فصل: تفسير الآيات (73- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (50):

{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}
العذابُ الأليم هنا هو الفراق، ولا عذابَ فوق في الصعوبة والألم.

.تفسير الآيات (51- 52):

{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)}
أَلا عرَّفهم كيف كانت فتوة الخليل في الضيافة، وقيامه بحقِّ الضيفان، وكان الخليلُ عليه السلام يقوم بنفسه بخدمة الضيفان، فلمَّا سلموا من جانبهم وردَّ عليهم وانْفَضُّوا عن تناولِ طعامِه:
قوله جلّ ذكره: {قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ}.
وَجلون أي خائفون، فإنَّ الإمساكَ عن تناول طعام الكرام موضعٌ للريبة. ولمَّا عَلِمَ أنهم ملائكة خاف أن يكونوا نزلوا لتعذيب قومه إذ كانوا مجرمين. ولكن سكن رَوْعُه.

.تفسير الآية رقم (53):

{قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)}
فليس لك موضِعٌ للوَجَلِ لكن موضِعٌ لفَرَجِ؛ فإنا جئناك مُبَشِّرين، وإن كُنَّا لغيرِكَ مُعَذِّبين.
نحن {نبشرك بغلام عليم}: أي يعيش حتى يعلم، لأن الطفل ليس من أهل العلم، وكانت بشارتُهم بالوَلَدِ وببقاءِ الولد هي العجب. رضي الله عنهم.

.تفسير الآيات (54- 56):

{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)}
قال أبشرتموني وقد مسَّني الكِبَرُ؟ وإنَّ الكبير قد فاته الوقت الذي يفرح فيه من الدنيا بشيء. بماذا تبشروني وقد طَعَنْتُ في السنِّ، وعن قريب أرتحل إلى الآخرة؟ قالوا: بشرناك بالحق فلا تكن من جملة من يقنط من رحمة الله، ولا يقنط من رحمة ربه إلا من كان ضالاً.
قال: كيف أخطأ ظنكم فيّ فتوهمتم أني أقنط من رحمة ربي؟
فلما فرغ قلبه من هذا الحديث، وعرف أنه لن يُصيبَه ضررٌ منهم سألهم عن حالهم.

.تفسير الآيات (57- 60):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}
قال ما شأنكم؟ وإلى أين قصدكم؟
قالوا: أُرْسِلْنا لعذاب قوم لوط، ولننجيَ أهله إلا امرأته لمشاركتها معهم في الفساد، وكانت تدل على أضيافه، فاستوجبت العقوبة.
فلمَّا وافى المرسلون من آل لوطٍ أنكرهم لأنه لم يجدهم على صورة البشر، وتفرَّس فيهم على الجملة أنهم جاءوا لأمر عظيم، قالوا: بل جئناك بما كان قومك يَشُكُّونَ فيه مِنْ تعذيبنا إياهم، وآتيناك بالحق، أي بالحكم الحق.

.تفسير الآيات (65- 66):

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
قوله جلّ ذكره: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقْطِعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}.
فأَسْرِ بأهلك بعدما يمضي شيءٌ من الليل، وامش خلفهم، وقدَّمهم عليك، واتبع أدبارهم، ولا يلتفت منكم أحد لئلا يَرَوْا ما ينزل بقومهم من العذاب، وإنا ننقذك وأهلَكَ إلا امرأَتَك، فإنا نعذبها بمشاركتها مع قومك في العصيان. {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} فلكم السلام ولقومكم العقوبة.
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} أي عَلَّمْناه وعَرَّفْناه: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ}؛ أي أنهم مُهْلَكون ومُسْتَأْصَلُون بالعقوبة.
ثم لما نزل الملائكةُ بلوط عليه السلام قال لقومه إن هؤلاء أضيافي، فلا تتعرضوا لهم فتفضحوني، واتقوا اللَّهَ، وذروا مخالفة أمره ولا تخْجِلوني. فقال قومه: ألم نَنْهَكَ عن أن تحمي أحداً، وأمرناك ألا تمنعَ مِنَّا أحداً؟ فقال: هؤلاء بناتي يعني نساء أمتي. وقال قومٌ: أراد بناتِه من صلبه، عَرَضهن عليهم لئلا يُلِمُّوا بتلك الغلطة الفحشاء، فلم تنجع فيهم نصيحة، ولم يُقْلِعوا عن خبيثِ قَصْدِهم.
فأخبره الملائكة ألا يخافَ عليهم، وسكنوا من رَوْعه حين أخبروه بحقيقة أمرهم، وأنهم إنما أرسلوا للعقوبة.

.تفسير الآية رقم (72):

{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}
اقسم بحياته تخصيصاً له في شرفه، وتفضيلاً له على سائر البرية، فقال وحياتك- يا محمد- إنهم لفي ضلالتهم وسكرة غفلتهم يتردُّون، وإنهم عن شِرْكهم لا يُقْلِعون.
ويقال أقسم بحياته لأنه لم يكن في وقته حياة أشرف من حياته- إنهم في خُمَارِ سُكْرِهم، وغفلةِ ضلالتهم لا يترقبون عقوبةً، ولا يخافون سوءاً.

