فصل: تفسير الآيات (40- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (22):

{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)}
قوله جلّ ذكره: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً}.
كما أن الرياحَ في الآفاق مُقَدِّمَاتُ المطر كذلك الآمال في القلوب، وما يقرب العبد مما يتوارد على قلبه من مبشرات الخواطر، ونسيم النجاة في الطلب يحصل، فيستروح القلب إليه قبل حصول المأمول من الكفاية واللطف.
قوله جلّ ذكره: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوُهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}.
أسفاه إذا جعل له السُّقيا؛ كذلك يجعل الحق- سبحانه- لأوليائه ألطافاً معلومة في أوقات محدودة! كما قال في وصف أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةَ وعَشِيّاً} [مريم: 62].
كذلك يجعل من شراب القلوب لِكُلِّ ورداً معلوماً، ثم قضايا ذلك تختلف: فمِنْ شراب يُسْكِر، ومن شراب يُحْضِر، ومن شراب يزيل الإحساس، كما قيل:
فصحوك من لفظي هو الصحو كله ** وسُكْرُكَ من لحظي يبيح لك الشُّرْبا

ويقال إذا هبَّت رياح التوحيد على الأسرار كنست آثار البشرية، فلا للأغيار فيها أثر، ولا عن الخلائق لهم خبر.
ويقال إذا هبَّت رياح القرب على قلوب العارفين عَطَّرَتْها بنفخات الأنس، فيَسْقَوْن في نسيمها على الدوام، وفي معناه أنشدوا:
وهبَّتْ شمال آخر الليل قَرَّةٌ ** ولا ثوبَ إلا بُرْدَةَ ورائيا

وما زال بُردِي لينا من ردائها ** إلى الحوْلِ حتى أصبح البُرْدُ باليا

ويقال إذا هبَّت رياح العناية على أحوال عبد عادت مَسَاوِيه مناقِبَه ومثالبُه محاسنه.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)}
نحيي قلوبهم بالمشاهدة، ونميت نفوسهم بالمجاهدة.
ويقال نحييهم بأن نفْنِيَهمْ بالمشاهدة، ونميتَهم بأَنْ نأخذَهم عن شواهدهم.
ويقال يحيي المريدين بذكره، ويميت الغافلين بهجره.
ويقال يحيي قوماً بموافقة الأمر في الطاعات، ويميت قوماً بمتابعة الشهوات.
ويقال يحيي قوماً بأن يلاطفهم بلطف جماله، ويميت قوماً بأن يحجبهم عن أفضاله.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)}
العارفون مستقدمون بِهَمَمَهم، والعابدون مستقدمون بقَدَمهم، والتائبون بندمهم وأقوام مستأخِرون بقدمهم وهم العُصاة، وآخرون مستأخرون بهمومهم وهم الراضون بخسائس الحالات.
ويقال المستقدمون الذين يسارعون في الخيرات، والمستأخرون المتكاسلون عن الخيرات.
ويقال المستقدمون الذين يستجيبون خواطرَ الحقِّ- من غير تَعريجٍ- إلى تفكر، والمستأخِرون الذين يرجعون إلى الرُّخصِ والتأويلات.
ويقال المستقدمون الذين يأتون على مراكب التوفيق، والمستأخرون الذين تثبطهم مشقة الخذلان.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}
يبعث كلاً على الوصل الذي خرجوا من الدنيا عليه: فمن منفرد القلب بربه، ومن مُتَطَوِّحٍ في أودية التفرقة، ثم يحاسبهم على ما يستوجبونه.

.تفسير الآيات (26- 27):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)}
ذَكِّرَهم بِخِسَّتِهم لئلا يُعْجَبُوا بحالتهم.
ويقال القيمة في القُربةِ لا بالتُّربة؛ والنسب تربة ولكن النعتَ قربة.
{وَالجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ}: وإذا انطفأت النار صارت رماداً لا يجيء منها شيء، والطين إذا انكسر عاد به الماء إلى ما كان عليه، كذلك العدو لمَّا انطفأ ما كان يلوح عليه من سراج الطاعة لم ينجبر بعده، وأمَّا آدم- عليه السلام- فلمَّا اغْتَرَّ جَبَرَهُ ماءُ العناية، قال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} [طه: 122].

.تفسير الآيات (28- 31):

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)}
أظهرهم بهذا القول، وفي عين ما أظهرهم سَتَرهم.
ويقال ليست العِبْرَة بقوالبهم. إنما الاعتبار بالمعاني التي أودعها فيهم.
ويقال الملائكة لاحظوه بعن الخِلْقَة فاستصْغروا قَدْرَه وحاله، ولهذا عَجِبوا من أَمْرِ الله- سبحانه- لهم بالسجود له، فكشف لهم شظية مما اختَصَّه به فسجدوا له.
قوله: {إلاَّ إِبْلِيسَ أَبِى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}: وكذا أمرُ مَنْ حُجِبَ عن أحواله ادَّعى الخَيْرَةَ وَبَقِيَ في ظُلمة الحَيْرةِ.
ويقال بَخِلَ بسجدةٍ واحدةٍ، وقال: أَسْتَنْكِفْ أَنْ أسجد لغير الله. ثم من شقاوته لا يبالي بكثرة معاصيهِ، فإنه لا يَعْصِي أحدٌ إلاَّ وهو سببُ وسواسه، وداعيه إلى الزِّلَّةِ.. وذلك هو عين الشَّقوة وقضية الخذلان.

