فصل: تفسير الآيات (70- 71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (59):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)}
هذا تنبيةٌ لهن على حِفْظِ الحُرْمة وإثبات الرُّتْبَة، وصيانةٌ لهن، وأمرٌ لهن بالتصاونِ والتعفُّفِ. وقَرَن بذلك تهديده للمنافقين في تعاطيهم ما كان يشغل قلبَ الرسول صلى الله عليه وسلم، من الإرجاف في المدينة.

.تفسير الآيات (60- 62):

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)}
إنهم إِلَمْ يمتنعوا عن الإرجاف وأمثال ذلك لأجرينا معهم سُنَّتَنا في التدمير على مَنْ سَلَف من الكفار.
ثم ذَكَرَ مسألة القوم عن قيام الساعة وتكذيبهم ذلك؛ ثم استعجالهم قيامَها من غير استعدادٍ لها، ثم أخبر بصعوبة العقوبة التي علم أنه يُعَذِّبهم بها، وما يقع عليهم من الندامة على ما فَرَّطوا.

.تفسير الآية رقم (69):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}
نسبوه إلى الأُدْرَة، وأنَّ به عيباً في الخِلْقَة، ولكنه كان رجلاً حَيِيَّا، وكان إذا اغتسل لا يتجرَّد (من ثوبِه)، فتوهموا به ذلك، وذات يوم خلا ليغسلَه، ووضع ثيابَه على حَجَرٍ فأمشى اللَّهُ الحَجَر بثيابه، وموسى يعدو خَلْفَه حتى تَوَسَّطَ بني إسرائيل، وشاهدوا خِلْقَتَه سليمةً، فوقف الحجرُ، وأخذ موسى ثيابه ولبسها، وهذا معنى قوله: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} في القَدْرِ والمنزلةِ. والوجاهة النافعة ما كان عند الله لا عند الناس، فقبولُ الناسٍ لا عِبْرَةَ به ولا خَطَرَ له، لاسيما العوامُ فإِنهم يَقْبَلُون بلا شيء، ويَرُدُّون بلا شيء قال قائلهم:
إِنْ كنتُ عندك يا مولاي مطرحاً ** فعند غيرك محمولٌ على الحدق

وقالوا: فإِنْ أَكُ في شِرَارِكُم قليلاً ** فإني في خِيارِكُم كثيرٌ

.تفسير الآيات (70- 71):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}
القول السديد كلمةُ الإخلاص، وهي الشهادتان عن ضميرٍ صادق.
ويقال سدادُ أقوالِكم سدادُ أعمالِكم، ولقد هَوَّن عليكم الأمرَ فَمَنْ رضي بالقالة- وهي الشهادة بأن تَرَك الشِّرْك- وقالها بِصِدْقٍ أصلح اللَّهُ له أعمالَه الدنيوية من الخَلَل، وغَفَرَ له في الآخرة الزَّلَل؛ أي حصلت له سعادةُ الدارين.
ويقال ذَكَرَ {أَعْمَالَكُمْ} بالجمع، وقدَّمها على الغُفران؛ لأنه ما يُصْلِح لك في حالِكَ أعمالَكَ وإِنْ لم يَكْفِكَ ما أَهَمَّكَ من أشغالك.. لم تتفرغْ إلى حديث آخِرَتِكَ.

.تفسير الآية رقم (72):

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}
هنا إضمار أي: أهل السموات والأرض والجبال.
وقيل أحياها وأعْقَلَها، وهو كقوله: {ائتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].
{فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا}: أي أبين أنْ تَخُنَّ فيها، {وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ}: أي خان فيها. وهم مراتب: فالكفار خانوا في الأصل الأمانة- وهي المعرفة- فكفروا. ومَنْ دُونَهم خانوا بالمعاصي، وبعضهم أَشَدُّ وبعضهم أهون، وكلُّ احتقب من الوِزْرِ مقدارَه.
ويقال أبين: إِباءَ إشفاقٍ لا إِباء استكبارٍ، واستعفين..... فعفا عنهن، وأعفاهن مِنْ حَمْلها.
{وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ}: قَبِلَها ثم ما رعوها حقَّ رعايتها.. كلٌّ بقدره.
{إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} بصعوبة حَمْلِ الأمانة في الحال، والعقوبة التي عليها في المآل. وقومٌ قالوا عَرَضَ الأمانةَ على السمواتِ والأرضِ وعَرَضَها على الإِنسان، فهن استعفين وهؤلاء لم يستعفوا ولم يراعوا.
ويقال: الأمانة القيام بالواجباتِ أصولها وفروعها.
ويقال: الأمانة التوحيد عقداً وحفظ الحدود جهداً.
ويقال: لمَّا حَمَلَ آدمُ الأَمانة وأولاده قال تعالى: {وَحَمَلْنَاهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحَرِ} [الإسراء: 70].. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
ويقال حمل الإنسانُ بالله لا بنَفْسِه. ويقال ظَلَمَ نَفْسَه حيث لم يُشْفِقْ مما أشفقت منه السمواتُ والأرضون. والظُلْمُ وَضْعْ الشيءِ في غير موضعه.
ويقال كاشَفَ السمواتِ والأرضَ بوصف الربوبية والعظمة فأشفقوا، وكاشَفَ آدمَ وذُرِّيَتَه بوصف اللطفِ فقَبِلوا وحملوا، وفي حال بقاء العبد يا لله يحمل السمواتِ والأرضَ بشعرة من جَفْنِه. ويقال كانت السموات والأرض أصحاب الجثث والمباني فأشفقوا من حَمْل الأمانة. والحِمْلُ إنما تحمله القلوب. وآدم كان صاحبَ معنًى فَحَمل، وأنشدوا:
حملت جبال الحكم فوقي وإنني ** لأَعْجَزُ عن حمل القميص وأضعفُ