.تفسير الآيات (73- 77):

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
قوله جلّ ذكره: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ إِنَّ في ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ}.
باتوا في حبور وسرور، وأصبحوا في محنة وثبور، وخرَّر عليهم سقوفُهم، وجعلنا مُدَتَهم ومنازِلهم عاليَها سافِلَها، وأمطرنا عليهم من العقوبة ما لم يُبْقِ عيناً ولا أَثَراً، إنَّ في ذلك لَعِبْرة لمن اعتبر، ودلالةً ظاهرة لمن استبصر، {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} لِمَنْ شاءَ أن يَعْتَبِرْ.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ في ذَلِكَ لأَيَاتِ لِلّمُتوسِمِينَ}.
جاء في التفسير المتفرسين، والفراسةُ خاطرٌ يحصل من غير أن يعارضه ما يخالفه عند ظهورِ يرهانٍ عليه، فيخرج من القلب عين ما يقع لصاحب الفراسة. مشتق من فريسة الأسد إذ لفريسته يقهر. والحق- سبحانه- يُطْلِعُ أولئاءه على ما خفي على غيرهم. وصاحب الفراسة لا يكون بشرط التفرس في جميع الأشياء وفي جميع الأوقات؛ بل يجوز أن تُسَدَّ عليه عيونُ الفراسة في بعض الأوقات كالأنبياء عليهم السلام؛ فَنِبِيُّنا- صلى الله عليه وسلم- كان يقول لعائشة- رضي الله عنها- في زمان الإفك: «إنْ كُنْتِ فعلتِ فتوبى إلى الله» وكإبراهيم ولوط- عليهما السلام- لم يعرفا الرسل.

.تفسير الآيات (78- 84):

{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)}
أصحاب الأيكة هم قوم شعيب، وكان شعيب- عليه السلام- مبعوثاً لهم فَكَذَّبوه، فانتقمنا منهم.
قوله: {وَإِنَّهُمَا} يعني مدين والأيكة... {لَِبإِمَامٍ مُّبِينٍ}: أي بطريق واضح مَنْ قصده (...).
وكذلك أخبر أن أصحاب الحجر- وهم ثمود- كذبوا المرسلين إليهم، وأنهم أعرضوا عن الآيات التي هي المعجزات كنافِة صالح وغيرها، وأنهم كانوا أخلدوا إلىلأرضين وكانوا مُغْتَرِّين بطول إمهال الله إياهم من تأخير العقوبة عنهم، وكانوا يتخذون من الجبال بيوتاً، ويظنون أنهم على أنفسهم آمِنُون من الموت والعذاب.
ثم أخبر أنهم أَخَذَتْهم الصيحةُ على بغتةِ، ولم تُغْنِ عنهم حيلتُهم لمَّا حَلَّ حَيْنُهم.

.تفسير الآية رقم (85):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)}
قوله جلّ ذكره: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ}.
دلَّت الآيةُ على أنَّ أكسابَ العباد مخلوقةٌ لله ألأنها بين السموات والأرض.
قوله جلّ ذكره: {إِلاَّ بِالحَقِّ وَإِنََّ السَّاعَةَ لأَتِيَةٌ}.
{إِلاَّ بِالحَقِّ}: أي وأنا مُحقٌّ فيه ويقال: {بِالحَقِّ}: بالأمرِ العظيم الكائن إنْ الساعة لآتيةٌ يعني القيامَةَ.
قوله جلّ ذكره: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ}.
يقال الصفح الجميل الذي تذكر الزَّلَّةُ فيه.
ويقال الصفح الجميل سحبُ ذيل الكَرَمِ على ما كان مِنْ غير عَقْدِ الزَّلَّة، بلا ذِكْرٍ لما سَلَفَ من الذنب، كما قيل:
تعالوا نصطلح ويكون مِنَّا (..............)ويقال الصفح الجميل الاعتذار عن الجُرْم بلا عدِّ الذنوب من المجرم، والإقرار بأن، الذنب كان منك لا من العاصي، قال قائلهم:
(وتُذْنِبون فنسي ونعتذر)

.تفسير الآية رقم (86):

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
{هُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ} إذ لا يصح الفعل بوصف الانتظام والاتساق من غير عالِم.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87)}
أكثَرُ المفسرين على أنها سورة الفاتحة، وسميت مثاني لأنها نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة، ولأنها شيء في كل صلاةِ يتكرر، من التثنية وهي التكرير، أو لأن بعضها يضاف إلى الحق وبعضها يضاف إلى الخلق.. ومعنى هذا مذكور في كتب التفاسير.

