فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (43- 48):

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)}
قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}.
أراد به الضحك والبكاء المتعارَف عليهما بين الناس؛ فهو الذي يُجْريه ويَخْلُقُه.
ويقال: أضحك الأرضَ بالنباتِ، وأبكى السماءَ بالمطرِ.
ويقال: أضحكَ أهلَ الجنة بالجنة، وأبكى أهل النار بالنار.
ويقال: أضحك المؤمنَ في الآخرة وأبكاه في الدنيا، وأضحك الكافرَ في الدنيا وأبكاه في الآخرة.
ويقال: أضحكهم في الظاهر، وأبكاهم بقلوبهم.
ويقال: أضحك المؤمنَ في الآخرة بغفرانه، وأبكى الكافرَ بهوانه.
ويقال: أضحك قلوبَ العارِفِين بالرضا، وأبكى عيونهم بخوف الفراق.
ويقال: أضحكهم برحمته، وأبكى الأعداءَ بسخطه.
قوله جلّ ذكره: {وََأنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}.
أماته في الدنيا، وأحياه في القبر؛ فالقبر إما للراحة وإِما للإحساس بالعقوبة.
ويقال: أماته في الدنيا، وأحياه في الحشر.
ويقال: أمات نفوسَ الزاهدين بالمجاهدة، وأحيا قلوبَ العارفين بالمشاهدة.
ويقال: أماتها بالهيبة، وأحياها بالأُنْس.
ويقال: بالاستتار، والتجلِّي.
ويقال: بالإعراض عنه، والإقبال عليه.
ويقال: بالطاعة، والمعصية.
قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}.
سماهما زوجين لازدواجهما عند خلْقهما من النُّطْفة.
قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}.
{أَغْنَى}: أعطى الغِنَى، {وََأقْنَى}: أكثر القنية أي المال: وقيل: {وَأَقْنَى}: أي أحوجه إلى المال- فعلى هذا يكون المعنى: أنه خَلَقَ الغِنَى والفقر.
ويقال: {وََأقْنَى} أي أرضاه بما أعطاه.
ويقال: {أَغْنَى} أي أقنع، {وَأَقْنَى}: أي أرضى.

.تفسير الآيات (49- 62):

{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}.
(الشِّعرى: كوكبٌ يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر، وكانت خزاعة تعبدها فأَعْلَمَ اللَّهُ أنه ربُّ معبودهم هذا).
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَاْ فَمَآ أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}.
عاد الأولى هم قوم هود، وعاد الأخرى هي إرَم ذات العماد، كما أهلك ثموداً فما أبقى منهم أحداً. وأهْلَكَ مِنْ قَبْلِهم قومَ نوحٍ الذين كانوا أظلمَ من غيرهم وأغوى لِطُولِ أعمارهم، وقوة أجسادهم.
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}.
أي المخسوف بها، وهي قرى قوم لوط، قَلَبَها جبريل عليهم، فهي مقلوبة معكوسة.
وقوله: {أَهْوَى} أي: أسقطها اللَّهُ إلى الأرض بعدما اقتلعها من اصلها، ثم عَكَسَها وألقاها في الأرض، فغشاها ما غشاها من العذاب.
قوله جلّ ذكره: {فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبَِّكَ تَتَمَارَى}.
فبأي آلاء ربك- أيها الإنسان- تتشكك؟ وقد ذكر هذا بعد ما عدَّ إنعامَه عليهم وإحسانَه إليهم.
قوله جلّ ذكره: {هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى}.
هو محمد صلى الله عليه وسلم، أرسلناه نذيراً كما أرسلنا الرُّسُلَ الآخرين.
{أَزِفَتِ الأَزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}.
أي قَرُبَت القيامة. ولا يقدر أحدٌ على إقامتها إلا الله، وإذا أقامها فلا يقدر أحدِّ على ردِّها وكَشْفِها إلا الله.
ويقال: إذا قامت قيامة هذه الطائفة- اليومَ- فليس لها كاشفٌ غيره. وقيامتُهم تقوم في اليوم غيرَ مَرَّةٍ. تقوم بالهَجْرِ والنَّوى والفراق.
قوله جلّ ذكره: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ}.
أفمن هذا القرآن تعجبون، وتكونون في شكِّ، وتستهزئون؟
{وَأَنتُمْ سَامِدُونَ}: أي لاهون...
{فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ}: فاسجدوا لله ولا تعبدوا سواه.