.تفسير الآيات (32- 35):

{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)}
سأله ومعلومٌ له حالُه، ولو ساعدته المعرفةُ لقال: قُلْ لي مالك؟ وما مَنَعَكَ؟ وَمَنْ مَنَعَك حتى أقول أنت.. حيث أَشْقَيْتني، وبقهرِك أَغْوَيْتَني، ولو رَحِمْتَني، لَهَدَيْتَنِي وفي كنف عصمتك آويتني.... ولكنَّ الحرمانَ أدركه حتى قال: {لَمْ أَكُن لأَِسْجُدَ لِبَشَرٍ}.

.تفسير الآيات (36- 38):

{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)}
ولمَّا أبعده الحقُّ- سبحانه- عن معرفته، وأفرده باللعنة استنظره إلى يوم القيامة والبعث، فأجابه. وظَنَّ اللَّعينُ أنه حصل في الخير مقصوده، ولم يعلم أنه أراد بذلك تعذيبه عذاباً شديداً، فكأنه كان في الحقيقة مكراً- وإن كان في الحال في صورة إجابة السؤال بما يُشْبِهُ اللطفَ والبِرَّ.
وبعض أهل الرجاء يقول: إن الحق- سبحانه- حينما يهين عدوَّه لا يَرُدُّ دعاءَه في الإمهال ولا يمنعه من الاستنظار؛ فالمؤمن- إذ أَمْرُهُ الاستغفارُ السؤالُ بوصفِ الافتقارِ- أَوْلَى ألا يقنظَ مِنْ رحمتهِ، لأنَّ إنظارَ اللعين زيادةُ شقاء له تحقيق عطاء.

.تفسير الآية رقم (39):

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)}
الباء في {بِمَا أَغْوَيْتَى} باء القسم، ولم يكن إغواؤه إياه مما يجب أن يُقْسِم به لولا فَرْطُ جَهْلِه. ثم هو في المعنى صحيح، لأنَّ الإغواء مما يتفرَّدُ بالحق بالقدرة عليه، ولا يشاركه فيه أحد، ولكن اللَّعِينَ لا يعرف الله الحقيقة، إذ لو عَرَفَه لم يدعُ إلى الضلال، لأنه لو قدر على إضلالِ غيره لاستبقى على الهدايةِ نَفْسَه. وعند أهل التحقيق إنه يقول جميع ذلك حَدْساً وهو لم يَعْرِفْ الله- على الحقيقة- قَطُّ.

.تفسير الآيات (40- 41):

{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)}
الإخلاصُ هو تصفيةُ الأعمالُ عن الغَيْن وعن الآفات المانعة من صالح الأعمال. وقد عَلِمَ اللعينُ أنه لا سبيل له إليهم بالإغواء لمَّا تَحَقَقَ من عناية الحقِّ بشأنهم.
{قال هذا صراط عليَّ مستقيم} تهديدٌ، كما تقول: افعل ما شِئْتَ.. وهذا طريقي.

.تفسير الآية رقم (42):

{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)}
السلطان الحجة، وهي لله على خَلْقه، وليس للعدوِّ حجة على مخلوق، إذ لا تَتَعدَّى مقدرتُه محلَّه، فلا تَسلَّطَ- في الحقيقة- لمخلوق بالتأثير فيه.
{إِنَّ عِبَادِى}: إذا سمى الله واحداً عبداً فهو من جملة الخواص، فإذا أضافه إلى نفسه فهو خاص الخاص، وهم الذين محاهم عن شواهدهم، وحفظهم وصانهم عن أسباب التفرقة وجرَّدهم عن حَوْلهم وقُوَّتِهم، وكان النائبَ عنهم في جميع تصرفاتهم وحالاتهم، وحفظ عليهم آدابَ الشرع، وألبَسُهم صِدارَ الاختيار في أوان أداء التكليف، وأخذهم عنهم باستهلاكهم في شهوده، واستغراقهم في وجوده.. فأيُّ سبيلٍ للشيطان إليهم؟ وأي يدٍ للعدو عليهم؟
ومَنْ أشهدِ الحقُّ حقائقَ التوحيد، ورأى العالَمَ مُصَرَّفاً في قبضة التقدير، ولم يكن نهباً للأغيار.. فمتى يكون لِلَّعين عليه تسلط، وفي معناه قالوا:
جحودي فيك تقديسُ ** وعقلي فيك تهويسُ

فمن آدم إلاَّكَ ** ومَنْ في البيت إبليسُ

.تفسير الآيات (43- 44):

{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)}
اجتمعوا اليومَ في أصل الضلالة، ثم الكفر مِلَلٌ مختلفةٌ، ثم يجتمعون غداً في العقوبة وهم زُمَرٌ مختلفون، لكلِّ دَرَكَةٍ من دركات جهنم قوم مُخَصُّون.