ويقال لما عَرَضَ الحقُّ الأمانةَ على الخَلْقِ عَلَّقَ آدمُ بها هَمَّتَه، فصرف بهمته جميع المخلوقات عنها، فلمَّا أبوا وأشفقوا حَمَلَها الإنسانَ طوعاً لا كرهاً.

.تفسير الآية رقم (73):

{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}
اللام في ليعذب للصيرورة والعاقبة؛ أي صارت عاقبةُ هذا الأَمرِ عذابَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والتجاوز. (تَمَّت السورة) قد يقال: المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات والعاصون من المؤمنين والمؤمنات وَرَدَ ذكرهم.. فأين العابدون وذكرهم؟
ولكنهم في جملة مَنْ مضى ذِكْرُهم، وليسوا في المشركين ولا في المنافقين، فلا محالة في جملة العاصين الذين تاب عليهم.
فيأيها العاصي، كنت تحذر أَنْ يُخْرِجَك العابدون من جملتهم، فاشْهد الجبَّارَ- في هذا الخطاب- كيف أدرجك في جملتهم؟!

.سورة سبأ:

.تفسير الآية رقم (1):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)}
افتتح السورة بذكر الثناء على نفسه، ومَدْحُه لنفسه إِخبارٌ عن جلالِه، واستحقاقه لنعوت عزِّه وجمالِه، فهو في الأَزل حامدٌ لنفسِه محمودٌ، وواحدٌ موجود، في الآزال معبود، وبالطلبات مقصود.
{الَّذِى لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ}: المُلْكُ لا يكون بالشركة؛ فلا مَلِكَ إلا الله. وإِنْ أجرى هذا الاسمَ على مخلوق بالزنجيُّ لا يتغير لونُه وإِنّ سُمِّيَ كافوراً!
{وَلَهُ الْحَمْدُ في الأَخِرَةِ} مِنَ الذين أَعتقهم، وفي النعمة أغرقهم.
{وَهُوَ الْحَكِيمُ} بتخليد قومٍ في الجنة، وتأبيد قومٍ في النار.

.تفسير الآية رقم (2):

{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأَرْضِ} من الحَبِّ تحت الأرض، والماءِ يرسب فيها، والأشياءِ التي تُلْقَى عليها، والناس يُقْبَرُون في الأرض..
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النبات والأزهار، والموتى يُبعثون.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ} من القَطْرِ والمَلَكِ، والبركة الرزق، والحُكْمِ.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الصحف، وحوائج الناس: وهِمَمِ الأولياء.
{وَهُوَ الرَّحِيمُ} بعباده، {الغَفُورُ} لجميع المذنبين من المسلمين.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)}
كرّر في القرآن تكذيبهم بالساعة، واستبعادهم لذلك، والردَّ عليهم. وأخبر عن سابق عِلمه بهم، وأنه لا يخرج شيء من معلوماته عن علمه، فأثبت علمه بكل شيءٍ وشموله لكل شيء.. لأَنه لو لم يكن له علم لكان نقصاً، ولأنه لو خرَجَ مَعلومٌ واحدٌ عن علمهِ لكان بقدرته نقصٌ، والنقصُ- بأي وصفٍ كان- لا يجوز في صفته بحالٍ.

.تفسير الآية رقم (4):

{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
المحسنون منهم يجازيهم بالخيرات المتصلة، والكافرون منهم يكافئهم على كفرهم بالعقوبات غيرَ منفصلة.
ويرى الذين أوتوا العلم كتابك الذي أَتَيْتَ به حَقاً وصِدْقاً. والذين كفروا قال بعضهم لبعض: إِنَّهم يرون أن هذا الذي تقول به من النشر والحساب والبعث كذبٌ، أو أَنّ بِك جِنَّةً، ثم أقام عليهم حُجة التجويز بما أجرى به سُنَّتَه في الخلق والإبداع.. فما زادهم ذلك إِلا جحوداً، وما قابلوه إلا عنوداً.