.سورة القمر:

.تفسير الآية رقم (1):

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)}
أجمع أهلُ التفسير على أنَّ القمرَ قد انشقَّ على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: رأيت حراء بين فلقتي القمر ولم يوجد لابن مسعود مخالف في ذلك؛ فقد روي أيضاً عن أنس وابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم.. كلهم رووا هذا الخبر.
وفيه إعجازٌ من وجهين: أحدهما رؤية مَنْ رأى ذلك، والثاني خفاء مثل ذلك على مَنْ لم يَرَه؛ لأنه لا ينكتم مثله في العادة فإذا خفي كان نقض العادة.
وأهل مكة رأوا ذلك، وقالوا: إنَّ محمداً قد سحر القمر.
ومعنى {اقْتَرَبَتِ السَّاعِةُ}: أي ما بقي من الزمانِ إلى القيامةِ إلا قليلٌ بالإضافةِ إلى ما مضى.

.تفسير الآيات (2- 5):

{وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)}
قوله جلّ ذكره: {وَإِن يَرَوْا ءِايَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌ}.
يعني أن أهل مكة إذا رأوا آية من الآيات أعرضوا عن النظر فيها، ولو نظروا لحصل لهم العلمُ واجباً.
{سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}: أي دائمٌ قويٌّ شديد.... ويقال إنهم قالوا: هذا ذاهب لا تبقى مدته فاستمر: أي ذهب.
{وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُمْ}: التكذيب واتباع الهوى قريبان؛ فإِذا حَصَل اتباعُ الهوى فمِنْ شُؤْمِه يحصل التكذيب؛ لأنَّ اللَّهَ يُلَبِّس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد.
أما اتباع الرضا فمقرونٌ بالتصديق؛ لأنَّ اللَّهَ ببركاتِ اتباع الحقِّ يفتح عينَ البصيرة فيحصل التصديقِ.
وكلُّ امرئ جَرَتْ له القِسْمةُ والتقدير فلا محالةَ. يستقر له حصولُ ما قُسِمَ وقدِّر له.
{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ}: يستقر عملُ المؤمنِ فتُوجَبُ له الجنة، ويستقر عملُ الكافرِ فَيُجَّازَى.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ الأَنبآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةُ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}.
جاءهم من أخبارِ الأنبياءِ والأممِ الذين مِنْ قَبْلهِم والأزمنةِ الماضية ما يجب أَنْ يحصلَ به الارتداعُ، ولكنَّ الحقَّ- سبحانه- أَسْبَلَ على بصائرهم سُجُوف الجهلِ فَعَموا عن مواضع الرشد.
{حِكْمَةُ بَالِغَةٌ...}: بدل من (ما) فيما سبق: (ما فيه مزدجر).
والحكمةالبالغة هي الصحيحة الظاهرة الواضحة لمن تفكّر فيها.
{فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}: وأي شيء يغني إنذارُ النذيرِ وقد سَبَقَ التقديرُ لهم بالشقاء؟

.تفسير الآيات (6- 13):

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)}
قوله جلّ ذكره: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَئ نُّكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ}.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}: هاهنا تمام الكلام- أي فأعرِضْ عنهم، وهذا قبل الأمر بالقتال. ثم استأنف الكلامَ: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ...} والجواب: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ}- أراد به يوم القيامة.
ومعنى {نُّكُرٍ}: أي شيءٌ ينكرونه (بِهَوْله وفظاعته) وهو يوم البعث والحشر.
وقوله: {خُشَّعاً} منصوب على الحال، أي يخرجون من الأجداث- وهي القبور- خاشعي الأبصار.
{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}.
كأنهم كالجراد لكثرتهم وتفَرقهم، {مُّهْطِعِينَ}: أي مُديمي النظر إلى الداعي- وهو إسْرافيل.
{يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}: لتوالي الشدائد التي فيه.
قوله جلّ ذكره: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَآءٍ مُّنهْمَرٍ}.
كذب قوم نوح نبيَّهم، وقالوا: إنه مجنون، وزجروه وشتموه.
وقيل: {وَازْدُجِرَ}: أي استطار عَقْلهُ، أي قومُ نوحٍ قالوا له ذلك.
فدعا ربَّه فقال: إِني مغلوب؛ أي بتسلُّطِ قومي عليَّ؛ فلم يكن مغلوباً بالحُجَّة لأنَّ الحُجَّةَ كانت عليهم، فقال نوح لله: اللهمَّ فانتَصِرْ منهم أي انْتَقِمْ.
ففتحنا أبواب السماء بماءٍ مُنْصَبٍّ، وشَقَقْنَا عيوناً بالماء، فالتقي ماء السماءِ وماءُ الأرضِ على أمرٍ قد قُدِّرَ في اللوح المحفوظ، وَقُدِرَ عليه بإهلاكهم!
وفي التفاسير: أن الماء الذي نَبَعَ من الأرضِ نَضَبَ. والماء الذي نزل من السماء هو البخارُ اليومَ.
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ}.
وحملنا نوحاً على {ذَاتِ أَلْوَاحٍ} أي سفينة، و{وَدُسُرٍ} يعني المسامير وهي جمع دسار أي مسمار.

