وقوم بدموعهم:
دموعُ الفتى عمَّا يحسُّ تترجمُ ** وأشواقه تبدين ما هو يكتم

وقومُ بأنينهم وحنينهم:
قُلْ لي بألسنة التنفُّس كيف أنت وكيف حالك؟
قوله جلَّ ذكره: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}.
يعني يجري أمرهما على حدٍّ معلومٍ من الحساب في زيادة الليل والنهار، وزيادة القمر ونقصانه، وتُعْرَفُ بجريانهما الشهورُ والأيامُ والسنون والأعوام. وكذلك لهما حساب إذا انتهى ذلك الأَجَلُ.. فالشمسُ تُكَوَّرُ والقمرُ يَنْكَدِر.
وكذلك لشمسِ المعارفِ وأقمارِ العلوم- في طلوعها في أوج القلوبِ والأسرار- في حكمة الله حسابٌ معلومٌ، يُجْريهَا على ما سَبَق به الحُكْمُ.
قوله جلّ ذكره: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}.
ويقال: النجم من الأشجار: ما ليس له ساق، والشجر: ما له ساق.
ويقال: النجومُ الطالعةُ والأشجارُ الثابتةُ {يَسْجُدَانِ} سجودَ دلالة على إثبات الصانع بنعت استحقاقه للجلال.

.تفسير الآيات (7- 12):

{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)}
قوله جلّ ذكره: {وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ}.
سَمَكَ السماءَ وأعلاها، وعلى وصفِ الإتقانِ والإحكام بناها، والنجومَ فيها أجراها، وبثَّ فيه كواكبَها، وحفظ عن الاختلالِ مناكِبهَا، وأثبت على ما شاءَ مشارقَها ومغاربَهَا , وَخَلَقَ الميزانَ بين الناس ليعتبروا الإنصافَ في المعالملات بينهم.
ويقال: الميزانُ العَدْلُ.
{أَلاَّ تَطْغُوْا في الْمِيزَانِ}.
احفظوا العَدْل في جميع الأمور؛ في حقوق الآدميين وفي حقوق الله، فيعتبرُ العدلُ، وتَرْكُ الحَيْفِ ومجاوزةُ الحدِّ في كل شيءٍ؛ ففي الأعمال يُعْتَبَرُ الإخلاصُ، وفي الأحوال الصدقُ، وفي الأنفاس الحقائقُ ومساواةُ الظاهرِ والباطنِ وتَرْكُ المداهنةِ والخداعِ والمكرِ ودقائق الشِّرِك وخفايا النفاق وغوامض الجنايات.
{وََأقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ}.
وأقميوا الوزن بالمكيال الذي تحبون أن تُكَالوا به، وعلى الوصف الذي ترجون أن تنالوا به مطعمكم ومشربكم دون تطفيف.
قوله جلّ ذكره: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصفِ وَالرَّيْحَانُ}.
خلق الأرض وَجَعلَها مهاداً ومثوى للأنام.
ويقال: وضعها على الماء وبسط أقطارها، وأنبت أشجاها وأزهارها، وأجرى أنهارها وأغطش ليلها وأوضح نهارَها.
{فِيهَا فَاكِهَةٌ...} يعني ألوانُ الفاكهة المختلفة في ألوانها وطعومها وروائحها ونفعها وضررها، وحرارتها وبرودتها.. وغير ذلك من اختلافٍ في حَبِّها وشجرها، وورقها ونَوْرَها.
{وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ} وأكمام النخل ليفها وما يُغِطَِّها من السَّعف.
{وَالْحَبُّ}: حَبُّ الحنطة والشعير والعدس وغير ذلك من الحُبوب.
{ذُو الْعَصْفِ}: والعصف ورق الزرع.
{وَالرَّيْحَانُ} الذي يُشَمُّ.. ويقال: الرزق لأن العرب تقول: خرجنا نطلب ريحانَ الله.
ذكَّرهم عظِمَ مِنَّتِه عليهم بما خَلَقَ من هذه الأشياء التي ينتفعون بها من مأكولاتٍ ومشمومات وغير ذلك.

.تفسير الآيات (13- 18):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)}
قوله جلّ ذكره: {فَبِأَىِّ ءَالآَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
فبأي آلاء ربكما تجحدان؟ والآلاءُ النَّعماء.
والتثنيةُ في الخطاب للمُكلَّفين من الجِنِّ والإِنس.
ويقال: هي على عادة العرب في قولهم: خليليَّ، وقِفَا، وأرحلاها بأغلام، وأرجراها بأغلام.
قوله جلّ ذكره: {خَلَق الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}.
{الإِنسَانَ}: يعني آدم، والصلصالُ الطينُ اليابس الذي إذا حُرِّكَ صَوَّتَ كالفخار. ويقال: طين مخلوط بالرمل.
ويقال: مُنَتَّتٌ؛ من قولهم صَلَّ وأَصَلَّ إذا تَغيرَّ.
{وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}.
المارج: هو اللهب المختلط بواد النار.
{فَبِأَىِّ ءَالآَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
يُذَكِّرُ الخَلْقَ من الجن والإنس كما سبق- وكرَّر اللَّهُ سبحانه هذه الآية في غير موضع على جهة التقرير بالنعمةعلى التفصيل، أي نعمةً بعد نعمة.
ووجُه النعمة في خلق آدم من طين أنه رقاه إلى رتبته بعد أن خلقه من طين. ويقال ذَكَّرَ آدمَ نِسبتَه وذكَّرنا نسبَتنا لئلا نْعَجبَ بأحوالنا.
ويقال عَرَّفَه قدَرَه لئلا يتعدَّى طَوْرَه.
قوله جلّ ذكره: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{الْمَشْرِقَيْنِ}: مشرق الصيف ومشرق الشتاء وكذلك مغربيهما.
ووجه النعمة في ذلك جريانهما على ترتيب واحدٍ حتى يكمل انتفاع الخَلْقِ بهما.
ويقال: مشرق القلب ومغربه، وشوارق القلب وغوار به إنما هي الأنوار والبصائر التي جرى ذِكْرُ بعضها فيما مضى.