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)}
داود: اسم أعجمي، وقيل سمي داود لأنه داوى جَرْحه، وَرَدَ في القصة أنه قال في إحدى مناجاته: يا رب، إني أرى في التوارة ما أعطيتَ لأوليائك وأَنبيائك من الرتب فأعطنيها فقال: إني ابتليتهم فصبروا، فقال: إني أصبر على بلائك، فأَعْطني ما أعطيتهم، فأبلاه، فوقف، فأعطاه ما أعطاهم.
{وَلَقَدْ ءَاتينَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً}: تكلموا في هذا الفضل؛ فمنهم مَنْ أراد ما ذكره بعده وهو قوله للطير: {أَوِّبِى مَعَهُ}: وكذلك الجبال، وكان في ذلك تنفيس في وقت حُزْنِه وبكائه. وقيل ذلك الفضلُ رجوعُه إلى الله- في حال ما وقع له- بالتنصل والاعتذار. ويقال هو شهودُه موضِعَ ضرورته وأنه لا يُصْلِحُ أمرَه غيرُه. ويقال طيب صوته عند قراءة الزبور حَتى كان ليرْغبُ في متَابعته مَنْ يسمع إليه. ويقال حلاوةُ صوته في المناجاة. ويقال حُسنُ خُلقه مع أمته الذين اتبعوه، ويقال توفيقه للحكم بين أمته بالعدل...
قوله: {يَاجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ} أمرَ الجبالَ والطيرَ بمجاوبته حتى خرَجَ إلى الجبال والصحارى ينوح على نفسهِ.
ويقال أوحى الله له: يا داود، كانت تلك الزَّلَّةُ مباركةً عليك! فقال. يا رب، وكيف؟ فقال: كنتَ تجيء قبلها كما يجيء المطيعون والآن تجيء كما يجيء أهل الذنوب!
يا داود، إن أنينَ المذْنبين أحبُّ إليّ من صُراخ العابدين!
ويقال، كان داود يقول. اللهمّ لا تَغفرْ للخاطئين، غيرةً منه وصلابةً في الدين , فلما وقع له ما وقع كان يقول. اللهم اغفر للمذنبين، فعسى أن تغفرَ لداود فيما بينهم.
ويقال لمَّا تاب الله عليه، واجتمع الإنسُ والجنُّ والطير بمجلسه، وَرَفع صوتَه، وأداره في حَنَكِه على حسب ما كان من عادته تفرّقت الطيور وقَالوا. الصوتُ صوتُ داود والحال ليست تلْك! فأوحَى اللَّهُ إليه هذه وَحْشةُ الزّلة، وتلك كانت أُنسَ الطاعة.. فكان داودُ يبكي وينوح ويصيح والطير والجبالُ معه.
وَيقال ليس كلُّ مَنْ صاح وراءه معنى، فالمعنى كان مع داود لا مع الجبال والطير...
{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدَِّرْ في السَّرْدِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً}. ألان له الحديدَ، وجعل ذلك معجزةً له، وجعل فيه توسعةَ رزقه، ليجدَ في ذلك مكسباً، لِيَقْطَعَ طَمَعَه عن أُمته في ارتفاقه بهم ليباركَ لهم في اتِّباعِه.

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)}
أي آتينا سليمانَ الريح أي سَخّرناها له، فكانت تحمل بساطة بالغدو مسيرة شهر؛ وبالرواح مسيرةَ شهر.
وفي القصة أنه لاحظ يوماً مُلْكَه، فمال الريحُ ببساطه، فقال سليمان للريح: استو، فقالت الريح: استوِ أنت، فما دمتَ مستوياً بقلبك كنتُ مستوياً بك، فلما مِلْتَ مِلتُ.
{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}.
أي وآتيناه ذلك، فكانت الشياطينُ مُسَخَّرةً له، يعملون ما يشاء من الأشياء ذكرها سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ}.
أي اعملوا يا آل داود للشكر، فقوله: {شكراً} منصوب لأنه مفعول له.
ويقال شكراً؛ منصوب لأَنه مفعول به مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنين: 4].
وقد مضى طَرَفٌ من القول في الشكر. والشكور كثير الشكر، والأصل في الشكر الزيادة، والشكيرة اسم لما ينبت تحت الأشجار منها، ودابة شكور إذا أظهرت من السِّمَن فوق ما تُعْطَى من العَلَفِ؛ فالشكور الذي يشكر على النعمة فوق ما يشكر أمثالُه وأضرابُه. وإذا كان الناسُ يشكرونه على الرخاء فالشكور يشكره في البلاء.
والشاكر يشكر على الَبذْلِ، والشكور على المنع.. فكيف بالبذل؟
والشكور يشكر بقلبه ولسانه وجوارحه ومالِه، والشاكر ببعض هذه.
ويقال في {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشّكُورُ} قليلٌ مَنْ يأخذ النعمة مني ولا يحملها على الأسباب؛ فلا يشكر الوسائطَ ويشكرني. والأكثرون يأخذون النعمة من الله، ويَجِدُون الخيرَ مِنْ قِبَلهِ ثم يتقلدون المِنَّةَ من غير الله، ويشكرون غيرَ الله.