.تفسير الآية رقم (88):

{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)}
قوله جلّ ذكره: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ}.
لم يُسَلِّمْ له إشباع النظر إلى زَهْرَة الدنيا وزينتها.
ويقال غار على عينيه- صلى الله عليه وسلم- أن يستعملَها في النظر إلى المخلوقات.
ويقال أَدَّبَه اللَّهُ- سبحانه- بهذا التأديب حتى لا يُعِيرَ طَرْفَه من حيث الاستئناس به.
ويقال أمره بحفظ الوفاء لأنه لمًّا لم يكن اليومَ سبيلٌ لأحد إلى رؤيته، فلا تمدن عينيك إلى ملاحظة شيء من جملة ما خوَّلْناهم، كما قال بعضهم:
لمَّا تَيَقَّنْتُ أني لسْتُ أبصركم ** أغمضتُ عيني فلم أنظر إلى أحد

ويقال شَتَّانَ بينه وبين موسى- عليه السلام! قال له: {لَن تَرَانِى وَلَكِن انظُرْ إِلَى الجَبَلِ} [الأعراف: 143]، ونبينا- صلى الله عليه وسلم- مَنَعَه من النظر إلى المخلوقات بوصفٍ هو تمام النظر فقال: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: 88].
ويقال إذا لم يسلم له إشباع النظر بظاهره إلى الدنيا فكيف يسلم له السكون بقلبه إلى غيرالله؟!
ويقال لما أُمِرَ بِغَضِّ بَصَرِه عما يتمتُّع به الكفارُ في الدنيا تَأَدَّبَ- عليه السلام- فلم ينظرْ ليلةَ المعراج إلى شيءٍ مما رأى في الآخرة، فأثنى عليه الحقُّ بقوله: {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] وكان يقول لكل شيءٍ رآه «التحيات لله» أي المُلْكُ لله.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِم}.
أدّبه حتى لا يتغير بصفة أحد، وهذه حال التمكين.
قوله جلّ ذكره: {وَاخفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
أي أَلمِنْ لهم جانبَكَ. وكان عليه السلام إذا استعانت به الوليدة في الشافعة إلى مواليها يمضي معها...إلى غير ذلك من حسن خُلُق- صلوات الله عليه- وكان في الخبر إنه كان يخدم بيته وكان في (مهنة) أهله. وتولَّى خدمة الوفد، وكان يقول؛ «سيدُ القومِ خادمُهم».

.تفسير الآية رقم (89):

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)}
لمَّا لم يكن بنفسه وكان قائماً بحقه- سبحانه وتعالى- سَلّمَ له أن يقول: إني وأنا. وفي الخبر: أن جابراً دَقَّ عليه الباب، فقال: «مَنْ؟» قال: أنا.... فقال النبي عليه السلام: «أنا أنا».. كأنه كرهها.
ويقال: قُلْ لا حدَّ لاستهلاكك فينا، سلَّمنا أن تقول: إني أنا، لما كنتَ بنا ولنا.

.تفسير الآيات (90- 91):

{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91)}
قوله جلّ ذكره: {كَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ}.
أي قل إني أنا لكم مُنذِرٌ بعذابٍ كالعذاب الذي عذَّبْنا به المقتسمين؛ وهم الذين تقاسموا بالله لنبيِّه في قصة صالح عليه السلام. وقيل هم من أهل الكتاب الذين اقتسموا كتاب الله؛ فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضِه.
ويقال إني لكم نذير أخوفكم عقوبة المقتسمين الذين اقتسموا الجبال والطرق بمكة في الموسم، وصدوا الناس. وكان الواحد منهم يقول لِمَنْ مَرَّ به: لا تُؤْمِنْ بمحمدٍ فإنه ساحر، ويقول الآخر: إنه كاهن ويقول ثالث: إنه مجنون، فهم بأقسامهم: {الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْءَانَ عِضِينَ}.
ففرقوا القول فيه، فقال بعضهم إنه شعر، وقال بعضهم إنه سحر، وقال بعضهم إنه كهانة إلى غير ذلك.

.تفسير الآيات (92- 93):

{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)}
العوام يسألهم عن تصحيح أعمالهم، والخواص يسألهم عن تصحيح أحوالهم.
ويقال يسأل قوماً عن حركات ظواهرهم، ويسأل آخرين عن خطرات سرائرهم. ويسأل الصديقين عن تصحيح المعاني بفعالهم، ويسأل المدَّعين عن تصحيح الدعاوى تعنيفاً لهم.
ويقال سماع هذه الآية يوجب لقوم أْنساً وسروراً حيث علموا أنه يكلِّمهم ونُسْمِعُهُم خطابَه لاشتياقِهم إليه، ولا عَجَبَ في ذلك فالمخلوق يقول في مخلوق:
في الخَفِراتِ البيضِ وَدَّ جليسُها ** إذا مانتهت أُحْدُوثَةٌ لَوْ تُعِيدُهَا

فلا أسعدَ مِنْ بَشَرٍ يعرف أَنَّ مولاه غداً سيكلمه.