.تفسير الآية رقم (45):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)}
المتقي مَنْ وقَّاه الله بفضله لا مَنْ اتَّقى بَتَكلُّفِه، بل إنه ما اتقى بتكلفه إلاَّ بعد أن وقَّاه الحقُّ- سبحانه- بفضله. هم اليومَ في جنات ولها دَرَجات بعضها أرفعُ من بعض، كما أنهم غداَ في جنَّات ولها درجات بعضها فوق بعض.
اليوم لقومٍ درجةُ حلاوة الخدمة وتوفيق الطاعة، ولقوم درجة البسط والراحة، ولآخرين درجة الرجاء والرغبة، ولآخرين درجة الأنْسِ والقربة، قد علم كلُّ أناسٍ مشربَهم ولزم كلُّ قومٍ مذهبَهم.

.تفسير الآية رقم (46):

{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46)}
معناه يقال لهم: {أدخلوها}، وأَجْمَلَ ذلك ولم يقل مَنْ الذي يقول لهم. ويرى قومٌ أن المَلكَ يقول لهم: أدخلوها.
ويقال إذا وافَوْا الجنة وقد قطعوا المسافة البعيدةَ، وقاسوا الأمورَ الشديدة َ، فَمِنْ حقِّهم أن يدخلوا الجنة، خاصةً وقد علموا أَنَّ الجنةَ مُبَاحةٌ لهم، ولعلهم لا يفقهون حتى يقال لهم.
ويقال يحتمل أنهم لا يدخلونها بقول المَلَكِ حتى يقول الحقُّ: أدخلوها، كما قالوا:
ولا أَلْبَسُ النُّعمى وغيرُك مُلْبِسٌ ** ولا أَقْبَلُ الدنيا وغيرك واهبُ

قوله: {بِسَلاَمٍ ءَامِنِينَ}: بمعنى السلامة، وهي الأمان، فيأمنون أنهم لا يخرجون منها.
ويقال كما لا يخرجون من الجنة لا يخرجون عما هم عليه من الحال؛ فالرؤية لهم وما هم فيه من الأحوال الوافية- مديدةٌ.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)}
قوله جلّ ذكره: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}.
أَمَرَ الخليلَ عليه السلام ببناء الكعبة وتطهيرها فقال: {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ} [الحج: 26]، وأَمَرَ جبريلَ عليه السلام حتى غَسَلَ قلبَ المصطفى- صلىلله عليه وسلم- فَطَهَّرَهِ. وتولّى هو- سبحانه- بنفسه تطهيرَ قلوب العاصين، فقال: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} [الحجر: 47] وذلك رفقاً بهم، فقد يصنع الله بالضعيف ما يتعجَّبُ منه القوي، ولو وكل تطهير قلوبهم إلى الملائكة لاشتهرت عيوبُهم، فتولَّى ذلك بنفسه رفقاً بهم.
ويقال قال: {مَا في صُدُورِهِم} ولم يقل ما في قلوبهم لأن القلوب في قبضته يقلبها، وفي الخبر: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» يريد بذلك قدرته، فاستعمل لفظ الإصبع لذلك توسعاً. وقيل بين إصبعين أي نعمتين.
قوله جلّ ذكره: {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.
قابل بعضُهم بعضاً بالوجه، وحفظ كلُّ واحدٍ عن صاحبه سِرَّه وقلبَه، فالنفوس متقابلة ولكنَّ القلوبَ غيرُ متقابلة؛إذ لا يشتغل بعضهم ببعض، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ}.

.تفسير الآية رقم (48):

{لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)}
أي لا يلحقهم تعبٌ؛ لا بنفوسهم ولا بقلوبهم. وإذا أرادوا أمراً لا يحتاجون إلى أن ينتقلوا من مكانٍ إلى مكان، ولا تحار أبصارهم، ولا يلحقهم دَهَشٌ، ولا يتغير عليهم حالٌ عما هم عليه من الأمر، ولا تشكل عليه صفة من صفات الحق.
{وَمَا هُم مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} أي لا يلحقهم ذلُّ الإخراج بل هم بدوام الوصال.

.تفسير الآية رقم (49):

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)}
لمَّا ذَكَرَ حديثَ المتقين وما لهم من علوِّ المنزلة انكسرت قلوب العاصين، فَتَدارَك اللَّهُ قلوبهم، وقال لنبيِّه- صلى الله عليه وسلم- أخبر عبادي العاصين أني غفور رحيم، وأني إنْ كنتُ الشكورَ الكريمَ بالمطيعين فأنا الغفورُ الرحيمُ بالعاصين.
ويقال مَنْ سَمِعَ قوله: {أَنِّى أَنَا} بسمع التحقيق لا يبقى فيه مساغٌ لسماع المغفرة والرحمة؛ لأنه يكون عندئذ مُخْتَطَفاً عن شاهده، مُسْتَهَلكاً في أنيته.