.تفسير الآيات (14- 20):

{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)}
{تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ}.
{بَأعْيُنِنَا} أي بمرأَى مِنَّا. وقيل: تجري بأوليائنا.
ويقال: بإعين ملائكتنا الذين وكلناهم لحفظهِم.
ويقال: بأعين الماء الذي أنبعتاه من أوجه الأرض.
{جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ}: أي الذين كفروا بنوح.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَد تَّرَكْنَاهَآ ءَايَةً فَهَلْ مِن مُّذَّكَرِ}.
جعلنا أَمْرَ السفينةِ علامةً بَيِّنَةً لِمَنْ يعتبر بها.
{فَهَلْ مِن مُُّذَّكِرٍ}: فهل منكم من يعتبر؟. أمَرَهم بالاعتبار بها.
قوله جلّ ذكره: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ}.
قالها على جهةالتعظيم لأمرِه.
وقد ذَكَرَ قصة نوخٍ هنا عل أفصحِ بيانٍ وأقصرِ كلام وَأَتَمِّ معنًى.
وكان نوحٌ- عليه السلام- أطول الأنبياء عمراً، وَأشَدَّهم للبلاءِ مقاساةً.
ثم إن اللَّهَ- سبحانه- لما نَجَّى نوحاً متَّعه بعد هلاك قومه ومتع أولادَه، فكلُّ مَنْ على وجه الأرض من أولا د نوح عليه السلام.
وفي هذا قوةٌ لرجاء أهل الدين، وإذا لقوا في دين الله محنةً؛ فإنَّ الله يُهلِكُ- عن قريب- عَدوَّهم، ويُمكِّنُهم من ديارهم وبلادهم، ويورثهم ما كان إليهم.
وكذلك كانت قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، وسنةُ اللَّهِ في جميع أهل الضلال أن يُعِزَّ أولياءَه بعد أن يزهق أعداءَه.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
يَسَّرنا قراءَتَه على ألسنةِ الناس، ويسَّرنا عِلْمه على قلوبِ قوم، ويسَّرنا فَهْمَه على قلوب قوم، ويَسَّرْنا حِفْظَه على قلوبِ قومٍ، وكلُّهم أهلُ القرآن، وكلُّهم أهلُ القرآن، وكلُّهم أهل الله وخاصته.
ويقال: كاشَفَ الأرواحَ من قوم- بالقرآن- قبل إدخالها في الأجساد.
{فَهَلْ مِن مُّدَّكَرٍ} لهذا العهد الذي جرى لنا معه.
قوله جلّ ذكره: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِِنَّآ أَرْسْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً في يَوْمٍ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}.
كَذَّبوا هوداً، فأرسلنا عليهم {رِيحاً صَرْصَراً} أي: باردةً شديدة الهُبوب، يُسْمَعُ لها صوت.
{فِى يَوْمِ نَخْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} أي: في يوم شؤم استمرَّ فيه العذابُ بهم، ودام ذلك فيهم ثمانيةَ أيام وسَبْعَ ليالٍ، وقيل: دائم الشؤم تنزع رياحُه الناسَ عن حُفَرِهم التي حفروها. حتى صاروا كأنهم أسافلُ نخلٍ مُنْقَطِع. وقيل: كانت الريح تقتلع رؤوسهم عن مناكبهم ثم تُلْقي بهم كأنهم أصول نخلٍ قطت رؤوسُها.